مستشفى الرمد في بورسعيد في شراكة مع القطاع الخاص. الصورة: محمد الخولي- المنصة

حيث يعلو صوت الناس على الدعاية: تقييم تجربة التأمين الصحي الشامل

منشور الأحد 14 نوفمبر 2021

إن كنت من سكان الدلتا أو القاهرة الكبرى فإنك في الغالب تقرأ تجربة قادمة إليك من المستقبل، إذ أنه من المتوقع أن يصل مشروع التأمين الصحي الشامل إليك بعد نحو 15 عامًا من الآن.

هل نظام التأمين الصحي الجديد سيمنحني حق دخول لأي مستشفى والكشف والعلاج أو إجراء جراحة دون أن أدفع شيئًا في المقابل شيء حقيقي، مثل مواطني دول أوروبا الغربية مثلًا؟

الإجابات لم تكن بسيطة؛ ولهذا ذهبت المنصة إلى بورسعيد باعتبارها أول المحافظات التي يُطبق فيها نظام التأمين الصحي الجديد منذ عام 2019.

"الصحفيين بيجوا يتكلموا معانا وفي الآخر يكتبوا إن كل حاجة زي الفل"، يقول محمود حسن، سائق تاكسي من المدينة، عن تجربته مع التأمين الصحي الجديد، التقيناه ومجموعة من المواطنين على مقهى بالحي الإفرنجي، وكان العديد منهم يطلب بإلحاح أن نكتب عن حقيقة التجربة بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات.

لا ينكر حسن أنه استفاد من القانون الجديد للتأمين الذي تطبقه الحكومة في الوقت الراهن بشكل تدريجي على مستوى المحافظات، ولكنه يشعر بأن المستقطَع من دخله الشهري في صورة اشتراك في نظام التأمين ليس بالهين، ولا تزال الخدمات أقل من مستوى توقعاته.

يمثل التأمين الصحي الشامل مشروعًا واعدًا، كونه يهدف لتغطية كل المصريين بالخدمات الصحية الضرورية وبتكلفة تقل كثيرًا عن القطاع الخاص، لكن النجاح في تطبيقه يتوقف على مدى قدرته على إقناع المواطنين بالاشتراك فيه، وتطوير البنية الأساسية للمستشفيات والعيادات التابعة له، وأخيرًا تحسين ظروف عمل الأطباء، وهي العوامل الثلاثة التي حاولنا رصد مدى تحققها في أولى تجارب هذا التأمين الجديد ببورسعيد.

اشتراك إلزامي

في 2018، صدر قانون جديد للتأمين الصحي يهدف لتغطية كافة المواطنين بهذه الخدمات. وفي يوليو/ تموز 2019 بدأ التشغيل التجريبي لمنظومة التأمين الجديدة في بورسعيد، كأول محافظة تتعامل مع القانون الجديد، على أن يتم التوسع لاحقًا في باقي المحافظات خلال 15 سنة على أقصى تقدير.

ويستهدف القانون توفير مستوى جديد من الخدمات العلاجية لم يعهده المواطنون في المستشفيات العامة، التي تتسم غالبًا بالتزاحم ونقص المستلزمات العلاجية، وسوء الحالة الإنشائية، لكن إتاحة هذه الخدمات يتطلب تعبئة موارد مالية كبيرة، وهو ما تتطلع الحكومة لسد جزء مهم منه عن طريق إلزام كافة المواطنين بسداد اشتراكات تأمينية، والاستعانة بالقطاع الخاص "من أجل إجراء برامج تدريب وتطوير للكوادر الطبية والإدارية للعاملين بالمستشفيات". وبالفعل تم توقيع 5 بروتوكولات بين وزارة الصحة مجموعات طبية خاصة بهذا الهدف بحسب ما نقلت الأهرام في أبر يل/ نيسان 2019.

تبدو الاشتراكات في القانون الجديد أشبه بضريبة الدخل، حيث يتم استقطاعها بنسب مختلفة من دخول العاملين، وسيتم توسيع نطاق الاشتراكات حيث يلتزم كل رب أسرة عامل بالاشتراك عن عائلته أيضًا، لكن في المقابل تلتزم الحكومة بسداد الاشتراكات عن "غير القادرين" من منخفضي الدخل، وصدر قرار مجلس الوزراء رقم 148 لسنة 2019، لتحديد غير القادرين وضوابط إعفائهم من اشتراك نظام التأمين الصحي الشامل.

