تصميم: يوسف أيمن - المنصة

يومياتي مع كورونا| وسط جولات تطهير المنازل: عقموا لنا الكورة والعجلة والنبي

منشور الاثنين 22 يونيو 2020

الاسم: أحمد ماهر شمس الدين.* التخصص: محاسب - متطوع في حملات تطهير المنازل. السن: 36 سنة. مكان العمل: أسوان.


أنا أصلًا محاسب، من أسوان، ماليش أي علاقة خالص بقصة الصحة دي، بس من يوم 1 مارس وأنا  شغلي واقف زي باقي البلد، وبقيت قاعد في البيت من غير شغل، وشايف الوضع قدامي بيتطور للأسوأ. فكرت إن اللي في إيده حاجة يقدر يعملها لازم يعملها وبسرعة، عرفت من أصدقائي إن في مبادرة تطوعية كده بين الشباب اسمها "معًا ضد الكورونا" إننا ننزل البنوك ومكاتب البريد وقت صرف المعاشات، والأماكن اللي بيبقا فيها زحمة شديدة، ننزل ننظم الناس، وفرصة نوعيهم بالإرشادات الوقائية، ونفهمهم يعني إيه مساحة آمنة وضرورة التعقيم والكمامات، وفعلًا انضميت لهم، وبدأت أشتغل في الجانب ده.

بعد كام يوم، ولما بدأت أعرف أكتر عن التوعية والوقاية، عرفت إن أسر الحالات المصابة فيه فريق من الطب الوقائي بيطلع يزورهم، ويقوم بتعقيم البيت كله ورشه بالكامل، علشان يقضي على العدوى، بدأت أفكر إن ليه ماقومش بمساعدة الفريق ده، خصوصًا وإحنا بنقابل عجز في القوى البشرية في القطاع الطبي، وأكيد محتاجين جهد كل فرد قادر على التطوع، اتجمعت أنا وتلاتة من زمايلي، تحمسنا للفكرة وقررنا ننفذها، وأول خطوة إننا نروح لمسؤولين الطب الوقائي ونعرض عليهم الأمر.

فعلًا روحنا لمسؤوليين الطب الوقائي، عرضنا عليهم الفكرة، وقولنالهم إننا متطوعين بوقتنا نسد العجز في عملية التعقيم والتطهير خصوصًا إن عددهم قليل مش مغطي كل الحالات. بسرعة وافقوا وتحمسوا للفكرة، وبعدين أخدوا جزء من زمايلنا وادوهم تدريب، إزاي يلبس البدلة، إزاي يعقم نفسه قبل وبعد المخالطة، وإزاي نتعامل مع الحالات، وإزاي نستخدم المواد المطهرة ونرشه، وكل حاجة تقريبًا، وطبعًا هما نقلولنا اللي اتعلموه.

من نص مارس بدأنا نشتغل، كنا بناخد معلومات الحالة من الطب الوقائي، وهم بيدونا العنوان والتليفون وكل حاجة. بكلم الحالة الأول أتفق على معاد، وطبعًا لأننا في الصعيد فعندنا أصول، يعني بنكلم الحالة ونستأذن، وماندخلش إلا مع راجل البيت، ولو صاحب البيت هو المصاب، أو مش موجود لأي سبب، صاحبة البيت بتبقى جايبة أخوها أو أبوها وساعات ابنها، ونادًرا جدًا لما بلاقي صاحبة البيت لوحدها.

بين التنمر والخوف من الوصم

تطهير بيوت المرضى ده مهم جدًا طبعًا عشان بيقلل من خطر إصابة ونشر العدوى بين اللي عايشيين معاه في نفس المكان، لكن أوقات كتير بنكلم حالات نقولهم إننا هنيجي نعقم بيرفضوا، خوفهم من الوصم المجتمعي، ومعايرة الناس لهم كأنهم مذنبين، بس عشان شافوا ناس طالعة ببدل الوقاية لبيتهم، كتير منهم أصلًا بيكون مخبي إن عنده مريض كورونا، ومرات كتير بتحصل معانا، لما بنخلص رش لبيت بيطلع ناس من الشارع تقولنا قولوا لهم يمشوا، أو يقفلوا شبابيكهم للكورونا تنزل علينا، مع إنهم قاعدين ليل نهار على المصاطب قدام البيوت، في تجمعات 10 أو 15 نفر، بنقولهم طب ما تدخل إنت جوا بيتك وماتتجمعش عشان ماحدش يتعدي.

