تصميم: يوسف أيمن - المنصة

في ظل كورونا: جائحة البطالة تعصف بالمرشدين السياحيين

منشور الخميس 23 أبريل 2020

"مش عارفة هعمل ايه.. هنشوف هيطلعوا لنا معونة ولا معاشات". مستقبل منى التي تعمل مرشدة سياحية في الأقصر بات على المحك بعد أن توقفت السياحة تمامًا ضمن الإجراءات الاحترازية للوقاية من جائحة فيروس كورونا المستجد، وهي لا تعرف كيف ستستطيع توفير قوت يومها.

يوم 10 مارس/ آذار الماضي عادت منى (37 سنة) إلى بيتها بخطوات يخيم عليها الحزن، وعقل يسيطر عليه قلق مما يحمله الغد، بعد أن كانت تظن أن الجائحة ستظل بعيدةً عن عملها. لم تتحدث مع أحد بل اكتفت بالتفكير فيما هو قادم؛ "مكنتش اتخيل أن الفيروس يوصل الأقصر، بس للأسف وصل وخفت على أمي الكبيرة في السن"، تقول للمنصة

قبلها بأربعة أيام أعلنت وزارة الصحة المصرية ومنظمة الصحة العالمية اكتشاف 12 حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، على متن باخرة قادمة من محافظة أسوان إلى محافظة الأقصر، ليليها إعلان آخر في اليوم التالي بإصابة 33 شخصًا آخرين، ليكون إجمالي الإصابات على متن الباخرة 45 فردًا من أصل 171 كانوا على متنها. 

واصلت منى يوميا مهاتفة زملائها المرشدين السياحين في مكالمات تعددت وتكرر فيها سؤال "هل هناك زبائن اليوم"، وهي تنتظر إجابة بعينها تزيل عنها القلق. ولكن الإجابة المرجوّة غابت وبقي قلقها من شبح البطالة، فقررت النزول إلى العمل مع السائحين متخذة كافة إجراءات الوقاية لتعريفهم بحضارة بلدها، قبل أن تنهي القرارات الحكومية بتعليق السفر ومنع التجمعات وحظر التنقل ليلًا كل شيء. 

تعود منى إلى حياتها المنزلية، وهي حياة تقتصر على متابعة تداعيات انتقال الوباء وهي تضع يدها على قلبها كلما سمعت أخبار توسع انتشاره، والتي تعني أن أيامها بلا عمل ستطول "وأنا بصرف على البيت لو محتاج حاجة وبراعي والدتي لأننا عايشين مع بعض بعد وفاة والدي ومش عارفة لو الأزمة طولت هعمل إيه". 

أوضاع سيئة لم يسببها الوباء

لم تكن هذه هي الأزمة الأولى التي تمر بها منى في عملها بعد أن بدأت عملها في مجال السياحة كسكرتيرة في أحد فنادق الأقصر. فهذه الوظيفة تحديدًا، فقدتها عام 2015 ضمن مجموعة موظفين استغنى الفندق عن خدماتهم بسبب تداعيات ثورة يناير التي أثرت سلبًا على معدلات السياحة في مصر. 

ولكن في هذه السنة، 2015، حصلت منى على كارنية الإرشاد، بعد تقديم أوراقها في وزارة السياحة بالقاهرة، لتبدأ عملها من حيث توقف الزمن، معبد الكرنك. تحكي أكثر عن تفاصيل عملها "كنت عايشة في المعبد أكتر من البيت. يومي بيبدأ من 9 الصبح حتى غروب الشمس، اعتمادي على سائح الفندق بمفرده، أعرض عليه إمكانية شرح المعبد بمقابل حسب اللغة". يبلغ الأجر عادة مئتي جنيه إذا كانت ستشرح باللغة الإنجليزي، ومن 500 لـ 700جنيه إذا كانت ستقدم الشرح نفسه باللغة الصينية التي أتقنتها مؤخرًا لتحسن دخلها. 

لا تفضل منى العمل لدى شركات السياحة "فهي تتحكم في عمل المرشد بدون عقد مع تحديد أجره وكذلك بدون تأمين"، فالحكومة تتعامل مع المرشدين من خلال وزارة السياحة، وفقًا للقانون 121 لسنة 1983 الذي يطالب المرشدين  بتعديله، فالمرشد ليس له تأمين طبي أو ضد الحوادث أو ضد الوفاة أثناء العمل "في الشركة إنت برضه عامل باليومية أجرك باليوم، بتكلمك مرة وعلى حسب الجدول أو التخطيط اللي بيعملوه لأن عندهم مرشدين كتير وهي مش مسؤولة عنك ولا ملزمة بيك". 

