صورة التقطتها الكاتبة، في مظاهرة بميدان التحرير، في ٢٧ مايو ٢٠١١.

مع "المجلس المُوَقَّر" لإلغاء الدستور

منشور الاثنين 5 ديسمبر 2016

جاء دستور ٢٠١٤ مخيبا للآمال، فمواده تُخضِع المدنيين للقضاء العسكري، وتضع الكثير من السلطات في يد السلطة التنفيذية وتهدد العديد من الحقوق والحريات بإحالة تنظيمها للقانون. ولكن تمت الموافقة عليه بأغلبية ساحقة، في وجود قوانين مقيدة للحقوق والحريات في التشريع المصري، ومناخ يحتقرها ويجعل من القانون أداة في يد السلطة التنفيذية لقمع الأفراد وإخراس المنتقدين والمعارضين.

قد يرى البعض أن مصر لديها الهيكل الشكلي لما يمكن أن يشكل مجتمعا ديمقراطيا: توجد ثلاث سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، ويوجد دستور، يعترف في مادة منه بالتزامات مصر أمام المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان. ولكن في حقيقة الأمر، بعيدا عن الشكل الجميل، كل من في الدولة يعمل من أجل تفريغ مفهوم "حقوق الإنسان" من جوهره، ووضع عقوبات لممارسة تلك الحقوق، وإرضاء السلطة التنفيذية.

أصدر الرئيس الحالي بعد انتخابه، وقبل انتخاب المجلس التشريعي، حزمة من القوانين بذلت نصوصها كل ما يمكن لتفرغ الحريات والحقوق الواردة في الدستور من مضمونها. أبرزها تعديل المادة ٧٨ من قانون العقوبات، التي جاء نصها غامضًا؛ قد يسمح باعتبار حصول المنظمات الأهلية على تمويلات أو "أشياء أخرى" من قبيل الإرهاب، وتصل العقوبة للإعدام.

ثم جاء قانون مكافحة الإرهاب نفسه، الذي يتوسع في تعريفه للإرهاب بطريقة غير مسبوقة، ويمنع نشر أية معلومات أو تغطية صحفية بشأن العمليات المسلحة غير تلك التي تصدر رسميا، بل ويعاقب على النشر غير المُقيَّد بالبيان الرسمي.

وكان المفترض أن يقوم مجلس النواب بدوره الحقيقي، ليس فقط في سرعة إصدار القوانين المكملة للدستور، والتي تضمن حماية الحقوق والحريات؛ ولكن في مراجعة ترسانة القوانين الصادرة في غيابه، والتي تفرغ الدستور من مضمونه وتعديلها. وللأسف بدأ مجلس النواب أول ما بدأ، بالتصويت بالموافقة على كل القوانين التي أصدرها الرئيس، رغم العمل الجاد الذي قام ويقوم به المجتمع المدني من أوراق بحثية وتوصيات تفسر وتشرح الإعتراضات وتعرض البديل.

يعمل مجلس النواب بأقصى طاقته، وبثقة يحسد عليها، في التهليل للسلطة التنفيذية، دون فهم حقيقي لدوره الرقابي عليها ولا للنصوص الدستورية التي يفترض به حمايتها. لا يجد النواب غضاضة في أن يصبحوا أضحوكة العالم بعد أن صاروا كمشرعين يعملون بدوام كامل لدى السلطة التنفيذية.

في يومين متتاليين، أقر مجلس النواب قانون الجمعيات، ورفض مشروع قانون لتعديل المادة ١٧٨ من قانون العقوبات، والمتعلقة بما يسمى بخدش الحياء العام.

قانون الجمعيات

 

                              

أعضاء بالبرلمان المصري

جاء قانون الجمعيات إشكاليا في كل ما يتعلق به، بداية من الطريقة التي تمت بها الموافقة عليه، إلى نصوص مواده التي تخالف النص الدستوري، والتزامات مصر أمام القانون الدولي لحقوق الإنسان.

فوجيء الجميع في منتصف نوفمبر/تشرين ثان الماضي بوجود مشروع لقانون الجمعيات لم يسمع به أحد من قبل، تقدم به أحد النواب وتمت مناقشته بشكل سري في لجنة بالمجلس، ثم ناقشه مجلس النواب في جلسته العامة على مدى يومين فقط، وتمت الموافقة عليه بأغلبية الثلثين، دون مناقشته مع أصحاب الشأن ولا مع الجمهور العام.

