مُتَرجَم | ترامب وكلينتون ومشكلة مصر الهائلة

منشور الثلاثاء 4 أكتوبر 2016

شر المقال بالإنجليزية في "ميدل إيست آي"

ترجمة فريق المنصة


بالنسبة للمصريين المؤمنين بالثورة، والذين يتعرضون لهجوم الثورة المضادة التي يقودها السيسي، فالانتخابات الأمريكية الجارية ذات طبيعة حاسمة.

إذا خرج دونالد ترامب من الانتخابات منتصرًا، سيجعل الديمقراطية والقانون الدولي بلا حول ولا قوة في العالم.

هل تظن كمواطن مصري أنه لن يكون للانتخابات الأمريكية تأثير كبير على مصر؟ افتح عينيك وأذنيك إذن؛ لأن من سيفوز في الانتخابات سيكون له تأثير كبير على مصر. هل تعتقد أن الأمور لا يمكن أن تتراجع بشكل أسوأ من ذلك في عهد السيسي؟ فكّر في ذلك مجددًا.

بدون أدنى شك ستؤدي رئاسة ترامب إلى انهيار النظام العالمي بطرق لا يفهمها الكثيرون بشكل كامل في وقتنا هذا. إلا أن ما يزيد الأمر سوءًا، بالنسبة لمصر الجريحة، أن فوز كلينتون أيضًا لن يؤدي إلى تغيير ملحوظ في وادي النيل. ستنحصر الخيارات في الحسبة السياسية الأمريكية المتكشفة إما بحدوث الكارثة التامة، أو التدهور التدريجي.

في كلا الحالتين، ومع تَكَشُّف الأمور، سيهتف ملايين المصريين "للصبر حدود"، كما غنت المطربة الأسطورية أم كلثوم من قبل.

 

رجل رائع

الصبر مع عبد الفتاح السيسي، الذي يُجسّد روح زحف المؤسسة العسكرية على كل المجالات المدنية، ليس أمرًا مثمرًا.

تلك السيطرة المُشدَّدة تجعل الوطن عرضة لتأثير الفاعلين السياسيين الخارجيين من أمثال ترامب.

الشخص الذي يضع قدمًا في القاهرة وأخرى بجانب مبنى الإمباير ستيت ( في نيو يورك)، سيجد نفسه في موقف فريد يستطيع أن يراقب منه الكارثة وهي تتكشف. في الأسبوع الماضي، اتخذت صحيفتان أمريكيتان، "يو إس إيه توداي" و"واشنطن بوست"، موقفًا لا يؤيد هيلاري بقدر ما يحذر من منافسها المنغمس في ذاته.

"المرشح الجمهوري دونالد ترامب، غير مؤهل للرئاسة، وذلك بإجماع آراء مجلس التحرير". لم تستخدم الجريدة كلمات متحفظة، وأضافت: "أظهَر ترامب أنه يفتقد الطبع الملائم والمعرفة والثبات والأمانة التي تحتاجها أمريكا من رؤسائها".

هذا الرفض العنيف، الذي يصف أيضًا الرئيس السيسي، مجرد إضافة جذابة. ولكن تلك الكلمات ليست استثناء، وإنما هي القاعدة. كانت هناك انتقادات قوية أخرى من "واشنطن بوست"، والتي انتقدت ترامب قائلة: "ترامب الرئيس، يمكنه أن يغير العالم تمامًا، إنه مكسب إضافي؛ فعن طريق إعادة تشكيل علاقات الولايات المتحدة مع الدول الأخرى يمكنه أيضًا أن يعيد صياغة العالم".

المحللون، إلى جانب ملايين الأمريكيين، متشككون من معدل الذكاء الضئيل للرجل الذي تنقصه الخبرة السياسية، سواء الأجنبية أو المحلية. يُظهر ترامب بشكل مستمر إخلاصًا عميقًا للتمييز العنصري والجنسي، ويعبر عن أجندة واضحة لزيادة ثراء الأثرياء، هذا الأمر الذي يناقض الحلم الأمريكي.

