فليكر برخصة المشاع الإبداعي
جلسة من محاكمة سابقة

عداد قضايا أمن الدولة: ثقب أسود يبتلع الجميع بعيدًا عن المحكمة

منشور الأربعاء 3 فبراير 2021

 

قبل انقضاء الشهر الأول من عام 2021، أعيد تدوير الزميلة الصحفية شيماء سامي في قضية جديدة بعد أيامٍ من قرار لم ينفذ بإخلاء سبيلها على ذمة قضية أقدم. حملت القضية الجديدة رقم 65 لعام 2021 أمن دولة عليا، أي أن نيابة أمن الدولة العليا تفتتح تحقيقاتٍ في قضيتين جديدتين على الأقل كلَّ يوم.

وإذا كان شهر يناير/ كانون الثاني وحده، شهد فتح 65 قضية جديدة على الأقل، فإن هذا يعني أن عام 2021 يسير بوتيرة تشبه ما حدث في العامين السابقين، حيث تجاوز عدد القضايا التي باشرتها نيابة أمن الدولة العليا فيهما مجتمعين ثلاثة آلاف.

اللافت في الأمر أنه في أغلب تلك القضايا، يعاد تدوير متهمين محبوسين بالفعل، إما على ذمة قضايا سبق وأن واجهوا فيها التهم نفسها وأخلي سبيلهم في قرارات لا تنفذ بالفعل، أو على ذمة قضايا أخرى بوقائع أخرى وأخلي سبيلهم في التحقيقات. وفي الغالب، يواجه جميع المتهمين قائمة اتهامات موحدة تقريبًا؛ "الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".

فإعادة تدوير الزميلة الصحفية شيماء سامي على ذمة القضية رقم 65 لعام 2021 مع الزميل الصحفي أحمد خليفة والناشطة السياسية نيرمين حسين، حدثت بعد أيام من صدور قرار إخلاء سبيلها على ذمة القضية 535 لعام 2020، والتي واجهت فيها اتهامًا بـ "نشر أخبار كاذبة" بعد أن قبض عليها من منزلها في الإسكندرية قبل ثمانية أشهر.

يوضح المحامي محمد الطنطاوي للمنصَّة، أن قضايا أمن الدولة تأخذ ترقيمًا منفصلًا عن باقي القضايا المدنية والجنائية، لذلك فإن الأرقام التي تحملها ما تباشره تلك النيابة هو عدد القضايا الخاصة بها فقط دون غيرها وتأخذ مع بداية السنة الجديدة ترقيمًا يبدأ من 1، وقد تصل إلى الرقم 1000 "كلها بنفس التهم، واللي ممكن نقول عليها التهم المعتادة نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة محظورة".

ولا يندهش طنطاوي، محامي الزميل محمد خليفة، من وصول القضايا التي باشرتها النيابة خلال يناير إلى 65 قضية في شهر واحد، أي بمعدل يزيد عن قضيتين في اليوم الواحد، قائلًا "للأسف ده بقى النظام اللي اتعودنا عليه من سنين، المحامين طول الوقت في النيابة بيقابلوا متهمين جدد أو متهمين تم تدويرهم، وفتح العدد الكبير ده من القضايا دي بقى شيء متعارف عليه".

ولكن رغم هذا العدد من القضايا التي تفتح نيابة أمن الدولة العليا تحقيقات في وقائعها المفترضة، فإنها نادرًا ما تحيل أي قضية إلى المحكمة بالفعل، لتفصل في براءة المتهمين أو إدانتهم.

ففي عام 2020، والذي فتحت فيه نيابة أمن الدولة العليا تحقيقات في 1116 قضية على الأقل،  نظرت المحاكم المختصة بالفعل 20 قضية بعدد متهمين بلغ 548 شخصًا حُكم ببراءة 40 منهم وانقضت الدعوى الجنائية بحق 23 متهمًا لوفاتهم، وأدين البقية وعوقبوا بأحكام تتراوح من الحبس 6 أشهر والإعدام شنقًا. 

قبل الأحداث أو المناسبات التي يمكن وصفها بـ"أحداث القلق" كما يشير الطنطاوي، يكثر فتح القضايا لاستيعاب ما يتم القبض عليهم من أشخاص "زي مثلا أحداث سبتمبر اللي بقالنا سنتين بيتاخد فيها آلاف من الناس، أو ذكرى يناير، فدي أوقات بتشهد فتح عدد أكبر من القضايا، وفي قضايا بتكون مفتوحة بالفعل، احنا كمحامين مبنعرفش عنها حاجة غير لما بيظهر فيها متهمين نعرفهم أو نتابع التحقيقات معاهم".

قضايا مفتوحة وقبض عشوائي

في سبتمبر/ أيلول الماضي، ضمت قضيتي 880 و960 لعام 2020 ما يقرب من ألفي متهم، وفقًا لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، والذين عرفوا إعلاميا بمعتقلي أحداث سبتمبر، وهي الأحداث التي أعقبت دعوة المقاول محمد علي للتظاهر في سبتمبر عام 2019 وشهدت استنفارًا أمنيًا وحالات قبض عشوائي في الموعد نفسه من العام الذي تلاه أيضًا، وهو الشهر الذي شهد مباشرة النيابة لـ80 قضية على الأقل، أي ما يقرب من 3 قضايا في اليوم الواحد.