التنمر ده العادي بتاع مواجهتنا في الشارع كل يوم، يعني مجرد ما الناس تشوفنا ببدل الوقاية الصفرا وأدوات الرش، بيبدأوا يتجمعوا ويبصولنا ويتنمروا علينا، ويبقوا خايفين يكلمونا لو بنسأل على عنوان بيت مثلًا. الموضوع مابيقفش عند الخوف، العيال الصغيرة بتعملنا زفة، بيفضلوا يمشوا ورانا ويقولولنا "ياكورونا.. ياكورونا"، بس في الآخر دول عيال صغيرة، مش فاهمين إحنا بنعرض نفسنا لخطر عشان إيه، إنما اللي بيضايقنا بجد وبيبقى أبشع من تنمر العيال، الأهالي والشباب الكبار، بيفضلوا يضايقونا، ويقولولنا إنتم كورونا وهتدخلوا الكورونا الشارع.

أحيانًا كمان بنتعرض للتحرش، وده حاجه طبعًا ممكن تكون غريبة عن مجتمع في الصعيد، بس مرة من الزيارات نزلت لنا سيدة مش كبيرة قوي، بس في الواقع هي اتحرشت بينا لفظيًا، وكلامها كان بيحمل تلميحات سيئة، المضايقات موقفتش لحد هنا وحاجات أبشع بكتير مش بحب أفتكرها، عشان في الآخر إحنا بنعمل ده خدمة لبلدنا، وبنعامل ربنا بيه.

بنتعرض لمواقف مضحكة في وسط الزيارات، يعني مرة بنزور حالة، والبيت اللي قدامهم عاملين ترابيزة بلياردو وبيطلعوا العيال تلعب، لما شافتنا صاحبة البيت قالت لنا بالنص كده "تعالوا والنبي رشولي الترابيزة، عشان العيال تلعب وهي مطمنة إن ماعنديش كورونا". طبعًا في وسط ما إحنا بنعمل أقصى جهد عشان نوعّي، وده رد فعلها كان مضحك جدًا لينا، وأطفال الشارع ساعات بيمشوا ورانا بالعجل ويقولولنا عقموا لنا الكورة والعجلة والنبي. مواقف بتهون علينا اللي بنتعرض له.

طبعًا التنمر حدته بتزيد كل ما كانت المنطقة شعبية والأهالي بسيطة، بسبب قلة الوعي، وإنهم مش مدركين خطورة الموقف حتى، لما بيحصل مضايقات مابنقفش نرد وبنمشي على طول نكمل طريقنا، عشان لو وقفنا معناها صدام معاهم، وده مش اللي نازلين علشانه. بس من ناحية تانية بنستغل الوضع ونبدأ نوعّي الناس بضرورة الالتزام والتباعد، وضرورة التطهير اللي بنعمله. أحيانًا ناس بتتقبل وأحيانًا لأ طبعًا، بس برضه بنحاول.

إحنا كل يوم بنطلع ما لا يقل عن خمس زيارات، كل بيت بندخله له حكايته وله مشاكله وحساباته، لكن في بيت اتحفر جوايا وعمري ما هنساه. كان المصاب من العمالة اليومية، يعني مالوش دخل ولا مصدر رزق غير دراعه، بعد إصابته بيومين وعزله، مراته طلعت مصابة برضه، ونقلوها العزل وسابوا أربع عيال لوحدهم الكبيرة بتاعتهم 15 سنة. نزلنا من البيت ده كلنا دماغنا شغالة، طيب هيعملوا إيه؟ هيعيشوا إزاي؟ عرفنا إن الجيران بيتكفلوا بأكلهم، بس ده طبعًا مش بشكل كافي، لأن أهالي المنطقة كلهم من نفس حال الأسرة. فضلنا نحاول نتواصل مع ناس تتكفل بهم، لحد ما جات واحدة من سيدات الخير، وقدمت لهم المساعدة، واتكفلت بكل المستلزمات الغذائية والوقائية لهم، ربنا معاهم.

أنا معايا عربيتي فبنتحرك بها، بتسهل علينا التنقل، ولأننا بنشتغل وقت الحظر طبعًا، كان الأمن بيوقفنا في الكماين أو الدوريات، لكن بعد كام يوم، خلاص عرفونا وبقوا يعدونا على طول، مجرد ما يلاقينا لابسين البدلة، بيعرف إننا طالعين زيارات، وبيسيبنا نعدي.

احتياطات واجبة

بنروح الزيارة عاملين احتياطتنا كلها؛ لابسين بدلة واقية وماسكات للوجه وماسك كامل للراس وغيرها. طبعًا البدلة دي معاناة لوحدها، مرهقة قوي وبتتعبنا، بتخلينا ندوخ من كتر الحر خصوصًا مع الجو هنا في أسوان، بنحس إننا بنسيح جواها. يعني أول يوم رمضان، طلعنا زيارة بالنهار والجو كان نار وشمس حامية، فجأة لقينا نفسنا دايخين وتعبانين، ووقعت من طولي من كتر الحر والفرهدة لأن البدلة بتخلي الجسم يفقد كل سوايله من كل العرق. الموقف ده خلانا نتفق نشتغل من بعد الفطار، لأننا مش هنستحمل الجو، وفعلًا كل يوم بنطلع من 8 لـ 2 بالليل .