وبعد تمرير القانون، نشر المجلس القومي لحقوق الإنسان اعتراضاته على مشروع القانون، التي كان قد أرسلها لمجلس النواب قبل الموافقة، ولم يتم الأخذ بها. وأصدرت منظمات المجتمع المدني بيانات وأوراق بحثية تبين وجه اعتراضها على القانون قبل صدوره أيضا، ولم يلتفت إليها أحد.

ورد في المذكرة التوضيحية للقانون، أن من الأسباب الداعية له: أن القوانين السابقة شابتها أوجه قصور، ولم تجد "التوازن المطلوب بين متطلبات حماية الأمن القومي والحفاظ على النظام العام في البلاد". واستعانت المذكرة الإيضاحية أيضا بنص المادة 22 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي يرد بها بعض القيود على ممارسة الحق في التنظيم.

تنص المادة على عدة بنود منها: "أولاً؛ لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. ثانيًا؛ لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق، إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم..."

ورغم الاستشهاد بوثيقة دولية لحقوق الإنسان يعتبر تقدما نوعيا في خطاب مجلس النواب؛ إلا أن الغرض للأسف كان توضيح أن بعض القيود الفضفاضة التي وضعها القانون والمنقولة حرفًا من العهد الدولي دون التدبر في معناها وشروطها، تتماشى معه. ووفقًا لهذا الاستنتاج فإن القانون يتماشى مع التزامات مصر الدولية.

لكن في الحقيقة هذا أبعد ما يكون عن الصواب، لأنه في حالة أرادت الدولة تقييد الحقوق، وهو هنا الحق في التنظيم، فهناك قائمة من الشروط المحددة التي يجب أن تلتزم بها لتطبيق تلك القيود. وترد تلك الشروط في نص العهد نفسه الذي اقتطع منه البرلمان أحد البنود، وإلا يعتبر ذلك انتهاكا لمواده.

والتزام الدول أمام مواد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، هو التزام سلبي يتمثل في الامتناع عن انتهاك الحقوق، وإيجابي يتمثل في صياغة القوانين والممارسات التي تحمي ممارسة هذه الحقوق بحرية.

جاء في تعليق اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، وهي هيئة منشأة بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ومسؤولة عن مراقبة تطبيق مواده وتناولها بالشرح والتفسير: أنه فقط يمكن تطبيق "بعض" القيود على الحق، وهو ما يعني بوضوح أن الحق هو الأساس وتقييده هو الاستثناء. وأوردت أنه "في اعتماد قوانين تنص على القيود .. ينبغي للدول دائما الاسترشاد بمبدأ أن القيود يجب ألا تنال من جوهر الحق.. وأن العلاقة بين الحق والقيد وبين القاعدة والاستثناء، يجب ألا تكون معكوسة". وتعرضت العديد من الأبحاث لشرح هذه القيود الممكنة بالتفصيل، وبيان أنها لا يمكن أن  تكون مطلقة.

بينما يُفرغ نص قانون الجمعيات الحق في التنظيم من معناه جملة وتفصيلا، ويجعل من القيد على الحق هو القاعدة. مخالفًا بذلك ليس فقط العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية؛ بل أيضا لنص الدستور المصري.

                                      

22% من السكان يقعون تحت خط الفقر ويعتمد كثيرون منهم على مساعدات الجمعيات الأهلية

جاء نص المادة 75 من الدستور المصري واضحا لا لبس فيه، ليمنع تدخل السلطة التنفيذية في الشؤون الداخلية للمنظمات. تنص المادة على أن: "للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار. وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل فى شئونها، أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائى.ويحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكرى أو شبه عسكرى، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون". بينما يسمح القانون ليس فقط بتدخل السلطة التنفيذية في الشئون الداخلية للمنظمات، بل يصل إلى حد اعتبار منظمات المجتمع المدني جزء من السلطة التنفيذية.

يمنح القانون للسلطة التنفيذية حق الرقابة على منظمات المجتمع المدني بداية من إنشائها، وحتى التحكم في تمويلاتها ومواردها، ومراقبة كل مناحي عملها الإدارية والمالية والفنية، والتدخل في اختيار من يترشحون لمناصب مجالس إداراتها، والاعتراض على أي قرارات داخلية تتخذها، ومنعها من ممارسة أية أنشطة أو أبحاث دون تصريح، وإلا تتعرض المنظمة والعاملين فيها لعقوبات تعسفية غير مسبوقة.

