فليكر
ميركل أثناء قمة للاتحاد الأوروبي عام 2017.

رجلان محافظان وامرأة مخلصة يتسابقون على عرش ميركل

منشور السبت 3 نوفمبر 2018

 

منتصف نهار الإثنين الماضي أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نيتها عدم الترشح لإنتخابات رئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي، واعتزالها الحياة السياسية بنهاية فترة ولايتها الرابعة عام 2021، فيما رجح وزير الخارجية السابق زيجمار جابرييل ألا تكمل المستشارة ولايتها بل تعلن اعتزال العمل السياسي في نهاية مايو/ أيار المُقبل عقب الانتخابات الأوروبية. 

خطوة ميركل ستفسح الطريق أمام انهيار الائتلاف الكبير وتشكيل حكومة ائتلافية جديدة تشارك فيها أحزاب المسيحي الديمقراطي والليبرالي الحر والخضر.

هذا السيناريو إن تحقق، سيعني أننا سنكون أمام مستشار جديد لألمانيا لأول مرة منذ 14 سنة، والذي سيكون بالضرورة أحد الفائزين من الانتخابات الداخلية للحزب المسيحي الديمقراطي في ديسمبر/ كانون الأول المُقبل.

لطالما شكلّت سياسات ميركل، بالأخص خلال ولايتها الثالثة، نقطة التقاء استثنائية بين المحافظية التقليدية لحزبها الممثل لتيار يمين الوسط، وبين توجهاتها الشخصية المنفتحة تجاه قضايا اللجوء والتنوع. لكن سيادة تيار يسار الوسط تلك لا تبدو في مأمن، مع بدء صراع الخلافة بين مرشحين محافظين اثنين، يحملان أجندة سياسية سوف يؤدي تطبيقها إلى النكوص عن ميراث ميركل، في مواجهة المرشحة الوحيدة التي تحظي بدعم هذه الأخيرة، والتي من شأن فوزها ضمان الحد الأدنى من الاستدامة بالأخص في قضايا اللجوء والإندماج.

في هذا المقال الذي كتبه ليزا كاسباري وزورن جوتس وتيلمان شتيفن، تستعرض صحيفة دي تسايت الألمانية تموضعات المرشحين الثلاث الأبرز لخلافة ميركل في الحزب، وربما خلافتها في المستشارية بعد سبعة أشهر. 


أعلن فريدريش ميرتس ترشحه لمنصب رئاسة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بعد إعلان كل من ينز  شبان، وزير الصحة الفيدرالي، وآنجريت كرامب-كارينباور، الأمينة العامة للحزب ورئيسة وزراء ولاية الزارلاند السابقة. فماذا بإمكاننا أن ننتظر من هؤلاء المتنافسين؟ تخلّت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي عن ترشحها لمنصب رئاسة الحزب. فأعلن إثر ذلك ثلاثة سياسيين بارزين نيتهم الترشح لخلافتها في الانتخابات التي سيُحسم أمرها خلال مؤتمر الحزب العام، شهر ديسمبر القادم.

فمن هؤلاء الثلاثة: فريدريش ميرتس؟ ينز شبان؟ وآنجريت كرامب-كارّينباور؟

 

فريدريش ميرتس. الصورة: ويكيميديا

من هو فريدريش ميرتس؟

في الحقيقة سبق وأن أنهى فريدريش ميرتس البالغ حاليًا 62 عامًا من العمر مسيرته الحزبية من قبل. كان عضوًا في البرلمان الفيدرالي من سنة 1994 إلى 2009، ونائبًا لرئيس الكتلة البرلمانية لحزب الاتحاد المسيحي في الفترة من 1998 حتى 2000، وبعدها رئيسًا للكتلة حتى عام 2002.

