تصميم: المنصة

دراما رمضان 2019: قليل من التنوع الفني.. كثير من الرقابة الأمنية

منشور الثلاثاء 16 أبريل 2019

مع بدء العد التنازلي قبل شهر رمضان، وكعادة سنوية، يترقب ملايين المشاهدين ما ستعرضه الفضائيات من أعمال درامية. لكن يبدو أن المصريين سيشهدون هذا العام اختلافات في الدراما الرمضانية كمًا وكيفًا، خلقتها عوامل جديدة تتعلق تدخلات أمنية على حجم الإنتاج الدرامي ومحتواه، وفقًا لما كشفه للمنصّة عاملون في حقل الدراما.

وفي تقرير أصدرته، اليوم الاثنين، بعنوان "تحت الحصار.. محاولات جديدة للرقابة على الدراما"، كشفت مؤسسة حرية الفكر والتعبير عن "قيود رقابية جديدة على الدراما الرمضانية"، وكذلك "تدخلات من جهات أخرى غير هيئة الرقابة على المصنفات الفنية في محتواها".

آثار "الاحتكار"

يقول المنتج الفني صبري السمّاك "نشهد هذا العام سيطرة شركة واحدة، هي سينرجي، على سوق الدراما الرمضانية، بإنتاجها حوالي 15 مسلسلاً بمفردها؛ ما يؤثر على الدراما وسوقها، بخلق شكل احتكاري للصناعة، مع أن اﻷصل هو أن يكون لكل منتج فني مذاقه بفضل التنوع، أما الآن فالحبكات صارت شبه واحدة، بعد ما كنا نشهده من تنوع بحسب شركات الإنتاج وتفضيلاتها".

وأضاف السمّاك للمنصّة "بخلاف المحتوى، للاحتكار تأثير آخر على الشركات، من خسائر كثيرة لها وللعاملين بها، وناس كتير قاعدة في البيت بلا عمل، سواء الملحقين بالعملية السينمائية من موظفين في تلك الشركات أو حتى السينمائيين أنفسهم، ﻷنهم بدلاً من الاشتراك في عمل واحد فقط، صاروا يشتركون في عملين أو أكثر مع شركة واحدة وبالأجر نفسه، وهو ما له تأثير آخر يتمثل في حرمان زملائهم من فرص للعمل".

يتفق مع السمّاك مدير إنتاج آخر طلب من المنصّة عدم ذكر اسمه، في أن المحتوى الدرامي لرمضان هذا العام أقل كثيرًا، قائلاً "رمضان الماضي مثلاً شهد عرض حوالي 25 إلى 30 مسلسل، والسنة دي تقريبًا 15 فقط ومش مؤكد إن كلهم يتعملوا، بينهم 13 عمل لشركة سينرجي".

تأسست سنيرجي عام 2003 كشركة إعلانات حسب ما يذكر موقعها على الإنترنت، قبل أن تدخل مجال الإنتاج التلفزيوني بإنتاج بلغ 12 عملاً تليفزيونيًا في عام 2017 فقط "وحاليًا تعمل الشركة في برامج التلفزيون والإعلانات ومقاطع الفيديو الموسيقية"، وتعتبر الشركة نفسها الآن "واحدة من أهم مزودي المحتوى الترفيهي للقنوات التلفزيونية الرئيسية في المنطقة".

يُذكر أن سينرجي التي يُديرها تامر مرسي، واحدة من شركات عديدة في مجالات الإعلام تخضع لسيادة شركة إيجل كابيتال للاستثمارات المالية، وهي شركة مساهمة مصرية تأسست عام 2016، وتترأس مجلس إدارتها داليا خورشيد، وزيرة الاستثمار السابقة.

وكشف تحقيق صحفي مثلما ذكر تقرير حقوقي، أن إيجل كابيتال لملكية جهاز المخابرات العامة، ولم يستنَّ للمنصّة التحقق من دقّة هذه المعلومة.

يقول مدير الإنتاج الذي رفض كشف اسمه فيما يتعلق بالعرض الدرامي إن "قرارات القنوات تُشكّل فارقًا. فمن سنتين فقط، قررت القنوات عرض عدد محدد من المسلسلات بميزانية معينة؛ ما أثر على جهات الإنتاج في تحديد تكلفتها لإنتاج مسلسلات للممثلين الكبار ممن باتوا معتمدين على دراما رمضان في ظل عدم عودة السينما لما كانت عليه من قوة وانتشار قبل الثورة".

يغيب عن الدراما الرمضانية هذا العام فنانون من نجوم الصف اﻷول مثل عادل إمام ونيللي كريم ويسرا، وفقًا للسمّاك، الذي يرى في اﻷمر "اختفاءً لموجة دراما جديدة تابعناها قبل أعوام".

وفيما يتعلق بالإنتاج ماديًا، كشف المصدر الذي رفض ذكر اسمه، عن غياب فكرة السداد النقدي الفوري لاستحقاقات العاملين، بقوله "مابقاش فيه فكرة الفلوس الجاهزة للدفع، وحاليًا بيحصل إنه يتأجل قبض الفنانين والعُمال، ﻷن الشركات باﻷساس بتعتمد في التمويل على تسويق أعمالها للقنوات، وحاليًا في ظل تغييرات بتشهدها القنوات، بيحصل تأثير على التعاقدات؛ وبالتبعية على تنوع الخيارات الدرامية بما يمنع الوصول لمستوى أفضل من أجل المشاهد".