وأجبر القانون منظمات المجتمع المدني على التسجيل بموجب تصريح. فرغم أن نصوصه ترد بها لفظة "الإخطار"، إلا أن الإنشاء في حقيقة الأمر يتطلب ورود موافقة من السلطة التنفيذية في حالة ما كانت المنظمات مصرية، أو من جهاز آخر ينشأ خصيصا لهذا الغرض: وهو الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية الأجنبية، في حالة المنظمات الأجنبية، وهو يحمل في عضويته ممثلين عن 6 وزارات منها وزارتي الدفاع والداخلية، إلى جانب جهاز المخابرات العامة.

تشكيل هيئة بهذا المستوى، يوحي بأن هناك شرا غامضا سيجتاح البلاد من الجمعيات والمنظمات الأهلية، ويجب تسخير كل هذه الموارد من موازنة الدولة وجهود العاملين والمسؤولين الأمنيين فيها لمنعه. وعندما تتدخل الحكومة بهذا الشكل السافر في عمل المنظمات؛ ستفقد الأخيرة القدرة على ممارسة أنشطة رقابية على الحكومة على سبيل المثال، إلى جانب ما يضعه القانون من عقبات بيروقراطية أمام المنظمات التي تؤدي أعمالا تنموية وخيرية، وتلك التي تدعم الفنون المستقلة، وغيرها.

وأورد القانون ثلاثة أنواع من العقوبات أولاها: تنزلها السلطة التنفيذية، وتصل إلى تجميد عمل المنظمة لمدة تصل إلى عام كامل. وثانيها التي ينزلها القضاء الإداري، وتتضمن حل المنظمة وعزل مجلس إدارتها وتعيين بديل عنه، ومصادرة أموالها. ثم عقوبات جنائية تتضمن السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلي مليون جنيه، وفي حالة تلقي تمويلات دون تصريح، يتوجب دفع ضعف تلك التمويلات. وفي هذا سوء فهم واضح لماهية المجتمع المدني، كمنظمات غير قابلة للربح بالأساس، وحصولها على تمويلات وتبرعات هو حق لها ومكون أساسي للحق في التنظيم، لمساعدتها في الوصول لأهدافها والقيام بأنشطتها في كافة المجالات، الحقوقية والتنموية والخيرية بل والسياسية.

وهنا تخبرنا المذكرة التوضيحية للقانون مرة أخرى أن الهدف من تغليظ العقوبات أن تكون "رادعة"، وهو أمر مثير للسخرية حقا. فالمشرعون اعتبروا أن الحق في التنظيم، وما يتضمنه من الحق في تكون جمعيات، هو من قبيل الخطر الداهم الذي يجب تقييده وصياغة أقصى العقوبات، "لردع" كل من تسول له نفسه التفكير في ممارسته.

ورغم كل مساويء القانون، فقد أورد مواد تلزم المنظمات بالشفافية وتحديث مواقعها الإلكترونية بانتظام بمصادر تمويلاتها وبياناتها، وهو أمر من الطبيعي أن تلتزم به المنظمات والعديد منها يقوم بذلك بالفعل، والسؤال هنا هو لماذا لم يتم الإكتفاء بالإشارة لذلك كطريقة للرقابة الشعبية على عمل المنظمات، والتي من المفترض بالأساس أن تُنفذ في مؤسسات الدولة نفسها تطبيقا لحق الأفراد في الوصول للمعلومات.

خدش الحياء

 

 

الرواي والصحفي أحمد ناجي في مؤتمر حول المحاكمة في قضايا الرأي والنشر

رفض مجلس النواب مشروعي قانونين تقدم بهما عدد من النواب بشأن تعديل العقوبة الواردة في المادة 178 من قانون العقوبات، لتصبح العقوبة فقط هي الغرامة مع تغليظها، وإلغاء عقوبة الحبس.

تنص المادة على: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: كل من نشر أو صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صوراً محفورة أو منقوشة أو رسومًا يدوية أو فوتوغرافية، أو إشارات رمزية أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة، إذا كانت خادشة للحياء العام".

كان مشروع القانون الذي رُفض متواضعا، فهو لم يطالب بإلغاء المادة كلها، بل -فقط- طالب بتعديلها لتتماشى مع نص المادة 67 من الدستور التي تقرأ: "ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى…"، ولم يلق بالا إلى المادة 65 والتي تعتبر من الانتصارات القليلة في نص الدستور الحالي، التي اعترفت لحرية التعبير باعتبارها مطلقة ولم تُحل تنظيمها للقانون، والتي بموجبها كان ينبغى ليس فقط إلغاء المادة 178، ولكن العديد من المواد الأخرى التي تقيد الحق في التعبير. تنص المادة على: "حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".

