تصميم: يوسف أيمن- المنصة

للنساء فقط: دليلك لقضاء يوم آمن في مصر

منشور الأحد 19 يوليو 2020

مرحبًا بكِ عزيزتي، هل هذه أول زيارة لكِ في مصر؟

لا مشكلة، الأمر بسيط فقط عليكِ أن تعرفي كافة القواعد والقوانين للبقاء آمنة خلال رحلتك.

أظن أن هذا السوفت وير يأتي تلقائيًا مع المصريات، سواء من خلال التربية والتجربة الشخصية، أو حتى الخبرات المشتركة التي تتناقلها الفتيات في الأعمار المختلفة.

قاموس التحرش

دعينا نبدأ مباشرة بقاموس التحرش، لا تعتقدي لوهلة أنكِ معفية من التحرش طول إقامتك في مصر، الحل الوحيد لذلك ألا تهبطي من الطائرة بمجرد وصولك، وتعودي من حيث جئت على أول طائرة، ولكن إذا قررتِ ألا تستسلمي سريعًا وتكملي مغامرتك فدعينا نبدأ 

عادة المطارات من أأمن الأماكن فيما يخص حالات التحرش الجنسي المرصودة، ولكن لا أعدك بذلك في مطار القاهرة فصديقتنا رغد لديها تجربة تود مشاركتك إياها عن أول يوم تصل فيه القاهرة قادمة من السعودية لدخول الجامعة وبدأ مرحلة جديدة في حياتها بعد انتهاء المرحلة الثانوية.

تقول رغد للمنصة "خلّصت الثانوية في السعودية ورجعت على مصر عشان ادخل الجامعة، أول ما وصلت المطار عند سير الشنط بوطي عشان اخد شنطتي لاقيت واحد مسكني من ورا بلف لاقيته راجل كبير في السن وبيبص الناحية التانية كأن مفيش حاجة حصلت، اتخضيت وأخدت شنطتي ومشيت بسرعة كان أول يوم ليا في مصر وأول مرة حد يتحرش بيا في حياتي".

"انا كنت جاية بأحلام كبيرة إنه أخيرًا بقيت جامعية وراجعة مصر، بس وقتها صدقت إن الموضوع كبير وإن التعامل مع البشر شكله هيكون صعب إذا كان الترحيب كده، وافتكرت كلام صاحبتي القريبة بعد مازارت مصر لشهور، قالتلي "متفرحيش إنك رايحة مصر، دي بلد مش سهلة للستات ".

بالطبع لا أحتاج إلى تنبيهك أن ركوب سيارات الأجرة في مصر هو مغامرة من نوع خاص. لا تصدقيني؟ دعي صديقتي مها* تحكي لكي عن تجربتها مع سائق تاكسي. 

"كان عندي 17 سنة، كنت راكبة تاكسي مصر الجديدة عشان رايحة آخد كورس واتعلم زي كل اللي في سني عادي جدًا، الساعة 4 العصر، وأنا كنت باصة من الشباك والسماعات في وداني، وبعدين بلف لاقيته ولا مؤاخذة فاتح سوستة البنطلون وعايش اللحظة مع نفسه على الاخر وبيبصلي في المراية.

رد فعلي كان إني توترت وخفت فعلًا أقوله نزلني، لحد ما فجأة لاقيت الدنيا واقفة واتزحمت عند الخليفة المأمون، فتحت الباب ونزلت جريت دخلت حمام هارديز اللي في الخليفة المأمون، وقعدت أعيط بانهيار شديد".

 

لا بأس، الوضع ليس بهذا السوء يمكنك دائمًا طلب سيارة من شركة خاصة مثل أوبر أو كريم، على الرغم من أنني لا أستطيع ضمان سلامتك بشكل كامل، فهناك مئات التجارب لنساء تعرضن للتحرش من سائقي الشركات الخاصة.

فلنأمل أن يكون لديك صديق بإمكانه أن يوفر عليكِ تلك الخطوات ويقلك بسيارته الى الفندق.

نسيت أن أسألك عن حالتك المادية، فهي بالتأكيد ستؤثر بشكل كبير على تجربتك في مصر؛ إن كنت ممن يستطيعون توفير التكلفة المادية للبقاء في فندق 5 نجوم، فغالبًا لن تواجهي الكثير من المشكلات هناك، لكن إن كنتِ يا عزيزتي من الطبقة الوسطى أو الكادحة وقررتِ النزول في فندق 3 أو 4 نجوم في القاهرة، فيؤسفني إبلاغك أن معظم الفنادق لا تسمح بتأجير غرفة لسيدة منفردة.

