مظاهرة في برلين تطالب بالإفراج عن المعتقلين في مصر. الصورة لحسام الحملاوي برخصة المشاع الإبداعي - فليكر

للجنائيين فقط: "نص المدة" ميزة لا يدركها السجناء السياسيون

منشور الأحد 11 أبريل 2021

 

يتيح قانون تنظيم السجون الإفراج عن السجناء والمحبوسين المدانين بأحكام باتة بعد قضائهم نصف مدة العقوبة بشرط حسن السير والسلوك، إلا أن تلك الميزة الإضافية باتت تقتصر على السجناء الجنائيين فقط، لا يتمتع بها السجناء المدانين في قضايا سياسية إما بقوة القانون في بعض الأحيان، أو بسبب تقديرات أمنية في أحيان أخرى. 

وتجيز المادة 52 من قانون تنظيم السجون، الإفراج عن كل محكوم عليه نهائيًا بعقوبة مقيدة للحرية إذا أمضى في السجن نصف مدة العقوبة، شرط أن تنطبق عليه بعض المعايير كأن يكون سلوكه أثناء السجن يدعو إلى الثقة، بتقويم نفسه وذلك ما لم يكن في الإفراج عنه خطر على الأمن العام، ولا يجوز أن تقل المدة التي يقضيها في السجن عن ستة أشهر على أية حال، واذا كانت العقوبة هي السجن المؤبد، فلا يجوز الإفراج إلا إذا قضى عشرين سنة على الأقل.

ويوضح المحامي الحقوقي مصطفى نصر للمنصة أن قوائم الإفراج الشَرطي تصدر عن مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون، حيث تستقبل مصلحة السجون قوائم بالسجناء الذين تنطبق عليهم الشروط من السجون المختلفة في الجمهورية وتعقد لجنة تجتمع شهريًا لفحص هذه الأسماء وتجميعها، ثم تصدر القوائم في المناسبات والأعياد المختلفة، مثل الأضحى والفطر وتحرير سيناء و"عيد الشرطة"، ثم يضيف موضحًا "مفيش رقم أو عدد محدد، يعني لو السجن مثلا عنده 100 سجين كلهم تنطبق عليهم الشروط بعد نص المدة، وهي حسن السير والسلوك، محدش منهم دخل تأديب، أو عمل مشاكل مع حد ومعاملته كويسة، السجن بيبعت الأسماء دي، وبعدين اللجنة بتفحصها وتعمل القوائم بالأسماء اللي وافقت عليها".

وتختلف قوائم العفو الرئاسي عن قوائم المفرج عنهم إفراجًا شرطيًا، حيث تصدر بتصديق من الرئيس الذي يحق له العفو عن السجناء في أي توقيت، وتلك القوائم التي تصدرها لجنة تشكلت منذ عام 2016، ضمت سجناء سياسين ولكن عددهم يظل قليلًا مقارنة بالجنائيين، كما قال نصر "آخر قائمة عفو رئاسي ضمت سجناء سياسين كان عفو 25 يناير 2020، ووقتها خرج 135 سجين، منهم تقريبا 121 جنائي، والباقي سياسي، ومن وقتها مخرجش أي سجين سياسي في عفو تاني".

وخلال السنوات السبع الماضية، أفرج  عن نحو خمسين ألف سجين إفراجًا شرطيًا بعد قضائهم نصف المدة، بحسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات، التي استنكرت عدم تمتع السجناء السياسيين بهذه الميزة، ففي العام الماضي، أفرج عن 21547 سجينًا، وفي الفترة من 2014 وحتى 2019 أفرج عن نحو 30 ألف سجين أدينوا بتهم مختلفة، من بينهم غارمات، بقوائم إفراج شَرطي.

وأقر البرلمان في العام الماضي تعديلات على قانون تنظيم السجون استثنت المدانين بموجب قانون التظاهر أو قانون مكافحة الإرهاب من إمكانية التمتع بميزة الإفراج الشرطي بعد نصف المدة، وهو ما اعتبره محمد لطفي مدير المفوضية في تصريحات إلى للمنصة، تعديلًا "يعكس نية السلطات في ضمان استبعاد معظم سجناء الرأي القابعين في السجون بسبب احتجاجهم السلمي على السياسات الرسمية من العفو الرئاسي أو الإفراج الشرطي".

ويأتي هذا التعديل بعد أقل من عامين من إقرار القانون رقم 6 لسنة 2018، الذي خفض المدة التي يجوز بعد انقضائها الإفراج الشرطي عن المحكوم عليهم نهائيًا بأحكام مقيدة للحرية إلى نصف مدة العقوبة، بعد أن كانت ثُلثي مدة العقوبة. ويعتبر هذا التعديل الأول من نوعه الذي يهدف إلى حرمان المحكوم عليهم في عدد من الجرائم المحددة سلفًا، دون غيرهم، في التمتع بالإفراج قبل انقضاء مدة العقوبة كاملة، بشرط أن يكون المُفرج عنه حسن السلوك أثناء وجوده في السجن، وألا يمثل الإفراج عنه خطرًا على الأمن العام.