ومثلما قد تتسع بعض القضايا لتضم مئات المتهمين، فإن بعضها الآخر قد يشمل متهمًا واحدًا، كما يشير المحامي أحمد عبد اللطيف، الموكل عن رضا عبد الرحمن المدون القرآني الذي ألقي القبض عليه في أغسطس/ آب الماضي بتهم منها "تبني أفكار تكفيرية"، موضحًا "القضية فيها رضا بس، موجود فيها عمه وأولاد عمه بس هما بره مصر".

لكن عبد اللطيف يلفت إلى أن القضايا التي تباشرها نيابة أمن الدولة، يمكن فتحها وتحديد أسماء المتهمين فيها قبل إلقاء القبض عليهم، أو إلقاء القبض عليهم ثم أبها مسبقًا قبل ثم إلقاء القبض عليهم، أو القبض عليهم ثم إلحاقهم بإحدى القضايا "بشكل عشوائي".

في الوقت نفسه لا يستطيع المحامي الموكل للدفاع عن المتهمين الإطلاع على أوراق القضية بنيابة أمن الدولة، أو محضر الضبط الخاص بها، كما لا يمكنه الإطلاع على عدد المتهمين في القضايا، وهو ما يؤكده المحامي طاهر أبو النصر للمنصَّة "طوال فترة التحقيق وطبعا المقصود التجديد مبنعرفش نطلع على أي أوراق خاصة بالقضية، كمان عدد المتهمين في القضية مبنعرفوش حتى لو تمت إحالة القضية للمحاكمة، مبنعرفش العدد غير في حالة واحدة إن كل المتهمين ينزلوا في جلسة واحدة وده مش بيحصل في كل القضايا".

الثقب الأسود

يشير المحامي نبيه الجنادي، إلى أن حصر عدد القضايا يتم بشكل تقريبي، حيث إن النيابة لا تصدر أي بيانات رسمية بعدد ما تباشره من قضايا، ولا تسمح للمحامين في الوقت نفسه بالاطلاع على ذلك "لذلك نلجأ لما يتم رصده بشكل فردي من خلال المحامين وما يحضروه من جلسات مختلفة لقضايا الثلاجة كما يمكن تسميتها، وهي القضايا التي لا تحال للمحاكمة، ويظل المتهمون فيها في حبس احتياطي"، مشيرًا إلى أن عدد القضايا التي يحال المتهمون فيها إلى المحكمة قليل مقارنة بعدد القضايا الفعلي التي يتم التحقيق فيها.

خلال العام الماضي أحيلت  20 قضية فقط للمحاكم المختصة، حُكم على 548 من المتهمين فيها بأحكام ما بين الإعدام والمؤبد والسجن والبراءة، لكن الجنادي يشير إلى إن العدد التقريبي الذي استطاع حصره لقضايا أمن الدولة في العام الماضي هو 1116 قضية "دي كانت آخر قضية سمعت عنها وممكن يكون في قضايا تانية مسمعناش عنها أو فيها متهمين مش معروفين"، وذلك مقارنة بـ1898 قضية في عام 2019، و1739 قضية في عام 2018.

في الوقت نفسه يشير المحامي ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، إلى أن محامو الشبكة تابعوا أكثر من 500 قضية بأمن الدولة في الفترة ما بين يناير وأكتوبر/تشرين الأول 2020، مؤكدًا أنها ليست كل ما شهده العام من قضايا وإنما تلك التي باشرها محامو الشبكة فقط.

يتفق المحامون على أن نمط التدوير الشائع حاليا جعل هناك عدد كبير من القضايا تضم المتهمين نفسهم بالتهم ذاتها التي يدور أغلبها حول "نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية" دون أن تتم تسمية الأخيرة، الأمر الذي دفع المحامون لإطلاق وصف "الثقب الأسود" على تلك القضايا، التي قارب عدد المتهمون في اثنين منها فقط الألفين متهم، بحسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير، التي ذكرت في تقرير لها، أنه منذ 10 سبتمبر 2020 ولمدة لا تقل عن شهر، عرض على نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس ما لا يقل عن 1920 شخصًا متهمين على ذمة القضيتين أرقام 880 لسنة 2020 و960 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة العليا.

وبالرغم من تعدد الأسباب وراء القبض على مئات من الأشخاص في تلك الفترة، التي شهدت احتجاجات في عدة مناطق ضد قانون مخالفات البناء، فإن جميع المقبوض عليهم واجهوا اتهامات واحدة دون أي دليل أو إحراز تثبت صحة تلك الاتهامات، وهي التهم المعتادة نفسها والتي صارت توجه لكل الذين يتم القبض عليهم دون تفرقة "الانضمام إلى جماعة إرهابية" و"استخدام حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بغرض نشر أخبار كاذبة".