صعوده السلم الوظيفي كان تقليديًا؛ إلى أن اعترضت أنجيلا ميركل طريقه. إذ طالبت الأخيرة أيضًا بمنصب رئاسة الكتلة البرلمانية لنفسها كرئيسة للحزب. فلم يبق لميرتس سوى منصب نائب رئيس الكتلة والذي استقال منه سنة 2004. بعدها بثلاث سنوات أعلن انسحابه من المشهد السياسي بسبب اختلافات في الرأي داخل الحزب. وبدأ عوضًا عن ذلك مسيرة وظيفية كمحام في الأوساط الإقتصادية، وعضوًا بمجلس إدارة العديد من الشركات.

ماذا يمثل ميرتس داخل الحزب الديمقراطي المسيحي؟

ليبرالي إقتصاديًا ومحافظ قيميّا، تلك هي الصفات التي تنعت بها مواقف ميرتس. في الماضي اشتهر باقتراح يتعلق بإصلاحات جذرية للتشريع الضريبي بشكل يجعل كتابة التصريح الضريبي على ورقة بحجم منديل الجيب أمرًا ممكنًا.

ويُعتبر ميرتس أيضًا مؤسسًا لمصطلح "Leitkultur" والذي يعني ثقافة البلد الأساسية أو السائدة والتي على الجميع اتباعها. كذلك كان من معارضي السماح بازدواجية الجنسية تمامًا إبان مؤتمر الحزب عام 2016. إضافة إلي كونه من منتقدي العادات الإسلامية التلقليدية وسبق أن طالب المهاجرين بأن "يتقبّلوا عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا".

كيف هي علاقته مع ميركل؟

كان كل من ميركل وميرتس خصومين سياسيين. سيترشح ميرتس كقطب مضاد لميركل وليس كمقرّب منها. في حال تم انتخابه؛ سيكون ذلك بالنسبة إليه بمثابة رد اعتبار: انتصار متأخر على ميركل. فقد استطاع تحقيق انجاز مبهر من الآن، إذ  طُرح اسمه مباشرة بعد إعلان ميركل استقالتها من رئاسة الحزب، كخليفة محتمل لها قبل أن يطرح اسم كرامب-كارنباور. فهل هذا مؤشر على أن ميرتس كان يتصيد أول فرصة سانحة؟

كيف تبدو قاعدته داخل الحزب؟

يتمتع ميرتس بسمعة عالية في أوساط الحزب خاصة في جناح الحزب القريب من الاقتصاد. من المنتظر تحت قيادة ميرتس أن يواصل الحزب سياسته التعيينية مثل الفترة السابقة علي زعامة ميركل وهو أمر جذّاب لكل الذين يشعرون بالخيبة من المستشارة. في الجهة المقابلة سيكون من المستبعد أن يصوت له المقربون من ميركل. لذا سيكون انتخاب ميرتس قطعية نهائية مع عصر ميركل وإلغاء له.

هل أدلى بتصريح حول موضوع خلافة ميركل؟

على الرغم من تداول اسمه فور تسرّب نية ميركل عدم الترشح مجددًا؛ إلا أن ميرتس انتظر يومًا كاملًا قبل أن يدلي بتصريحه، شارحًا نيته التقدم للمنصب بالقول "نحتاج في حزب الاتحاد المسيحي إلى انطلاقة جديدة وتجديد للقيادة بعناصر محنكة وعناصر شابة".

معلومة إضافية يجب أن تعرفها عنه

صرّح ميرتس عند إعلان انسحابه من الحياة السياسية قائلا "لدي أهداف أخرى عدا المناصب السياسية".


من يكون ينز شبان؟

 

ينز شبان، المرشح الثاني لعرش ميركل. الصورة: فليكر، مفتوحة المصدر

 

يعتبر شبان البالغ من العمر 38 عاما والمنحدر من مدينة مونستر من الجيل الجديد في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي.

دخل شبان، الذي تلقى تكوينًا في مجال الصيرفة، البوندستاج الألماني وهو في سن الثانية والعشرين، وأصبح كاتب دولة (وزير بلا حقيبة) في ظل وزير المالية السابق فولفجانج شويبله.