ويشير لطفي إلى أن عدد السجناء السياسيين من حُكِم عليهم بالفعل، أقل بكثير من عدد المحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا لا تحال غالبًا إلى المحاكم، "في الفترة من 2013 لـ 2014 كانت القضايا بتحال سريعًا للمحاكمة، لكن حاليا بقى الوضع السائد أو النمط حبس احتياطي طويل، والسجناء في الحبس الاحتياطي لا يمكنهم الاستفادة من قرارات الإفراج الشرطي، وده برضه بيدل على التضييق على السجناء، وحرمانهم من كل الفرص اللي ممكن تتيح ليهم الحرية".


اقرأ أيضًا: عداد قضايا أمن الدولة: ثقب أسود يبتلع الجميع بعيدًا عن المحكمة

 

جلسة من محاكمة سابقة- الصورة: فليكر برخصة المشاع الإبداعي

تعديلات القانون التي يتحدث عنها لطفي، أتت في مارس/ آذار من العام الماضي، ولكن في السنوات التي سبقت هذه التعديلات، لم يحصل أحد من السجناء السياسيين على قرار الإفراج الشرطي وفقًا لما رصده المحامي الحقوقي أحمد الجدامي من متابعته المستمرة للقضايا.

يعتقد الجدامي أن كلًا من قوائم العفو الشرطي والعفو الرئاسي يكون القرار الأول والأخير فيهما لجهاز الأمن الوطني "الذي يوافق على الأسماء التي لا تشكل خطرًا على المجتمع وفقًا لقناعته"، لا تضم قوائم الإفراج الشرطي السياسين، بعكس قوائم العفو، فبعد إطلاق عمل اللجنة، أكد أعضاؤها أنهم يسعون للتصديق على قوائم تضم متهمين بقضايا الرأي والتظاهر، وهو ما يؤكده الجدامي "قوائم العفو مش بتضم معتقلين سياسيين كتير، بس هنا منقدرش نقول عليها مشكلة لأنها في الأصل ممكن نسميها أوبشن زيادة مش حق، لكن قوائم العفو الشرطي بنص المدة اللي ممكن تكون متنفس لمعتقلين كتير مش بتتطبق نهائي على السياسي، وده أوبشن برضه، بس عدم وجود سياسيين فيه بيحطنا قدام تساؤلات، هو مفيش سياسي خالص حسن السير والسلوك ويستحق الإفراج الشرطي بنص المدة؟". 

ويوضح الجدامي أنه لم يحدث أنَّ سجينًا سياسيًا حصل على الإفراج الشرطي بعد نصف المدة من قبل "في الأول كان نص القانون إن الإفراج الشرطي بيتم بعد تلتين المدة، وفي التعديل اللي تم على القانون في 2018، بقى بيسمح إنه يخرج بعد مرور نص المدة، بس اللي بيحصل إن الموافقات الخاصة بخروج السجناء السياسيين بتيجي من الأمن الوطني، اللي هو طول الوقت بيشوف السجناء دول خطر على الأمن، فمحدش منهم بيطلع غير بعد قضاء مدة حبسه كلها".

وتنشر صفحات المواقع الإخبارية صورًا وأخبارًا حول قوائم الإفراج الشرطي، ففي إبريل/ نيسان 2020 صدر قرار بالإفراج عن 4011 سجينًا بمناسبة عيد تحرير سيناء، وفي العام السابق أفرج عن 3094 سجينا لنفس المناسبة، وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أفرج عن 3022 سجينًا بمناسبة "عيد الشرطة"، وجميعهم ارتكبوا جرائم جنائية.

التقرير الذي أصدرته المفوضية المصرية للحقوق والحريات بالاشتراك مع مع عدد من المنظمات الحقوقية، أشار إلى أنهه يتم النظر لهؤلاء السجناء على أنهم "أشد خطورة على الأمن، من المتهمين الذين قاموا بجرائم جنائية، منها ما يحمل عنفًا".

في 2016، تقدمت أسرة المهندس أحمد ماهر، مؤسس حركة 6 أبريل، بطلب لمصلحة السجون للإفراج عنه بعد قضاء ثلثي المدة، ولكن السجن رد بأن ماهر يشكل خطرًا على الأمن العام، وهو الأمر نفسه الذي تم مع الناشط السياسي محمد عادل، الذي أدين في نفس القضية مع ماهر وهي تنظيم وقفة احتجاجية دون ترخيص بالمخالفة لقانون التظاهر، وأيضا أكمل الناشط والمدون علاء عبد الفتاح مدة عقوبته، خمس سنوات، بعد القبض عليه في 2014 في القضية المعروفة إعلاميا بأحداث مجلس الشورى.

ووفقًا لمنظمات حقوقية فإن عدد السجناء السياسيين في مصر يقرب من 60 ألف سجين، أغلبهم في قضايا حبس احتياطي لا تحال للتحقيقات، ففي أحداث سبتمبر 2019 ألقى القبض على الآلاف بعد دعوة المقاول محمد علي للخروج والتظاهر وظلوا في دائرة حبس احتياطي، وفي العام التالي 2020 وفي نفس الموعد ألقى القبض على آلاف أيضا، تزامنًا مع مظاهرات اندلعت للاحتجاج على قانون مخالفات البناء، قدرت عددهم مؤسسة حرية الفكر والتعبير بما يقرب من ألفي شخص.

والشهر الماضي أصدرت 31 دولة بيانًا مشتركًا أعربت فيه عن قلقها من انتهاك الحريات في مصر وذلك أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وطالبت هذه الدول مصر بالتوقف عن اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى.