مُتَرْجَم| 2017.. عام غرق السيسي

منشور السبت 7 يناير 2017

 

نشر المقال بالإنجليزية في موقع ميدل إيست آي

قبل يومين، كنت أتحدث إلى أحد رفاقي في نيويورك وقد عاد من مصر مؤخرًا. وسريعًا ما صار انعدام الأمل جليًا، وكذا ازدياد الغضب، وكأنهما صارا هم كل مشاعرنا المقيمة.  

راتبه في نيويورك لم يعد قادرًا على مواكبة قفزات التضخم الحادثة في مصر. يقول: "اشترينا غسالة بمبلغ 3500 جنيه مصري، أي حوالي 195 دولارًا قبل ثلاث سنوات. هذه الغسالة نفسها سعرها الآن 17 ألف جنيه أي حوالي 945 دولار".

ومع ذلك، فإن صديقي هذا أفضل حالا من كثيرين ينتمون إلى الطبقة الوسطى في مصر، خاصة من هم في الشريحة الدنيا منها. فلو لم تكن تتعرض بدورك للغرق، كما يغرقون هم؛ ستكون مجبورًا على ملاحظة أنه بلا تغيير سياسي واقتصادي حقيقي في الأفق؛ فالسيسي غالبًا لن يتم عامه هذا فوق مقعده.

هذا الأسبوع، وفي نفس المقهى في نيويورك الذي كان 99% من رواده من مؤيدي السيسي المتحمسين، الذين لم يتوانوا عن استخدام العنف ضد معارضي الرئيس؛ وقعت محادثة مثيرة للدهشة عنوانها: من يحل محل السيسي؟

اقرأ أيضًا: السيسي وبلح دبي 

بالنسبة للكثيرين؛ لم تعد القضية إن كان يتوجب على السيسي الرحيل؛ بل السؤال هو متى؟ وكيف؟ ومن سيحل محله؟ السؤال المركزي الآن هو: هل تدور هذه النقاشات في دوائر الحكم؟ 

مطرقة تبحث عن مسامير

 

لو جاز لنا أن نقسم عصر السيسي إلى نصفين، يمكننا أن نقول أن الإخفاقات الأولية نجمت عن الذهنية العسكرية التي تعمل كالمطرقة، باعتبار أن كل شيء في طريقها مجرد مسمار يمكن التعامل معه بدفنه في الأرض، بعد الطرق الحاد على رأسه.

وسواء كانت هذه "المسامير" هي المواطنين المصريين المسالمين في احتجاجهم، سواء كانوا من القادمين من خلفية إسلامية أو علمانية ويميلون نحو الثورة، أو حتى المفكرين والصحفيين أو غير ذلك، فقد جاء السيسي إلى مقعد الرئاسة بقرار واضح بأن يكون صوته هو الصوت الوحيد المسموع في مصر.

البعض اعتقد أن الرئيس ينظر لنفسه باعتباره "ناصر الجديد". عسكري قومي بمقدوره أن ينقذ مصر من عوامل الانهيار الاقتصادي والسياسي، ولكن انطلاقًا من أسلوب "بطريقتي وإلا فلا". 

ورغم أنه صار في حكم المؤكد أن السيسي كان واحدًا من مسؤولين معدودين، دفعوا بقوة في اتجاه "مذبحة رابعة" التي انتهت بمقتل ما يقرب من 1000 مصري؛ فهو ظل لا يرى غضاضة في أن يصبح رئيسًا مدفوعًا برؤية عامة، مفادها أنه سيخلِّص مصر من الإخوان المسلمين، ما يخلق مبررًا قويًا لـ"ضرورة" ترشحه للرئاسة.

اقرأ أيضًا: ما بعد قفزة التعويم.. استعدوا للصدمة القادمة 

ولكن استخدام القبضة الحديدية ضد مجموعة ترتكب خطيئة تقديم الحل السياسي عبر التدخل الديني شيء؛ وإيجاد حل لمعضلة انهيار الدولة داخليًا شيء آخر.

إخراس المنتقدين

 

 

لم يمض وقت طويل على السجن الممنهج لأكثر من 60 ألف مواطن بسبب رؤاهم السياسية التي يراها النظام "مسببة للمشاكل"؛ حتى صار واضحًا أن تكميم الأفواه في مصر، قد يمتد كذلك لمؤسسات العمل الأهلي والإعلام بشكل عام.

