من زيارة رئيس الوزراء لمستودع أمازون. الصورة: رئاسة الوزراء- فيسبوك

أسماك مصر الصغيرة: التخصص في مواجهة أمازون

منشور الاثنين 13 سبتمبر 2021

مؤخرًا، افتتح رئيس الوزراء مستودعًا لشركة أمازون الأمريكية في مدينة العاشر من رمضان على مساحة 28 ألف متر، والتي تقترب من مساحة سوق شعبي ضخم افتتحته الحكومة مؤخرا بحي البساتين.

الاهتمام الحكومي بمستودع أمازون، لاينبع فقط من كونه ضخمًا في المساحة ولكن لأنه يتمتع بتقنيات ذكية في مجالات تعبئة البضائع والتواصل مع العملاء، كما تذكر الشركة في بيانها، وقد استغلت أمازون هذه الزيارة للإعلان عن حضورها إلى مصر.

وبينما تروج الشركة، التابعة للملياردير الشهير جيف بيزوس، إلى أنها توفر ثلاثة آلاف فرصة عمل في مصر، هناك الكثيرون ممن اختاروا أن يكونوا رواد أعمال على غرار بيزوس، وهؤلاء تثير الدعاية المصاحبة لحضور الشركة مخاوفهم من احتكارها لنشاط التجارة الإلكترونية، في هذا التقرير نحاول أن نسمع بعض من أصوات رواد الأعمال في هذا المجال، وما هي رهاناتهم على منافسة العملاق الأمريكي.

مصطفى زينهم، بدأ منذ 3 سنوات، تأسيس شركة تحمل اسم سوق شعبي شهير "توفيقية دوت كوم "، ويطمح لأن يحظى بشهرة مماثلة في مجال تسويق قطع غيار السيارات عن  طريق موقعه الرسمي، والتجهيز لتطبيق هاتفي.

يقع مكتب زينهم حاليًا في مقر متواضع بمنطقة المعادي، وربما كان من ضمن من استلهموا فكرة المشروع من مكتب جيف بيزوس الصغير عام 1994 والذي تحول خلال سنوات من مجرد موقع لتسويق الكتب إلى واحد من عمالقة التجارة الإلكترونية.

لكن اليوم، لا يرى زينهم رجل الأعمال الأمريكي كشخصية ملهمة، وإنما منافس شرس، "أمازون مصر وُلدت عملاقة عن طريق الاستحواذ على سوق دوت كوم، التي تمتلك بالفعل  أكثر من نصف التجارة الإلكترونية في البلاد، حصل أمازون على هذه الحصة بأقل مجهود".

 

من زيارة رئيس الوزراء لمستودع أمازون. الصورة: رئاسة الوزراء- فيسبوك

يشعر زينهم أن المكانة المالية الضخمة لأمازون تؤهلها لأن تتوسع بسرعة تفوق سرعة شركته بآلاف الأميال، فقد استحوذت على حصة "سوق دوت كوم" من خلال صفقة في 2017، ووصل إجمالي استثماراتها في مصر لأكثر من مليار دولار ما يؤهلها لاقتناص حصص أكبر من السوق.

الأخبار عن توسعات أمازون في مصر تمهد إلى ميلاد عملاق جديد في سوق التجارة الإلكترونية، فالشركة كانت تتحدث مع وزارة الصناعة قبل عام تقريبًا عن أن طموحاتها لا تقتصر على تسويق المنتجات ولكن صناعة بعض من أيقوناتها الشهيرة داخل مصر، مثل قارئ الكتب "كندل"،  كما أنها كانت تتفاوض على شراء أرض لإنشاء مستودع جديد في سوهاج على مساحة هائلة، 100 فدان، لكي ترسخ من وجودها في الصعيد، وتضيف إلى قدرات "سوق" الكبيرة بالفعل، والتي تقدر بـ 15 محطة لتوصيل الطلبات منتشرة على نطاق جغرافي واسع.

"أمازون لديها ملاءة مالية تؤهلها لإتاحة عروض وتخفيض الأسعار لجذب العملاء، وهو ما لا نقدر على منافسته كشركات صغيرة" كما يقول رائد أعمال في مجال تسويق الملابس أون لاين، تحدثنا معه لكنه طلب عدم ذكر اسمه.

لا تزال أمازون في أيامها الأولى بمصر، لكن بعض انطباعات المستهلكين توحي بأن الشركة راغبة في اتباع كل الأساليب الممكنة للانتشار بقوة، يقول أحد المستهلكين، في حسابه على فيسبوك، إنه طلب رأس مقشة بـ 23 جنيهًا وتفاجئ بأن أمازون أرسلت له المنتج مع شركة شحن كبيرة وعلى يد عامل توصيل أنيق يقود سيارة "فان".

