بعد تيران وصنافير.. محمد بن سلمان يقترب أكثر من عرش السعودية

منشور الأحد 18 يونيو 2017

بعد أيام من إقرار مجلس النواب المصري اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مرسومًا ملكيًا بتحويل هيئة التحقيق والادعاء العام، التي كانت تابعة لوزارة الداخلية، إلى ”نيابة عامة“، تحت إشراف الملك. 

لوهلة، يبدو أن إقرار البرلمان المصري لاتفاق ترسيم الحدود، والإعلان عن إنشاء "نيابة عامة" في السعودية، لا يتّصلان، عدا أن بينهما عاملًا مشتركًا واحدًا، هو أنّهما يعززان مركز ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع محمد بن سلمان في صراعه مع ابن عمه ولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف، على خلافة الملك سلمان.

وقد نص الأمر الملكي، إضافة إلى تبعية النيابة العامة للملك مباشرة، مع ضمان استقلاليتها عن وزارة الداخلية، إعفاء الشيخ حمد بن فهد العريني رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام، وهو من التابعين للأمير محمد بن نايف، من منصبه وتعيين الشيخ الشيخ سعود بن عبد الله المعجب نائبًا عامًا بمرتبة وزير. 

ويعد هذا القرار هو الأول من نوعه الذي ينزع صلاحياتٍ من ولي العهد، الذي يتولى أيضًا وزارة الداخلية، بعد سنتين من الظهور اللافت لولي ولي العهد، الذي يتولى إلى جانب حقيبة الدفاع رئاسة شركة أرامكو السعودية للبترول، وإدارة مؤسسة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز الخيرية المعروفة باسم مسك والتي تتولى ”رعاية وتشجيع التعلم وتنمية مهارات القيادة لدى الشباب من أجل مستقبل أفضل للمملكة العربية السعودية“، حسبما تعرّف نفسها عبر موقعها على الإنترنت. 

وبينما لم يعد سرًا ما بات يُعرف بـ“صراع المُحمّدين“ محمد بن نايف ومحمد بن سلمان على العرش بعد غياب الملك الذي تتحدث تقارير عن إصابته بمشاكل صحية تتعلق بقدرته على التركيز والاستيعاب، فإن بن سلمان بدا وكأنه قرر أن يوجه أول ضربة مباشرة لخصمه بن نايف، بانتزاع بعض الصلاحيات منه. 

وتأتي هذه الضربة بعد أيام قليلة من موافقة مجلس النواب المصري على اتفاقية لترسيم الحدود مع السعودية تنتقل بموجبها السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، التي كانت حتى زمنٍ ليس ببعيد، وحدها من يعتقد بأن الجزيرتين تابعتين لها، لتبقى خطوة واحدة تفصل بين الإعلان رسميًا عن سعودية الجزيرتين، وهي تصديق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الاتفاقية. 

وربما تكون هذه الاتفاقية التي وقعها عن الجانب السعودي الأمير محمد بن سلمان بصفته وزيرًا للدفاع هي النصر الإقليمي الأول له، بعد مساعٍ كثيرة لم يكلل أيٌّ منها بالنصر، بدءًا من إعلان الحرب في اليمن، انتهاءً بقرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر والذي لا يبدو أنه سينتج أثرًا حتى الآن بعد المواقف التركية والإيرانية والأمريكية من الأزمة، مرورًا بمحاولات إعلان تشكيل أحلاف عسكرية إسلامية لم يُكتب لها البقاء إلا أيامًا قليلة غداة الإعلان عن تأسيسها، وبمحاولات أخرى لتطويق إيران وعزلها إقليميًا، فشلت بدورها. 

الآن، يستطيع محمد بن سلمان أن ينسب لنفسه فضلًا باقتناص الجزيرتين. 

 

البداية.. انقلاب سلمان

استهل الملك سلمان عهده في يناير/كانون الثاني 2015 بالانقلاب على الترتيبات التي أعدها سلفه وشقيقه الأكبر الملك عبد الله، الذي أصدر قبل وفاته أمرًا ملكيًا يإعلان الأمير مقرن بن عبد العزيز وليًا لولي عهده الملك سلمان بن عبد العزيز، وحصّنه من العزل طيلة حياته، وضمن له ولاية العهد حال خلو هذا المنصب، ضمن اتفاق غير مكتوب بأن يعيّن مقرن بعد أن يصبح ملكًا الأمير متعب بن عبد الله وليًا للعهد، فيثبت حكم المملكة لنسل الملك عبد الله. 

ليلة وفاة الملك أصدر الملك الجديد مراسيم ملكية لا تتعارض مع الأمر الملكي للملك عبد الله ولكنها تتناقض مع ما جرى الاتفاق عليه، فقد عيّن الملك الجديد ابن أخيه الأمير محمد بن نايف وليًا لولي العهد، وعين ابنه محمد بن سلمان وزيرًا للدفاع ورئيسًا للديوان الملكي، والحرس الملكي. 

وبعد أربعة أشهر عندما اشتد المرض على ولي العهد الأمير مقرن، أرسل هذا الأخير طلبًا مكتوبًا إلى الملك يرجوه إعفاءه من منصب ولاية العهد، فقبل الملك هذا الطلب، وأصدر أمرًا ملكيًا بإعفائه من منصبه وتعيين محمد بن نايف وليًا للعهد، ومحمد بن سلمان وليًا لولي العهد.

اللافت في تعيين محمد بن سلمان رئيسًا للديوان الملكي هو الإطاحة برئيسه السابق القوي خالد التويجري، والذي كان لاعبًا أساسيًا في الخطة التي وضعها الملك عبد لإبعاد الجناح السديري، أي أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعد من زوجته حصة السديري، ولم يكن قد بقي منهم على قيد الحياة، إلى جانب الملك سلمان، سوى أخيه الأصغر الأمير أحمد بن عبد العزيز. 

 

الطموح الإقليمي

في أبريل/نيسان 2015 قرر العاهل السعودي تعيين ابنه محمد وليًا لولي العهد في أمر ملكي ضمن عدة أوامر ملكية كان أحدها إعفاء وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل من منصبه وتعيين عادل الجبير بدلًا منه. 

تصاعد النجم الدبلوماسي لعادل الجبير من واشنطن لا من الرياض، فقد بدأ الوزير السعودي رحلته الدبلوماسية متعاقدًا مع السفارة السعودية في واشنطن عام 1986، وظل يتدرج حتى عينه السفير السعودي وقتها بندر بن سلطان مساعدًا له، وفي عام 2006 أبلغت الخارجية السعودية واشنطن نيتها تعيين عادل الجبير، الدبلوماسي المحافظ، سفيرًا للمملكة في الولايات المتحدة. 

توجهات الجبير، الذي تنقل عنه وثائق ويكيلكس مخاطبته مسؤولًا أمريكيًا بالقول إن ”الملك يرى أنه يجب قطع رأس الأفعى“ في إشارة إلى إيران التي سعى الجبير لحث الإدارة الأمريكية على ضربها، توحي بأن السعودية، التي كانت قد بدأت قبل أسابيع من تعيين الجبير وبن سلمان في منصبيهما الجديدين حربًا في اليمن، قررت أن تصبح أكثر شراسة في الشرق الأوسط، وبدأت تبحث عن دور قيادي. 

وبدأت السعودية بالفعل تنتهج خطابًا أكثر عدائية نحو إيران إلى أن قطعت وعلى إثرها عدة دول خليجية علاقتها بطهران نهائيًا، وبدأت تحاول تعظيم دورها في سوريا، قبل أن تتذكر أن هناك جزيرتين في مصر تعتبرهما تابعتين لها وكانت تطالب بهما مرارًا وتكرارًا دون أن يلتفت لهذه المطالب أحد، فتقرر السعي لاستردادهما. 

استمرت الحرب في اليمن طوال العام 2015 دون تحقيق نصر واضح وأيضًا دون أن تكون هناك هزيمة محققة. في نهاية العام نفسه، أعلن وزير الدفاع في فجر يوم 15 ديسمبر/كانون الأول تشكيل تحالف عسكري يضم 36 دولة مهمته محاربة الإرهاب. 

لاحقًا أعلنت عدة دول ذكرت أسماءها باعتبارها مشاركة ضمن هذا التحالف أنها لا تعرف شيئًا عن الأمر كله، ولد هذا التحالف ميتًا. 

ورغم الخطاب العدائي الشديد تجاه إيران والذي تكلل بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد أن اقتحم محتجون غاضبون مقار دبلوماسية للسعودية في إيران غضبًا من إعدام ناشطين سعوديين شيعة من بينهم الشيخ نمر النمر، فإن إيران لا يبدو أنها تواجه عزلة بعد أن تعززت علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الشركاء الأوروبيين عقب رفع العقوبات الدولية عنها بشكل جزئية، كأثر مترتب على توقيعها الاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015، والتزامها بأداء ما عليها من التزامات. 

كان على الأمير الشاب أن ينتظر حتى أبريل/نيسان 2016 حتى يخطو الخطوة الأولى نحو تحقيق أول نصر إقليمي يُحسب له، ”استعادة“ جزر تيران وصنافير، حيث يستطيع الآن الأمير السعودي الشاب أن يقدّم نفسه باعتباره من استعاد ”أرضًا محتلة“ نسيها جميع من قبله. 

 

الملك الذي سيحبّه العالم

إلى جانب توليه وزارة الدفاع فإن بن سلمان يحرص على تقديم نفسه باعتباره الأمير الحداثي الذي يسعى إلى إحداث تطورات جذرية في المملكة المحافظة التي ما زالت بلا دستور حتى اليوم، ولا تتبنى مفاهيم مبدئية في الإدارة كالفصل بين السلطات ولا يمكن الحديث فيها عن قضاء مستقل ولا سلطات تشريعية، ولا يمنح النساء والأقليات الدينية كالشيعة أي حقوق، ويعتمد اقتصاده بشكل رئيسي على تصدير النفط وواردات الحج. 

في أبريل/نيسان 2016 أعلن ولي ولي العهد ما سمّاه ”رؤية 2030“ للمملكة، بعد تأثرها الشديد بانخفاض أسعار النفط في العالم، يتحدث فيها عن خطة شاملة في مجالات الاقتصاد والتعليم وإدارة الدولة تتبنى مفاهيم أكثر حداثة مما دأبت المملكة على تبنّيه منذ تأسيسها. 

وينقسم برنامج رؤية 2030 إلى ثلاث مراحل، الأولى تنتهي في 2020، والثانية في 2025، والثالثة في 2030، وذلك في إشارة إلى خطة التحول الوطني الاقتصادية، والتي تطمح السعودية من خلالها إلى زيادة الدخل القومي، عبر التقليل من الاعتماد على النفط، كمصدر أساسي للدخل والثروة في البلاد.

وكانت المملكة أعلنت في وقت سابق، عن إطلاق عدة مشاريع عملاقة في البلاد، وعن تسييل جزء من أسهم شركة النفط العملاقة "أرامكو"، كما أصدرت سندات حكومية مقومة بالدولار الأمريكي والعملة المحلية الريال، بغية سد العجز في الموازنة الحكومية.

وشركة أرامكو هي الأكبر في العالم من حيث القيمة السوقية إذ تبلغ نحو 10 تريليون دولار أمريكي عام 2015، بحسب مجلة إكسبلوريشن. 

وتحدثت البيانات الرسمية الصادرة عن البيت الأبيض الرسمية عن "التعاون الاقتصادي الموسع الذي يمكن أن يخلق ما يصل إلى مليون وظيفة أمريكية مباشرة في غضون السنوات الأربع المقبلة، والملايين من الوظائف الأمريكية غير المباشرة، فضلا عن فرص العمل في المملكة العربية السعودية“، وذلك كله في ظل خطة ولي ولي العهد الطموحة لتحديث المملكة. 

ولم يكتفِ الأمير الشاب بهذه الخطط الطموحة ولكنه غادر في مارس/آذار الماضي إلى الولايات المتحدة، حيث التقى بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبحث معه ”فرص تطوير برامج اقتصادية جديدة واستثمارات بين البلدين“، حيث ناقش الطرفان ”تطوير برنامج أمريكي سعودي جديد يركز على الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا وينطوي على استثمارات قد تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة“، حسب بيان عن البيت البيض، لم يذكر أن محادثات الرئيس الأمريكي مع وزير الدفاع السعودية تطرقت لأي أمور عسكرية. 

ولا تنقطع صلة هذا كله بزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة حيث عقد القمة الأمريكية - الإسلامية، ولكنه أيضًا عقد صفقات بعشرات مليارات الدولارات ضمن الخطط الاستثمارية التي وضع الأمير الشاب أسسها، بعد أقل من شهر من انتقادات وجهها للسعودية التي ”لا تدفع قيمة عادلة مقابل حماية الولايات المتحدة لها“، ليتحول النقد الأمريكي إلى إشادة، عندما قالت السيدة الأولى ميلانيا ترامب إنها معجبة ”بالتجربة السعودية في تمكين المرأة“.