بعض "السيساوية" حاولوا طرح أن الأقلية الفاسدة في المراتب العليا لعالم السيسي، هم من يستخدمون هذه السياسات العنيفة. أما السيسي نفسه؛ فيواصل إلحاحه على أن الصحفيين المصريين يتمتعون بحرية لا نظير لها.

"أنا مش عاوز أبالغ" قالها السيسي في سبتمبر/ أيلول 2016 بينما كان يلقي بالمزيد من مبالغاته: "لكن إحنا عندنا حرية تعبير غير مسبوقة في مصر".  

لكن الحقائق على الأرض تكذِّب السيسي. وصفته تقارير مراسلون بلا حدود قبل أشهر بكونه "يفترس حرية الصحافة".   

النتيجة: أثر سيء على الوجهين. لم يتمكن الصحفيون من ممارسة عملهم بحرية، وتم وأد أية محاولات للعمل الصحفي الجاد القائم على التحقق. وانتفت عن الصحافة أدوارها الحيوية في ممارسة الرقابة. أُنكِر على المصريين حقهم في المعرفة والتحليل، وهو دور ذو أهمية قصوى في ظل حكومة حريصة على إعلان الأكاذيب.

 

من افتتاح تفريعة قناة السويس المعروفة بقناة السويس الجديدة

الاستثمار المرعب في "قناة السويس الجديدة" هو خير مثال على ذلك. المشروع تكلف 8.5 مليار دولار. ولم يجتذب الممر الملاحي الجديد سوى 0.0033% فقط من حركة السفن.

لو كان لدى الصحفيين المصريين حرية في التحقيق والكتابة حول هذا المشروع قبل البدء فيه، فهل كنا الآن سنجد أنفسنا في الوقت الذي نمر فيه بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، نعاني من غياب 8.5 مليار دولار من العملة التي نحن في حاجة شديدة إليها؟

محلك سر

 

النصف الثاني من عهد السيسي شهد فشله الكارثي في الاقتصاد، وزاد من سوء الأمور؛ سوء إدارته للكثير من علاقاته الدولية، خاصة مع دول الخليج فائقة الأهمية بالنسبة لحكمه، والتي فقدت إيمانها به تدريجيًا بعد أملها الكبير في قيادته.

بفقده القوة الدافعة، وداعميه السابقين في اثنين من المعسكرات الحيوية؛ لم يفعل السيسي سوى تصعيب الأمور على نفسه. فكثيرين من هؤلاء الذين كانوا حريصين على دعمه في الإمارات والسعودية، وحتى بين النخبة الاقتصادية المصرية والشريحة العليا من الطبقة الوسطى، والتي تغطي بالكاد على 27 مليونًا ممن يطحنهم الفقر في مصر، ومنهم كتلة أساسية من داعمي السيسي من الأقباط. كل هؤلاء يرون أن السيسي لم يقف إلى جانبهم، وهم يغادرون السفينة الآن مسرعين. 

" معرفش بالنسبة لكم سنة ٢٠١٦ دى كانت ايه؟ بالنسبة لى سنة مهببة من كل ناحية " هكذا كتب الملياردير المصري نجيب ساويرس عبر حسابه على تويتر في نهاية الشهر الماضي.

لو أن الوضع شديد الارتباك سياسيًا واقتصاديًا، إلى الحد الذي يدفع هذا الرجل الذي يمثل كل ما في تعبير "الطبقة المخملية" من معان للشكوى؛ فكيف تظن أن الغالبية العظمى من الـ90 مليون مصري ترى العام الماضي تحت قيادة السيسي؟

لو قضى السيسي 2018 كمواطن، او لقي مصير يشبه سلفيه (مبارك ومرسي) فستكون مشنقة الاقتصاد هي ما قضت على طموحه السياسي. فمنذ تنفيذ تعويم الجنيه الذي أصر عليه صندوق النقد الدولي، كشرط مسبق لمنح مصر قرضًا يبلغ 12 مليار دولار. ومنذ حينها تقفز الأسعار بمعدلات غير مسبوقة.

