تصميم: يوسف أيمن - المنصة

هنا ميت غمر: كيف تعيش فتاة مهددة بتشويه الوجه والسمعة؟

منشور الأربعاء 23 ديسمبر 2020

في مدخل شارع بورسعيد أحد أكبر الشوارع الحيوية بمدينة ميت غمر، تستقبلك المحال التجارية والمطاعم والمقاهي، حيث يقضي شباب المدينة سهرات يوم الخميس فتمتلئ المنطقة بالتجمعات، ولكن على بعد نحو 800 متر من هذا الصخب، تعيش أسرة تحت التهديد. 

فخلال إحدى هذه التجمعات الشبابية يوم الخميس 10 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تعرضت فتاة اسمها بسنت ويبلغ عمرها 23 سنةً لحادث تحرش جماعي عندما تجمعت حولها مجموعة من الشباب وتناوبوا ملامستها. وبعد أن حررت الفتاة محضرًا ضدهم وألقي القبض بالفعل على سبعة منهم وحبسوا على ذمة اتهامهم بالتحرش بالفتاة، بدأت بسنت تواجه حملات تشويه وتهديدات من أقارب المتهمين بالقتل أو الحرق بماء النار، وحملات تهديد وابتزاز من محاميهم هاني عبادة، الذي زعم امتلاكه صورًا خاصة لها هددها بنشرها ما لم تتنازل عن البلاغ وتقبل بالتصالح. 

https://www.facebook.com/almanassanews/posts/3657404087632022

وبعد نحو أسبوعين على وقوع الحادث الذي ما زالت تداعياته حاضرة، بقي صخب شارع بورسعيد في نصفه الأول على حاله، وسط المباني الكبيرة التي تضم فروع بنوك كبرى ومحال تجارية متنوعة، قبل أن يهدأ الزحام قليلًا بعد تجاوز مداخل الشوارع الجانبية وعددها أربعة، تنفصل عن الشارع الرئيسي، ليسود في المنطقة هدوء لا يقطعه سوى مرور التكاتك، وسيلة المواصلات الأكثر حضورًا في شوارع المدينة. 

في نهاية هذا الشارع تعيش أسرة بسنت التي ترفض استقبال وسائل الإعلام، أما الفتاة نفسها فقد بكت خلال مكالمة قصيرة أجرتها معها المنصة وهي تقول "أنا مش عارفة ليه بيجرالي كده، أنا ضحية مش متهمة، ليه أتهدد بالحرق، أنا بقيت خايفة اتحرك من مكاني أتقتل أو تحصل لي حاجة، أو أبقى متهمة، ليه كل ده ليه، علشان فكرت أطلب حقي، وليه المطلوب إني اتنازل، وليه الأذى ده كله اللي بتعرض له أنا وأهلي".

تعيش الفتاة وأسرتها بين الخوف من التهديدات والإحساس بالظلم، وتخاف كثيرًا من الحديث إلى وسائل الإعلام والصحافة. تحظى بمساندة ودعم من إحدى صديقاتها، التي أصبحت تتلقى المكالمات الهاتفية بدلًا منها إلى أن تتحسن حالتها الصحية والنفسية. 

ضد التحرش.. ولكن

الجيران والمارة في محيط منزل أسرة بسنت لا يرحبون بالصحفيين الذين يحاولون الحصول على مزيد من المعلومات حول تفاصيل ما حدث، ورفض معظمهم الحديث عن الواقعة لاعتبارات الجيرة.

ولكن أحد الجيران لم يمانع الحديث شرط عدم ذكر اسمه، قال "إحنا عندنا بنات واللي حصل ده أول مرة نشوفه في ميت غمر كلها، ومحدش يرضى بالتحرش بس إحنا كمان مش في القاهرة ولا الساحل ولازم كل بنت تلبس لبس يناسب المنطقة اللي قاعدة فيها"، بينما تساءل آخر "نفسنا بس نعرف إزاي البنت قدرت تحدد اللي عمل كده من وسط العدد الكبير اللي بتقول إنه اتلم عليها، هو مكنش ليه لزمة أصلا التشهير ده ولا تجيب لأهلها الكلام".

بسنت استطاعت تحديد مرتكبي الواقعة خلال عرض النيابة، وفقا لحديثها "العرض كان فيها أكتر من 200 حد، بس أنا قدرت أطلع السبعة منهم. أنا اللي كنت في الموقف، وأنا اللي المتحرشين قربوا من جسمي ولمسوا كل حته فيه، فأكيد شفتهم وقدرت أحددهم، لأن الموقف ده مش ممكن يتمحي من ذاكرتي أصلا، ده جرح عمره ما يتمحي".

التحرش أمر مزعج وقاسٍ، وزادت قسوته، بحسب بسنت، بسبب طريقة تعامل الجيران والمحيطين مع الحادث، فبينما كانت تنتظر منهم المساندة والدعم، وجدت تعليقات تخص ملابسها، أو أنها تستحق ما حدث، أو أنها أصبحت تتعامل مع من حولها بتعالٍ بعد انتقالها للعيش في القاهرة بعد دخولها الجامعة.

