تغطيات الصحف المصرية لخبر وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي

اسم بلا صفة: كيف سقط الإعلام المصري مهنيًا في تغطية وفاة مرسي

منشور الثلاثاء 18 يونيو 2019

بعد أقل من ساعة واحدة على وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، بدأت وسائل الإعلام المصرية المصرية المسموعة والمقروءة، الحكومية والخاصة، تتناقل الخبر بصيغة موحدّة غابت عنها كثير من المعايير المهنية الأساسية المتعارف عليها في العمل الصحفي، بل إن غياب المهنية هذا امتد إلى ما تلى التغطية الخبرية المباشرة، من توابع وردود فعل. 

جميع وسائل الإعلام المصرية الحكومية والخاصة عبر مواقعها على الإنترنت، باستثناء مصراوي، أهملت ذكر صفة مرسي في خبر وفاته، كرئيس سابق أو معزول، وهو خطأ مهني إذ تلزم الأعراف الصحفية المستقرة ذكر صفة أي شخص يأتي ذكره في أي قصة صحفية منشورة.

أما في النسخ المطبوعة من الصحف المصرية فقد توارى خبر وفاة مرسي إلى الصفحات الداخلية، باستثناء صحيفة المصري اليوم التي وضعته في صدر صفحتها الأولى، بينما نشرته اليوم السابع خبرًا مقتضبًا في صفحتها الثانية، والشروق في الصفحة الثالثة. أما الأهرام فقد رأت أن خبر وفاة رئيس مصر السابق، مكانه صفحة الحوادث. 

نشرة موحدة واسم بلا صفة

فيما يشبه النشرة المعممة، كان خبر وفاة مرسي منشورًا على مواقع الهيئة الوطنية للإعلام وصحف الأهرام والأخبار والوطن واليوم السابع وصدى البلد متطابقًا بصيغة واحدة "توفي اليوم محمد مرسي العياط أثناء حضوره لجلسة محاكمته في قضية التخابر، حيث طلب المتوفي الكلمة من القاضي وقد سمح له بالكلمة وفي عقب رفع الجلسة أُصيب بنوبة إغماء توفي على إثرها وقد تم نقل الجثمان إلى المستشفى وجاري اتخاذ الإجراءات اللازمة". 

اليوم السابع في نسختها المطبوعة نشرت الخبر ذاته على صفحتها الثانية دون أي تعديل، إلى جوار تصريحات خاصة حصلت عليها الصحيفة من الفنانة إنعام سالوسة تنفي فيها ما تردد من شائعات حول تعليمها أصول التمثيل والإلقاء للفنانة سعاد حسني.

خبر مرسي في الصفحة الثانية من صحيفة اليوم السابع

هذه الصيغة الموحدة نقلت نصًا عن الرسالة المقتضبة التي تلقاها الصحفيون عبر جروب واتساب في الخامسة والنصف من مساء أمس الاثنين. وبعد عشر دقائق أي في الساعة 5:40 بث التلفزيون المصري النبأ عبر شاشته قبل أن تتناقله بقية الصحف المصرية، حكومية وخاصة، بالصيغة ذاتها. 

وسائل إعلام عدّة تتيح لقرائها الاطلاع على الوثائق المكتوبة التي توضح كتاب أسلوبها وقيمها التحريرية، وجميعها مدون فيها هذه القاعدة المتعلقة بذكر صفة أو لقب أي شخص يرد ذكره على صفحات الجريدة، مثل صحيفتي الحياة والشرق الأوسط اللندنيتين. وقد أبرزت هذه الأخيرة الخبر على صفحتها الأولى بما يتناسب مع وزنه النسبي، إذ اعتبرت الصحيفة المقربة من السعودية أن خبر وفاة أحد رؤساء مصر السابقين والذي يحيط الجدل بفترة حكمه وملابسات الإطاحة به، أكثر أهمية من اجتماع الرئيس -الحالي- عبد الفتاح السيسي مع نظيره البيلاروسي من أجل بحث سبل التعاون المشترك بين البلدين، وهو ما اختارت الصحف المصرية إبرازه على صدر صفحاتها الأولى. 

من كتاب أسلوب صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، توضح كيفية كتابة الاسم واللقب. 

