حرب السويس.. صعود ناصر وسقوط الإمبراطورية

منشور الاثنين 30 أكتوبر 2017

في 29 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، يذكر التاريخ المصري بداية العدوان الثلاثي على مصر، غزو إسرائيلي لسيناء، ثم قصف ونزول جوي من بريطانيا وفرنسا على مدن القناة، ولكن بعد  عدة أسابيع خرجت مصر منتصرة. صورت السردية الرسمية المصرية أن الانتصار كان عسكريًا، ولكن معظم السرديات الأخرى تذكر أننا انتصرنا بالفعل ولكنه كان انتصارًا سياسيًا كبيرًا.

كثيرًا ما ننظر للعدوان الثلاثي من منظورنا الضيق، ولكن الأزمة كانت نتاج لتاريخ وجغرافيا واسعين، وحراك عالمي وتغيرات في توازنات القوى، وظل تأثير أزمة السويس مستمرًا على مر السنوات.

 

في البدء كانت قناة السويس

 

عن ويكيميديا

منذ افتتاحها عام 1869 صارت قناة السويس ممرًا مائيًا هامًا وحيويًا في العالم، اختصرت الطريق التي كان على السفن التجارية أن تمر بها من رأس الرجاء الصالح، لذلك صارت محط أنظار بل ومطمع الدول الاستعمارية. لذلك ليس من المستغرب أنه بعد سنوات قليلة على افتتاحها احتلت بريطانيا مصر.

منذ عام 1888 كانت قناة السويس تحت حماية بريطانيا وفقًا لاتفاقية القسطنطينية، وساعتها كان معظم حاملي أسهم القناة فرنسيين أو بريطانيين. 

ورغم الاستقلال الظاهري المصري عام 1922، ظلت مصر شبه مستعمرة بريطانية، وفي عام 1936 وقعت بريطانيا ومصر معاهدة تقضي بانسحاب القوات البريطانية من مصر باستثناء قناة السويس لأهميتها التجارية والعسكرية.

بعد الحرب العالمية الثانية ظل وجود القوات البريطانية في قناة السويس مزعجًا للمصريين ومُهددًا لسيادتهم على أراضيهم. لم تسفر المفاوضات المصرية البريطانية من أجل الجلاء عن شيء، وأدى هذا إلى أن ألغى مصطفى النحاس، رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت، معاهدة 1936، وبدأت الاشتباكات بين المصريين والبريطانيين التي وصلت لذروتها موقعة الإسماعيلية في يناير/كانون الثاني عام 1952، بعد أن واجه جنود الشرطة المصرية القوات الإنجليزية، ومات العشرات منهم في مواجهة باسلة وغير متكافئة.

 

جمال عبد الناصر

 

أنهت ثورة يوليو التي قام بها ضباط الجيش الحكم الملكي في مصر، الذي رآه الكثير من المصريين عائقًا في سبيل نيل الاستقلال.

اتفقت حكومة الثورة مع البريطانيين على الجلاء نهائيًا من مصر، هذا الذي تم عام 1956.

تغير الزمن، مصر الآن مستقلة، والعالم تسوده الحرب الباردة.

مع بداية الحرب الباردة كان من المنتظر أن تكون مصر أقرب لإنجلترا التي كانت تتفاوض معها والولايات المتحدة، ولكنها عندما وجدت تعنتًا في شراء الأسلحة من الولايات المتحدة اشترت أسلحة من الاتحاد السوفيتي من خلال تشيكوسلوفاكيا.

وفي ظل رغبة النظام الجديد في تنمية مصر، سعت لبناء السد العالي، ولقت رفضًا أيضًا من الولايات المتحدة في تمويل السد.

لجأ عبد الناصر إلى تأميم قناة السويس، التي يمتلك الأجانب أسهمها، من أجل الإنفاق على بناء السد العالي من أرباحها، ربما تعتقد أن هذا قرار وطني وسليم أو تجد فيه نوع من التهور، ولكن الأهم أنه مثّل تحديًا كبيرًا لبريطانيا. 

