صفحة النادي- فيسبوك
تتويج نهضة بركان بالكأس الكونفدرالية.

تجربة نهضة بركان الملهمة: هل يمكن لفريق من الصعيد أن يفوز ببطولة أفريقيا؟

منشور الخميس 3 يونيو 2021

هل يمكن لفريق كرة مصري من مدينة صغيرة في دلتا النيل أو بأقاصي الصعيد الفوز ببطولة أفريقية؟ أو على الأقل تمثيل الكرة المصرية في قاريًا كمنافس جاد على الألقاب؟ يبدو ذلك أمرًا أقرب للمستحيل في ظل معاناة أندية المدن المصرية للتواجد من الأساس ببطولة الدوري العام، مع هيمنة أندية القاهرة عليها التي تزيد يومًا بعد يوم إلى أن باتت المشاركة في حد ذاتها إنجازًا والاستمرار بالبطولة هو الهدف الأبعد.

لكن ما يبدو مستحيلًا في مصر بات واقعًا في المغرب خلال السنوات الأخيرة، بعد التألق اللافت لنادي النهضة بمدينة بركان والذي صار اسمه معروفًا في الأوساط المصرية والأفريقية بفضل تواجده المستمر في البطولات القارية، بل وتحقيقه بطولة الكأس الكونفدرالية الموسم الماضي. تقع مدينة بركان أقصى شمال شرق المغرب، بالقرب من حدوده مع الجزائر، وتبعد عن الدار البيضاء قرابة 600 كيلومتر أي ما يشبه المسافة بين القاهرة ومدينة قنا في جنوب الصعيد. مدينة صغيرة طابعها ريفي تشتهر بزراعة البرتقال، ولا يزيد تعداد سكان الإقليم عن 300 ألف نسمة. أصبح اسم المدينة يتردد كثيرًا مع نهضة فريق الكرة بها، وصارت ألوان الفريق البرتقالية المعبرة عن المدينة مألوفة لدى جماهير الكرة في مصر وفي أفريقيا بشكل عام.

 

تمثال لبرتقالة عملاقة من مدينة بركان. صورة برخصة المشاع الإبداعي: ويكيبيديا

تاريخ نادي النهضة البركانية يعود للعام 1938 حين تأسس نادٍ ببركان يحمل اسم الجمعية الرياضية البركانية قبل أن يتغير للاسم الحالي في عام 1981. لم يحقق النادي البركاني انجازات ملحوظة في تاريخه الطويل ونافس في الدرجات الأدنى من الدوري المغربي، قبل أن يظهر في موسم 2012 في القسم الأول للبطولة والمغربية وتبدأ مسيرة حافلة بالإنجازات.

وصل النادي للمباراة النهائية لكأس العرش المغربي في عام 2014 إلا أنه خسر من الفتح الرباطي. حافظ الفريق في البطولة المحلية على التواجد بمنتصف الترتيب بالجدول منذ صعوده، ونجح في الفوز بكأس العرش في عام 2018، قبل أن يظهر في الموسم الماضي منافسًا على اللقب حتى الجولة الأخيرة وينهي مشاركته بالمركز الثالث بفارق ثلاث نقاط فقط عن الرجاء البطل. نتائج الفريق على الصعيد الأفريقي كانت أكثر إبهارًا وتطورت بشكل تصاعدي في السنوات الثلاثة الأخيرة. وصل الفريق في عام 2018 للدور ربع النهائي، ووصل للمباراة النهائية في نسخة 2019-2020 لكنه خسر اللقب في الإسكندرية أمام الزمالك بضربات الترجيح. وفي النسخة الأخيرة نجح فريق مدينة البرتقال في الظفر باللقب أخيرًا على حساب نادي بيراميدز رغم ما يملكه الأخير من كتيبة لاعبين دوليين وإمكانات مادية هائلة. الفوز بالبطولة منح النادي فرصة المنافسة على لقب جديد وهو والسوبر الأفريقي، لكن الأهلي المصري استطاع حسم اللقب لصالحه. يربط كثير من متابعي الكرة الأفريقية بين قصة صعود نهضة بركان بشخص رئيس النادي المغربي فوزي لقجع، وهو أيضًا رئيس الجمعية المغربية لكرة القدم (اتحاد الكرة)، وعضو ممثل لأفريقيا بالاتحاد الدولي لكرة القدم. تولى لقجع رئاسة نادي مدينته بركان في 2009 وقاد مسيرة النهضة البركانية لينتقل بفريق بلده من الدرجات الأدني حتى المنافسة على البطولات الأفريقية.