وسبق أن تعرّضت شركة فنون مصر ﻷزمة مادية، جعلها تتوقف عن تصوير أحد المسلسلات التي تقوم بإنتاجها وهو مسلسل قيد عائلي، لكنها أعلنت فيما بعد تجاوزها للأزمة.

"استوحاش أمني"

على مستوى الإنتاج الفني، يُشير السمّاك إلى ما صار مُحيطًا بالعملية الإنتاجية من "هيمنة وسيطرة غير طبيعية واستحواذ أمني على التصاريح"، بقوله "فيه استوحاش أمني، وكأن وزارة الثقافة ليس لها علاقة بالأعمال الفنية".

وعن أوجه "الهيمنة الأمنية"، أشار المنتج الفني إلى ما تتعرض له اﻷعمال الفنية في مراحلها المختلفة، بقوله "السيناريو بيروح الرقابة ومنها لإيد وزارة الداخلية، وممكن يتمنع إصدار تصريح بالموافقة عليه، فاللي بيتحكم هو اﻷمن".

سبق أن أشارت الممثلة غادة عبد الرازق لأزمة بينها وبين "إعلام المصريين"، تتعلق بمنعها وعدد من زملائها من العمل، وذكرت على حسابها الرسمي في انستجرام أن الشركة كانت تتحدث باسم "الجيش أو المخابرات". 

 

تدوينة غادة عبد الرازق على انستجرام

في تقريرها، أشارت حرية الفكر والتعبير إلى أن جهة جديدة هي لجنة الدراما التابعة للمجلس اﻷعلى للإعلام، وضعت ما سمّته "أولويات العرض الدرامي"، ومن بينها "الحصول على موافقة الرقابة على المصنفات الفنية في كل مراحل الإنتاج من كتابة السيناريو وحتى المُنتَج النهائي"، مُشيرًا إلى أن هذا الأمر تقرر "بعد اجتماع اللجنة، في يناير (كانون الثاني) 2018، مع رؤساء القنوات".

وسبق أن تدخل المجلس الأعلى للإعلام في المحتوى الرمضاني، عبر حذف عدد من المشاهد من عدّة مسلسلات، بناء على شكاوى قدّمت إليه.

يُذكر أن عددًا كبيرًا من الفضائيات مثل مجموعة قنوات أون تي في وسي بي سي ودي إم سي والحياة، آلت ملكيتها لشركة إيجل كابيتال، عبر شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي أعلنت توحيد الإدارات الفنية لهذه القنوات جميعها.

في حال عدم الخضوع لمعايير الأعلى للإعلام؛ فإن القناة ستكون مهددة بعقوبات، قد يكون منها "وقف عرض المسلسل الرمضاني"، بحسب محمود عثمان، المحامي بحرّية الفكر والتعبير ومُعد تقرير "تحت الحصار".

وقال عثمان للمنصّة، فيما يتعلق بعقوبات المجلس اﻷعلى للإعلام، إن المجلس "أصدر لائحة جزاءات لم تستثن الدراما من الوقوع تحت طائلتها"، وهو ما يعتبر بمثابة "باب خلفي للأعلى للإعلام يسمح له بالتدخل في المحتوى الدارمي".

وشدد عُثمان على أن "المصنفات الفنية هي الهيئة الوحيدة المخول لها الرقابة على الأعمال الفنية، وأي تدخلات من جهة أخرى يُعد صادرًا عن جهة غير ذات اختصاص، وهو ما أصلّ له القضاء بحكمه الصادر في قضية فيلم "الرئيس والمشير" عام 2009.

أعمال "موجهة"

لفت السمّاك إلى ظاهرة أخرى تشهدها الدراما، قائلاً "اﻷهم، إن فيه أعمال فنية بتتعمل بتوجيهات وتكليفات لتحسين صورة فئات بعينها"، واستدرك "نحن نعلم أن الفن الموجه موجود في كل مكان في العالم بما فيه هوليوود نفسها، وهذا أمر جائز ومفهوم، لكن لا يصح أن يصبح كل المنتجات على هذا النمط، لابد من وجود صور أخرى بخلاف التمجيد والتبجيل والتهليل".

في 2015، أبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي استيائه من "تركيز الأعمال التليفزيونية فى رمضان على تجارة المخدرات والزنا والسحر"، وقال إنه كان ينتظر أن ترصد الأعمال الدرامية "بطولات المصريين من الجنود الذين يدافعون عن الوطن".

وعن موسم رمضان 2019 قال السمّاك "اليوم لن يكون أفضل من البارحة"، مختتمًا بتوقعه انتهاء عصر الدراما التليفزيونية بقوله "في النهاية، الدراما التليفزيونية إلى زوال، خاصة وأن التوجهات العام للمشاهدين عمومًا صارت في اتجاه وسائل أخرى أكثر حداثة مقارنة بالتليفزيون، مثل نتفليكس ويوتيوب".

ومؤخرًا، برزت وسائل جديدة غير تقليدية، تُقدّم الدراما بعيدًا عن شركات الإنتاج الكُبرى المعروفة منذ عقود في مجال الفن، مثل نتفليكس التي تقدم الدراما باشتراكات مدفوعة اﻷجر، وبدأت العمل في السوق العربية، في فبراير/ شباط 2018 بإنتاجها المُسلسل اﻷردني "جن"، والآن تعرض مسلسلًا آخر من البلد نفسه، هو "مدرسة الروابي للبنات".