الصحف والمواقع الصحفية نفسها تلتزم بهذه القاعدة في جميع ما تنشره من أخبار وتحليلات إخبارية ومقالات رأي وغيرها من أشكال القصص الصحفية، طالما لم تتعلق بالرئيس الأسبق الذي قضى في قصر الرئاسة سنة واحدة من يونيو/ حزيران 2012 إلى يوليو/ تموز 2013 عندما أعلن وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي الإطاحة به، في كلمة متلفزة. 

وبالإضافة إلى عدم ذكر صفة مرسي، فإن الخبر لم يوضح المصدر الذي نقل عنه خبر الوفاة، فضلًا عن استخدام الاسم الثلاثي (محمد مرسي العياط) في ابتعاد عن العرف الصحفي الذي يقتضي الإشارة إلى الشخصيات العامة بأسماء شهرتها، فهو عبد الفتاح السيسي لا عبد الفتاح سعيد حسين، وحسني مبارك لا محمد حسني السيد، وباراك أوباما وليس باراك حسين.

محررو موقع قناة إكسترا نيوز الإخباري أدخلوا تعديلات طفيفة على الصيغة الموحدة للخبر لم تعالج أوجه قصوره المهني، فجاءت صيغة الخبر "توفي اليوم الإثنين، محمد مرسي العياط أثناء حضوره جلسة محاكمته فى قضية التخابر. وذكرت فضائية إكسترا نيوز في نبأ عاجل، أن مرسي توفي عقب رفع جلسة محاكمته إثر إصابته بنوبة إغماء. وأشارت إلى أن مرسي طلب الكلمة من القاضي، وقد سمح له بالكلمة، وتوفي عقب رفع الجلسة. وتم نقل الجثمان إلى المستشفى، وجاري اتخاذ الإجراءات القانونية".

صحيفة الشروق أيضًا لم تذكر صفة مرسي، ولكنها ذكرت اسم شهرته (محمد مرسي) في خبر وفاته، ولكنها أشارت إليه لاحقًا في نهاية الخبر المقتضب بـ "العياط" إذ اختتمت الخبر بجملة "وذكر التليفزيون المصري، أن العياط قد أصيب بنوبة إغماء عقب رفع الجلسة، توفي على إثرها وتم نقل الجثمان للمستشفى لاتخاذ الإجراءات اللازمة". 

أما في نسختها المطبوعة فقد خلت صفحتها الأولى من أي إشارة إلى وفاة مرسي، واكتفت بخبر في صفحتها الثالثة، مرفق بصورة لمرسي مرتديًا بدلة الإعدام، بالصيغة ذاتها التي عُمّمت على الجميع؛ "توفي محمد مرسي العياط"، مع تفاصيل إضافية من بيان النيابة العامة الذي يوضح ملابسات الوفاة. 

 

تغطية وفاة مرسي في صحيفة الشروق

المصري اليوم وحدها غرّدت خارج السرب في نسختها الورقية بمانشيت رئيسي "وفاة محمد مرسي أثناء محاكمته في التخابر" مع خبر التزم قواعد المهنية المتعارف عليها، إذ أشارت الصحيفة إلى صفته كرئيس أسبق، وذكرت اسم شهرته "محمد مرسي"، واستندت في التفاصيل إلى بيان النيابة العامة الذي يوضح ملابسات الوفاة والإجراءات القانونية التالية. 

أما الخبر الذي نشرته الصحيفة ذاتها على بوابتها الإلكترونية فقد أسقط "العياط" من اسم مرسي لكنه أسقط كذلك صفته كرئيس أسبق، فجاء الخبر في"توفي محمد مرسي، الاثنين، عقب رفع جلسة محاكمته إثر إصابته بإغماءة، أثناء حضوره لجلسة محاكمته في قضية التخابر، حيث طلب المتوفى الكلمة من القاضي وسمح له بالكلمة. وعقب رفع الجلسة أُصيب بنوبة إغماء توفي على إثرها، وتم نقل الجثمان إلى المستشفى، وجارٍ اتخاذ الإجراءات اللازمة".

