إدجار بنيانس- فليكر، مفتوحة المصدر
نصب سالاسبلس التذكاري في لاتفيا.

كورونا: تجارب وأفكار حول التضامن والمسؤولية الاجتماعية

منشور الأربعاء 18 مارس 2020

خلال الاسابيع القليلة الماضية أظهرت الأزمة الصحية المرتبطة بانتشار فيروس كورونا الكثير من التصرفات والمشاعر المتناقضة: مِن الفردية والأنانية إلى التضامن والتضحية، هناك مَن لا يلقون بالًا ويتعاملون باستخفاف مع هذا الحدث الكبير، وهناك مَن يحاول حماية نفسه وذويه فقط، وهناك أيضًا مَن يبتكر أشكالًا من التضامن ويبحث عن طرق وأساليب لمساعدة الآخرين ولو بقدر يسير.

في مثل هذه الأزمات؛ نسأل أنفسنا كيف يمكن أن نكون مفيدين للغير؟ هناك إجابات عديدة قدمها مواطنون ومشاهير ومواقع إلكترونية وصحف وحكومات وبلديات حول العالم، ويهدف هذا المقال أن يكون جزءًا من هذه المبادرات، وأن يلقي الضوء علي الجانب المشرق للتضامن الإنساني وتقديم أفكار حول رعاية الأطفال والمسنين والطواقم الطبية والمساعدة المنزلية ودعم الفئات الأكثر هشاشة.

هذه الأفكار قد تكون مفيدة ويمكن لنا تطويرها وتكييفها محليًا، سواء في مصر أو في الدول العربية، قبل أن يتفاقم وضع الوباء.

في البداية.. لماذا يجب أن نخاف من هذا الفيروس؟ جزء أساسي من الخوف المصاحب لانتشار فيروس كورونا أن تتشبع أقسام العناية المركزة بالمستشفيات وأن تكون كافة أجهزة التنفس الاصطناعي مشغولة، في الوقت الذي يصل فيه المرض إلى أقصى درجات انتشاره، وبالتالي تزداد حالات الإصابة وخطورتها. وفي هذه اللحظة يكون الخيار الوحيد المتاح أمام الطواقم الطبية هو الاختيار أو التفضيل بين مريض وآخر، أو عدم الاستجابة للحالات الجديدة وتركها على قوائم الانتظار التي لن تطول لأن الحالات الهشة والمتقدمة ستموت سريعًا، والوضع في كل من إيران وإيطاليا يؤكد ذلك.

لهذا السبب تحديدًا تقرر الحكومات إغلاق حدودها وتطلب من مواطنيها تقليل الحركة ومنع التجمعات سواء بشكل طوعي أو بفرض حظر للتجوال، كما في الحالة التونسية، أو تنشر قوات الجيش في الشوارع لإجبار المواطنين على البقاء في منازلهم كما في الحالة الأردنية. الهدف من كل هذه الإجراءات هو منع حدوث تشبع في المستشفيات، وتأخير الإنهاك الكلي للطواقم الطبية.

إذن ما الذي يمكن أن نقوم به كأفراد؟

1. مجموعات مساعدة الجيران

الجيرة هي أول دائرة لطلب التضامن والمساعدة المتبادلة. في فرنسا تشكلت مجموعات على الفيسبوك تعرض مساعدة الجيران المسنين والمرضى والمحتاجين من خلال التسوق لهم مجانًا وبدون اتصال بدني. هذه المجموعات يمكن أن تستند على الروابط القائمة فعلًا في المناطق المصرية، أو في الدول العربية، سواء مجموعات واتسآب الخاصة بالبناية أو مجموعات مدارس الأطفال أو مجموعات صالة الچيم أو مركز الشباب. فمع إغلاق أماكن التجمعات مثل المدارس وصالات الألعاب الرياضية والمقاهي يمكن أن يلعب الأفراد الأصحاء دورًا في رعاية ومساعدة الأضعف مع الأخذ في الاعتبار كل الضوابط الطبية والوقائية المتفق عليها: المسافة الآمنة (متر واحد)، وتجنب التلامس والتصافح، وغسيل الأيدي المتكرر بالماء والصابون.

2. دعم الطواقم الطبية

أفراد الطواقم الطبية والباحثين هم خط الدفاع الأمامي في مواجهة فيروس كورونا وهم مَن تتطلع إليهم كل أنظار البشرية لإنقاذها سواء عبر مساعدة المرضى أو العمل في المعامل لعزل الفيروس وتطوير علاج له، ولكي يقوم هؤلاء بواجبهم على أكمل وجه يمكن لغير الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات أن يساعدوا عبر رعاية أسر الطواقم الطبية في الوقت الذي ينشغل فيه هؤلاء برعاية أسرنا جميعًا.