باسم حلقة، نقيب السياحيين، قال للمنصة إن هناك تعليمات من شرطة الآداب وشرطة السياحة لأصحاب الفنادق بعدم السماح بحجز غرفة لأنثى بمفردها، وهي تعليمات لا تنطبق على الرجال أو حتى مجموعات النساء، إذا كن أكثر من واحدة وعلى الرغم من عدم وجود قانون ينص على عدم تأجير غرفة لسيدة بمفردها، إلا إن تلك التعليمات تعود للإجراءات الأمنية والتخوف فيما يتعلق بممارسة الجنس في غير إطار الزواج.

هل وصلتِ إلى الفندق الخمس نجوم مستقلة سيارة صديق؟

حسنًا الآن أنت آمنة، بشكل مؤقت على الأقل. 

بالطبع أفهم رغبتك في زيارة معالم المدينة، فأنت لم تقطعي كل تلك المسافة لمشاهدة القاهرة من الشرفة، لكن أولًا يجب أن تمري ببعض الاختبارات للتأكد من جاهزيتك للتعامل مع الشارع المصري.

هل أنت مستعدة للنزول للشارع؟

ظاهرة التحرش ليست جديدة على مصر، إلا أن السنوات الأخيرة وما شهدته من حراك في المجتمع المصري تزامن أيضًا مع ازدياد في حالات العنف الجنسي المسجلة، وحتى في حدتها، ما قد يدل على موجة عنف مجتمعي تدفع النساء ثمنه، وفي مصر النظام مهم للغاية لذلك لدينا ما يسمى بدليل مواجهة التحرش للمستجدات، فطبقًا لسنك، لون بشرتك، وضعك الاجتماعي، نوع ملابسك، ووضعك الاقتصادي، يمكن توقع نوع التحرش الذي غالبًا سوف تتعرضين له في شوارع القاهرة، وبالتالي محاولة تفاديه أو على الأقل تفادي عامل المفاجأة.

السؤال الأول: ما هو سنك؟ 

آه انتي في سن الشباب. هذا يرفع نسبة الخطورة.

ثانيًا: ماهو لون بشرتك؟

لماذا؟ لتحديد نوع التهديد الذي سوف تتعرضين له بالطبع، فكلما كان لون البشرة أغمق، كلما كانت النساء أكثر عرضة للعنف.

تقدر الأمم المتحدة أن حوالي نصف مليون مهاجر، نصفهم من اللاجئين، يعيشون في القاهرة. وأشار تقرير لوكالة رويترز إلى تعرض لاجئات إلى الاغتصاب في العاصمة المصرية القاهرة، إحداهن تبلغ من العمر 17 عامًا، وقد تعرضت إلى عدة عمليات اغتصاب لتكتشف في النهاية أنها حامل. 

وهي واحدة من النساء الأفريقيات المهاجرات واللاجئات في القاهرة، واللاتي يتعرضن يوميًا إلى سوء المعاملة، حتى وصفته ممنظمات حقوقية بأنه بات بمثابة وباء عنف جنسي.  

السؤال الثالث؟ ما هو وضعك الاجتماعي؟

بالطبع هذا سؤال هام جدًا فإن كنت أمًا سيكون عليك مضاعفة انتباهك للتأكد من سلامة طفلك بالإضافة لسلامتك، وإن كنت تتجولين برفقة زوجك أو رفيقك فعليك التأكد طول الوقت من عدم ظهوركما بمظهر يلفت الانتباه، ويجلب عليكم الاتهام بممارسة فعل فاضح في الطريق العام.

أفعال مثل ماذا؟ لعلك تتساءلين. 

أن تضعي رأسك على  كتفه أثناء الجلوس، أو أن تقبّليه أو تحتضنيه في الشارع، حاشا لله. نعم أعرف أنه زوجك، لكن الشارع لا يعرف، مما سيجلب عليك وبالًا بلا شك، وقد تجدان نفسيكما في قسم الشرطة محاوليّن تبرير فعلتكما الشنيعة، قبل عمل محضر "فعل فاضح في الطريق العام"، والذي يبدأ من التقبيل ويمتد ليشمل أي فعل لا يتوافق مع أهواء المواطنين في الشارع في هذا الوقت.