كان ذلك التعديل المتواضع سيسمح بإطلاق سراح الكاتب والروائي المصري أحمد ناجي الذي يقبع في السجن حاليا بسبب "خدش الحياء العام" في فصل من روايته "استخدام الحياة"، والذي نشر في جريدة أخبار الأدب.

   تسرب إلى وسائل الإعلام كواليس مناقشة القانون في مجلس النواب، لنجد نائبا يعلن أن نجيب محفوظ الروائي المصري الحاصل على  جائزة نوبل للأدب كان من المفترض أن "يعاقب" بنص هذه المادة هو الآخر. وفي هذا تجني واضح على حرية الإبداع والمبدعين، ناهيك عن انتهاك للحماية القانونية للحق في التعبير في الدستور وفي القانون الدولي لحقوق الإنسان.   

نجيب محفوظ

  

أوردت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية "الآداب العامة" ضمن القيود التي يمكن أن تستخدمها الدول لتقييد حرية التعبير في أوقات معينة، وهي أقرب ما يمكن للفظة "الحياء العام" الواردة في نص القانون المصري. ورغم ذلك، أورد نص العهد شروطا مشددة على استخدام ذلك القيد. وأشارت لجنة حقوق الإنسان إلى سوء استخدام الدول للقيود الواردة في العهد لتقييد حرية التعبير، بما لا يتوافق مع التزاماتها تجاهه.

ويعتبر هذا القيد خلافيًا إذ لا يوجد تعريف واحد جامع وشامل للآداب العامة، بسبب تغيرها من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر ومن وقت لآخر داخل المجتمع نفسه. ورد في تعليق للجنة حقوق الإنسان أن مفهوم الأخلاق يُستمد من العديد من التقاليد الاجتماعية والفلسفية والدينية؛ وبالتالي: "القيود التي تفرض على الحقوق بغرض حماية الأخلاق يجب أن تقوم على مبادئ غير مستمدة حصرًا من تقليد واحد"، أي يجب أن تتعدد مصادر الحكم على الأخلاق والآداب العامة، والاستناد لقواعد عامة في الفكر الإنساني.

وبالتالي فإن وصف العلاقة الجنسية في عمل أدبي ما، كما في قضية أحمد ناجي، هو من قبيل الإبداع الأدبي، وحدث ويحدث في الأعمال الأدبية وغير الأدبية عبر الزمان. بل إن القضاء المصري نفسه يختلف في تعرضه لمفهوم الحياء العام. الكاتب نفسه حصل على حكم بالبراءة في نفس القضية في محكمة أول درجة، قبل أن تستأنف النيابة الحكم ويحكم عليه قاضي محكمة الإستئناف بأقصى عقوبة يحددها القانون!

جاء في حيثيات الحكم بالبراءة "كما أن المحكمة ترى أن تقييم الألفاظ و العبارات الخادشة للحياء أمر يصعب وضع معيار ثابت له فما يراه الإنسان البسيط خدش للحياء؛ يراه الإنسان المثقف أو المختص غير ذلك. وما يراه صاحب الفكر المتشدد خدشا للحياء لا يراه صاحب الفكر المستنير كذلك". أليس من باب أولى إطلاق حرية التعبير كاملة تماشيا مع الدستور، وحلا لمسألة خلافية غامضة مثل مفهوم الحياء العام، ألن يكون في هذا حماية للحق في التعبير؟ أقل ما كان ينبغي فعله في هذا الإطار هو الموافقة على مشروع القانون المتواضع الذي تم رفضه. جاء نص الدستور واضحا ليمنع الحبس في قضايا النشر، ورغم ذلك رفض مجلس النواب تعديل قانون العقوبات ليتماشى مع الدستور.

ما الذي يحدث في مصر الآن؟ مجلس تشريعي لا يلتزم بالنصوص العليا التي تحكم وجوده وممارسته لعمله وهي الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وسلطة تنفيذية تستغل المجلس التشريعي والقوانين لتضخيم سلطاتها وقمع الحريات وإخراس الرقابة المجتمعية على ما تقوم به، ومواطنون تُنتهك حقوقهم الأساسية ويتعرضون للذل والمهانة على يد أجهزة الدولة كل يوم، ويتم قمع أي محاولة من جانبهم لممارسة حقوقهم، سواء كان هذا الحق هو الحق في التعبير أو التجمع السلمي أو حقهم في أن ينظموا أنفسهم في كيانات تمكنهم من التعبير عن آرائهم والدفاع عن مصالحهم. حتى الخيال يتم تجريمه وسجنه. إذا كان النواب لا يرون فائدة للدستور، ويعملون بمعزل منه، لماذا لا يصوتون على إلغائه؟

 

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.