مُتَرْجَم| ترامب لا يرى فلسطين

منشور الاثنين 23 يناير 2017

 

نشر هذا المقال لرشيد خالدي في مجلة نويوركر 

الآن وصلت حكومة جديدة إلى واشنطن، تضع إسرائيل على رأس أولوياتها الراديكالية، في الوقت الذي تستخف فيه بالحقوق الفلسطينية؛ تواجه فلسطين حقيقة مخيفة. ففي السنوات الأخيرة، عاودت التيارات السياسية الرجعية في الولايات المتحدة وإسرائيل الصعود. وصلنا الآن إلى نقطة يمكن فيها لمبعوثي الدولتين إلى بعضهما البعض أن يتبادلا مواقعهما دون اختلاف يذكر: االسفير الإسرائيلي في واشنطن "رون ديرمر"، الذي نشأ في فلوريدا (ولاية أمريكية) بوسعه أن يكون سفيرًا لأمريكا لدى إسرائيل، بينما ديفيد فريدمان، الرجل الذي اختاره ترامب سفيرًا لإدارته لدى إسرائيل، فيحمل صلات قوية بالحركة الاستيطانية الإسرائيلية؛ تؤهله لأن يكون سفيرًا لحكومة نتنياهو المؤيدة للاستيطان في أمريكا.   

كانت أمريكا دومًا تخفي قلقها المُفرط على إسرائيل وإهمالها الشديد للفلسطينيين، تحت غطاء من ادعاء الحياد. ولكن في ظل حكم ترامب، سنرى اندماجًا أقوى بين القيادة السياسية الأمريكية، وأكثر الحكومات الإسرائيلية تشددًا وشوفينية ويمينية. ستكون هذه الحكومة الإسرائيلية ومثيلتها الأمريكية، كأشقاء الروح الذين سيحددون مصير فلسطين على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة.

البنية الفلسطينية السياسية والاقتصادية التي نشأت عن اتفاقيات أوسلو 1993، تأسست على قاعدة أنها ستتطور لتضع قواعد دولة فلسطينية مستقلة وفاعلة وذات سيادة. هذا الوهم الذي صدقه العديد من الفسلطينيين؛ صار الآن أثرًا بعد عين. هذا البناء المترهل تأسس أيضًا على تصور ساذج – على أحسن تقدير-، يقضي بأن الولايات المتحدة لديها مصلحة قومية في ضبط السلوك الإسرائيلي، وتحقيق قدر من العدالة في الشرق الأوسط. هذا التصور بدوره، تحطم تمامًا.

بالنسبة للفسلطينيين والسلطة الفلسطينية التي تمخضت عنها اتفاقيات أوسلو كاتفاق مرحلي للحكم الذاتي الفسلطيني، ستستمر تلك السلطة في تحقيق المزيد من الأذى عوضًا عن الفائدة. قليلون هم من يفهمون أن استعمار الأراضي الفلسطينية، ونحو 50 عامًا من الاحتلال العسكري الإسرائيلي – واحدة من أطول فترات الاحتلال العسكري في التاريخ المعاصر-  لم يكن ليستمر لولا الرعاية الأمريكية الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، ورجال أمنها الذين تولت الولايات المتحدة تدريبهم. فتجريم السلطة الفلسطينية لأي شكل من أشكال المقاومة للتمييز والإخلاء الإسرائيلي القسري للبيوت الفلسطينية، واستمرار التحكم العسكري للسلطات الإسرائيلية، جعل من تلك السلطة أداة فعالة في يد الاحتلال.

                               

ياسر عرفات واسحق رابين يتوسطهما بيل كلينتون عقب توقيع الاتفاقية

حتى المدونين والمتظاهرين السلميين، صاروا هدفًا لاعتقالات السُلطة وقوات أمنها. الطريقة التي تعمل وفقها تلك المؤسسة تجعلها في مواجهة شعبها، ما يعطينا لمحة عن المستقبل الذي يراه المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون لفلسطين التي تحكمها السلطة، أو الأراضي المحتلة: هو مستقبل محكوم، ومغلق ضمن سيادة شكلية فارغة.

الدلائل وافرة وواضحة، وتؤكد أن الولايات المتحدة في عهد ترامب، وإسرائيل في عهد نتنياهو لن يفعلوا شيئًا لتغيير تلك الصورة. في هذا السياق يواجه الفلسطينيون خيارات قاسية: فإما أن يخضعوا للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية؛ أو بإمكانهم تغيير أساليبهم وطرق مقاومتهم للقمع، وإعادة تعريف حركتهم الوطنية بشكل جذري.

حان الوقت الذي يهجر فيه الفلسطينيون التجربة الفاشلة في الحكم الذاتي عبر السلطة الفسلطينية القائمة، وأن ينبذوا -فقط- ما يدعم موقف اليمين الإسرائيلي من سبل المقاومة المسلحة. حان الوقت الذي تحشد فيه الخبرات والعقول الفسلطينية في الشتات، كي تتوقف عن التفكير في فلسطين باعتبارها تلك الأراضي الصغيرة المتناثرة وسط المستوطنات الإسرائيلية.

هذا هو وقت البدء في التفكير في سبل التعايش السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مناخ من المساواة الكاملة، في دولة صغيرة سيتحتم عليهم في النهاية أن يتشاركوا فيها، عندما تنتهي سيطرة قطاع واحد عليها. ستكون هذه مهام شديدة الصعوبة بالنسبة للفلسطينيين، بعد العقود التي عانوا فيها من الحرب والتهجير والاحتلال.

ورغم كل هذا، هناك ما يبعث على الأمل، على الأقل في الولايات المتحدة. الوضع الذي صار فيه الحزبان الجمهوري والديمقراطي، لا يبدو أنه قابل للاستمرار. الرأي العام الأمريكي يتحول بسرعة عن المساندة التامة لإسرائيل، ويتزايد تعاطف الأمريكيين مع قضية التحرر الفلسطينية.

وفقًا لاستطلاع أجراه معهد بروكينجز في ديسمبر/ كانون ثان الماضي، فإن 60% من الديمقراطيين و46% من الجمهور الأمريكي، يؤيدون فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات حاسمة أخرى ضد إسرائيل؛ لبنائها مستوطنات يهودية غير شرعية في الأراضي الفسلطينية المحتلة. استطلاع آخر صادر حديثًا عن مركز بيو للأبحاث، أظهر أنه – للمرة الأولى- تساوت بشكل تقريبي نسبتا الديموقراطيين المتعاطفين مع الفلسطينيين، وأولئك المتعاطفين مع إسرائيل؛ بينما كان الليبراليون الديموقراطيون (38%) أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين من أقرانهم المتعاطفين مع إسرائيل (26% فقط منهم تعاطفوا مع إسرائيل).

بمرور الوقت، ربما تتسرب هذه التغيرات لقمة السياسة وصانعي القرار في واشنطن. ولكن في الوقت الحالي، يعتمد الأمر كليًا على الأفراد والضمائر، حتى هؤلاء الذين يقاومون موجة العنصرية وتشدد اليمين المتطرف المُتوقعين في عهد ترامب، كي يمارسوا الضغط المطلوب على ممثليهم المنتخبين، لدفعهم لتحقيق مُثُلِهم المُعلنة عن الحرية والمساواة، ولمحاسبة إسرائيل وتحميلها المسؤولية عن انتهاكاتها للقانون الدولي، وإنكارها على الفلسطينيين حقوقهم الوطنية والإنسانية.