نجاح بركان كانت نتيجة خطة إدارية متكاملة شملت الاهتمام بأكاديمية كرة القدم واستقدام اللاعبين الموهوبين سواء من المغمورين كاللاعب العربي الناجي، أو المخضرمين مثل النجم المغربي أيوب الكعبي. ورغم ما يعتقد أن نفوذ وعلاقات فوزي لقجع الشخصي أسهمت بشكل رئيسي في الطفرة التي يعيشها النادي، إلا أن ذلك لا ينتقص أبدًا من تجربة نجاح النادي والمدينة.

يمثل وصول شخص محسوب على نادي مدينة طرفية لرئاسة الجمعية المغربية للكرة انعكاسًا لأن الكرة هناك ليست حكرًا على الأندية الكبيرة بالعاصمة مثلًا، كما هو الحال في مصر. ما يميز البطولة المغربية عن الدوري المصري هو اتساع الرقعة الجغرافية للأندية المشاركة، فمثلًا تمثل الأندية الـ 16 المشاركة في النسخة الجارية من البطولة 14 مدينة مغربية مختلفة، بعضها في أقصى الشرق مثل بركان ووجدة، وبعضها الآخر في أقصى الشمال مثل طنجة وتطوان، ومدن أخرى جنوب العاصمة مثل آسفي وآغادير.

تتمع أغلب هذه الأندية بشعبية جماهيرية في المدن التي تمثلها، ولا توجد أندية تمثل شركات أو رجال أعمال مثلما هو الحال في مصر. يلاحظ أيضًا وجود حد أدنى من البنى التحتية الرياضية الجيدة الممثلة في الاستادات والملاعب في عدد واسع من المدن المغربية. كان لافتًا للانتباه حين التقى نهضة بركان مع الأندية المصرية أن الفريق يمتلك ملعبًا يبدو صغيرًا نسبيًا من حيث السعة، لكنه مجهز على مستوىً جيد. يتسع الملعب البلدي بمدينة بركان لنحو 15 ألف متفرج وهي سعة مناسبة قياسًا بتعداد سكان الاقليم، ورغم أن ملعب بركان أحد أصغر الملاعب في الدوري المغربي لكنه أفضل بمراحل من أغلبية استادات المحافظات في مصر.

توفر بنية تحتية واستادات متميزة في أغلب مدن المغرب، هو فارق ملحوظ بينها وبين مصر، ينعكس على الدوري المغربي الذي يشهد تنافسًا دائمًا بين الكثير من أندية المدن المختلفة على البطولة.

 

ملعب نهضة بركان. الصورة: صفحة النادي الرسمية- فيسبوك

 

تتبُّع البطولة المغربية في الفترة الأخيرة لا يوحي بأن نهضة بركان حالة استثنائية، بل هو تطور لظاهرة مستمرة تحدث في السنوات الأخيرة توحي بوجود مناخ يسمح لأندية المدن المختلفة في المنافسة على البطولات وتحقيقها، فمثلًا حققت ثلاثة أندية مختلفة لقب الدوري المغربي في السنوات العشر الأخيرة، بعيدًا عن قطبي كازابلانكا الرجاء والوداد، هم اتحاد طنجة والفتح الرباطي والمغرب التطواني.

 

في عام 2012 عندما فاز المغرب الفاسي ببطولة السوبر الأفريقي كانت الأخبار من نوعية السر وراء تتويج الفريق، لأنه أمر استثنائي، لكن حينما فاز المغرب التطواني بالدوري المغربي وُصف الأمر بالظاهرة، وهو الوصف الذي تكرر حينما حقق اتحاد طنجة البطولة قبل سنتين، وبالتأكيد مع بزوغ نجم بركان حاليًا، أصبحت الظاهرة الحقيقة هي البطولة المغربية في حد ذاتها، التي تملك تنافسية حقيقية بين عدد كبير من الأندية.

تقارب المستويات والتنافسية العالية تبرهن على قوة البطولة، وهو ما يثبته تألق الأندية المغربية على المستوى القاري وتحقيق البطولات المختلفة، فبالإضافة لنهضة بركان حققت أندية الوداد والرجاء والفتح الرباطي والمغرب الفاسي بطولات أفريقية في العقد الأخير ذاته. تطور البنية التحتية لملاعب كرة القدم هو جزء أساسي من سعي المغرب الطموح لاستضافة كأس العالم لكرة القدم، الذي يمتد منذ عام 1994، مرورًا بكأس العالم 2010 حين نافس جنوب أفريقيا ومصر، وكانت صدمتنا بصفر المونديال، وأخيرًا بمنافستهم ملف الولايات المتحدة وكندا والمكسيك على تنظيم كأس العالم 2026، واستعداد المغرب للتقديم على استضافة البطولة في 2030.