أما عزيزتي، إن كنت حاملًا فيؤسفني إبلاغك إأن الخطورة تضاعفت، وقد تتحول أجمل شهور حياتك إلى أسوأ تجربة تحرش

توقعي أن يصرخ أحدهم في وجهك بأحد هذه الجمل التي تواجهها النساء الحوامل في الشارع المصري/ وهي نقلًا عن شهادات حقيقية لنساء حوامل؛ "طبعًا إنتِ دلوقت متقدريش تنكري أنك متنـ…"، "يسلم اللي نفخك"، و"واللي نفخك النفخة دي ستر عليكي ولا سابك وجري؟"، "دي آخر اللعب على السراير".

وعبارات أخرى تصعب كتابتها هنا، تسمعها الحوامل كل يوم، لسن وحدهن، بل بصحبة أطفالهن أيضًا، فالأمهات أيضًا كباقي الإناث في مصر؛ مجرد قطع من اللحم في نظر ذكور الشارع.


اقرأ أيضًا: التحرش بالحوامل.. شهادات خادشة للحياء


السؤال الرابع: نوع ملابسك؟

لا تعتقدي لوهلة أن هذا السؤال لمنع التحرش، هو فقط لتحديد المبرِّر الذي ستسمعينه بعد التحرش، إن كنتِ لا ترتدين الحجاب فأنتِ السبب، لأن ملابسك غير محتشمة وتثيري غرائز الرجال.

ترتدين الحجاب؟ لابد أن ملابسك كانت ضيقة أو واصفة فهو حجاب غير شرعي.

حجاب شرعي أو نقاب؟ هل تضعين مستحضرات التجميل؟ ماذا عن عينيك؟ هل هما مرسومتين؟ هل ترتدين حذاءً ملونًا أو تحملين حقيبة ملفتة؟

لابأس، حتى لو اختفت ملامحك بالكامل تحت الملابس السوداء، فالمبرّر لا زال موجودًا، لأن كونك أنثى هو سبب كافٍ لإثارة الغرائز ومبرر للتحرش بكِ، فالرجال لا يمكنهم السيطرة على شهوتهم.

السؤال الخامس: وضعك الاقتصادي؟

صدقيني أنا فقط أحاول تقليص الاحتمالات، سأدعو الله أنك لن تحتاجي أبدًا لركوب المواصلات العامة والمترو فهم ملاذ آمن للمتحرشين، وأيضًا أتمنى ألا تضطري للسير على قدميك في شوارع المحروسة كثيرًا، فذلك لن يعافيكي كثيرًا، ولا يمكن أن أعدك بأن وجودك داخل أحد الكومباوندات الشهيرة بأسوارها العالية سيحميكِ، فالنيابة تحقِّق الآن في واقعة اغتصاب تمت داخل أحد تلك الكومباوندات بمعرفة أفراد الأمن وتواطئهم مع الشاب المتهم.

ولا أنصحك بالذهاب لإحدى الكافيهات الراقية فواقعة "فتاة أون ذا ران" لا تزال حاضرة بقوة في الأذهان.

يمكنك بالطبع الذهاب لمشاهدة فيلم في السينما، لكنك مسؤولة بالكامل عن نظرات قاطع التذاكر والرجل الذي يوصلك لكرسيك عندما يعرفون أنك تدخلين السينما بمفردك، خاصة لو كانت حفلة ليلية.

بلاغ ضد متحرش

نعم سيدتي أعرف أنك قوية ولن تتنازلي عن حقك و تصرين على الذهاب لقسم الشرطة لعمل محضر تحرش، وهو حق يكفله لكِ القانون والدستور بالطبع، لكن أولا دعيني اسير معك في الإجراءات التي ستتم في هذا الموقف.

المهمة الأولى والأصعب هو التحفظ على المتحرش أو المعتدي، فالشارع المصري سيبذل قصارى جهده في إقناعك بالعدول عن الأمر، سيستخدمون كل طريقة ممكنة لمنعك من الذهاب إلى قسم الشرطة، من أول محاولة استعطافك وإخبارك أنه "مجرد عيل وغلط وهتضيعي مستقبله" لمهاجتمك أنتِ شخصيًا "ما تشوفي انتي لابسة إيه".