بنروح البيت ونكلم صاحبه يطلَّع كل اللي عايشيين فيه برا، ونبدأ ندخل نرش، وطبعًا بيكون معانا صاحب البيت بنراعي برضه حرمة البيوت اللي داخلينها، بنلف على كل شبر نرشه بالكلور والكحول، ونمسح ونعقم كل المقابض والحيطان وكل حاجة، إلا المطبخ طبعًا، بنتعامل معاه بحرص شديد، لو فيه أكل بنطلعه، وبنرش المقابض والأرضيات. بنخلص وبنشوف ست البيت ونديها إرشادات، وبنطلب منها تغير كل مفارش البيت خصوصًا السراير تحسبًا لأي نقطة كلور نزلت على مخدة أو على ملاية، تعمل حساسية جلد لأهل البيت وإحنا مش عاوزين أي ضرر للناس اللي جايين نساعدهم. وطول ما بنرش بنقول تعليمات وتوجيهات للناس بالمسافة الآمنة وغسل الإيدين والنظافة الشخصية، وبنسيبلهم أرقام تليفوناتنا عشان لو في حاجه يكلمونا، طبعًا فيه ناس بتنسى أو بتبقى عاوزة تسأل تعقم وتطهر البيت إزاي، بنرد عليهم مباشرة وبنقدملهم أي استشارة.

المواد المعقمة واللبس الواقي بيجيلنا تبرعات من أفراد أو جميعات، مش بناخد أي فلوس في إيدينا. اللي بيكلمنا بنقوله هات حاجات وناخدها نستخدمها، طبعًا ماقدرناش ناخد من الطب الوقائي، لأن غير إن المواد مش متوفرة قوي، بس دي جهة حكومية، وعشان تخرج مواد من العهدة الموضوع هياخد وقت وروتين كتير. ساعات لما بيكون متوفر معانا مواد كتير وعارفين إن البيت ده فيه حد مضطر ينزل، بندي الأهالي كمامات وقفازات وكحول، كمساعدة إنهم يكملوا وقايتهم.

لو قلت إني ماكنتش خايف يبقى بكدب، بس الخوف ده بيزول بالتعود، يعني بعد أول تلات مرات مابقتش خايف، اتعودت وبقى الموضوع عادي، وعارف إن طول ما أنا واخد احتياطاتي كويس ومركز وأنا بتعامل مع الحالة أنا في أمان، وإحنا كأصدقاء شغالين مع بعض بنفضل نفكر بعض ونساعد بعض في التجهيز، وبنعقم بعض دايمًا، فعلى الله نتوكل وبنبدأ.

أنا أب لطفل 6 سنوات، وعايش في بيت والدي ووالدتي. هم مسنين، فلما عرفوا في بداية الموضوع رغبتي بالتطوع كان فيه مناقشات كتير، بيحاولوا يغيروا فكرتي بكلام زي: إحنا ناقصين، افرض جبتلنا المرض، خاف على ابنك. لكن في الآخر الأمور آلت لشوف إنت عاوز تعمل إيه واعمله.

البيت مش بادخله مرة واحدة وأختلط بأهلي أول مارجع من برة، الأول بتعقم بالكلور والكحول كويس قوي بعيد عن البيت، وبعدين لما برجع بدخل على الحمام على طول، قبل ما أقابل أي حد. أخلع البدلة أغسلها وأعقمها كويس وأعقم نفسي كويس قوي، وبعدين أروح مطلع البدلة، عاملها منشر برة البيت خالص، وأعلقها على المنشر ده عشان تنشف. هي بدلة جلد طبعًا وبتستخدم أكتر من مرة بشرط الغسيل والتعقيم. وبعدين برجع أعقم نفسي تاني، وبدخل البيت. بس ببقى محافظ على المسافة بيني وبين ابني وأهلي، خوفًا إني أكون حامل للفيروس ومش عارف.

أنا هافضل مكمل زي ما أنا لحد ما الغمة تزول، فاللي يتنمر يتنمر، واللي مايقدّرش مش مهم، هافضل أدور على الطرق اللي أكلم بيها الناس وأفهمهم وأوعيهم، وأشوف أي طريقة أرفع بيها الوصم اللي بيلحق بأسر الحالات المصابة، والناس تفهم أنه مرض عادي، مش ذنب.


* هذه شهادة لمتطوع في حملات تطهير المنازل، تنشرها المنصة في باب مخصص بعد التأكد من هوية الكاتب والتحقق من شهادته باتباع الطرق المهنية والقانونية اللازمة، والحفاظ على خصوصية المرضى إن أتى ذكرهم، مع عدم التدخل في صياغة الشهادة من جانبنا إلا لضبط اللغة إن كانت بالفصحى.