يلزم القانون ذاته المرشد السياحي بالعمل في نطاق المنطقة المبينة بالترخيص الذي يحمله ويجدده كل خمس سنوات، شرط عدم مزاولة مهنة أخرى. ومن يخالف ذلك، حسبما جاء في القانون، يحق لوزير السياحة أو من يفوضه بناء على تحقيق كتابي أن يوقع بحقه الجزاءات التأديبية التي تتراوح بين الغرامة والوقف عن مزاولة المهنة مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، تضاعف في حالة تكرار المخالفة. 

السياحة في غرفة الإنعاش

قبل الجائحة لم تكن أعمال المرشدين السياحيين مستقرة، أما بعدها فإن هذه الأعمال توقفت تمامًا ولفترة لا يعلم أحد مداها. ومع توقف الأعمال فإن الالتزامات الملقاة على عاتقهم لم تقف بدورها، فهم ما زالوا، على الرغم من الظروف الخارجة عن إرادتهم، ملزمين بدفع الضرائب العامة والتأمينات الاجتماعية.

يحظر قانون المرشدين السياحيين رقم 121 لسنة 1983 على المرشدين مزاولة أي مهنة أخرى إلا بعد التنازل عن التصريح الخاص بالإرشاد السياحي، أو التقدم بإجازة بدون مرتب مع دفع التأمينات السنوية في حالة عمل المرشد في جهة حكومية.

مع تراجع معدلات السياحة بعد ثورة يناير، قررت وزارة السياحة صرف دعم من صندوق الكوارث بلغ 20 مليون جنيه، وضع نصفه كوديعة لتنمية موارد النقابة العامة للعاملين بالسياحة والفنادق. أما النصف الآخر فكان نصيب الفرد منه على مدار أربع سنوات "كنا خلالها بدون عمل والحياة متوقفة، ألف جنيه تصرف لمرة واحدة للمرشد كدعم مادي ومعنوي"، حسبما يوضح نقيب المرشدين في الأقصر مصطفى رفاعي للمنصة، مضيفًا أن من ليس لديه دخل آخر ويستحق مزيدًا، كان يقدم ما يثبت ذلك للجنة البحث الاجتماعي، فيحصل على تعويض يعينه على ما بقي من أيام الأزمة.

بحسب رفاعي، يعمل في مهنة الإرشاد السياحي نحو 18 ألف شخص، بينهم 9300 مرشد فقط ممن يستحقون التعويض ويلتزمون بدفع اشتراك النقابة والتأمينات والضرائب. 

حقوق العمال مهدورة 

بحسب المرشد السياحي أيمن أبو زيد، فإن الحل الوحيد لأزمة المرشدين السياحيين بعد انتشار الجائحة هو "تفعيل صندوق الأزمات والكوارث"، معتبرًا في حديثه إلى المنصة أن أي إعانة من الممكن أن تحل أزمة المرشدين لشهر أو اثنين "ولكن ماذا عن باقي الأيام إن طالت الأزمة؟"، يتساءل. 

أبو زيد لديه مخاوف من أن يتجه المرشدون لمجالات عمل أخرى "لو توقف الحال في قطاع السياحة، العمالة المدربة ستتجه لمجالات أخرى وسيكون من الصعب إعادتها إن تم تسريحها". موضحًا "أنا كنت ملتزم بالعمل إرشاد مع إحدى الشركات ولكنها أغلقت الآن وأقوم بالصرف على منزلي من رصيد محدود إن طالت المدة سينهار"، وعندها سيضطر أن يتجه إلى عمل آخر. 

على الجانب الآخر، فإن شركات السياحة بدورها تواجه خسائر فادحة. الدكتور أحمد منصور عضو بمجالس إدارة ثلاث شركات سياحية ورئيس لمجلس إدارة شركة رابعة، يرجّح أن تبلغ خسائر الشركات بالملايين، إذ قال للمنصة إن "الحجوزات تحولت إلى مرتجعات للعملاء، السياحة الدينية للعمرة أيضًا، بالإضافة إلى خسارة موسم الشتاء الذي لم نعمل فيه سوى شهرين فقط". 