لو فشلت كل تلك المحاولات سيحاولون تهريب المعتدي بالقوة، الأمر الذي غالبًا ما ينتج عنه أذى جسدي لك.  

التشهير الإلكتروني

هل تفكرين في الكتابة على السوشيال ميديا لفضح المتحرش، أو عمل فيديو للتعبير عن غضبك؟

هل فقدتِ عقلك تمامًا؟ أم لم تسمعي يومًا عن أمل فتحي؟ 

في 9 مايو/ أيار بثّت أمل فتحي مقطع فيديو على صفحتها على فيسبوك تحدثت فيه عن مدى انتشار ظاهرة التحرش الجنسي في مصر، وانتقدت تقاعس الحكومة في توفير الحماية للنساء وفي الساعات الأولى من يوم 11 مايو ألقت قوات الشرطة المصرية القبض على أمل فتحي، مع زوجها وطفلهما البالغ من العمر ثلاث سنوات وبعد احتجازها احتياطيا لمدة  4 أشهر حكمت المحكمة بحبسها لمدة عامين مع النفاذ، بتهمة إذاعة أخبار كاذبة ونشر فيديو خادش للحياء العام.

دولة تحارب النساء

بالطبع لم أستطع تغطية كافة المصاعب التي ستواجهينها في رحلتك، لكن أتمنى أن أكون ساعدتك قليلًا على فهم ما تتعرض له النساء في مصر عامة وفي القاهرة بشكل خاص، ففي استطلاع رأي دولي أجرته مؤسسة طومسون رويترز في 2017 احتلت القاهرة المرتبة الأولى كأخطر المدن الكبرى على النساء في العالم.

أراكِ تتساءلين لماذا تحارَب النساء في مصر؟

منذ الولادة تعَامل الأنثى على أنها الفرحة الناقصة فلو كان المولود ذكرً لأقيمت الأفراح والموائد، أما لو كانت أنثى فتأتي بخيبة الأمل للعائلة ويدعو الجميع للأم أن يرزقها الولد الصالح.

ومن اليوم الأول  تُعلَّق مفاهيم مثل الشرف والعفة على أجساد النساء، ومن ثمَّ يتم احترامهن أو استباحتهن طبقا لتلك المفاهيم. ورغم ارتباط الجزء الأكبر من مفهوم الشرف بعذرية البنت وغشاء بكارتها، إلا أن تصرفات النساء وملابسهن تعتبر دليلًا على ذلك الشرف، ويعد سلوك النساء وأخلاقياتهن مقياس لدرجة العنف التي يستحقهن.

لا يمكن الادعاء أن مصر هي الدولة الوحيدة التي يتم فيها التحرش بالنساء، لكن بالتاكيد مصر يجتمع فيها كل ما يساعد ويشجع على أذية النساء.


اقرأ أيضًا: "يوم البنات المخطوبين في المهد لسرير الجواري"

 


النساء في مصر يعتبرن ملكية خاصة بالأسرة، وإخضاع النساء لرجال المجتمع هو طريقة الدولة لفرض سيطرتها على هؤلاء الرجال في المقام الأول قبل سيطرتها على النساء وأجسادهن، والعنف ضد النساء في مصر هو أمر عادي بل ويتم التشجيع عليه وخلق مبررات أخلاقية ودينية له في كثير من الأحيان، طالما لم يتعدّى سلطات الدولة، ومعاناة النساء في مصر تتنوع بين سيناريوهات مختلفة قد تجتمع في أي نقطة لقاء، فهي معرّضة للختان، وزواج القاصرات أو الزواج القهري، والتحرش، والانتهاكات الناتجة عن محاولات الاستقلال، ومعاناة الفتاة مع المجتمع بعد الاستقلال، والحرمان من الميراث،  والعوار القانوني في حوادث الاغتصاب الزوجي، وجرائم الشرف، وتشجيع ضرب الزوجة أو الابنة بحجة النشوز أو التربية.

الخلاصة يا عزيزتي أنك ستجدين عداءً في مصر تجاه النساء، يصل لحد منعهن من التصرف بأجسادهن، بكل شكل وطريقة ممكنة وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها. 

بالعودة إلى سؤالك الأول سيدتي حول طريقة قضاء يوم آمن في مصر، الإجابة؛ لم ينجح أحد.