 

خبر وفاة مرسي مانشيت صحيفة المصري اليوم

مصدر مسؤول يحمل جهاز سامسونج

البيانات المعممة التي تتحول أخبارًا صحفيةً دون أي تدخل تحريري يضبطها مهنيًا لم تتوقف عند خبر وفاة مرسي، بل تجاوزته إلى ما هو أبعد من ذلك. 

بعد قليل من إعلان نبأ وفاة مرسي عادت إلى الواجهة مجددًا الانتقادات الموجهة للسلطات المصرية فيما يتعلق بحرمان مرسي، وغيره من السجناء والمحبوسين، من حقوقهم كمسجونين أو محبوسين، في الحصول على محاكمات عادلة ورعاية طبية لازمة، وذلك على لسان المدير التنفيذي لمنظمة هيومان رايتس ووتش في الشرق الأوسط سارة ليا ويتسون والتي كتبت مجموعة من التغرديات على تويتر قالت فيها إن وفاة مرسي "أمر فظيع لكنه كان متوقعًا تمامًا"، وأعادت نشر تقرير أصدرته المنظمة في وقت سابق يدعو القاهرة إلى تمكينه من الحصول على رعاية صحية مناسبة. 

الهيئة العامة للاستعلامات نفت في بيان كل هذه التهم، واتهمت المنظمة الحقوقية الدولية بـ"تدوير الأكاذيب"، ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد. 

فبعد انتصاف ليل الاثنين - الثلاثاء، بدأت المواقع الإخبارية بالإضافة إلى الفضائيات الخاصة، تنشر خبرًا بصيغة موحدة دون أي تدخل تحريري، على لسان من وصف بأنه "مصدر طبي مسؤول"، يبدو أنه يمتلك جهاز سامسونج، يتحدث فيها عن الحالة الصحية لمرسي (دون ذكر صفته) قبل وفاته، ويؤكد أنه حصل على رعاية طبية مستمرة قبل وفاته، وينفي وقوع أي تقصير في متابعة حالته الصحية.  

هذا الخبر، الذي بثه التلفزيون الحكومي إلى جانب فضائيات خاصة، نشر بالنص ذاته على مواقع كثيرة منها الأهرام والأخبار والفجر وصدى البلد والوطن واليوم السابع والمصري اليوم، دون أي تدخل تحريري على الإطلاق، يوضح فيه هذا المصدر المجهول تطورات الحالة الصحية لمرسي خلال سنوات حبسه الست، وكيفية تعامل الجهات الرسمية معها، مختتمًا حديثه بأن جميع الوثائق التي تثبت ذلك ستقدم للجهات المعنية. 

ولم يوضح ذلك المصدر المجهول، ما هي الجهة التي تملك هذه الوثائق، ولا مدى ارتباطه بها، كما لم يذكر "الجهات المعنية" التي ستحصل على هذه الوثائق.  

الأصل في الصحافة أن تُسند الأخبار إلى مصادر معرّفة، وقد تلجأ وسائل الإعلام إلى نشر الأخبار نقلًا عن مصادر مجهّلة في حالات استثنائية، تهدف عادةً إلى حماية المصادر من أي مخاطر قد يتعرضون لها جراء تسريب الأنباء لوسائل الإعلام، وفي هذا الخبر ليس متصورًا بأي حال أن يتعرض هذا المصدر الطبي المسؤول المجهّل، لأي مخاطر في حال ذكر اسمه أو صفته. 

كما أن نفي هذا "المصدر المسؤول" وقوع أي تقصير في متابعة الحالة الصحية لمرسي، يستدعي من الصحفي أن يطرح الأسئلة، ويسرد الجانب الآخر من القصة، فالرد على اتهامات التقصير يستدعي وجود اتهامات بالتقصير من الأساس، وواجب الصحفي يمتد إلى ذكر هذه الاتهامات ومصدرها ومحاولة تقدير مدى مصداقيتها، ليرسم الصورة الكاملة أمام القارئ. 

ولكن بالنسبة لوسائل الإعلام المصرية، فإن ما حدث يوم الاثنين 17 يونيو 2019 في مصر هو أن "شخصًا ما" يدعى محمد مرسي العياط، توفي أثناء خضوعه للمحاكمة، دون أن تقصّر الدولة في تقديم العلاج اللازم له، بحسب مصدر طبي مسؤول لا نعرفه.