وفقا للتجربة التي سمعناها من حسام السيد، وهو موظف حكومي، يبدو فعلًا أن وزارة المالية تستقطع مبالغ جديدة من دخل عائلته لم يعهدها من قبل، تحت بند الاشتراك في التأمين الصحي.

ففي القانون القديم كان يخصم من السيد 1% من أجره الأساسي، أما في القانون الجديد فيخصم منه 1% من الأجر الشامل، ما يعني زيادة كبيرة في قيمة ما يدفعه من دخله. بجانب النسبة السابقة؛ فإن زوجته تدفع هي الأخرى 1% من راتبها كمشتركة مستقلة لنفسها كونها تعمل في الحكومة أيضا، أما إذا كانت  الزوجة غير عاملة فيخصم من راتب الزوج 3%.

بجانب ما سبق؛ فإن الدولة تخصم منه 2% أيضا من إجمالي المرتب الشهري، وذلك للتأمين على كل من ابنيه.

يقول السيد إن ابنيه كانا يتمتعان بالتأمين الصحي المدرسي قبل القانون الجديد، ولكن الحقيقة أن التأمين على طلبة المدارس لم يكن بدون مقابل ولكن كان في مقابل اشتراك بالغ التدني، لا يتجاوز 12 جنيهًا سنويًا، وعلى الأرجح لم يكن السيد يشعر بها عند سداد المصروفات.

جمال السيد، كمعظم موظفي الحكومة، لا يكفيه مرتبه، الأمر الذي يدفعه للعمل سائق تاكسي لمواجهة تكاليف المعيشة، وعند تجديد رخصة التاكسي يدفع أيضًا رسوما لصالح اشتراك التأمين، هذه الرسوم تتراوح بين 20 و300 جنيه، طبقًا لنصوص القانون.

وبالتالي فإن جمال يخصم من راتبه 3% وزوجته 1%، وهكذا تدفع الأسرة المكونة من أب وأم عاملين 4% من إجمالي دخلها بالإضافة إلى رسوم التاكسي التي تصل إلى 200 جنيه.

 لكن بحسب رواية الموظف الحكومي فإن هيئة التأمين الصحي لم تستعلم عن الدخل الذي يحققه من التاكسي لخصم نسبة منه، واكتفت بمبلغ مالي ثابت.

لم يُجب مسؤولون في وزارة المالية اتصلنا بهم لمعرفة إذا ما كان الدخل غير المنتظم، مثل التاكسي يخضع للاشتراك أيضًا، لكن المؤكد أن القانون الجديد يستهدف الدخل المحقق من كل الوظائف وليس دخل وظيفة واحدة.

هذا بالنسبة إلي الموظفين؛ لكن من الأرامل وأصحاب المعاشات تخصم الدولة 2% من إجمالي المعاش، بمعنى أن صاحب الحد الأدني للمعاش والذي يحصل على 900 جنيه في الشهر، يُخصم منه 18 جنيهًا شهريًا تحت بند التأمين الصحي الشامل.

وبالنسبة للأعمال الحرة والعاملين بالخارج يخصم 5% من العامل وفقًا لأجره التأميني، أو الأجر وفقًا للاقرار الضريبي أو الحد الأقصى للأجور أيهما أكبر.

وبقدر ما يفرض القانون الجديد أعباء مالية على عائلات من الشرائح الدنيا للطبقة المتوسطة، مثل عائلة السيد، فهو يتميز عن القوانين السابقة في أنه يهتم بإدماج الفقراء في منظومة التأمين ويتحمل عنهم تكاليف الاشتراك.

على شاطئ بورسعيد، التقينا سيدة تبيع المناديل، قالت لنا إنها من مستحقي معاش تكافل وكرامة، الذي تقدمه الدولة للأقل دخلًا منذ 2015، وهي بحكم القانون من "غير القادرين" الذين تكفل لهم الدولة حق التأمين بدون مقابل.

بحسب التجربة التي روتها لنا السيدة، كان اشتراكها في التأمين الجديد أمرًا ميسرًا دون عوائق "روحت بالبطاقة وسجلت وأخدت كارت التأمين من غير ما أدفع حاجة".

