المحامي الحقوقي الراحل أحمد سيف الإسلام في محاكمة عمال المحلة التي أعقبت إضراب 6 إبريل 2008- تصوير سارة كار

من مذكرات دفاعه: "سيف".. مُعلِّم الحق والقانون

منشور السبت 27 أغسطس 2016

 

في مثل هذا اليوم قبل عامين، وببوست قصير على فيس بوك أعلنت أسرة المحامي الحقوقي الراحل أحمد سيف رحيله عن عمر 63 عامًا. وفي ذكراه الأولى وخلال احتفالية استضافتها نقابة الصحفيين تحت اسم "اللي علِّم ما ماتش"، أصدر تلاميذه وأسرته كتابًا يحوي مختارات من المرافعات التي قدمها سيف في ساحات المحاكم المصرية المختلفة، دفاعًا عن حقوق الإنسان في العمل والاحتجاج والمحاكمة القانونية العادلة وغيرها من المبادئ التي كان يؤمن بها المحامي الراحل، وتخصص في الدفاع عنها بعد اعتقاله السياسي لسنوات.

في ذكرى وفاته الثانية، تستعرض المنصة مختارات من المرافعات الواردة في كتاب "أحمد سيف- قضايا حقوقية" الصادر العام الماضي في ذكرى وفاته الأولى.

 

الحق في التظاهر – مظاهرة كنيسة العذراء بشبرا

في الليلة الأخيرة من عام 2010، وقع تفجير كنيسة القديسين بالأسكندرية، ما أدى لمصرع 26 ضحية معظمهم من المسيحيين الحاضرين لقداس رأس السنة. وبعدها بأيام دعا الناشط الراحل "مينا دانيال" لمظاهرة تضامنية أمام كنيسة المسرة بحي شبرا بالقاهرة (من مناطق تركز الأقباط في العاصمة)، للمطالبة بتحقيق شفاف وعلني في واقعة التفجير.

استجاب للدعوة عدد من شباب القوى السياسية وأسر قبطية، ورغم محاصرة الشرطة للمظاهرة بالكامل إلا أنها ألقت القبض على خمسة من المتضامنين وصحفي مكلف بتغطية المظاهرة، بالإضافة لثلاثة شبان تم القبض عليهم عشوائيًا من شوارع منطقة شبرا، ووجهت النيابة لهم عدة اتهامات من بينها تحطيم مدرعات الأمن المركزي والاعتداء على جنود.

يقول محرر كتاب "أحمد سيف- قضايا حقوقية": "انتهت القضية ببراءة جميع المتهمين بعد حكم مبدئي بالحبس سنتين. لم يكن سيف في هذه القضية مجرد محامي؛ بل صمام أمان لكل المتهمين فيها، والمتابع الأكثر إخلاصًا ودأبًا لجلساتها وتفاصيلها طوال نحو عام ونصف. ولم يشعر المتهمون في هذه القضية بعرفان مثلما شعروا تجاه محاميهم الأول.. أحمد سيف الإسلام".  

مظاهرة كنيسة مسرة -

 

الحق في الإضراب- إضراب المحلة 2008

في السادس من إبريل/ نيسان 2008، نفّذ عمال مصانع المحلة للغزل والنسيج إضرابهم الذي أنذروا الدولة به، احتجاجًا على انتشار الفساد في إدارة المصانع وتردي أوضاع العمال. ودعت حركة كفاية والحركات السياسية المتفرعة عنها لإضراب تضامني عام، لتأييد مطالب العمال ورفضًا "للفساد المستشري والغلاء". ولجأت الأجهزة الأمنية لحصار المظاهرات والاعتداء على العمال المضربين، ما أطلق موجة من أحداث العنف استمرت في المحلة لثلاثة أيام، فُرض خلالها حظر التجوال داخل المدينة. وقال شهود عيان إن قوات الشرطة أطلقت عدد من "البلطجية" من الأقسام للقيام بأعمال الشغب والسرقة، التي استمرت في المدينة يومي 7 و8 إبريل/ نيسان، وألقت بعدها القبض على عدد من العمال وقادة الإضراب، بالإضافة لمارة من سكان المدينة الواقعة بمحافظة الغربية شمال القاهرة.

قاد المحامي الراحل أحمد سيف فريق المحامين المتطوعين للدفاع عن العمال ومتهمي الصدفة، الذين وقفوا أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بعدة اتهامات من بينها التجمهر.

 

من إضراب المحلة 6 إبريل 2008 - من موقع "الاشتراكيون الثوريون)

يقول محرر كتاب "أحمد سيف- مرافعات حقوقية": "انتهت قضية المحلة ببراءة 27 متهم والحكم على 22 آخرين بالحبس لمدد متفاوتة، رغم ضعف الأدلة المسندة إليهم، ورغم النجاح في الحصول على هذا العدد كبير من أحكام البراءة؛ إلا أن أحكام الإدانة تركت أثرا مريرا في نفس ”سيف“ وقد عبر هو عن ذلك في إحدى المقابلات الصحفية واصفًا الحكم بأنه (نصف انتصار ونصف هزيمة)".