يجاهر شبان ذو التوجه الجنسي المثلي بانتمائه للكنيسة الكاثوليكية رغم موقف الأخيرة الرافض للمثلية الجنسية. قال شبان لجريدة تسايت أنه تعلّم أثناء ممارسته لمهام مساعد القسيس في الكنيسة أيام طفولته أن يتعامل مع الوقوف أمام الأضواء. أحيانًا يكون هو من يجلب الأضواء عن قصد حينما صرّح مثلًا بأن لا أحد  سيعاني الجوع في ألمانيا حتى وإن غابت جمعيات توزيع الأطعمة الخيرية. أو عندما صرّح بأنه ليس كل من يعتمد على الإعانات الحكومية فقير بالضرورة. وهكذا علِق بعد تلك التصريحات الاستفزازية في أذهان الناخبين والناخبات أن عملية تجديد محافظة للحزب ستكون بإيعاز من شبان وليس من ميركل.

ماذا يرمز شبان داخل الحزب؟

يرمز شبان إلى تغيير في مسار حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي. فقد أعطى شبان لنفسه صورة "الممثل الأساسي للقطب المحافظ المضاد لميركل". فهو يقول "توجهاتي تراعي التقاليد والطقوس".

هو على عكس ميركل لا يعتبر الإسلام منتميًا إلى ألمانيا. وسبق أن وقع في بداية العام الحالي على وثيقة "المانيفستو المحافظ" الذي طالب بإنهاء التوجه الوسطي اليساري لميركل وطالب أيضًا بإعادة التجنيد الإجباري، رغم أن فرص إعادة التجنيد الإجباري في حالة قيادة شبان للحزب تبقى ضئيلة. لكن على الرغم من ذلك يطالب شبان بتبنى توجهات محافظة دون الشعور بالخجل من حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف.

كيف كانت علاقته مع ميركل؟

تتسم العلاقة بينهما بالبرود. دخوله لمجلس قيادة الحزب كان رغمًا عن ميركل، حيث أبعد كوزير للصحة حليف ميركل "هيرمان جروهه" من منصبه. يُقال أن ميركل وفي خضم مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي عام 2017 اشتكت في دوائر ضيقة من محاولات شبان الظهور على السطح. فكان إشراكها له في الحكومة من باب "التأديب الناقد". لكن دون جدوى، فقد أجرى شبان مقابلات صحفية كوزير للصحة حول مواضيع تخص التوجه المحافظ، بينما تطرّق بالكاد إلى مواضيع تخص سياسة الوزارة.

كيف تبدو قاعدته داخل الحزب؟

قاعدته قوية حتى خارج دوائر شيوخ حزب الاتحاد المسيحي. الآن أصبح بإمكان تلك الأطراف داخل الحزب التي سبق وأن فقدت الأمل في توجه محافظ للحزب أن تعيد شحن آمالها من جديد والتحرك بناء على ذلك لدعم ينز شبان.

هل أدلى بتصريح حول خلافة ميركل؟

حينا سُـئل ينز شبان في شهر مايو سنة 2017 عن مهارته كشخصية قيادية بعد ذهاب محتمل لميركل أجاب "هذا سؤال غبي". لكن بعد أن أعلنت الأمينة العامة للحزب آنّجريت كرامب-كارّينباور عن ترشحها بادر هو أيضا بإعلان ترشحه.

معلومة إضافية يجب أن تعرفها عنه

يعتبر شبان نفسه موهوبًا في الرقص داخل النوادي الليلية حيث أعطى نفسه درجة 9 من 10 في الرقص. وحين يقود دراجته الهوائية يرتدي خوذة للرأس.


من هي آنجريت كرامب-كارينباور؟

 

آنجريت كرامب-كارينباور حارسة القيم الليبرالية لميركل. الصورة: ويكيميديا

 

هي مرشحة ميركل المفضلة. صعدت خريجة كلية العلوم السياسية ذات الـ 56 عامًا السلم الوظيفي في ولاية الزارلاند حيث عملت كوزيرة لمدة 12 عاما. في البداية كوزيرة داخلية الولاية، ثم وزيرة تعليم وبعدها كوزيرة للعمل والعائلة.