هذا عن الأموال المستقطعة نظير الاشتراك.. إذن كيف تكون الخدمة؟

المواطن: كيف يتصرف في الطوابير؟

في مقابل إتاحة التأمين لقطاع واسع من المواطنين، لا تزال المنظومة الجديدة عاجزة عن توفير الخدمة بالسرعة الكافية، وهذا من أبرز ملامح عدم رضا جمال السيد وغيره من عشرات المواطنين الذين تحدثنا معهم في الشوارع أو جلوسًا على المقاهي.

تختلف منظومة التأمين الجديدة عن المستشفيات العامة، في أن الوصول لخدماتها لا يتم إلا بعد الكشف على المريض في وحدات الرعاية الأولية.

هذا هو ما سيحدث معك إن اشتكيت من عارض صحي ما:

أولًا: ستتصل بالخط الساخن لتحديد موعد مناسب. ثانيًا: ستصل في موعدك إلى الوحدة الصحية التابع لها، وهنا يستقبلك طبيب الأسرة الذي يستمع إلى شكواك فيحدد لك العلاج إن كانت حالتك بسيطة أو يحولك إلى الطبيب المختص في نفس الوحدة إن كان متوفرا بها التخصص الذي تحتاجه. أما إن كانت الحالة تستدعي تحويلًا متخصصا، هنا ستدخل في المرحلة الثالثة: تحويلك إلى مستشفى مختص.

ورغم أن هذا النظام، ظاهريًا، يساعد على الحد من ظاهرة التكدس التي تشتهر بها المستشفيات العامة في باقي المحافظات، فإن محدودية إمكانيات النظام التأميني الجديد ساهمت في خلق مشكلة قوائم انتظار طويلة في المرحلة الأولى وهي وحدة الرعاية الأولية.

 

مستشفى التضامن في بورسعيد- تصوير: محمد الخولي

يروي لنا محمود حسن، موظف حكومي، تجربته عن الانتظار وكيف قادته في النهاية للاعتماد على القطاع الخاص "كنت أشتكي من ألم في الضرس، اتبعت الخطوات: اتصلت أولًا بالرقم الساخن للتأمين الصحي وحددوا لي موعدًا في وحدة الرعاية الأولية بعد أسبوع. وعندما ذهبت وجدت الطبيبة أن حالتي تستدعي التحويل إلى طبيب مختص. وحددت لي موعدًا في المستشفى بعد 4 أيام.

انتهت المرحلتان بعد 11 يومًا، قبل الوصول للخطوة الأخيرة، وهي الذهاب إلى لمستشفى والكشف عند الأخصائي، الذي فحصني وأجرى تنظيفًا وطلب مني معاودة زيارته مجددًا بعد أسبوع. لم أحتمل الألم مع الانتظار لأكثر من 18 يومًا. فخرجت من المستشفى وذهبت إلى طبيب خاص وعالجت المشكلة كلها في جلسات مكثفة استغرقت 3 أيام".

يزداد الأمر تعقيدًا إذا اجتمعت مشكلة الطوابير مع غياب الصيانة عن الأجهزة، يحكي لنا حسن عبد الستار، موظف حكومي، أنه ذهب إلى مستشفى التضامن لإجراء أشعة رنين مغناطيسي لابنه، يقول "شعرت في البداية بارتياح لنظافة المكان"، لكنه صدم بعد ذلك من كثافة المواطنين "قعدنا حوالي 6 ساعات وكانوا بيقولوا نفس الكلام القديم إن الجهاز عطلان، لكن بصراحة عملت الأشعة بعد الانتظار لفترة طويلة".

يروى رئيس نقابة الباعة الجائلين ببورسعيد، محسن نشأت، قصة مشابهة "لجأت إلى التأمين  لإجراء جراحة خُرّاج وانتظرت لأكثر من 10 أيام لإجراء الجراحة". وفي مرة ثانية "احتجت لأشعة مقطعية، فأبلغوني بأن الجهاز في مستشفى السلام به عطل، وحوّلوني إلى مستشفى النصر، وبالفعل أجريت الأشعة لكن بعد وقت انتظار طويل".

