متطوعون بمجموعة الإنقاذ يستريحون بعد إحدى مهامهم - من الموقع الرسمي لمجموعة "الخوذ البيض" 

مُتَرْجَم| الخوذ البيضاء.. التطوع تحت قصف "الأسد"

منشور الخميس 25 أغسطس 2016

لويزا لوفلك- زكريا زكريا – إندبندنت

بينما كان المتطوعون ينبشون بين الحطام المشتعل، كان صوت الأنين الذي يسمعونه منذ ساعات يعلو، كانت هذه الإشارة الوحيدة لكون هذا الركام كان يومًا بيتًا لأحدهم.

"بالراحة.. بالراحة" هتف بها واحد من المسعفين المتطوعين، بينما بدأ الأنين المكتوم في التحول لصرخة حادة، كانت هذه هي اللحظة الحرجة المعتادة.. الوقت الذي يقف فيه صاحب الصوت على الحافة الفاصلة بين الموت والحياة، وحركة واحدة خاطئة قد تدفعه للسقوط عن تلك الحافة.

حدث هذا في أغسطس/ آب 2016 في حلب، سوريا، وكانت هذه مهمة الانقاذ الأولى التي يشارك فيها خالد الخطيب.

يتذكر الشاب صاحب العشرين عامًا: "لا يمكن أبدًا أن تنسى أول مرة ترى فيها طفلاً يُنْتَزَع من الأنقاض هكذا". في الفيديو، تظهر الساق أولاً، ثم اليد المدماة، وأخيرًا تظهر رأس طفل في السابعة من العمر، ملوية تحت جسده وكأنه محبوس في لفة مغلقة أديرت بطريقة عكسية. "في تلك اللحظة، تشعر بالسعادة االغامرة، أنت تعرف أنك ساعدت في إعادة أحدهم للحياة".

خطيب هو واحد من المتطوعين في الدفاع المدني في سوريا، وهي مجموعة من المتطوعين الذين شكلوا أنفسهم بلا خبرات سابقة، لمساعدة المواطنين المدنيين في أعقاب القصف الجوي، ويشتهرون باسم "الخِوِذ البيض". مهام الإنقاذ اليومية للفريق تجعلهم يهرعون إلى الأماكن التي يفر منها الآخرون، ما يجعل مهامهم التطوعية من أخطر مهام الإنقاذ في العالم.

الفريق المكون من 3000 متطوع، يُعتَقَد الآن أنه استطاع إنقاذ أكثر من 60 ألف مدني منذ بدأت الأزمة السورية في 2011. في هذا الشهر، استطاع هذا الإخلاص والتفاني أن يضع اسم "الخِوِذ البيض" على قائمة المرشحين لجائزة نوبل للسلام للمرة الثانية في عامين.

يقول الخطيب "نسمع الانفجار قبل أن تأتينا إشارة اللاسلكي، الانفجار يهز الأرض، ويهز المباني. ثم نعدوا باتجاه الصرخات". أحيانًا يستعين المتطوعون بأدوات الحفر كي يزيلوا أكوام الخرسانة المحطمة، ليتمكنوا من استخراج الأحياء المحاصرين داخلها. وفي أحيان أخرى يتولى المتطوعون إزالة تلك الانقاض بأيديهم.

وزارة الخارجية الأمريكية قالت في مطلع هذا العام إن حكومة الولايات المتحدة تقدم 23 مليون دولار لمساعدة "الخِوِذ البيض"، عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وتعمل المجموعة في ثمان مناطق خارج نطاق سيطرة القوات الموالية لبشار الأسد، كجزء من الشبكة الصحية التي ازدهرت في مواجهة القمع الوحشي الذي مارسته السلطات السورية ضد المظاهرات السلمية[1].

أنصار الأسد اتهموا الفريق بـ"دعم الارهابيين". العديد من المناطق التي يقدم فيها هؤلاء المتطوعون خدماتهم يسيطر عليها فصائل ثائرة متشددة، منها جبهة فتح الشام المحسوبة على تنظيم القاعدة، التي تسيطر على القطاع الشمالي الغربي لإدلب، وهي منطقة يحيا فيها مدنيون يبلغ عددهم 1.5 مليون شخص، وفقًا لتقدير سابق على الحرب.

 مؤسس الفريق "رائد الصالح" كتب في مقال له نشرته الواشنطن بوست 2015؛ أن هذا الفريق "غير طائفي، غير مسلح، ومحايد"، وأنه أنقذ أناسًا من كافة الأطراف خلال ذلك النزاع، بما فيهم مقاتلين يعملون لصالح النظام.

مجموعات حقوق الإنسان ترى أن "الخِوِذ البيض" تقدم الأمل في مناطق صار الموت فيها شيئًا عاديًا. يقول عنهم كريستيان بنيديكت مدير وحدة الاستجابة في الأزمات بمنظمة العفو الدولية: "خوذات سوريا البيضاء تعيد تعريف معاني الشجاعة والبطولة".