وبينما تشعر مصر بالقلق، عبّر المرشح الجمهوري عن رأيه الواضح في السيسي: "إنه رجل رائع... هناك كيمياء جيدة بيننا. وهناك شعور طيب يجمع بيننا". هذا "الرجل الرائع" يضع 60 ألف مصري في السجون بسبب آرائهم السياسية، واختفى في عهده أكثر من 1500 شخص، ولكن في ظل رؤية ترامب شبه الفاشية لن تنغص هذه الجرائم نوم المرشح الجمهوري.

من وجهة نظر ترامب، فالسيسي هو حليف "هائل" سواء في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية أو كصديق لإسرائيل، ويعتبِر أي شيء آخر أمرًا ثانويًا. ولكن طموحات الشعب المصري ليست هي المحرك عند دونالد ترامب.

صديقان حميمان

لابد علي مؤيدي السيسي أن يتذكروا أن هذا هو ترامب نفسه الذي دعا في بداية حملته إلى "منع المسلمين تمامًا ونهائيًا من دخول الولايات المتحدة".

ترامب ذو الميل اليميني القوي، سيفضل حكم السيسي بكل مثالبه، في حين ينظر بتشكك لكل المسلمين، هذا الأمر الذي يعبر عن نموذج متناقض وغير منطقي وعنصري.

ولكن في الأساس دونالد ترامب هو رجل أعمال من النوع الذي يلعب بالثلاث ورقات؛ فالذي يعد به السيسي قبل حصوله على السلطة لن يتطابق مع الذي سيفي به بعد ذلك.

وعلى الرغم من ذلك لا ينبغي أن يشعر أحد بالمفاجأة إذا ما عرف أن الرجلان اللذان يحملان قناعات مختلفة، ويحب كلا منهما صوته الشخصي، في طريقهما ليصيرا صديقين حميمين. وليس من قبيل الصدفة أن كلا منهما اعتبر فلاديمير بوتين، المتنمر العالمي، صديقًا مقربًا ونموذجًا يستحق التقدير.

هل تظن أن الثنائي غير المثالي لن يسبب المشكلات لمصر؟ تخيل هجمة إرهابية كبيرة تحدث في القاهرة، وذلك أثناء فترة ترامب الرئاسية وبالقرب من الانتخابات الرئاسية في مصر. وتخيل رد الفعل القاسي الذي ستتبعه إدارة السيسي المفرطة في شدتها في مواجهة الإرهاب.

ليس من المستبعد أن نتخيل سَجن آلاف المصريين الأبرياء، واختفاء المئات، ومقتل العشرات، في الوقت الذي سيُثني فيه ترامب على تلك الأفعال التي يقوم بها حليفه في القاهرة.

لن يتردد السيسي في الاستمرار في طرقه المتشددة خاصة بعدما يقدم له ترامب إشارة القبول. ولكن ترامب الذي كان في الماضي نجمًا في عرض تلفزيوني بعنوان "المبتديء"، سيصير الآن مبتدئًا في مجال السياسة. ولأنه لا يفهم بشكل نظري تأثير السيسي المخلخل للأوضاع، ستصير ثنائية ترامب والسيسي مدمرة لكلا الجانبين المصري والأمريكي.

 

العصا.. والمزيد من العصيان

في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي يبدو أن الصراع التالي فيهما سيكون قريبًا، لن تقوم رئاسة ترامب بشيء سوى بتجذير أكبر لوضع مصر القابل للاشتعال. وهو البلد الذي شهد محاولة اغتيال أخرى للنائب العام المساعد في القاهرة الجديدة، وشهد مقتل خمسة مجندين من أفراد الأمن المركزي في العريش بسيناء، وذلك في ظرف 48 ساعة فقط.

تلك الهجمات هي مجرد قمة جبل الجليد. وعندما يأتي وقت الحديث عن حلول لقضية الإرهاب، فترامب والسيسي توأمان أيدولوجيان، يؤمنان أن الحل هو التمسك بالعصا، إلى جانب إضافة القليل من التعذيب المتعارف عليه.

ردود الفعل المعتمدة على تلك التبسيطات المفرطة لم تؤد سوى لزيادة معدلات الإرهاب خلال فترة حكم السيسي، ولكن بشكل مثير للقلق فحسابات ترامب ستعتبر ذلك مجرد خسارة مقبولة طالما ظل هناك استقرار في الأوضاع في وادي النيل. هذا الذي لن يحدث بتلك الطريقة.

