من ذاكرة حرب تمّوز 2014 على غزة.. الجزء الأول: أمطار المقاومة (شهادة)

منشور الجمعة 7 يوليو 2017

مع حلول شهر تموز (يوليو) من كل عام، تعود بنا الذاكرة إلى تموز عام 2014، دماءٌ ودموعٌ وعِزَّة دامت 51 يومًا، خلال حربٍ على قطاع غزة جنوب فلسطين المُحتلة، بطش العدوان الإسرائيلي فيها بكل ركنٍ وكل زاوية في حرب العصف المأكول، وهي الحرب التي استمرت 59 يومًا وسقط خلالها 2174 شهيدًا فلسطينيًا، بينهم 1743 مدنيًا، و530 طفلًا و302 امرأة و64 مجهولي الهوية، بالإضافة إلى 340 مقاومًا مسلحًا، و70 قتيلًا إسرائيليًا بينهم 64 جنديًا وست مدنيين بنهم امرأة واحدة وطفل واحد.

بدأت كل شيء عندما اختفى ثلاثة مستوطنين اسرائيليين في الضفة الغربية يوم 12 يونيو/حزيران في عملية كان يقصد منها بدء مفاوضات تبادل أسرى مع الاحتلال لإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين من أقبية التحقيق والسجون الصهيونية. وكما يقول العامة في القطاع دومًا (بتحبل بالضفة وبتولد بغزة)، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حركة المقاومة الإسلامية حماس بتنفيذ هذه العملية وكال تهديداته لقطاع غزة متوعدًا سكانه بالثأر والانتقام.

وفي الثلاثين من الشهر نفسه عُثر على جثث المستوطنين، بعد أن بدأت إسرائيل بالفعل حملة عسكرية في الضفة. 

تلا ذلك ذلك قيام مستوطنين بإحراق الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير في القدس، وقتل اثنين من العمال العرب دهسًا، ما أدى إلى تصاعد القصف المتبادل بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وقوات الاحتلال الصهيوني، مع محاولات جادة لوقف عُدوان كان يُحضّر له في الخفاء ضد غزة. 

تدرجت الحرب على القطاع بسلسلة غارات جوية بدأت في الأيام الأخيرة من شهر حزيران (يونيو) 2014 وكانت المقاومة ترد على ذلك بصواريخ محدودة وقصيرة المدى، حتى فجر الاثنين 7 تموز (يوليو) حين استهدفت قوات الاحتلال مجموعة تابعة لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أدت لاستشهاد ستة من أفرادها.

مع البداية الحقيقية للعدوان صعدنا نرصد بعدسات كاميراتنا، الهمجية الصهيونية ضد القطاع من أعلى برج فلسطين في مدينة غزة، شاهدنا كيف قامت طائرات الاحتلال بإبادة حي كامل شرق قطاع بالقنابل التي تلقيها من الأعلى، وكأنك تتابع فيلمًا هوليوديًا، أو ربما ضربًا من ضروب الجحيم.

كيوم قيامة نراه أمامنا، قنابل تزن أطنانًا تسقط على أجساد المواطنين والمباني المدنية، أصوات انفجارات كرعد يصمُّ الآذان ، أعداد الشهداء تتصاعد بشكل جنوني، والمصابين أيضًا.

إلى أن حلَّ الثامن من تمّوز. 

الآن بدأت الحرب علنيةً، استدعى الكابينت (المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر) 40 ألف جندي احتياط وبدأ حربه بمذبحة في خان يونس راح ضحيتها أكثر من 10 مواطنين من عائلة واحدة. وبعد ساعات، جاء رد المقاومة سريعاً بقصف لمدن إسرائيلية بعشرات الصواريخ على نطاق 45 كيلو مترًا.

ومع حلول المساء، بدأ الإعلام الإسرائيلي يتداول خبر "حدث أمني في قاعدة زيكيم العسكرية الاسرائيلية"، رويدًا رويدًا بدأ المشهد يتضح أكثر، وأصبح العنوان الرئيسي (قوة كوماندوز بحري تابعة لكتائب القسام تقتحم القاعدة العسكرية الإسرائيلية وتشتبك معه أفرادها لدقائق).

عادت المعنويات تنتعش مع هذا الخبر في الوقت الذي حاول الاحتلال التكتّم على خسائره والادعاء أنه أجهز على أفراد العملية، ولكن ما بثته المقاومة بعد ذلك من تسجيل مصوّر من المكان العملية، يبيّن غير ذلك.