اقرأ أيضًا: مصر إلى أين؟.. محدش عارف

اقرأ أيضًا: "البرميل المثقوب".. تفنيد أساطير الحكومة حول تعويم الجنيه

عندما تحدثت مع عدد من المحللين في نوفمبر/ تشرين ثان  الماضي. كانت هناك نبوءتان أساسيتان اتفق عليهما الجميع تقريبًا: أولاهما: أن التضخم في مصر وزيادات الأسعار سيصلان عنان السماء. وثانيهما: أن شبكات الأمان الاجتماعي ستصبح ذات أهمية قصوى. 

للأسف، فمن المؤلم للأمة وربما للسيسي كذلك أن النبوءة الأولى تحققت بالفعل. شق التضخم طريقه ليصل إلى 20% وأكثر. ولكن؛ لا توجد شبكات أمان اجتماعي يمكن أن نتحدث عنها، ولا يُنتظر أن توجد مثل تلك الشبكات.

الأمور تدهورت سريعًا، إلى حد أنه في مناقشة أجريتها مؤخرًا عبر برنامج سكايب، كانت محدثتي على الطرف الآخر ترتدي زيًا صوفيًا ثقيلاً وفوقه بطانية. كنت أعرف أن الحرارة في القاهرة منخفضة للغاية، فسألتها لم لا تستخدم المدفئة. كان ردها: "ألا تعلم إلى أي مدى ارتفعت أسعار الكهرباء؟ أتعلم كم سيكلفني استخدام المدفئة؟"

                                       

على المصريين تحت حكم السيسي، أن يتخذوا خيارات لا يجب أن يضطر إليها إنسان. عندما يكون هناك من المصريين من يعانون البرد والجوع والغضب، فلا توجد حسابات أو إجراءات أمنية يمكنها أن توقف تدفق الطوفان القادم.

 

ترسانة الأسلحة تتضخم

ما يرسم الطريق الواضح إلى نهايته السياسية؛ هو عجزه عن قيادة امة كهذه، بلا أي سند سوى كونه رجل عسكري. السيسي يعلم جيدًا أن الدولة كانت تغرق سريعًا إلى قيعان الفشل الاقتصادي، لكنه رغم ذلك استطاع أن يكون ثاني أكبر مستورد للسلاح في العالم بعد قطر. في 2015، أنفق السيسي ما يقرب من 12 مليار دولار على شراء السلاح. 

أقدم السيسي على هذا، في وقت كان فيه المصريين من كافة الطبقات يجدون صعوبة في شراء الأرز والسكر والشاي وزيت الطهو، بسبب جنون الأسعار واختفاء السلع الاساسية. كيف يتوقع المرء إذن ألا يغلي الغضب في عروقهم عندما يعرفون أن مليارات أنفقت على أسلحة، غالبًا ما ستستخدم في قمعهم لا في الحرب والدفاع عن أرضهم. 

                                

أنفق السيسي 12 مليار دولار على أسلحة ستُوجّه لصدور المصريين لا لحماية البلاد

عندما تفكر في قصة السيسي، لا تنس أن السياسة والقبض على السلطة كمكعب روبيك في بنيتهما الخاصة بالتحالفات والعلاقات السياسية. محمد مرسي استفز العديد من معسكرات القوة فدفع الثمن.

السيسي ينسى ذلك. العام الذي بدأ لتوه سيذكره بما نساه. اللحظة التي يفهم فيها "الأشخاص الخطأ" في الجيش أو الشرطة أن رئاسته تناقض مصالحهم، سيطاح بالسيسي إلى هامش التاريخ.

لا يسع أحد طبعًا أن يتنبأ بالوقت الذي سيطاح فيه بالسيسي من الحكم. التوقيت والأسلوب والأشخاص المنفذين كل هذه الأشياء تبقى في غياهب المجهول.

لكن المؤكد، أنه بدلا من أن يعمد إلى إصلاح أخطاءه في الإدارة والحكم، فإن السيسي يواصل السير نحو المنحدر بكل ما في في فشله من كوميديا بائسة.

لو استمر على هذا النهج، فإن نبوءتي لعام الجديد ستصبح واقعًا قبل أن تغيب شمس 2017.