مجموعات المراقبة لما يجري على الأراضي السورية، تقول إن نظام الأسد ارتكب جرائم قتل أكثر من أية جهة أخرى في الحرب الممتدة منذ خمس سنوات. أغلب الضحايا قُتلوا في عمليات القصف الجوي وإلقاء البراميل التي يقوم بها نظام الأسد. هذا النوع من الهجمات هو ما تستيقظ عليه مجموعة "الخِوِذ البيض"، وتنتظره لإنقاذ ضحاياه.  

يقول عضو المجموعة بيبرس مشعل: " الأمر مرهق جدًا، لكنه واجب كبير- علينا أن ننقذ هذه الأرواح".

بيبرس يبلغ الحادية والثلاثين، وحاصل على درجة علمية في اللغة الإنجليزية، دون قصد منه صار من الشخصيات الشهيرة عالميًا، عندما ظهر فيديو يبين العملية التي قام بها فريقه لإنقاذ عمران دقنيش، الطفل السوري الصامت ذا الخمس سنوات، الذي سحبوه من ركام حلب. الفيديو شاركه الملايين حول العالم.  

عمران دقنيش 

يقول بيبرس مشعل "نحن نرى مثل هذه الحالات طوال الوقت – لم نتصور أبدًا أن هذه المأساة تحديدًا ستنتشر هكذا".

صورة الطفل صارت رمزًا لتكلفة الحرب الإنسانية، وجدت طريقها للصفحات الأولى للجرائد وأسالت الدمع من أعين مذيعي التلفزيون.

بحسب بيان صدر الأسبوع الماضي للمرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن؛ فإن حلب وحدها شهدت مقتل 300 مدني منذ مطلع يوليو/ تموز الماضي. جُرِح المئات، وظل العديدون على قيد الحياة لأنهم اُنقذوا من تحت الأنقاض.

قليل من أعضاء "الخِوِذ البيض" لديهم خبرات من قبل الحرب. صالح مؤسس الفريق، كان مهندس إلكترونيات من إدلب، وآخرين مثل الخطيب كانوا لا يزالون طلابًا في المرحلة الثانوية.

في الليل؛ يشاهد الشاب صورًا التقطها، يطالعها مرة تلو المرة، يتخير منها ببراعة ما سيستخدمه في البث الرسمي للمجموعة :" أن تظهر تلك الوقائع للعالم على النحو الصحيح هو أهم شيء في نهاية اليوم".

المشاهد التي يعاينها يوميًا تجد طريقها إلى كوابيسه اليومية "عندما أغلق عيني، تعود مشاهد عمليات الإنقاذ الأولى. بعد جسد الطفل المدفون في الركام؛ شهدنا العديد من المذابح وحملنا جثث العديد من الضحايا وعُدْنَا بها. لا زلت أرى سيقانهم المفصولة عنهم مغروسة في الأرض.. لا زلت أرى أيديهم الممزقة".

135 متطوعًا لقوا حتفهم أثناء أداء مهام الانقاذ. أغلبهم مات فيما صار معروفًا باسم الضربات الجوية الثنائية، حيث تقوم الطائرات بقصف مواقع بعينها ثم تقصفها مرة ثانية بعد وصول المجموعات المتطوعة بالإنقاذ.

حاز ترشيح المجموعة لجائزة نوبل للسلام بدعم 130 "شخصًا ذا حيثية" وهي عبارة تشير دومًا إلى المسؤولين الحكوميين وحاملي جائزة نوبل للسلام، أو أعضاء بلجنة الجوائز بالأكاديمية الملكية السويدية المانحة للجائزة.  

"ويندي تشامبرلاين" رئيسة مؤسسة دراسات الشرق الأوسط في واشنطن التي رشحت المجموعة للجائزة، قالت في تعليق لها الأسبوع الماضي لوكالة أسوشيتدبرس إن مجموعة الخِوِذ البيض "تمثل القيم الحقيقية لجائزة نوبل للسلام".

ولكن في سوريا، ينشغل ذهن المتطوعين بأشياء أخرى. بينما يحاول أن يرتب إجابته على سؤال ما تعنيه الجائزة لفريقه، يتوقف "مجد" أحد المنقذين المتطوعين ويقول فجأة: "أنا آسف، عليّ أن أفكر في إجابة على هذا السؤال لاحقًا، لقد وقع قصف آخر".  


[1] - بدأت الثورة السورية في 2011 بتظاهرات ومسيرات سلمية رافضى لاستمرار حكم بشار الاسد الذي ورث كرسي الرئاسة عن أبيه، وواجه النظام التظاهرات السلمية بالعنف الذي شارك فيه الجيش بفتح النيران على المتظاهرين ثم قصف المدن المستمرة في التظاهر بالطائرات، ما دفع المعارضة العلمانية لحمل السلاح ضد النظام،  قبل أن تصل الفصائل المتشددة دينيًا التي رفعت السلاح ضد الجميع، وعلى الأخص المعارضة.