ويوضح أن "شركات السياحة تعمل خلال فترات المواسم فقط، أما التزاماتها من إيجارات وتأمينات وضرائب وكهرباء ورواتب عمالة فتستمر طوال السنة". 

من جهته، اتخذ منصور قرارًا بتخفيض مصاريف التسويق، من أجل ضمان استمرار صرف الرواتب كاملة لموظفيه الذين يعولون أسرًا وبشكل جزئي للآخرين، معتمدًا على إعانة غرفة شركات السياحة والاتحاد المصري للغرف السياحية وصندوق إعانات الطوارئ للعمال، بصرف أساسي المرتب للعاملين. 

ولكن شركات سياحية أخرى فصلت الكثير من العاملين لديها أو منحتهم إجازات مفتوحة خصمًا من رواتبهم على الرغم من الدعم الحكومي لهم، بحسب محمد الجمال المدير العام لائتلاف العاملين بالسياحة والفنادق الذي يضم 48 ألف عضو، والذي أكد للمنصة أن "أعدادًا كبيرة فصلت يتم حصرها، ولكنها تجاوزت المئات من العمال".

ولفت الجمال إلى أن "دخل عامل السياحة يعتمد بنسبة كبيرة على عمولة الخدمة التي تتحدد بحسب نسبة الإشغال، وهي الآن صفر، أي أن راتب العامل، إذا حصل عليه أصلًا، لن يتجاوز 20% من إجمالي دخله"، في ظل عقود مؤقتة. 

ولكن على الجانب الآخر يصر جمال أحمد، أمين صندوق النقابة العامة للعاملين بالسياحة والفنادق، أنه "لا يوجد تسريح"، مشيرًا إلى اتخاذ "عدة إجراءات إجبارية للحفاظ على العمالة"، وأشار إلى إجراءات أخرى "فيما يتعلق برصيد الإجازات التي تخصم من العمال، سنقوم بحل ذلك الأمر بعد الإطلاع على ما ستؤول إليه الأزمة. سنبحث عن حل، مع الالتزام بصرف أساسي الراتب".

تعويض آجل

توافقت وزارتا السياحة والمالية على استمرار العمل بالمشروعات المتعلقة بالنشاط السياحي، وإسقاط الضريبة العقارية على المنشآت الفندقية والسياحية لمدة لستة أشهر، وإرجاء سداد جميع المستحقات لثلاثة أشهر دون غرامات أو فوائد تأخير. وبالفعل وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتنفيذ هذه الإجراءات مع دراسة تقديم تمويل من البنوك بفائدة مخفضة للمنشآت للحفاظ على العمالة مع البنك المركزي.

ولكن حسام الشاعر رئيس غرفة شركات السياحة كان لديه رأي آخر، إذ أن الفنادق والمنشآت الصغيرة، والتي تشكل الشريحة الأكبر من المنشآت، لن تستفيد من هذه القرارات لأنها لا تمتلك ما يغطي حصولها على القروض، وعندما يرفض البنك منحها قروضًا فإنها لن تتمكن من دفع رواتب العاملين لديها "وإحنا عايزين نحافظ على المنشآت وعلى العمالة". 

لفت الشاعر كذلك إلى ضرورة وجود آلية تضمن لهذه الشريحة من المنشآت الصغيرة توفير رواتب أبريل للعاملين لديها من خلال البنوك "مصروفات تشغيل الشركات السياحية بحاجة لتدخل سريع، ولا بد من تدخل البنك المركزي".

قروض أخرى "حسنة وميسرة" لدعم المرشدين السياحين، يسعى نقيب المرشدين حسن النحلة إلى تأمينها مخاطبًا محافظ البنك المركزي، مع استمرار التواصل مع وزارة القوى العاملة، لدعم 9300 مرشد وحمايتهم من البطالة.

ونظرا للالتزامات التي تقع على كاهل المرشد من تأمينات وضرائب سنوية ومضافة، يبحث النحلة إمكانية وقف أقساط التأمين الاجتماعي دون توقيع غرامات تأخير، مع إعفائهم من إقرارات القيمة المضافة لحين عودة السياحة أو تعديل القانون لإعفائهم تمامًا.