 

لقطة من بوست على فيسبوك عن تجربة شراء من أمازون 

حضور أمازون في مصر لا يثير المنافسة مع الكيانات الصغيرة فقط، ولكن الكبيرة أيضًا، تظهر روح المنافسة بشكل واضح في الدعاية الضخمة التي وضعتها مؤخرا شركة جوميًا، المنافس الأبرز لسوق، فوق كوبري 6 أكتوبر الشهير.

تأسست  جوميا في 2012 على يد شركة ألمانية بهدف التوسع في سوق التجارة الإلكترونية بإفريقيا، بينما تأسست "سوق" في 2005 على يد رجل الأعمال السوري رونالدو مشحور في دبي، لتعمل في الإمارات والسعودية ومصر، وفي الوقت الراهن تدار أنشطتها بالكامل تحت اسم أمازون، بعد استحواذ الأخيرة عليها.

ويبدو من الأخبار المنشورة مؤخرًا عن جوميا أنها تتأهب للمنافسة من خلال تنويع خدماتها، بحيث لا تقتصر على الشكل التقليدي للوساطة في بيع المنتجات عبر الإنترنت، فهي تعمل حاليًا بالشراكة مع البنك الأهلي على تقديم خدمات مصرفية إلكترونية، وتقوم بتوصيل أنواع متعددة من الأغذية تحت اسمها التجاري، وهو ما يشبه نموذج توسع أمازون الذي يتسم بالتنوع الشديد في طبيعة الخدمات المقدمة.

هذا بالنسبة لمنافسة الكبار، فماذا عن صغار المستثمرين؟ على الرغم من حالة القلق التي استشعرناها بين صغار رواد الأعمال الذين التقيناهم، لكن العديد منهم قال إن لديه مميزات تجعله قادرًا على منافسة هذا الكيان الضخم.

كيف تنافس أمازون؟

"لكي تنافس عليك أن توفر مزايا جديدة للمستهلكين، ليس شرطًا أن تكون مزايا مادية، ولكن ممكن أن تتميز في تجارة نوع محدد من السلع، وهو الاتجاه الأكثر رواجًا في الوقت الحالي" كما يقول زينهم، متحدثًا عن نقاط القوة التي يشعر أنه يمتلكها في مجال قطع غيار السيارات في مواجهة الكيانات صاحبة رأس المال الكبير.

ويتابع زينهم "نحاول التيسير على صاحب السيارة مهمة البحث عن قطع الغيار، من خلال سؤاله عن نوع السيارة والموديل وسنة التصنيع، كما ندله على أقرب ورشة صيانة ونحدد ميعاد مع الفني المسؤول في الورشة، وهي خدمات لن تجدها بسهولة في أمازون".

ويضرب مثالًا بمنصة تسويقية أخرى تعمل في مجال بيع الأحذية بالسوق المصري، وساعدها هذا التخصص على دراسة مشاكل العملاء وتقديم خدمة متميزة "لاحظت إحدى المنصات أن بيع الأحذية إلكترونيًا يواجه مشكلة تتعلق بعدم قدرة العميل على تحديد المقاس المناسب له، فطورت من الخدمة بحيث أصبحت ترسل مقاسين مختلفين من نفس الحذاء حتى توفر الوقت والتكلفة، وهو ما ساهم في ارتفاع مبيعاتها". 

بل إن زينهم يعتبر دخول أمازون بمثابة داعم للسوق الذي يعمل فيه، حيث يقول "هم يستثمرون أموالًا ضخمة في تشجيع الجمهور على الشراء إلكترونيًا".

رائد الأعمال الذي يعمل في مجال تسويق الملابس، الذي أشرنا إليه في بداية الموضوع، يرى أيضًا أن لديه خدمة مميزة يستطيع أن ينافس بها أمازون "لم نؤسس منصة لمجرد بيع الملابس، ولكننا نلعب دور الوسيط بين المصنعين ومن يقومون بأعمال التجارة إلكترونيًا، حيث نوفر للتجار كتالوجات إلكترونية بالبضائع مقابل اشتراك مدفوع، وبذلك نوفر تكاليف الانتقال إلى المناطق الصناعية البعيدة على صغار التجار".

ومن واقع تجربته، يقول عمر المنير وهو شريك مؤسس في سيجما فيت التي تعمل في تصنيع الملابس الرياضية "جربنا التسويق عبر مواقع كبيرة مثل جوميا ونون لكن التجربة لم تكن مُرضية، بينما كان البيع عبر منصتنا الذاتية أكثر ربحًا".