في فرنسا؛ صممت مجموعة من خبراء التطبيقات الإلكترونية تطبيق"على الخط الأمامي"، يسمح هذا التطبيق بتسجيل بيانات مَن يحتاج من الطواقم الطبية لمساعدة في رعاية ذويه، ومَن هو متفرغ من الشباب والشابات لتقديم بعض الوقت والجهد في رعاية أسر الطواقم الطبية. يتم توفيق المتطوعين بحسب القرب من مقر سكن الطواقم الطبية وذلك من خلال البيات المسجلة وهذا بدوره يدعم الروابط بين الجيران بالإضافة إلى إحساس الطواقم الطبية بروح التكاتف والتضامن الشعبي معهم.

3. حملة #خليك_في_البيت

أطلق هاشتاج #خليك_في_البيت خلال الأيام الماضية بلغات عديدة ولهجات عربية عديدة أيضا: #خليك_بالبيت، و#خليك_بالدار، ويمكن أن ينتقل هذا الشعار إلى المنازل من خلال رسائل على التليفونات ترسلها شركات الاتصالات أو من متبرعين. كما يمكن أن يصبح هذا بداية للأحاديث التليفونية بين الأفراد والعائلات. وبدلًا من تناقل الإشاعات ونظريات المؤامرة يمكن شرح أهمية تقليل الحركة والخروج للشارع، وتقديم المساعدة لمن لا يستطيع. يمكن استخدام هذه المكالمات والرسائل في نشر أهمية احترام التوصيات الطبية ومواجهة الشائعات ونظريات المؤامرة والاستسهال في التعاطي مع خطورة المرض. هذه مهمة مشتركة وواجبة علينا حاليًا.

هذا عن الأفراد لكن ما الذي يمكن أن تقوم به المصانع والمجمعات الاستهلاكية وجمعيات المجتمع المدني؟

4. انتاج أدوات التنظيف والتعقيم

من الملاحظات الأساسية في الأزمة الحالية: تكالب المواطنين على شراء المطهرات الكحولية والصابون وسوائل غسيل الأيدي. ومن الواجب أن يتجنب الصنّاع رفع أسعار هذه السلع، وأن يتم فرض شروط معينة لبيعها بحيث لا تتعدى كمية الشراء للفرد الواحد عن حدود الاستخدام العائلي الأسبوعي مثلًا، بالتوازي مع زيادة الكميات المنتجَة. والأهم أن يتم تأمين كميات مناسبة وكافية من الكحول والصابون للمستشفيات وأن تقدم مجانًا أو بأسعار تفضيلية مع منحها أولوية التوريد. وبالفعل أعلنت مجموعات صناعية كبيرة في فرنسا تقديمها كميات كبيرة من مواد النظافة والتعقيم للمستشفيات الحكومية مجانًا. المهم أيضًا ألا يتم ذلك لمرة واحدة ولكن يتم الإعلان بشكل دوري عن مخزون المستشفيات من المنظفات وأدوات التعقيم، وأن يتم توفير مخزون استراتيجي مناسب للفرق الطبية ورواد المستشفيات.

5. انتاج كمامات بمواصفات طبية

مع زيادة الطلب على الكمامات؛ هناك خوف من حدوث عجز لدى الطواقم الطبية، لذلك من المبادرات المفيدة تلك التي اقترحتها إحدى شركات النسيج بفرنسا بعمل كمامات وتقديمها للمستشفيات والطواقم الطبية. وبالتأكيد احتاجت هذه المبادرة لعمل مشترك مع وزارة الصحة لكي تتوافر في الكمامات المواصفات الطبية اللازمة، وتطوع بالفعل عمال مدرَّبون للمساهمة في إنتاج الكمامات من مصانع النسيج. ويجب التركيز على توفير الكمامات أولًا للطواقم الطبية والمستشفيات قبل توفيرها في الصيدليات لاستخدام الأفراد، وأن تكون متوافرة بشكل كاف ولمدة كبيرة لتغطية احتياجات المستشفيات العامة والتعليمية.

6. تخصيص ساعات محددة لكبار السن بالمحال التجارية الكبيرة؟

وفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن كبار السن هم الفئة الأكثر هشاشة فيما يتعلق بتحملهم لآثار فيروس كورونا المستجد، لذلك يجب أن تكون حمايتهم ذات أولوية قصوى والحد من اختلاطهم وتقليل حركتهم. من هذا المنطلق خصصت بعض المحال التجارية الكبيرة في فرنسا ساعات معينة لكبار السن بالإضافة إلى خدمة التوصيل المجاني لهم في البيوت للحد من اختلاطهم وتوفير الحماية لهم. هذه الفكرة تناسب السلاسل الكبري في مصر مثل مترو وكارفور خاصة مع حالات التزاحم الكبيرة في هذه السلاسل بالقاهرة الكبرى.