تحالفت بريطانيا مع فرنسا، التي كانت تضيق بعبد الناصر لمساعداته للثورة الجزائرية ضدها، وكانت تخشى تعطيل مصالحها ومرور سفنها في قناة السويس، وتحالف الاثنان مع إسرائيل، التي بدأت تشعر بخطورة عبد الناصر، خاصة أن تأميم القناة تبعه إغلاق مضيق تيران وهو الشريان الذي يربطها بالعالم.

اجتمع قادة الدول الثلاث في مدينة "سفر" بفرنسا ليقرروا الهجوم على مصر.

 

المعركة

 

عن ويكيميديا 

في يوم 29 أكتوبر عام 1956 بدأت إسرائيل تتوغل في قطاع غزة، التابع لمصر في ذلك الوقت، وفي سيناء.

وأصبح الغزو بمثابة ذريعة للبريطانيين لإصدار إنذار للطرفين، فاندلاع معركة في منطقة القناة يعني إمكانية التدخل وفقًا لاتفاقية الجلاء. بعد يومين بدأ البريطانيون والفرنسيون قصف منطقة القناة، وإنزال الجنود بها.

في المقابل حاول عبد الحكيم عامر، وزير الحربية وقتها، الصمود بجيشه في سيناء، لصد الهجوم الإسرائيلي ثم صد هجوم الإنجليز والفرنسيين، ولكن عبد الناصر يتدخل ويقرر سحب الجيش من سيناء لصد هجوم البريطانيين والفرنسيين.

في الواقع كان ميزان القوى يميل لصالح الدول المعادية، ويمكن اعتبار أن عمليتهم الأولية كانت ناجحة بالنسبة لهم. ولكن كالعادة في الحروب، ليست ميادين المعركة هي الفيصل الوحيد.

 

القوى العظمى

 

عن موقع The Coversation

شغل أنطوني إيدين منصب رئيس وزراء بريطانيا بعد القائد الأسطوري ونستون تشرشل. خرج تشرشل ببلده منتصرًا من الحرب العالمية الثانية، وصار أشبه بالبطل القومي. بالطبع كان إيدين يريد أن يثبت أنه بالكفاءة نفسها، ورأى أن أزمة السويس هي فرصته لتحقيق ذلك، ولكنه أدار الأزمة بسوء شديد. كذب على شعبه وادعى أنه لم يكن على علم بأن إسرائيل ستهاجم مما أفقده مصداقيته وحياته السياسية، وأدى ذلك إلى انهيار مكانة بريطانيا التي لم تعد قوة عالمية كبرى كما كانت.

ضغطت الولايات المتحدة ومن بعدها الاتحاد السوفييتي على الدول الثلاث لإيقاف إطلاق النار ومن ثم الانسحاب، ولوحت الولايات المتحدة بعقوبات اقتصادية على تلك الدول، وهدد الاتحاد السوفييتي بالتدخل العسكري.

 

التاريخ الضائع

 

انتهت حرب 1956 بانتصار مصر وهزيمة بريطانيا، وخرج جمال عبد الناصر زعيمًا. التفت حوله الدول التي استقلت من الاستعمار ودول العالم الثالث.

ربما كانت هناك فرص لتتخذ القصة مسارات مختلفة، كانت هناك إمكانية للتقارب المصري الأمريكي المبكر، وكان هناك فرصة للبقاء على الحياد في الحرب الباردة والاستفادة من القوتين العظميين القائمتين. ولكن صارت السردية الرسمية هي أننا انتصرنا عسكريًا وسياسيًا، ولم يكن الانتصار العسكري صادقًا تمامًا، أو حتى منطقيًا، شعر المصريون بثقة شديدة في النفس، وكذلك عبد الناصر، الذي لم ينجح بعد 11 عامًا في إدارة الأزمة والحرب بنفس الكفاءة، ربما ظن هو وحكومته أن الانتصار السياسي في 1956 مضمون تكراره 1967، ولكن الأمور لم تجر على هذا النحو.

كافح المصريون 6 سنوات حتى استعادوا أراضيهم بعد انتصار عسكري 1973 على إسرائيل ثم اتفاق سياسي معها، ولكن تظل حرب السويس من أبرز ملامح التاريخ المصري، كانت مصر فيها محط أنظار العالم، وكانت قادرة على إرباكه.