في المقابل؛ التقينا مواطنًا اضطر للتعامل مع قسم الطواريء في التأمين، لكن تجربته انتهت بشكل طيب وفي وقت سريع.

يقول عمرو محمد، مدرس "الساعة 3 الفجر اشتكت زوجتي من آلام الولادة، روحنا على طوارئ مستشفى النساء التخصصي، ودخلت العمليات على طول دون أي انتظار، ودفعت 300 جنيه قيمة كل حاجة، والخدمة كانت ممتازة والناس محترمة". يضيف "مكنتش هروح مستشفى حكومي قبل النظام ده، لإن كلنا عارفين النظام كان عامل إزاي، ولو روحت مستشفى قطاع خاص كنت هادفع على الأقل 10 آلاف جنيه للمستشفى والطبيب والرعاية". 

تعكس الرواية الأخيرة قدرة النظام الجديد على خلق انطباعات إيجابية عن خدمات الدولة في التأمين، لكن معظم مَن التقيناهم لم يشتكوا من أي شيء إلا الطوابير، دون مشكلات كبيرة تُذكر مع العامل البشري.

الطبيب: كيف يتصرف مع نقص الأعداد؟

واحدة من الملامح الأساسية لنظام التأمين الصحي الجديد هي أنه يقصر دور هيئة التأمين على جمع الاشتراكات، ويفتح الباب لدخول القطاعين العام والخاص في النظام الجديد، بعد أن كان يقتصر على مستشفيات التأمين الصحي.

الهدف المعلن من "فصل التمويل عن الخدمة" هو أن تصبح هيئة التأمين أكثر حرية في اختيار أفضل مقدم للخدمة في مكان تطبيق القانون. فمثلًا يمكن التعاقد مع مستشفيات القطاع الخاص أو العام بشرط أن تتوافق مع معايير التأمين الصحي الشامل.

لكن إنهاء احتكار الدولة تقديم خدمات التأمين لا يضمن حلًا لكل المشكلات، فمعضلة نقص عدد الأطباء لا يمكن حلها باللجوء للقطاع الخاص، لأنها مشكلة مشتركة بين القطاعين.

في مستشفى الرمد؛ التقينا أحد الأطباء وسألناه عن السبب وراء طوابير الانتظار الطويلة، وجاء رده مقتضبًا وهو يتحدث عن كثافة الخدمات المطلوبة في مقابل عدد الأطباء المحدود "لدينا الآن حجوزات لا نستطيع الاستجابة لها إلا بعد شهر كامل".

 

مبنى التأمين الصحي الشامل في بورسعيد. الصورة: محمد الخولي- المنصة

تجاهلت مسؤولة في إعلام الهيئة العامة للرعاية الصحية سمر مسعد الرد على رسائل نصية للمنصة للتعليق على مشكلة الانتظار ونقص أعداد الأطباء.

كما أننا حاولنا التواصل مع مدير عام الرعاية الصحية بمنظومة التأمين الصحى الشامل فى بورسعيد، الدكتور مصطفى شعبان، أكثر من مرة سواء بالاتصال أو بالرسائل لكنه لم يرد.

فيما يقول طبيب جراحة في مستشفى التضامن إن "بورسعيد بشكل عام وقبل تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل كانت تعاني من قلة عدد الأطباء في جميع التخصصات، بالإضافة إلى عدم وجود تخصصات طبية معينة مثل المخ والأعصاب والقلب والصدر من الأساس".

يؤكد على هذه المعلومة طبيب جراحة عيون في مستشفى الرمد "عدد أطباء العيون حاليا في بورسعيد لا يزيد عن 40 طبيبًا، بينهم 4 أو 5 جراحين مهرة. في حين تحتاج هذه المحافظة ما لا يقل عن 120 طبيبًا، منهم 12 على الأقل من الجراحين". 

وفي محاولة لجذب الأطباء للمنظومة تم تحسين أجورهم، مقارنة بالأجور المعتادة في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، لكن 4 أطباء يعملون بمستشفيات مختلفة في بورسعيد، قالوا لنا إنهم لا يشعرون أن النظام الجديد منصف لأنه في مقابل الأجور الزائدة تم فرض أعباء عمل ضخمة، كما أصبح نظام الجزاءات أكثر تشددا في الخصم من الراتب.

