لينا عطالله

رجال مصر يفخرون بنسائها| لينا والـ70 عاملًا

منشور الأربعاء 9 مارس 2016

 

يبدو أن وقت الهزائم العامة يزيد من صعوبة الحديث عن أصحاب الأثر الطيب. تشنجات المرحلة تجعل الذم أسهل وتسيل الكلمات في نهر التراشق. غير أن الكثيرين من المحيطين بنا جديرون بتخطي هذه الحالة.

ديسمبر/كانون الأول عام 2006 شهد الصعود الأول للحركة العمالية بعد سنوات ركود طويلة. بدأت الموجة الاجتماعية العارمة، التي ساهمت في التقديم للأحداث الدراماتيكية التي نعيشها حتى اللحظة، عن طريق عمال المحلة.

كانوا 27 ألف عامل وقتها، بدأوا إضرابًا عن العمل واعتصامًا في مقر شركة مصر للغزل والنسيج. وفي ليلة بعينها تفكك الاعتصام تحت وطأة قلة الخبرة والإرهاق، إلا أن 70 عاملًا فقط تمسكوا بالبقاء في الشركة طوال الليل، رافضين ترك الساحة خالية، ضاربين بزمجرات وصيحات أصحاب الملابس السوداء الذين حاصروا الشركة عرض الحائط، تمسكوا بالاعتصام لعدة ساعات حتى أتى الصباح ومعه آلاف العمال الذين عاودوا الاعتصام.. ثم النصر.

أشعر أننا منذ منتصف 2013 نعيش في تلك الساعات السوداء التي انفض فيها العمال عن التجمع لأسباب كثيرة، بينها اليأس، وأشعر أن الوقت يمر الآن فقط بسبب مرابطة هؤلاء الذين بقوا في أماكنهم ينتظرون الصباح، واصلين الأمس بالغد.

الكتابة في وقت اليأس صعبة، وبالذات عندما يكون الموضوع عن واحدة من هؤلاء الواقفين على الحافة، ويصبح الأمر أكثر صعوبة عندما تكون هي نفسها مديرتي في العمل: لينا عطا الله.

في اليوم العالمي للمرأة.. رجال مصر يفخرون بنسائها

هنا لن نتحدث عن السياسة ولا الثورة، إنما عن مهنة لا يضاهي معدل انهيارها سوى الجنيه المصري. 

ليس من الشائع أن يعتز عامل في الصحافة بمديره. ربما يكون الأمر مشابه في مهن أخرى، لكننا الآن نتحدث عن الصحافة. نتحدث عن مجتمع تربينا فيه في أوائل الالفينات وأصبنا بجميع أمراضه، بالمدير اللص الذي لا يرى مشكلة كبيرة في أن يسرق تقريرًا كتبه محرر تحت التدريب ليرسله لجريدة خليجية يراسلها بالقطعة، بمقابل مادي يفوق راتب المحرر لشهر كامل، بالمدير المريض بالعزلة الاجتماعية الذي يصطفي شلة من أطفاله ليصعدوا السلم الوظيفي بسرعة الصاروخ، ويرثوا الأمراض ذاتها، ويصبح المدير المريض شلة مريضة. في الصحافة عادة ما يكون المدير هو أقل الحاضرين موهبة وأقلهم مهنية أيضًا، موهبته الوحيدة هي تملق أصحاب المال.

نحن نعاني أصلًا من انهيار كامل للمهنة. أصبحت الصحافة محصورة في "ضبط ارهابي اعتاد على تفجير نفسه"، أو "5 صور عارية لكيم كارديشيان"، أو "فلان الفلاني يشعل مواقع التواصل الاجتماعي". 

في هذه الصورة المحبطة لا نجد سوى محاولات صغيرة من مواقع لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في بلد الـ90 مليون. محاولات تتحدى الجميع. نظام لا يوصف سوى أنه مخبول، نقابة لا تحيا أيضًا إلا بمبادرات أفراد قليلة، لا تستطيع علاج أحد أعضائها وهو نزيل السجون وعلى حافة الموت. رجال أعمال سيطروا على السوق الصحفي وطوعوه فقط لمصالحهم، ليس حتى لمصلحة النظام السياسي، جماعة صحفية مريضة لحد العجز، يتفرد بها ملوك الفضائيات.

هنا أتحدث عن رئيسة تحرير "مدى مصر"، عن لينا التي تحمل هم مهنة على ظهرها، ومعها زملائها، ليس غريبًا أن يكون جلّهم شابات، أنتجوا واحدة من المنصات الصحفية القليلة التي لا تزال تقدم قيمة صحفية في هذا البلد المهزوم. 

الحديث عن لينا لا يمكن أن يكون محصورًا في صفات شخصية، فهي لم تكرس حياتها لتربية طفل ولا لصراع مع مجتمع يضطهدها وحدها، ولا يمكن أيضًا أن يكون عنها وحدها، فهي ليست ممن يحتكرون إنجازات باسمها هي وكأن الباقين مجرد تفاصيل وعوامل مساعدة.

هنا نرى إنجاز لينا وزميلاتها وزملائهن، الذين لم يرضخوا لمحددات السوق، لم يرضخوا لفكرة أن القاريء يحب الصحافة الشعبوية؛ فلا مانع من تقديم لغة ركيكة ومعلومات هزيلة في مقابل سرعة نشر الخبر، ولا مانع من ضرب عنوان مدلس في مقابل جذب عين القارىء، لا مانع من تلقي بعض التمويل من رجل أعمال حتى نستطيع الاستمرار.

لولا إصرار لينا ومثيلاتها لكنت "نَفَر ديسك" في موقع ما أمارس عقدي النفسية على المراسلين، أو عضو شلة أعرف في قرارة نفسي أن كل من أديرهم أكثر موهبة مني وأني فقط تفوقت في التملق أو الحظ، لولاهن لكنا احتفظنا أيضا بمبادئنا المهنية فقط لشهور معدودة، ثم أنهينا التجربة، أو تركناها لنفوذ أصحاب المال، أو هربنا مع أول "قًفا". 

لولاهن.. في "مدى مصر" وفي المنصات الزميلة المتمسكة باحترام الناس، لكنّا مجرد خاطرة عابرة.