تصميم: يوسف أيمن - المنصة

يومياتي مع كورونا| الساعات العصيبة لتجهيز 20 سريرًا قبل وصول الحالات

منشور الأحد 21 يونيو 2020

الاسم: عبير محمد.* التخصص: فني صيانة أجهزة طبية. السن: 29 سنة. مكان العمل: مستشفى عزل العجمي.


من 7 مارس وأنا جوة العزل، ما خرجتش غير أسبوع ورجعت تاني. المسؤولية اللي عليا، كفني تركيب أجهزة طبيبة، بتحكم دايمًا نكون صاحيين و متابعين عشان نفضل مطمنين إن كل الأجهزة شغالة تمام ومفيش أي عطل هيحصل إن شاء الله. مفيش احتمالية للخطأ، المسؤولية كبيرة و صعبة، خصوصًا إن مستشفى كبير زي العجمي مافيش غير أنا وزميلة ليا فنيين بس، مسؤوليين عن كل جهاز في المستشفى.

أنا فني من القوى الأساسية في المستشفى. أول شهر مارس لما بدأت الكورونا تنتشر جالنا أجهزة كتير زيادة ومونيتور لكل سرير ومعدات كتير وكل جهاز بإكسسواراته. كنا سبعة فنيين من المستشفى، بس بعد كده زمايلنا مشيوا، بدأت أكلم زمايلنا عشان ييجوا يدخلوا معانا العزل، بس للأسف محدش كان بيوافق، ناس كتير اتحججت إن عندهم أولاد، وناس تانية اتحججت إن الأهل مش موافقين، وناس رفضت واتهربت بدون مبرر، لكن في كل الأحوال السبب الحقيقي كان الخوف من التعامل مع حالات كورونا.

طبعًا ده مكاني في المستشفى، فقررت إني هدخل العزل. المدة قد إيه مش عارفة، بس قررت هكملها، عرضت الموضوع على زوجي، في الأول اعترض شوية، لكن مع محاولات مني، وهو شاف الوضع، محدش من زمايلي موافق ييجي، فوافق. أهلي كانوا بيشجعوني جدًا، وقالولي كملي وده أجر كبير عند ربنا، وحسسوني أني بعمل حاجه مهمة ومفيدة جدًا لكل الناس، وفعلًا من يوم 7 مارس، جهزت شنطتي، ودخلت العزل وأنا مش عارفة هخرج أمتى.

في البدء كانت المخاوف

مش قادرة أوصف إحساس أول كام يوم. طبعًا في الأول كنا خايفيين جدًا، وكل ما تيجي عربية إسعاف نبص من الشباك نشوف في كام حالة، ونجري على القسم اللي هتنزل فيه نتأكد إن كل الأجهزة شغالة، ونتأكد إن كل القسم فيه كل الأجهزة اللي هيحتاجوها الدكاترة، مونيتور وفينت وسيرنج بامب، ونفضل متابعين كل حالة ونشوف أخبارهم، لحد ماوصلوا 90 حالة، بقينا معتادين على دخول و خروج الحالات، و بطلنا نعد.

أول حالة مصابة اتعاملت معاها بشكل مباشر كانت تعبانة جدًا وفي العناية المركزة. رئيسة التمريض بلغتني وكنت داخلة أشغل ماكينة غسيل كلوي، والجهاز كان جنب سرير الحالة، المنظر كان صعب جدًا، مش هقولك أني كنت خايفة بس وأنا قدام الحالة، لأ، أنا حسيت إن الناس دي في ابتلاء كبير قوي، بني آدمة قدامك مش قادرة تاخد نفسها، وفي نفس الوقت لازم تغسل كلى. حسيت بمسؤولية كبيرة، وإن لازم في أسرع وقت أشغلها الجهاز وتتلحق. قعدت ساعة كاملة بحاول، وبوصل الأجهزة ببعض، والحمد لله اشتغلت والحالة غسلت وهي على التنفس الصناعي، أول ماخلصت حسيت بفرحة كبيرة، انتصار قوي إني قدرت أساهم في مساعدة مريض.

مفيش نوم أو وقت محدد للراحة، شغلنا متصل بكل أقسام وغرف المستشفى، فإنت مستعد 24 ساعة، في أي وقت ممكن تجيلي إخبارية إنهم محتاجين جهاز في العناية أو الغرف، وده فعلًا كان بيحصل طول الوقت. مرة صحوني أنا وزميلتي الساعه 3 الفجر، حالة كانت عاوزة تعمل أشعة وعاوزين نوصلها جهاز تنفس متنقل بأسطوانة أكسجين. نزلنا بالترنجات، ملحقناش نغير هدومنا، وبسرعة جرينا لبسنا جاونات وطلعنا الأجهزة، وبسرعة جدًا اشتغلنا فيهم عشان الحالة تتلحق. وصلنا الجهاز بالأسطوانة، ووصلناه للمريض، موقف صعب جدًا، تقومي من النوم فجأة عشان تظبطي جهاز لمريض مش قادر يتنفس.

