مُترجَم | الهدنة في سوريا.. تفاؤل حَذِر وحرب لم تنتهِ

منشور السبت 10 سبتمبر 2016

باتريك كوبيرن

ترجمة عن الإندبندنت


اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا بين الولايات المتحدة وروسيا هو أهم تطور حدث في سوريا منذ التدخل العسكري الروسي في 30 سبتمبر/أيلول في العام الماضي.

وسبب أهمية الاتفاق أنه تم الوصول إليه بعد عشرة أشهر من المفاوضات بين اللاعبين الاثنين الأكثر ثقلًا وتأثيرًا في الصراع. ولا بد أن الطرفين في موقف يخوّل لهما إقناع حلفائهما ووكلائهما على الخضوع للهدنة أو إجبارهم على ذلك، بغض النظر عن مدى تحفظهم على هذا.  

هناك سبب أبعد للتفاؤل الحَذِر: هذا اتفاق بين الولايات المتحدة، القوة العظمى التي تمر بتحديات، وروسيا، التي تسعى لاستعادة وضعها كقوة عظمى، ذلك الوضع الذي فقدته بسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991.

لا يستطيع أي من الطرفين أن يتحمل إخفاق الجهود الدبلوماسية الجبارة الساعية لتحقيق السلام في سوريا. إذا انهارت مبادرة السلام، كما حدث في الجهد السابق – الأقل تفصيلًا – والذي جرى في فبراير/شباط الماضي، ستضعف السيادة الدولية للبلدين بدلًا من أن تتعزز إذا أنهيا الحرب.

سيبدأ وقف إطلاق النار مع غروب شمس يوم الإثنين 12 سبتمبر. ويقول وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن الرئيس بشار الأسد عرف بالاتفاق وسوف يخضع له. ستتوقف قوات الأسد عن قصف القنابل وعن الهجمات البرية. ليس لدى بشار الكثير من الخيارات، على الرغم من أن قواته تتقدم، وفي الأسبوع الماضي أعادت فرض الحصار على شرق حلب الذي كان المتمردون يسيطرون عليها، إلا أن تفوقه العسكري ليس طاغيًا، ويعتمد على الدعم الجوي الروسي.

يمكن لقوافل المساعدة التابعة للأمم المتحدة الآن أن تدخل شرق حلب، حيث يوجد ما بين 250 ألف و275 ألف شخص، ربما لا يعانون من المجاعة حاليًا، ولكن ربما سيعانون منها بعدما استعاد الجيش السوري وحلفائه الشيعة السيطرة على طريق الراموسة الأسبوع الماضي.

تم الاستيلاء على الطريق مؤقتًا بعد هجوم مضاد للمتمردين قادته جبهة فتح الشام، التي عُرفت قبل ذلك بجبهة النصرة؛ وهي الفرع السوري من القاعدة.

هناك إمدادات للأمم المتحدة في شرق حلب، ولكنها تنفد، وحتى قبل عزل شرق حلب لأول مرة، بعد فقدان السيطرة على طريق الكاستيلو في 17 يوليو/تموز، فالأسعار في منطقة المعارضة المحاصرة ارتفعت بنسبة 42% في يونيو/حزيران فقط.

أما غرب حلب، الذي تسيطر عليه الحكومة، يعيش فيه حوالي 1,550,000 نسمة، لم تنقطع عنهم الإمدادات تمامًا، على الرغم من أن 485,000 منهم يعتمدون على الطعام الذي تقدمه الأمم المتحدة لمواجهة الجوع.

وفقًا لمواد الاتفاق الذي تم التوصل إليه مساء أمس – الجمعة - في جينيف، ستتوقف القوات الجوية السورية والقوات البرية عن الهجمات في جميع أنحاء سوريا، باستثناء الهجمات التي تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية.

ربما لن ترضى الحكومة السورية بهذا، وذلك بسبب نجاحاتها العسكرية الأخيرة في حلب ودمشق. ولكن مسار الحرب الأهلية في الشهور التي بدأت بالغارات الجوية الروسية الأولى في 30 سبتمبر 2015 يُظهر أنه على الرغم من أن الحكومة صارت في موقف أقوى، إلا أنها لا تحظى بتفوق حاسم على معارضيها.

في النهاية، فالمأزق العسكري سيستمر لأن كل جانب يمكن أن يتعافى من الهزيمة، وذلك بأن يطلب مساعدة أكبر من رعاته الأجانب. بالتالي يمكن أن يحصل المتمردون على أسلحة أكثر، وعلى الدعم المالي والمساعدة اللوجيستية من تركيا والسعودية وقطر في هذا العام ليواجهوا التدخل الروسي.

الأولوية الواضحة بعد أن يتم تنفيذ وقف إطلاق النار، هو أن تذعن كل الأطراف للهدنة. ومن المفترض أن تفصل كل الجماعات المسلحة "المعتدلة"، التي تدعمها الولايات المتحدة، نفسها عن جبهة فتح الشام (النصرة)، التي اعتبرت الولايات المتحدة أن تغييرها لاسمها مجرد مناورة خادعة. 