يتذكرها سياسيو حزب الاتحاد المسيحي كشخص موهوب يصلح لكل المهام، فأسلوبها الهادئ والحازم أكسبها الإحترام على المستوى الفيدرالي، وسط حزب يرزح تحت سيطرة ذكورية.

في عام 2011 انتقلت إلى منصب رئيسة وزراء الولاية حيث ترأست حكومة ائتلاف ثلاثي مع حزب الخضر والحزب الليبرالي ثم شكّلت ائتلافًا مع الحزب الاشتراكي. في عام 2017 نجحت في إيقاف المد الذي تلى زعامة مارتن شولتس للحزب الاشتراكي، إذ قادت حزبها المسيحي الديمقراطي في الزارلاند لتحقيق نسبة 40.7% وهي نتيجة تعتبر استثنائية بمقاييس اليوم. غداة ذلك انتقلت في شهر فبراير من سنة 2018 إلى برلين كأمينة عامة للحزب، حتى يُمكن الدفع بها كوريثة محتملة لأنجيلا ميركل.

ماذا ترمز داخل الحزب الديمقراطي المسيحي؟

يُنتظر منها أن تحافظ على تركة ميركل الليبرالية داخل الحزب. فهي تعيش حياة أسرية عصرية، إذ قام زوجها بتربية الأطفال الثلاثة بينما كانت هي تمارس حياتها الوظيفية. هي محبوبة أيضًا في أوساط الحزب المسيحي لأنها غير محسوبة على تيار معين. فسياساتها الإجتماعية تتسم بالطابع اليساري بينما تميل سياستها المجتمعية إلى المحافظة. إذ طالبت آنجريت كرامب-كارينباور بفرض سنة للخدمة المجتمعية تكون إلزامية للشباب والشابات، إضافة إلى تصريحات مشككة في الزواج المثلي، بجانب معارضتها فكرة الجنسية المزدوجة للأتراك المقيمين في ألمانيا. لكنها مؤيدة لتوجهات ميركل في ما يخص سياسات اللجوء حتى الآن.

كيف هي علاقتها مع ميركل؟

تتسم علاقتهما بدرجة كبيرة من التفاهم والتوافق. فقد سبق لميركل أن صرّحت بأنها قد تأثرت بأن ابنة الزارلاند تخلّت عن منصب رئيسة وزراء الولاية من أجل أن تتسلم منصب الأمين العام للحزب في وقت عصيب، بالإضافة إلى أن المنصب الجديد أدنى من منصب رئاسة وزراء الولاية. فميركل جاءت بها إلى برلين لكي تكون داعمًا لها.

كيف تبدو قاعدتها داخل الحزب؟

استغلت كرامب-كارنباور الأشهر الأخيرة للقيام بالتعريف عن نفسها لدى الفروع المحلية للحزب في كامل أنحاء الجمهورية الاتحادية. لكنه ليس من الواضح بعد إن كانت الفروع المحلية القوية مثل فرع ولاية شمال الراين ويستفاليا أو بادن فورتمبرج ستقف خلفها في نهاية المطاف.

هل أدلت بتصريح حول موضوع خلافة ميركل؟

عبّرت كرامب-كارنباور عن نيتها الترشح لرئاسة الحزب في جلسة رئاسة الحزب.

معلومة إضافية يجب أن تعرفها عنها؟

كرامب-كارنباور مولعة  بتقليد الكارنفال السنوي ولا يردعها شيء عن ذلك. إذ تشارك سنويًا في كارنفال الزارلاند في شخصية "جريتيل عاملة النظافة" مرتدية زي الخادمة المنزلية وتتحدث باللهجة المحلية مبدية سخطها من السياسات الراهنة.


اقرأ أيضًا: الديمقراطي المسيحي.. صراع على خلافة "ميركل"