تحديات وإنجازات صعبة

فيه يوم عمري ما هأنساه كان تحدي ليا. المفروض أفرش قسم كامل، 20 جهاز يتوصلوا بإكسسواراتهم لأن اليوم ده جات لنا إخبارية هنستقبل 20 حالة في يوم واحد، 20 سرير لازم يتجهزوا في يوم قبل وصول الحالات. ده كان تحدي لنفسي إني أقدر أجهز القسم كله، ومفيش حالة توصل إلا وسريرها جاهز ومتوصل بمونيتور وكل الإكسسوارات بتاعه. وفعًلا الحمد لله، اشتغلت طول اليوم وأخيرًا قدرت أخلص قبل وصول الحالات، مجهود وضغط طبعًا بس كنت مبسوطة إن الحالات وصلت لأماكنها مجهزة.

البدلة اللي بتشوفها في الصور دي مرهقة وصعبة، بس لبسها في العادي كوم، ولبسها في رمضان كوم تاني خالص. حرفيًا بتجيبي مية من كل حتة. الجسم بينهار في الوقت اللي بنلبسها فيه، صيام وحر وسخونية البدلة على الجسم، دموع وعرق جوة الخوذة وشبورة من الماسك ومش شايفة كويس، ولازم أركز في كل تفصيلة وأنا بركب الجهاز، ومش بس البدلة اللي كانت صعبة في رمضان، الحقيقة كل حاجة في رمضان بعيد عن بيتي وأهلي كانت ناقصة، وصعبة.

فيه ست جاتلنا المستشفى، ماكانتش مجرد حالة مصابة، كأنها كانت من عيلتنا، المستشفى كلها اتأثرت بيها. كانت مصابة وحامل في الشهور الأخيرة. داخلة منهارة تمامًا، فاقدة الوعي، ومش حاسة بحاجة خالص ومفيش نفس تقريبًا، بس كان عندنا أمل إنها تعيش وتتحسن، كنا بندعي لها ليل نهار، وكلنا بنسأل عليها وبنتابع حالتها يوم بيوم، لحد يوم الولادة. لما نزلوها العمليات كلنا كنا معاها، واقفين على الباب وبندعيلها ومستنين المولود، كأنها مننا، مكناش شايفنها واحدة من ضمن الحالات خالص، أول ما الدكاترة بدأت تخرج سألنا عليها وبقينا نطمن ونتابع حالة المولود، كان نازل 600 جم بس، جرينا بيه على الحضانة، مكنتش مكتمل النمو، وللأسف مات بسرعة، بعدها بيومين الأم ماتت، مش قادرة أوصف اتوجعنا عشانهم أد أيه، مش هقدر أنساهم أبدًا.

في العزل أنا شفت واتعلمت كتير قوي، واتعاملت مع ناس مختلفة، اللي جاي يقضي وقته ويمشي، واللي جاي بكل طاقته عشان يشتغل وينقذ الناس وبيتعامل بضمير، كل حد منهم علمني، فيه دكتور كان وقت راحته يفضل سهران، وأشوفه ماسك ورق وبيقصقص، أقعد أسأل نفسي الله، هو مش بينام ليه، بعد كل التعب ده هو مكمل، بس فجأة لقيته عامل أشكال بالورق طيارات و قلوب وكاتب عليهم جمل بسيطة بس حلوة ومشجعة، كاتب "اللي جاي أحسن"، "هتبقوا بخير"، وفي يوم نزل ووزع كل اللي عمله على الحالات، قد إيه الموقف ده أثر فيا وغير نظرتي لحاجات كتير. لما شفت حاجة بسيطة زي كده اتعملت بحب وفرحت كل العيانين، جمل بسيطة حسنت نفسيتهم وخلتهم مبسوطين، وقتها حسيت أن الرحمة والإنسانية مهمين، مش مجرد أدخل أشوف شغلي وأخرج تقضية واجب.

أنا طبعًا نفسي أخرج وأرجع لبيتي وزوجي وحياتي الطبيعية. أنا يا دوب ببدأ السنة التانية في زواجي، بس سبت بيتي وجيت العزل، ونفسي يبقى عندي طفل، بس أنا مش قادرة أخرج و أسيب مكاني في المستشفى، عارفة إحساس إن المكان ده مكانك، اتبنى على إيدي خطوة خطوة، وخايفة أسيبها لحد تاني لتغرق، هو إحساس بالمسؤولية، عشان كده أنا مكملة في مكاني جوة المستشفى، وهأخرج لما الوضع يتحسن إن شاء الله.


هذه شهادة لفني صيانة أجهزة طبية، تنشرها المنصة في باب مخصص بعد التأكد من هوية الكاتبة والتحقق من شهادتها باتباع الطرق المهنية والقانونية اللازمة، والحفاظ على خصوصية المرضى إن أتى ذكرهم، مع عدم التدخل في صياغة الشهادة من جانبنا إلا لضبط اللغة إن كانت بالفصحى.