بعد مرور أسبوع، بافتراض أن وقف إطلاق النار سيستمر، سيتم استهداف جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية عن طريق القوة الجوية للولايات المتحدة وروسيا، الذين سيتم التعاون بينهما من خلال "مركز التنفيذ المشترك". سيقسم هذا الكيان سوريا إلى ثلاثة "صناديق": تلك التي تسيطر عليها فقط جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية؛ وتلك التي تضم المعارضة "المعتدلة"؛ وتلك التي تضم المعارضة فحسب.

يبدو هذا معقدًا، وربما أكثر تعقيدًا مما يبدو عليه. إحدى المشكلات هي أن المعارضة المسلحة في سوريا يسيطر عليها الإسلاميون، وبشكل رئيسي يسيطر عليها تنظيم الدولة وجبهة النصرة، في حين أنه من الأرجح أن لا تقف "جبهة النصرة" مكتوفة اليدين، بينما سيختبيء شركاؤها السابقون ويسعون للأمان تحت المظلة الجوية للولايات المتحدة وروسيا. لنضع في أذهاننا أن "جبهة النصرة" ليست فقط جماعة قوية ومنظمة، ولكنها أيضًا تحظى بشعبية شديدة في العديد من المناطق العربية السنية، خاصة في شمال سوريا. سيكون من الصعب إقصاء هذه الجماعة سياسيًا وعسكريًا، خاصة وأنه من المرجح أنها أعدت نفسها لهذه اللحظة.

الولايات المتحدة وروسيا هما اللاعبان الرئيسيان في الصراع السوري، الذي تم تدويله منذ استولت الدولة الإسلامية على الموصل وأعلنت الخلافة، واجتاحت غرب العراق وشرق سوريا. صعود الدولة الإسلامية وهجماتها الإرهابية في أنحاء العالم كانا يعنيان أن الولايات المتحدة وروسيا لا يستطيعان البقاء على طرف الصراع.، وبالتالي اشتبكا في الصراع بشكل أكبر على المستويين العسكري والسياسي. أما الحدث الهام الذي لم يتحقق هو المشاركة المؤثرة لأي من دول الاتحاد الأوروبي وسوريا، مع إخفاق بريطانيا وفرنسا في تطوير سياسات عملية، أو المخاطرة بإثارة خلاف مع السعودية ومَلَكيات الخليج.

الانغماس الأكبر لواشنطن وموسكو في سوريا حل محل تأثير القوى الإقليمية، وقلّص من هذا التأثير، والمقصود هنا هو تركيا والسعودية وقطر. من المفترض أن تساعد هذه الدول على السيطرة على مناطق المعارضة المسلحة غير التابعة للدولة الإسلامية وجبهة النصرة. ولكن أحد الأسئلة الهامة الأخرى سيكون موقف إيران ومحور الشيعة الذي يضم العراق وحزب الله في لبنان، الذي يرغب في أن يحقق الأسد انتصارًا حاسمًا.

من التعقيدات الأخرى المتعلقة بإمكانية إنهاء الحرب السياسية هو أن الأطراف والفصائل المختلفة ليست منقسمة بدقة كما يبدو في الخرائط التي ينشرها الإعلام، إذ أن محركي الحرب المحليين يغيرون من تحالفاتهم كما يحدث مع الجماعات الكبيرة.

على سبيل المثال، قيل إن مقاتلي تنظيم الدولة هربوا من جرابلس على الحدود السورية التركية بعد التدخل العسكري التركي، ولكن مصدر بداخل تنظيم الدولة أبلغ "الإندبندنت" أنهم لم يفعلوا شيئًا سوى أن حلقوا لحاهم وظلوا في المدينة.

وفي أقصى الجنوب، في مدينة منبج، من المفترض أن وحدات  حماية الشعب الكردية السورية انسحبت إلى شرق الفرات بسبب الإصرار التركي والضغط الأمريكي. ولكن مصادر أخرى تشير إلى أن هذه الوحدات لم تفعل شيئًا سوى أن غيرت من ملابسها الموحدة وظلوا في منبج.

ولكن على الرغم من كل هذه العقبات، فوقف إطلاق النار يحظى بفرصة طيبة للنجاح بسبب القوة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة وروسيا.

وسيكون الاتفاق مفيدًا للمدن والمناطق المحاصرة التي يبلغ عدد سكانها 529 ألف، والذي يعاني حوالي ثلثهم من النقص الشديد في الإمدادات، ويعانون من نقص الغذاء.

ولأول مرة منذ عام 2011، تمضي الأزمة السورية في طريق عدم التصعيد، على الرغم من أن هذا لا يدل بالضرورة على نهاية الحرب تمامًا.