طبيب تخدير في مستشفى النساء والولادة يقول "يُخصم مني جزء كبير من الحوافز إذا تم شطبي في الحضور والانصراف، أو إذا تأخرت في تقديم إذن انصراف، ويخصم مني إذا رآني المدير أو رئيس القسم لا أرتدي الـ"ID"، أو إذا خلعت البالطو، وهكذا". 

يتابع "في المقابل لا ينظر أحد لما يتعرض إليه الطبيب من ضغط في العمل. يعني مثلا دكتور تخدير هيشتغل 24 ساعة آه، بس 24 ساعة يشتغل فيهم 10 حالات غير 24 ساعة هيشتغل فيهم 25 حالة. الضغط دا ممكن يخليه ميكملش كتير في النظام الجديد".

جراح عيون في مستشفى الرمد، يشتكي الأمر نفسه، يقول إنه يعمل في وزارة الصحة منذ 15 سنة، وهو الآن على الدرجة الأولى وراتبه قبل منظومة التأمين الصحي الشامل كان 3100 جنيه، وبعد المنظومة وصل إلى حوالي 14 ألف جنيه بالتقييم والحوافز، "لكن الزيادة دي مش ثابتة، خاضعة للإدارة عندنا والإدارة في بورسعيد والإدارة في القاهرة. لو في أي وقت مر مسؤول ومعجبوش الوضع، وطبعا بيبقى وضع ظاهري مش فني، فيخصم لك نص الحافز". 

صيدلاني في مستشفى التضامن، يقول إنه على نهايات الدرجة الثالثة ويحصل على 2200 جنيه كراتب أساسي، لكن تم إضافة 8500 حافز تأمين، ليكون الإجمالي الذي يحصل عليه حاليًا 10700 جنيه، ويعلق على ذلك قائلًا "بشكل عام لما أقول إني كنت بقبض 2200 وبقيت بقبض 10800 دي حاجة كويسة لكن مهم نركز في التفاصيل"، لافتا إلى أنه غالبا لا يحصل على هذا الراتب بشكل منتظم لأن هذا الحافز مرتبط بالتقييم الشهري الذي يحصل عليه الطبيب.

ويشرح الصيدلي أن "40% من الحافز تكون خاضعة للتقييم الشهري الذي تضعه أكثر من إدارة داخل المستشفى، منها إدارة الجودة وشؤون العاملين ومدير المستشفى ورئيس القسم". وأنه يحصل على الحافز بحسب درجة تقييمه "يعني لو جبت 90% في التقييم آخد 90% من الـ40%، ولو جبت 85% آخد 85% من الـ 40%"، مشيرا إلى أن التقييمات كانت موجودة قبل تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل لكن كانت توضع كشرائح "بمعنى أن من يحصل على أكثر 85% يحصل على الحافز كامل ومَن يحصل على أقل مِن 85% يحصل على حافز أقل وهكذا". 

يضيف الصيدلاني "هذا التقييم بخلاف الجزاءات التي قد يتعرض لها، لعدم ارتدائه كارت التعريف، أو البالطو أو غيرها من الأسباب التي تؤدي إلى الخصم من إجمالي الحافز و"الحقيقة الجزاءات بتوجع. يعني أنا مثلا بيتخصم مني كتير قوي"، يضيف "يُستقطع من الراتب الإجمالي 1800 جنيه للضرائب والتأمينات والمعاشات"، وبالتالي بحسب الطبيب إذا لم يحصل على أي جزاءات وحصل على 100% في التقييم يكون راتبه وهو على نهاية الدرجة الثالثة 8900 جنيه.

يذهب طبيب قلب في مستشفى المبرة إلى أن هناك مشكلة بشكل عام في تقييم ما يستحقه الطبيب، فالأطباء المعجبون بالراتب الحالي يقارنونه بما كانوا يحصلون عليه في السابق، وهذه مقارنة ليست عادلة "فإجمالي ما يحصل عليه الطبيب بالفعل زاد، لكن مهام عمله أيضا زادت، وضغط العمل عليه زاد، بخلاف الجزاءات"، مشيرًا  إلى ضرورة وضع أسلوب خاص لتقييم الأطباء.

