ملجأ "المميزون" - الصورة لزاهر سحلول - عن الجارديان

مُتَرجَم | ملجأ تحت الأرض لأطفال حلب.. الأمل الأخير للهروب من الحرب

منشور السبت 20 أغسطس 2016

إيما جراهام هاريسون

عن الجارديان


تحت الأرض بطابقين، ينام أكثر يتامى حلب حظًا، في أقصى قدر من الأمان يستطيع أن يعيش فيه سكان المدينة خلال الحرب، وذلك على الرغم من أن القنابل التي تدمر الشوارع بالأعلى توقظهم بشكل مستمر.

يشرف على الأطفال "أسمر حلبي" وزوجته، اللذان يعرفان بالتفصيل الشديد والمؤلم ما الذي يمكن أن تفعله التفجيرات المدمرة، لأنهما ما زالا يحملان آثار الإصابات التي تعرضا لها في قصف جوي على مدرسة منذ عامين.

عادت معاناة أطفال المدينة السورية، الذين عاشوا لسنوات تحت القصف، لتتصدر عناوين الصحف الرئيسية هذا الأسبوع، وذلك بسبب صورة فوتوغرافية للطفل عمران دقنيش ذي الخمسة أعوام، وهو يجلس وحيدًا وملطخًا بدمائه في سيارة إسعاف.

أُنقذ أبواه أيضًا من تحت حطام منزلهما، والتأم شمل عائلته مجددًا. ولكن مع القصف الجوي الروسي، والبراميل المتفجرة التي تلقيها الحكومة، واللذان يدمران شوارع شرق حلب التي تسيطر عليها الحكومة، يعترض العديد من الأطفال لصدمات وخسائر أكبر.

الخمسين طفلًا الذين يشرف عليهم حلبي في ملجأ "المميزون" يمثلون أضعف الأفراد المتبقين بالمدينة. انتقل الملجأ تحت الأرض عندما صار القصف المتواصل كثيفًا جدًا ولا يحتمل أن تستمر معه الحياة العادية.  

يتراوح عمر الأطفال بين عامين و14 عامًا. قُتل آباؤهم أو صاروا مرضى نفسيين، أو اختفوا بأي طريقة أخرى قاسية بسبب الصراع الذي يصل الآن إلى عامه السادس.

يقول حلبي: "لقد تأقلموا بطريقة غير عادية على هذه الحياة البشعة. لبعض الوقت كانوا يشعرون بالخوف عندما يسمعون أصوات الطائرات، ولكن في هذه الأيام صاروا يريدون الخروج من المبنى ليحدقوا في السماء ليشاهدوا الطائرات أو الهليكوبترات عندما يسمعون أصواتها فوقهم".

صار العديد من الأطفال مشردين، مثل الأخوين عمر (12 عامًا) ومفيدة (13 عامًا)، اللذين وُجدا نائمين على فراش ممزق على سلالم عمارة عمهما السكنية. أجبرهما عمهما على أن يخرجا إلى المدينة المحطمة ليشحذا الطعام والنقود القليلة، بعدما مات والدهما وتعرضت والدتهما لانهيار عصبي ثم اختفت. يقول حلبي أنه على الرغم من أن قريبهما طردهما من شقته، إلا أنها كانت أكثر أمانًا للطفلين من الشوارع.

أنشيء الملجأ في العام الماضي، بعدما عبر نشطاء عن قلقهم من العدد المتزايد للصغار المعدمين الذين يكافحون وحدهم. يحتوي الملجأ على مساحة لمائة طفل آخر، ويصل له مقيمين جدد بانتظام مأساوي.

يقول حلبي: "قمنا بإحصاء تقريبي لعدد الأطفال الذي فقدوا أحد أبويهم أو كلاهما، والشيء المحزن أننا وجدنا عددًا كبيرًا منهم". كان حلبي تاجرًا قبل الحرب ولم ينجب أطفالًا.

يتكون فريقه من 25 فردًا منهم الطباخين وحراس الأمن والمعلمين في مختلف المجالات مثل الرياضيات واللغة العربية والحياكة وتلاوة القرآن. ومن أهم الشخصيات في الملجأ هم الأطباء النفسيين المتفرغين، الذين خُصصت لهم مساحة للعلاج يعملون فيها مع الأطفال أمثال ياسمين التي تبلغ ثمانية أعوام.