 

الخيار الأقل سوءًا

رئاسة هيلاري كلينتون ستجلب بعض المنطق السياسي واللياقة الدولية التي تدعمها عقود من الخبرة السياسية، إلا إنه ليس من المفترض أن نرسم صورة أكثر إشراقًا عن وضع حقوق الإنسان في مصر، دعك من الديمقراطية.

إذا كانت الخبرة طاولة فدعائمها السياسية هي النفعية والتهكم؛ ولأن هيلاري تفهم أنه لا بد أن يُنظر إليها كمؤيدة لإسرائيل، فلم يكن لديها مشكلة في لقاء السيسي خلال زيارته الأخيرة للأمم المتحدة، فكما نعرف أن حماية حدود إسرائيل مع مصر هي مسألة حياة أو موت لأي رئيس محتمل للولايات المتحدة.

السياسة جعلت ترامب يضع تصورًا عن إقامة تحالف مع أوليجارشية عسكرية مسؤولة، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن تعذيب واغتصاب الآلاف في السجون المصرية.

وعلى الرغم من أن هناك أكاديميين ونشطاء هاجموا كلينتون بسبب لقائها مع "رجل مصر القوي" ورأوا أن اللقاء سيعتبر "دعمًا له... سواء في مصر أو في أنحاء العالم". إلا أنها أجرت اللقاء.

صورة كلينتون وهي تهز رأسها، حينما قال المترجم الفوري على لسان السيسي: إن مصر "تبني مجتمعًا مدنيًا جديدًا يتمسك بحكم القانون، ويحترم الحريات وحقوق الإنسان"، وذلك بعد أيام قليلة من تجميد مصر لأموال نشطاء مصريين بارزين في مجال حقوق الإنسان، لم تخل من الحمق. لا يمكن اعتبار هيلاري سوى أنها مؤيدة لوضع العلاقات المصرية الأمريكية القائم.

هؤلاء الذين يُصورون هيلاري كلينتون باعتبارها سياسية من مستوى عالٍ على حق في تصورهم، ولكن هذا ليس صحيحًا طوال الوقت. لقد استمعت كلينتون إلى اعتذاريي الإخوان المسلمين، خاصة شادي حميد، في الأيام التي تلت الثورة، وأوصل لها حينها رسالة الإخوان المسلمين: "نحن لا نريد الحكم تحت أي ظرف". وبقية القصة عبارة عن تاريخ دموي.

بعد عدة سنوات، اعترفت كلينتون نفسها أثناء هذه الانتخابات أنها "حذرت من الإطاحة بمبارك... والآن عدنا لنقطة الديكتاتورية العسكرية". مثل تلك الكلمات تضفي حسًا من التشكك تجاه هيلاري كلينتون، ومن الطريف أن هذا التشكك يتقاسمه معسكر السيسي ومعسكر الثورة.

 

ما زالت الأمور سيئة

يألف المصريون الاختيارات المظلمة، والاختيارات الأكثر إظلامًا؛ كان عليهم أن يختاروا بين العسكري أحمد شفيق، ومرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي في 2012. ولكن مساحة المفاضلة انتهت عند هذه اللحظة.

إذا اُختير ترامب ليجلس على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض لأربع سنوات سيمثل هذا "حكم أكثر رئيس غير مؤهل وغير سوي في تاريخ الولايات المتحدة"، وذلك وفقًا لافتتاحية جريدة "وول ستريت جورنال" في الأسبوع الماضي. وسوف يتمكن ترامب أيضًا من الحصول على المفتاح النادر للكرة النووية، والتحكم في زر تدمير العالم.

المعركة في البيت الأبيض ليست معركة بين الجميلة والوحش كأفلام ديزني. لا كلينتون ولا ترامب سيكونان في موقع يمكّنهما من ردع السيسي، وبوضوح شديد لن تعتبر مصر بالنسبة لهما أولوية حتى يبدأ نموذج السيسي في السقوط.

إلا أنه في النهاية ستنظر المعارضة المتزايدة ببطء في مصر إلى فوز ترامب باعتباره انتكاسة للعلاقات "الهائلة".