ويختلف مسؤول طبي بهيئة التأمين الصحي، التقينا به، مع تعليقات الأطباء السابقة بشأن الجزاءات، مرجحًا في الوقت ذاته أن يكون هناك بعض المسؤولين يستخدمونها بطريق خطأ "لكن هذا ليس عيبًا في نظام التقييم وإنما في الشخص الذي يطبقه"، مؤكدًا أن هذه التقييمات مستوحاه مع أنظمة صحية عالمية، وفي غالبيتها  تهدف إلى حماية الأطباء من العدوى، وانتظام العمل وتحسين الخدمة المقدمة للمرضى" ويضيف أن الدولة تحاول معالجة العجز في عدد الأطباء لتقليل ضغط العمل للأطباء لكن هذه مشكلة عامة ولن تحل بين يوم وليلة.

الأطباء المتعاقدون: كيف يتصرفون مع الاغتراب؟

كحل مؤقت لأزمة نقص عدد الأطباء، وندرة بعض التخصصات، لجأت هيئة التأمين الصحي الشامل إلى التعاقد مع أطباء من خارج بورسعيد للعمل ضمن المنظومة، وهو نظام يتم من خلاله التعاقد من أطباء في تخصصات معينة بها نقص في مستشفيات بورسعيد، بمقابل مادي، وفي هذا النظام يتم الاتفاق مع الطبيب على عدد ساعات معينة، بمقابل مادي، لكنها تخضع أيضًا للتقييمات والخصومات والجزاءات.

 

عدد الأطباء فى القطاع الحكومي على مستوى الجمهورية- الجهاز المركزي للتبعئة العامة والإحصاء

وبحسب المصادر التي التقينا بها فإن هناك ميل قوي بين الأطباء الوافدين لعدم الاستمرار في هذه التعاقدات، ويعزو جرَّاح عيون تحدث إلى المنصة هذه الظاهرة إلى ضعف الحوافز المادية وضغط العمل بشكل رئيسي، بينما يشير طبيب آخر إلى أن الوافدين يضطرون لإغلاق عياداتهم في محافظاتهم الأصلية وهو ما يحرمهم من مصدر إضافي للدخل.

يؤكد الأطباء أيضًا في حديثهم مع المنصة أنهم على الرغم من بعض المشاكل لكن بشكل عام هناك خدمة متميزة تقدم للمريض حاليًا، خاصة مع توافر الأجهزة والمستلزمات، بل وصل الأمر، بحسب طبيب تخدير، إلى أن المستشفيات التابعة للتأمين الصحي سبقت المستشفيات الخاصة بخطوات كبيرة، وأصبحت أفضل من حيث الإنشاءات والتجهيزات والآلات، وغرف العمليات أصبحت على أعلى مستوى. 

ويقول طبيب عيون إن مستشفى الرمد حاليًا به جهازي تلسكوب من أحدث الأجهزة في العالم وليس في مصر فقط، ويشير إلى أن قبل تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل كان المستشفى يقدم 4 أو 5 خدمات طبية فقط، الآن أصبح المستشفى يقدم كل الخدمات الطبية وعلى أعلى مستوى "يعني ساعات بيجيبوا حاجات سد خانة عشان الدعاية وبس، لكننا نضغط دائمًا ونبلغ الإدارة في القاهرة والحقيقة في الغالب يستجيبون لما نطلبه".

وهو نفس ما يقوله طبيب القلب، إذ يؤكد على أنه بما أن تخصص القلب والصدر من التخصصات النادرة كانت هناك مشكلة كبيرة في التعامل معها قبل المنظومة الجديدة، لافتًا إلى أن المريض الذي كان يعاني مشاكل في القلب، مثل صمامات أو شرايين أو أورام مثلًا، ويحتاج إلى جراحة على نفقة الدولة أو التأمين الصحي كان يسافر إلى محافظة أخرى، كمستشفى المنصورة مثلًا، ويدرج على قائمة انتظار يمكن أن تستمر ستة أشهر ثم يذهب إلى هناك لإجراء الجراحة ويجلس هو وأسرته هناك لأسبوع أو أسبوعين ثم يعود إلى بورسعيد، الآن هذا الأمر لم يعد موجودًا والمريض يعالَج في بورسعيد.


*المصادر الطبية في هذا التقرير تحدثت إلي المنصة بشرط عدم الكشف عن هويتها.