خلال هذه الرحلة الطويلة شيد المغرب وطور العديد من الاستادات التي لا تقل سعتها عن 40 ألف متفرج (الحد الأدنى للسعة المسموح بها من الفيفا لاستضافة كأس العالم). يملك المغرب الآن ملاعب تزيد عن هذه السعة بالعديد من المدن، ليس فقط الدار البيضاء والرباط بل أيضًا بمراكش وفاس وطنجة ووجدة وأغادير، وهناك خطط لمزيد من الاستادات في الفترة المقبلة.

ساهمت هذه الطفرة بالطبع في نجاح المغرب في استضافة كأس العالم للأندية عامي 2013 و2014 بمدن مراكش وأغادير والرباط، ليكون البلد الإفريقي الوحيد الذي يسضيف بطولة بهذا الحجم.

يكمن الفارق الرئيسي في البنى التحتية الرياضية بين المغرب ومصر في توزيع وانتشار هذه الملاعب والاستادات بين المدن المختلفة. تملك مصر استادين من أكبر الملاعب في أفريقيا هما استاد برج العرب بالإسكندرية واستاد القاهرة، وشيدت أيضًا استادات على مستوى جيد مثل الدفاع الجوي والسلام والجيش بالسويس، لكن تطوير البينة التحية كان بشكل ما حصرًا على القاهرة وبدرجة أقل الإسكندرية ومدن القناة، ولم يشيَّد أي استاد جديد بمواصفات عالمية بأي مدينة أخرى منذ عقود طويلة، أو حتى تطوير للملاعب الموجودة في الدلتا والصعيد.   بينما تتسع رقعة المشاركة والمنافسة على بطولة الدوري في المغرب من أندية مدن مختلفة بعيدة عن المركز، يسير الدوري المصري نحو المركزية أكثر يومًا بعد يوم. ازداد بشكل لافت تواجد أندية الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال في الدوري، التي تحايل بعضها على نظام التوزيع الجغرافي المؤهل للبطولة، وأصبحت الموضة في السنوات الأخيرة أن يسجل نادي الشركة نفسه في مجموعة الصعيد لاستغلال فارق الإمكانيات لصالحه، ويتجنب مجموعة القاهرة بالقسم الثاني، التي أصبحت مكدسة بفرق الشركات فيحقق تأهل أسهل نسبيًا للدوري ومن ثم ينتقل للعب بالقاهرة ليستفيد من إمكانات الملاعب هناك، ويحرم الصعيد حتى من المنافسة الشرفية.


اقرأ أيضًا: مركزية كرة القدم: لا أحد يفوز إلا في القاهرة

 


حدث ذلك مؤخرًا مع البنك الأهلي، وهذا الموسم مع الشرقية للدخان المرشح الأقرب للتأهل من مجموعة الصعيد، وكان بيراميدز أيضًا قبل سنوات مسجَّل باسم الأسيوطي ويتبع بني سويف.

مشاركة أندية الأقاليم المصرية، خاصة بالدلتا والصعيد، في البطولات الأفريقية ظلت محدودة عبر التاريخ، لكن بعضها حقق مشاركات تاريخية وظهر منافسًا قويًا على البطولات.

لعل ألوان نهضة بركان البرتقالية تذكرنا بأشهر الأندية المصرية التي ارتدت الألوان ذاتها وهو نادي المنصورة، الذي شارك في بطولة أفريقيا أبطال الكؤوس 1997 مقدمًا فيها أداءً مميزًا ووصل للدور نصف النهائي وخرج بصعوبة على يد النجم الساحلي التونسي. كذلك مشاركة غزل المحلة أفريقيًا كانت الأبرز بوصول زعيم الفلاحين لنهائي بطولة أفريقيا للأندية 1974، لكنه فشل في تحقيق اللقب.  بينما جاء نهضة بركان من أقصى الحدود المغربية لينافس على بطولات أفريقيا، لم ينجح أي فريق مصري من الصعيد في مجرد المشاركة أفريقيًا، وإن تحقق حلم المشاركة يومًا ما في الماضي لبعض أندية الدلتا كالمنصورة أو المحلة، فإنه أصبح الآن أشبه بالمستحيل وصارت المشاركة أو الاستمرار بمسابقة الدوري المحلي بالأمر الصعب في حد ذاته.