7. مطبخ تعاوني للوجبات الساخنة والصحية

في ظل تفاقم الأزمات سواء كانت الصحية أو الناتجة عن الكوارث الطبيعية؛ تنخفض القدرة على تناول وجبات طعام متوازنة للفئات الأكثر فقرًا وهشاشة ويتم التركيز على تناول النشويات مثل البطاطس والمكرونة والأرز والسكريات المباشرة. ومن الأفكار الجيدة ما قامت به بلدية مدينة جرونوبل بجنوب فرنسا، عندما حوّلت المطبخ المركزي لإعداد وجبات لكبار السن والفقراء، وقد تطوعت بعض جمعيات المجتمع المدني في المدينة للمساعدة. هذه الفكرة يمكن تطبيقها خاصة في المدن الكبري بمصر (مدن الدلتا تحتاج الآن لدعم كبير)، ويمكن أن تساهم الجمعيات الخيرية الكبري مثل مصر الخير ورسالة وكذلك بنك الطعام في هذا العمل، لأن تحسين صحة الفئات الأكثر هشاشة؛ هو خط الدفاع الأول ضد انتشار الفيروس.

هذا عن المجتمع المدني ورجال الأعمال؛ فماذا عن الدولة والسلطات المحلية؟

لا يمكن انكار الخطوات الإيجابية والجيدة التي اتخذتها الحكومة المصرية، وعدد من حكومات الدول العربية، مثل تعطيل الدراسة وإغلاق المدارس ومنع الشيشة وتخفيض عدد الموظفين في الهيئات الحكومية بالإضافة إلى حملات التوعية، ومع ذلك هناك الكثير مما يمكن عمله بالاستفادة من تجارب الدول التي تقترب من الحالة الحرجة لانتشار الفيروس بدرجة أسرع من مصر وباقي الدول العربية.

8. وضع المستشفيات الخاصة تحت تصرف الدولة

اتخذت الحكومة الإسبانية قرارًا بوضع جميع المستشفيات الخاصة وجميع مقدمي الخدمات الصحية ومرافقهم تحت تصرف الدولة مع استمرار انتشار فيروس كورونا المستجد. تنبع أهمية هذا القرار من أنه يدمج المستشفيات الخاصة والصيدليات عيادات الأطباء الخاصة في المنظومة الصحية العامة ويجعلهم على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم اللازم عند الحاجة. وكلما كان هذا القرار سريعًا كلما ساعد ذلك في توسيع التنسيق والربط وتفادي التخبط.

9. دعم العمالة الموسمية

يجب أن تفكر الدولة وأصحاب الأعمال في العمالة المؤقتة وغير المؤمَن عليها وغير الرسمية التي تضررت بشكل مباشر من تأثر القطاعات الإنتاجية والخدمية خاصة قطاع السياحة، لذلك يمكن استخدام جزء من ميزانية مواجهة فيروس كورونا، والتي وصلت في مصر إلى 100 مليار جنيه، لصرف إعانة بطالة مؤقتة لمدة شهرين قادمين لتخفيف الأثر الاقتصادي والنفسي على المتعطلين.

ونظرًا لآثار هذه الأزمة علي الاقتصاد وأسعار السلع والخدمات؛ فإن زيادة الحصص التموينية للأسر الأكثر فقرًا يعتبر ضروريًا لشهرين على الأقل.

10. الموافقة على صرف بدل العدوى للأطباء

وأخيرًا؛ تعد هذه الازمة فرصة لإعادة الاعتبار للأطباء وإقرار ما اتفقت عليه نقابتهم وحصلت علي حكم قضائي بموجبه عام 2015  لرفع بدل العدوي إلى 1000 جنيه، ورغم أن الدولة حصلت على حكم قضائي مضاد بإلغاء هذا الحكم عام 2018 إلا أن الضرورة تقتضي إعادة الاعتبار للأطباء من خلال الموافقة على صرف هذا الحافز والتنازل عن الحكم القضائي.

هذه القائمة ليست شاملة لكنها تعطي بعض الأفكار لأشكال ممكنة من التضامن بهدف المساهمة في الحد من خطورة الأزمة، وهي ليست منفصلة عن أشكال التضامن التي يقوم بها المصريون والعرب في أزمات عديدة مثل الزلازل والسيول وحوداث الطرق والقطارات.