الشيخ نمر باقر النمر- المرجع الشيعي السعودي

إعدامات الشيعة في السعودية تضعف موقف دعاة الحوار

منشور الأحد 10 يناير 2016

زاد إعدام الشيخ نمر باقر النمر، عالم الدين الشيعي السعودي، من مخاوف النشطاء الحقوقيين والسياسيين الشيعة، تحسبًا لأن يؤدي التوتر السياسي الحالي بين حكومتي الرياض وطهران، إلى اختطاف مطالبهم المستمرة بإزالة التمييز الطائفي بكافة أشكاله.

ويتخوف نشطاء من أن يؤدي إقدام الحكومة السعودية على تنفيذ حكم الإعدام بحق الشيخ النمر، إلى منع آلية الردع الاجتماعي التي التزمتها المملكة خلال السنوات الماضية، والتي حدت من التصعيد في الشارع ضد التمييز الذي يعانيه شيعة المملكة، وحالت دون العنف.

ويقول هؤلاء: إن المطالبين بالحوار مع الحكومة واتباع أساليب الضغط السياسي لتحقيق المطالب الشعبية الشيعية، قد يترددون الآن في الحديث علنًا ضد العنف في الشارع، نتيجة لتصاعد مشاعر الغضب واليأس وعدم الثقة في المستقبل في أوساط شريحة من الجيل الشاب، وخصوصًا بين مريدي الشيخ النمر.

وبمراقبة سريعة لردة فعل المجتمع الشيعي في السعودية وفي الدول المجاورة عقب إعدام الشيخ، نستطيع القول بإن الشيعة بشكل عام يرون أن إعدام النمر غير عادل، لأنه لا يتسق مع إصراره على سلمية الإحتجاجات، وإيمانه بعدم صواب وجدوى استخدام السلاح.

كما يعرف الدارسون للتيار الشيرازي الذي انتمى له الشيخ النمر منذ سبعينات القرن الماضي، أن أتباع هذا التيار، وبينهم الشيخ النمر نفسه، غادروا إيران نهاية الثمانينات، لاختلافهم مع رؤية الحكومة الإيرانية لطريقةإصلاح أحوال الطائفة الشيعية، في دول الخليج وبينها السعودية. 

بين الدولة والطائفة

أكد المسؤولون السعوديون وبينهم اللواء منصور التركي، الناطق الأمني باسم وزارة الداخلية، في تصريحات صحفية أن الحكومة تعامل مواطنيها بشكل متساوي، وبغض النظر عن الانتماء المناطقي أو المذهبي. وأن الأحكام المنفذة بحق الشيخ النمر و46 آخرين، لم تصدر على أساس طائفي. كما تضمن خطاب الملك سلمان أمام مجلس الشورى في ديسمبر/ كانون الأول الماضي عبارات مثل: "إن المواطنين سواء أمام الحقوق والالتزامات والواجبات".

وفي المقابل نرى تصريحات لشخصيات شيعية سعودية معروفة، تؤكد على انتماء شيعة السعودية لبلدهم وولائهم له. ,هذا مثلا ما أكده محمد باقر النمر، شقيق الشيخ نمر النمر، في عدة مقابلات تلفزيونية سبقت وأعقبت إعدام شقيقه، شدد فيها على إصراره على سلمية أي احتجاجات.

الا أن نشطاء يؤكدون أن التوتر السياسي بين إيران والسعودية، اتخذ منحا خطيرا انعكس على اللغة المستخدمة في وسائل الاعلام، وخطب علماء الدين ومواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت. يقول ناشط حقوقي في محافظة القطيف فضل عدم ذكر اسمه: إن الخلط المتواصل في الإعلام السعودي والعربي، يربط الشيعة العرب بايران، ويجعل من ذلك ورقة في الصراع مع إيران، ويعزز الحشد والتكتل لدى الحكومات المحلية والقوى المتشددة، بحيث يزيد تماسكها وتحالفها على أساس طائفي.

ويضيف: "الكثير من الشيعة السعوديين يرحبون بعلاقات ايجابية بين السعودية وايران، لأن ذلك يتيح لهم فرصة السفر لزيارة المراكز الدينية المقدسة لديهم في ايران، ويخفف أعباء الحملات الطائفية والمذهبية التحريضية ضد الشيعة بشكل عام. فتوتر العلاقة بين البلدين من شانه أن يكلف الشيعة السعوديين أعباءً إضافية في ظل الخلط المتعمد بينهم كسعوديين، وبين الشيعة في إيران".

ماذا بعد؟

في حوار أجرته معه مجلة الإيكونومست بعد يومين من إعدام الشيخ النمر، بدا الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، مطمئنا إلى أن التوتر الناتج عن هذا الإعدام، والذي شمل الاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، سيبقى محدودا ولن يتوسع إلى ما هو أخطر.

إلا أن سؤالي هو: ماذا عن المعلومات التي تشير إلى مجموعة أخرى من أحكام الإعدام التي صدرت ضد 3 شبان شيعة ومرت فعليًا بكافة درجات التقاضي المعروفة؟. يشير نشطاء إلى أن هناك أربعة أحكام إعدام أخرى بحق شباب شيعة، تمر حاليا بمرحلة الإستئناف.

ماذا لو نفذت السلطات أحكام الإعدام هذه؟، أليس هناك قلق من أن تُبْقِي هذه الإعدامات، حال تنفيذها، جذوة الغضب مستمرة في نفوس من ساءهم تنفيذ حكم الإعدام بحق الشيخ النمر؟. لا تزال الحكومة السعودية تحتجز أكثر من 320  شيعي، من أصل حوالي 1160 شخص تم اعتقالهم على خلفية الإحتجاجات التي شهدتها منطقتي القطيف والأحساء منذ 2011.

إن الساحة المحلية بحاجة لمبادرة سياسية لنزع فتيل التوتر الحالي.

ما بعد الربيع العربي

دخل قرار الحكومة السعودية برفع أسعار وقود السيارات في السوق المحلي بنسبة تصل إلى 60 في المائة حيز التنفيذ في بداية يناير/ كانون الثاني الجاري، أي قبل يوم واحد من تنفيذ حكم الإعدام بحق 47 شخصًا، غالبيتهم من المدانين بالانتماء للقاعدة، أو تنظيم الدولة الاسلامية. إلا إنها شملت أيضا أربعة شيعة بينهم الشيخ النمر.

قرار حكومة الملك سلمان بن عبدالعزيز إنهاء بعض برامج الدعم الاقتصادي التي أقرت خلال حكم أسلافه، يمثل قناعة بتغير الظروف التي أدت إلى وضع تلك البرامج في الأساس.

وفي حين تعود بعض برامج الرفاه الإقتصادي إلى فترة تسبق الربيع العربي، الا أن الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز أقر حزمة من التسهيلات المالية في 2011، وبينها صرف راتب شهرين لكافة موظفي الدولة، وإقرار مخصص للبطالة وحد أدنى للأجور، ووضع مخصصات ضخمة لمشاريع الإسكان، وهي المطالب التي ارتفعت في العواصم والمدن التي شهدت تظاهرات الربيع العربي،في ظل المناداة بأوضاع إقتصادية أفضل للشعوب العربية.

إن عدم تمديد بعض برامج الدعم الاقتصادي، مرتبط أيضا بانخفاض واردات النفط، إلا أن هناك عامل آخر، يتمثل في تغيُّر الواقعين الاجتماعي والسياسي، اللذان صاحبا الربيع العربي.

وفي الجانب الآخر، فإن تنفيذ السعودية لأحكام الإعدام الصادرة بحق المدانين بأعمال التفجير، التي ضربت البلاد منذ العام 2003، أي بعد مرور عدة سنوات منذ صدور تلك الأحكام بحقهم، يعد مؤشرًا على اتباع المملكة سياسة جديدة تجاه جماعات العنف السياسي.

الخطر الخارجي

يشير الكثير من المحللين إلى تحول سياسات الحكومة السعودية الخارجية في فترة الربيع العربي من التريث والحذر، إلى المبادرة الفاعلة لحماية مصالحها الاستراتيجية.

رأينا هذه السياسة جلية في مبادرة تسوية الأزمة السياسية في اليمن، والتي أدت مؤقتا إلى ابتعاد الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن السلطة. وأيضا في التدخل في البحرين لدعم الحكومة عبر مظلة منظمة دول التعاون الخليجي، وصولا إلى دعم المعارضة السياسية والمسلحة لحكومة الرئيس بشار الأسد في سوريا، وكذلك توفير الدعم المالي والسياسي للرئيس عبد الفتاح السيسي.

خلقت هذه السياسة الخارجية السعودية الجديدة خطوط تماس مع خصمها الأقليمي إيران، التوتر بدا واضحا مع صعود القوى السياسية الشيعية في العراق، بعد قيام التحالف الأمريكي البريطاني بإسقاط نظام صدام حسين في 2003. وازداد وضوحًا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 2005، حينما اتهمت قوى الاعتدال العربي سوريا بالوقوف وراء اغتيال الحريري، الذي كان حليفًا بارزًا للرياض.

وانفجر هذا الصراع لمستوياته الخطرة الحالية مع توسع نفوذ الحوثيين في اليمن، واستمرار الصراع الدموي في سورية.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.