يقول حلبي: "بصراحة، عندما وصل الأطفال، كنا نعاني كثيرًا معهم لأنهم مروا بالكثير من المواقف، ولكن بعد عدة شهور هنا، بدأوا يتحسنون بشكل عام. هدفنا هو حمايتهم وتعليمهم حتى ينجحوا في المستقبل. معظم الأطفال فقدوا والديهم في الحرب القائمة؛ ربما 5% منهم لم يفقدوا سوى واحد من أبويهم ولكن الآخر يعاني من مشكلات نفسية حادة لدرجة لا تجعله يستطيع رعاية أطفاله".

الملجأ الذي تموله التبرعات والأموال الخيرية من الداعمين الأفراد بالخارج، استغرق فيه حلبي وفريقه ستة أشهر في العام الماضي لتجديد المبنى ليتكون من عدة طوابق وغرف نوم وفصول دراسية مبهجة.

كان هذا إعلان عن الأمل في مدينة تعرضت مبانيها للهدم المنتظم. ولكن هذا الأمل كان سابقًا على انضمام الطائرات الروسية إلى الحرب الجوية ضد متمردي حلب. أضافت تلك الطائرات القصف الموجه إلى المذابح العشوائية الناتجة عن البراميل المتفجرة التي يلقيها النظام السوري.

مع تزايد عنف وكثافة الغارات الجوية، ومع ضرب العديد من الأهداف المدنية، ومن ضمنها المنازل والأسواق والمستشفيات، قرر المشرفون على الملجأ أنه لم يعد آمنًا لممارسة الروتين المعتاد مع الأطفال.

في هذه اللحظة قرروا نقل الأسرّة تحت الأرض، إلى جانب العديد من النشاطات، من الفصول الدراسية إلى التدريبات الرياضية، حتى يتمكن الأطفال من النوم وتناول الطعام والدراسة وهم آمنين وهم بالأسفل لعدة أقدام.

يقول حلبي: "عندما تأتي الطائرات، ننزل إلى الأقبية مع الأطفال "، وأضاف أنهم توقفوا عن الخروج: "اعتدنا أن نصطحب الأطفال إلى الحدائق لنتنزه، ولكن للأسف، بسبب القصف والغارات الجوية المتواصلة لم نعد نشعر بالحرية، لذلك توقفنا تمامًا. نحن حريصون على الحفاظ على أمن الأطفال، لذلك لا أسمح هم بالخروج".

بيتهم الجديد ممتليء بالألوان، وبه أراجيح، ومساحة للأعمال اليدوية، وأقسام للكمبيوتر والألعاب الأخرى. وبه مسرح؛ يحاول فيه علماء النفس والمدرسون مساعدة الأطفال لتخطي الصدمات عن طريق العروض المسرحية.

وعلى خلاف فرق الدعم الأخرى في مراكز اللاجئين، لا يتعامل أطباء الملجأ فقط مع مظاهر الرعب التي تحملها الأطفال في الماضي، ولكنهم يعدونهم للمعاناة التي يمكن أن يختبروها بعد ذلك. تحاصر القوات الحكومية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لحوالي شهر هذا الصيف، وعلى الرغم من أن هذا الكردون العسكري اُخترق بشكل جزئي، فالمدنيين في شرق حلب ما زالوا منعزلين بشكل كبير.

يقول حلبي: "في وقت قريب، أدينا مسرحية لنتحدث عن الحصار، مع أغاني راب وأغان ثورية، على الرغم من أنهم لا يعرفون ما الذي تعنيه كلمة (حصار)".

ومع إمكانية اقتراب الحصار منهم، فكروا في أن يغادروا إلى تركيا مع الأطفال، ولكنهم قرروا أنهم لا يستطيعون المغادرة. حلب هي موطنهم، وإلى جانب ذلك، في كل يوم يموت آباء أكثر في الحرب، تاركين ورائهم أطفالهم الذي سيعيشون في عوز شديد، ولن يتبقى لهم سوى أمل واحد.

يقول حلبي: "نحن أشبه بأسرة كبيرة هنا، لا يوجد ملجأ أيتام آخر في حلب".