وحسب الكتاب؛ انصب اهتمام سيف في هذه القضية على ثلاثة نقاط رئيسة أولها: ألا يؤثر وجود المحامين المتطوعين على عمل المحامين الموكلين بأجر الذين لجأت إليهم أسر العمال. وثانيها: تشجيع شباب المحامين المتطوعين على العمل أمام المحاكم المهمة كمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ، وثالثها: "بذل أكبر جهد ممكن لتأصيل وتأسيس مجموعة من الدفوع القانونية للرد على الاتهامات الموجهة، خصوصًا اتهام ”التجمهر“ المنظم بموجب القانون رقم 10 لسنة 2014، تنبؤًا منه بازدياد هذا النوع من القضايا خلال السنوات اللاحقة"

 

 

حرية الاعتقاد – قضية المدون كريم عامر

في 26 أكتوبر/ تشرين ثان 2005، أُلقي القبض على المدون عبد الكريم عامر المعروف باسم "كريم عامر"، الطالب بكلية الشريعة بجامعة الأزهر واحتجز لمدة 12 يومًا قبل الإفراج عنه. وبعد فصله من الجامعة في 2006، عاودت الأجهزة الأمنية القبض عليه ثانية في 22 فبراير/ شباط 2007، بناءً على التدوينات التي كتبها كريم عامر في مدونته منتقدًا التمييز ضد النساء في جامعة الأزهر، وفرض موالاة الرئيس الأسبق حسني مبارك على أئمة وشيوخ الأزهر.

حُكِم على كريم عامر بالسجن 4 سنوات، واحدة منها لـ"ازدراء وتحقير دين الإسلام" وثلاث سنوات لإهانة رئيس الجمهورية. تطوع عدد من المحامين للدفاع عن كريم عامر، على رأسهم الراحل أحمد سيف الإسلام، بالتزامن مع حملة إلكترونية على المدونات المصرية، رافضة لمحاكمة وحبس المدون، بسبب تعبيره عن رفضه لمعتقد ديني، ما ينتهك الحق في الاعتقاد والحق في حرية التعبير بحسب الإعلان الدولي لحقوق الإنسان. 

كريم عامر 

في الكتاب الذي يضم مختارات من مرافعات الراحل، كتبت المحامية الحقوقية روضة أحمد عضوة فريق الدفاع عن عامر: "مساندة سيف جاءت في الوقت المناسب. عندما قابلته، شعرت كأنني أعرفه من زمان. كانت الجلسة ودية، تناقشنا في القضية، وكان يعطيني مساحة للنقاش القانوني، وكأنه هو الذي يتعلم مني، كان مستمعا جيدًا، لا يُرهبك بخبرته القانونية الكبيرة، لكنه يعطيك منها، دون أن يُشعرك بأنه صاحب فضل".

يتساءل أحمد سيف الإسلام في مذكرة الدفاع: "هل يحاكم المتهم لانه سئل عن عقيدته فاجاب إجابة صادمة لمشاعر غالبية من يتعامل مع الأوراق؟".   

 

الحق في محاكمة عادلة – تفجيرات طابا

في أكتوبر/ تشرين ثان 2004، وقعت عدة تفجيرات استهدفت فندقًا وعدة منتجعات بالمنطقة الواقعة بين طابا ونويبع بجنوب سيناء، استهدافًا للسائحين الإسرائيليين الذين يحق لهم دخول المنتجعات السياحية في جنوب سيناء بلا تأشيرة.

ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عدد من أبناء سيناء، ووجهت لهم تهمة الانضمام لجماعة أُسست على خلاف أحكام القانون، ومارست القتل بحق آخرين. وبنص محضر الاتهام في القضية رقم 40 لسنة 2005 جنائية نويبع، المقيدة برقم 24 لسنة 2005 كلي جنوب سيناء، تم القبض على المتهمين بموجب قرارات اعتقال. وتم إحالة المتهمين لمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ قبل أن تستكمل النيابة العامة تحقيقاتها.

تولى المحامي الراحل أحمد سيف الدفاع عن المتهمين، احترامًا لحق المتهمين في الحصول على محاكمة عادلة، وانضم للدعوى بعدما "غُلّت يد النيابة العامة عن استكمال التحقيقات، ولم يسمح للمحامين بتقديم دفوعهم". تمسك أحمد سيف بالدفع بعدم دستورية التنظيم التشريعي للاعتقال، وعدم دستورية الأمر قم 1 لسنة 1981 بتحديد اختصاصات نيابة ومحاكم أمن الدولة طوارئ، وعدم دستورية إنشاء نيابة أمن الدولة بموجب قرار وزاري، وعدم دستورية تحديد اختصاصاتها بموجب أوامر إدارية. لكن المحكمة لم تلتفت إلى هذه الدفوع، ولم تأمر بالإحالة للمحكمة الدستورية، وأصدرت حكمها في الدعوى بإعدام ثلاثة من المتهمين، وبعقوبات أخرى تراوحت بين السجن عدة سنوات، والمؤبد لباقي المتهمين.

لكن القضية أعيدت للمحاكمة في 2012 عندما ألغى المجلس الأعلى للقوات المسلحة التصديق على حكم الإعدام، بعد ضغط حقوقي رافض لأحكام الإعدام، خاصة تلك الصادرة عن المحاكماجراءات تقاضي استثنائية. وعند إعادة المحاكمة، ومع إصرار الحقوقي الراحل على دفوعة المتعلقة بعدم دستورية نيابة أمن الدولة والإطار المنظم لها؛ تمت إحالة الدعوى للدستورية العليا، ووقف سير الدعوى لحين الفصل في الدعوى الدستورية.

وقررت المحكمة الدستورية في 12 يونيو/ حزيران 2013 بعدم دستورية الاعتقال التعسفي، بناءً على المذكرة التي تقدم بها إليها أحمد سيف الإسلام.