ويعتبر المنير، في حديثه مع المنصة، أن مصدر قوة المنصات الذاتية هو أنها قادرة على بناء مساحة أكبر من الثقة في جودة المنتج مقارنة بالمنصات الكبيرة التي تعرض أنواعًا متفاوتة من المنتجات.

لذا فهو يرى أن أمام الشركات المصرية فرصة كبيرة لتطوير البيع عبر منصاتها وليس العمل تحت أي منصة، وذلك من خلال خدمات إضافية مثل أن تتيح الشركة للعميل أن يختار المنتجات التي تعجبه بشكل مبدئي وترسلها له مع مندوب لرؤية المنتج على الطبيعة قبل أن يدفع الثمن، أو أن توفر شركات الأثاث خاصية أن يرى العميل شكل منزله بمساحاته بعد إضافة قطعة الأثاث التي يريد شراؤها قبل أن يتم عملية الشراء، أو أن يرسل الطلب خلال ساعات لمعاينة المقاسات في حالة منتجات الملابس.

"توفر هذه الخدمات طرقًا للتواصل مع العملاء، وتقرب له مسافات دون مخاطرة، تساعد مثل تلك الحلول على اكتساب الثقة، و إقناع العملاء بالشراء أونلاين، الأمر لا يعتمد فقط على اسم المسوّق ولكن يعتمد على إقناع العميل بإيجاد ما يريده حقًا وليس سلعًا مقلدة تختلف حقيقتها عن الصور المعلن بها" وفقًا للمنير.

النماذج السابقة لا تمثل الحالة الشائعة في السوق المصري، فهناك العديد من العاملين في التجارة الإلكترونية ليست لديهم رؤوس أموال لتأسيس منصة تسويق بشكل احترافي وتقديم خدمات متميزة، لذا فهم يعتمدون إما على البيع من خلال المواقع الكبرى أو على التسويق عبر صفحات على فيسبوك.


اقرأ أيضًا: سويفل نموذجًا: الأعمال الصغيرة لا تكبر في مصر

 

إضاءة برج خليفة في دبي بشعار سويفل . الصورة: صفحة سويفل الرسمية - فيسبوك

إحدى رائدات الأعمال التي تعمل في تسويق الملابس، طلبت عدم ذكر اسمها، قالت إنها تتطلع " للعمل تحت جناح أمازون وليس في مواجهته".

بالنسبة لهؤلاء التجار الصغار فإن تطور مواقع التسويق الكبرى تمثل فرصة بالنسبة لهم للتوسع أكثر في السوق، فهؤلاء من يطلق عليهم Third Party Seller، ممن يستخدمون مواقع مثل أمازون كمنصة تسويق لبضائعهم.

لكن في أمريكا، كان توسع أمازون في التعامل مع هذه الأطراف أحد الأسباب الرئيسية لتوجيه اتهامات بممارسات مخالفة لتقاليد السوق الحر، إذ استطاعت الشركة أن تتضخم بحيث أصبح عدم اللجوء لتسويق المنتج على موقعها أمر صعب للغاية، وفي هذا السياق كانت الشركة توجه لوغاريتمات الموقع لكي تكون الأولوية في نتائج البحث للسلع التي اشترى المتاجرون فيها خدمات من أمازون، مثل الخدمات اللوجيستية، حتى وإن لم تكن الأقل سعرًا. 

إلا أن رواد أعمال مثل المنير يرون أن المخاوف من احتكار أمازون للحياة التجارية في مصر مبالغ فيها، نظرًا إلى أن نفاذ التجارة الإلكترونية لتعاملات المصريين لازال ضعيفًا، لأسباب عدة منها تفاقم اللارسمية ومحدودية التعاملات المالية الإلكترونية.

 وتشير تقديرات إلى أن حجم التجارة الإلكترونية في مصر يتراوح بين 25 إلى 30% من إجمالي التجارة.

"عملاء أمازون من البائعين والمشترين ستظل نفس الفئة التي كانت تتعامل مع سوق وجوميا ونون قبل ذلك، أما بائعي السلع المقلدة فلن تقبل أمازون التعامل معهم وسيظلوا يسوقون منتجاتهم من خلال منصاتهم الذاتية (...) الإضافة التي ستمثلها أمازون لسوق التجارة الإلكترونية في مصر، ستتركز  في مجال تحسين خدمة المستخدمين وخدمات ما بعد البيع وهي أكثر النقاط التي تستثمر فيها أمازون، وهي خطوة قد تساهم تطور التجارة الإلكترونية في سوق صغير جدًا في هذه الصناعة عالميًا"، كما يقول المنير.