محمد عبد العزيز أحد كبار التجار في مدينة ميت غمر، ويلجأ إليه كثيرون للتدخل وتصفية الخلافات، وكثيرًا ما سعى في وساطات الصلح في المدينة، قال للمنصة إن مجموعة من أقارب المتهمين وأسرهم تواصلوا معه ومع مجموعة أخرى من كبار البلد للتدخل والصلح "في ناس بتحاول تتوسط ونوصل لأسرة البنت ويتم الصلح والبنت تتنازل عن القضية، بس إحنا كمان سمعنا إن البنت طالبة مبلغ من كل أسرة متهم للتنازل علشان كده مرضيناش نتدخل والقضية فيها علامات استفهام كتير، والحقيقة إن أهل البنت ناس متواضعة ومش حمل البهدلة دي".

يبرر عبد العزيز تاجر الملابس الأمر كما يبرره جيران بسنت "البنت لازم تاخد بالها من لبسها علشان محدش يضايقها، وفي الآخر اللي اتقبض عليهم عيال صغيرين برضه، والمسافة اللي البنت مشتها من بداية الشارع لحد بيتها تقريبا 20 دقيقة، ليه لما حست إن حد بيضايقها مركبتش توكتوك"، لينتهي حديثه "وبرضه محدش مع التحرش ولا الأفعال دي".

تهديدات وصدمة وألم جسدي

صديقة الفتاة التي فضلت عدم ذكر اسمها، أوضحت للمنصة أن بسنت تمر بحالة نفسية سيئة، لأن التهديدات مستمرة، خاصة بعد مداخلتها مع الإعلامية لميس الحديدي على الهواء، والتي طلبت خلالها الحماية.

تقول الصديقة "بسنت في حالة نفسية سيئة جدًا، خايفة من صوت الجرس، خايفة يكون حد جاي يأذيها، وإحنا فعلا مش عارفين كل ده ليه، ليه أصلا يبقى في كلام على لبسها وشكلها؟ ليه حد يلمس جسم بنت بالعافية ويتحرش بيها وفي الآخر البنت هي اللي يتشهر بيها".

الصديقة التي تربطها ببسنت علاقة قوية منذ سنوات طويلة، تقف بجوارها للمطالبة بحقها "أنا مع بسنت مش علشان هي صاحبتي وبس، علشان الموقف ده كلنا بنتعرض له كتير كل يوم، مش بس علشان صاحبتي أنا معاها بس علشان المواقف اللي زي دي لازم تنتهي بقى".

صديقة بسنت قالت إن والدة بسنت وأسرتها يدعمون موقفها "أنا بحمد ربنا أن مامة بسنت معانا ومش ضدنا زي ما بيحصل في مواقف كتير للأسف بنشوفها، لكن هي معانا وطلبت من بسنت ما تتنازلش مع كل التهديدات التي بتوصل لها".

التهديدات لا تصل للفتاة فقط، ولكنها تصل للأسرة أيضا، وفقا للمحامية عزة سليمان مديرة مؤسسة قضايا المرأة التي تتواصل مع الفتاة وتقدم لها الدعم والمساندة، إذ أكدت للمنصة أن الأسرة تتلقى تهديدات وتفكر جديًا في البحث عن مكان جديد للانتقال إليه لتجنب تلك التهديدات.

عزة قالت للمنصة أيضًا إن الفتاة بدأت تشعر بآلام جسدية بالإضافة للألم النفسي الناتج عن الواقعة "البنت لسه في مرحلة الصدمة وفعلا مش قادرة تتكلم أو تتواصل وكمان بسبب التهديدات، وبدأت تحس بالتعب الجسماني بسبب اللي حصل".

حماية ضرورية

بعد نحو أسبوع على الواقعة، أعلن المجلس القومى للمرأة في بيان أن ممثلين عن مكتب شكاوى المرأة التقوا الفتاة وقدموا لها المشورة والدعم والمساندة القانونية والنفسية والاجتماعية.

ومع تهديدات الحرق وتشويه الوجه، تستقبل الفتاة الدعم أيضا من محامين ومؤسسات معنية بقضابا المرأة، بالإضافة إلى صديقتها التي انتقلت للإقامة معها مؤقتًا "أنا مع بسنت طول الوقت وهي مش هتتنازل مهما حصل، وإحنا واثقين إن حقها هيرجع".

أما بسنت فاختتمت حديثها مع المنصة بقولها "مش هسيب حقي".

المبادرة المصرية للحقوق والحريات ومؤسسة قضايا المرأة ومؤسسة المرأة الجديدة ومؤسسة القاهرة للتنمية، أصدرت بيانًا مشتركًا ثمنت فيه "الخطوات الإيجابية" التي اتخذتها النيابة العامة بخصوص التحقيق في وقائع الاعتداء الجنسي الجماعي الذي تعرضت له الفتاة، وطالبت بالتحقيق أيضًا "في التهديدات والتشهير الذي تتعرض لهما المجني عليها من قبل محامي المتهمين، وأسرهم وأفراد آخرين، وتطالب باتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لضمان أمان وسلامة المبلغة وأسرتها. كما تؤكد على مسؤولية نقابة المحامين عن التحقيق في وقائع تهديد محامي المتهمين للمجني عليها و تشهيرهم بها".