ومع حلول ظلام الثامن من تموز كانت صواريخ المقاومة الفلسطينية قد تمكنت من الوصول إلى مطار بن جوريون في تل أبيب بواسطة صاروخ فجر 5 أطلقته سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي)، وفي وقت وقت لاحق قصفت كتائب القسام مدينة حيفا إلى الشمال من تل أبيب لأول مرة، مستخدمة صاروخ "آر 160". 

تفاقمت الأمور في الجبهة الداخلية الإسرائيلية بعد أن تعرضت مدن هرتسيليا وريشون لتسيون والقدس وتل أبيب وحيفا لصواريخ بعيدة المدى، لتطلب قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية فتح الملاجئ أمام الإسرائيليين في مدينة القدس ومنطقة وسط إسرائيل التي تعرف باسم غوش دان.

في تلك الأيام كانت انفعالاتنا في القطاع تتقافز كأسهم بورصة مجنونة، تتصاعد مع ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة وتهبط مع تزايد حدة جرائم الاحتلال ضد المدنيين. 

أذكر مشاعر الفلسطينيين في غزة حين يرد نبأ قصف المقاومة لمدن الداخل المُحتل كالقدس وتل أبيب ويافا ، وكذلك مشاعر الفلسطيني في الشطر الآخر من الوطن كانوا يتابعون رشقات المقاومة الصاروخية وهي تتساقط على مدن الاحتلال.

 

 

 

صباح الرابع عشر من تموز.

بعد أيام من القصف المكثف لمنازل المواطنين كانت أعداد الشهداء تتصاعد بشكل خيالي، دون أي بوادر لتهدئة سياسية أو أي هُدَن، في المقابل كانت نيران المقاومة الفلسطينية تصل إلى مدن الاحتلال جميعها، حتى أن المقاومة حاولت مرارًا استهداف مفاعل ديمونة النووي قبل أن ينجح العدو في التصدي لهذه الصواريخ.

إذاعة العدو بدأت تتداول خبرًا مفاده حدث أمني خطير داخل الخط الأخضر ، تريثنا قليلاً نرقب ما الذي يجري إلى أن أعلنت إسرائيل التصدي لطائرات بدون طيار تتبع كتائب القسّام حلقت إحداها فوق وزارة الحرب الاسرائيلية بصواريخ حيتس المضادة للصواريخ البالستية.

أذكر حينها كيف بلغت معنويات الفلسطينيين عنان السماء، طائرة فلسطينية بدون طيار تشق طريقها لتضرب منظومة أمن العدو، خاصة وأن بيانًا صادرًا عن كتائب القسام أكد ذلك موضحًا أن"طائراتنا قامت صباح اليوم بثلاث طلعات شاركت في كل منها أكثر من طائرة"، مشيرة إلى "فقد الاتصال مع طائرتين" مع تأكيد عودة إحدى الطائرات، فيما بثت قناة الجزيرة القطرية صورًا حصريةً لبعض المشاهد التي صورتها، والتي تبيّن إسقاط الطائرة على بعد نحو ثلاثين كيلومترًا داخل العمق الإسرائيلي. 

مع ساعات المساء بدأ الإعلام المصري يبث أخبارًا حول التوصل لمبادرة مصرية بين المقاومة والاحتلال، لكن المقاومة أكدت أنها لم تتلقَّ أي مبادرات للتوصل لهدنة، ولكن لاحقًا، أعلنت أنها تلقت بالفعل مبادرةً مصريةً ولكنها رفضتها، ووصفتها بأنها "نكتة". 

ومع تراجع الحديث عن أي تهدئة أو هُدَن، وبينما كانت إسرائيل تتحضر عشية السابع عشر من تموز لبدء هجومها البري، كنا نتابع شاشة قناة القدس الفضائية وأذكر جيدًا صوت القيادي في المقاومة الفلسطينية "أبو مجاهد" ترافقه مشاهد حصرية لكتائب القسام داخل الأنفاق الهجومية في طريقهم لتنفيذ عملية إنزال بري خلف خطوط العدو.

https://www.youtube.com/embed/qMK6_o9U8k8

وكانت تلك نهاية مرحلة، وبداية أخرى في هذه الحرب.

اقرأ الجزء الثاني: من ذاكرة حرب تمّوز 2014 على غزة.. الجزء الثاني: خلف خطوط العدو (شهادة)