علم المثلية الجنسية- صورة أرشيفية

مشروع قانون تجريم المثلية.. ثوب تشريعي للملاحقات الأمنية

منشور الخميس 9 نوفمبر 2017

 

الحبس لمدد تتراوح بين سنة و5 سنوات والخضوع لمراقبة الشرطة، عقوبات مُقترحة من مشروع قانون تجريم المثلية الجنسية الذي اُحيل منتصف الأسبوع الجاري إلى اللجنة التشريعية بمجلس النواب في موجة جديدة لهجوم مضاد للمثلية الجنسية بدأ منذ أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي عقب حفل أقيم في القاهرة للفرقة الغنائية اللبنانية "مشروع ليلى".

قدّم مشروع القانون عضو المجلس عن حزب المصريين الأحرار رياض عبد الستار، الذي قال لـ"المنصّة" إن هدفه هو "الدفاع عن المجتمع، والحفاظ على قيمه الأصيلة والتعاليم السماوية التي تُلزم بحسن الخُلُق وعدم ارتكاب الفواحش".

عقاب مُغَلّظ

ظهر مشروع القانون بعد فترة وجيزة من حملة أمنية بدأت في أعقاب حفل مشروع ليلى واستمرت حتى الأسبوع الأول من شهر أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، ضد عدد من المثليين جنسيًا أو من يُظن بهم ذلك، وأسفرت عن القبض على 57 شخصًا على الأقل في القاهرة والمحافظات، وفقًا لتقديرات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، التي أدانت الحملة الأمنية.

ويضم مشروع القانون عقوبات بالسجن كان حدها الأدنى سنة والأقصى 5 سنوات، وفُرضت هذه العقوبات في القانون من المادة الثانية إلى السادسة على "المثليين، والمُحرّضين على العلاقات المثلية، والمُروّجين لها"، ومن بين عقوباته إغلاق الأماكن وحلّ الكيانات التي "تُروّج أو تُنظّم" فعاليات تتعلق بالمثليين.

ويقترح القانون إخضاع من يُسجن بموجبه للمراقبة الشُرَطية بعد الإفراج عنه لمدة مُساوية لمدة العقوبة، بل وتغليظ عقوبة الحبس في حالة معاودة ارتكاب أي من الممارسات التي جرّمها القانون.

تشير بنود القانون إلى  مزيد من التشدد حيال ملف المثليين، خاصة في العقوبات، والتي بدت هيّنة في نظر النائب البرلماني الذي قال "لو اتطبّقت عليه (المثلي) الشريعة الإسلامية؛ المفروض يترجم لغاية ما يموت".

وترى مسؤولة ملف النوع الاجتماعي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية داليا عبد الحميد أن القانون المصري يُجَرّم ممارسة الفجور وهو اتهام "يصعب تطبيقه على المثليين وإيجاد أدلة دامغة عليها"؛ ولهذا ظهر مشروع قانون تجريم المثلية الجنسية، كردّ على الخطاب الحقوقي المُدافع عن المثلية وكونها سلوكًا "غير مُجَرّم".

أشارت المبادرة المصرية في بيان الإدانة سالف الذكر إلى أن "العلاقات المثلية الرضائية بين البالغين بشكل عام لا تُشكّل جُرمًا يستوجب العقوبة".

واعتادت السلطات المصرية توقّيع عقوبات على "المثليين" بموجب مواد وردت في "قانون مكافحة الدعارة" رقم 10 لسنة 1961، وغالبًا ما تكون بتهمة "ممارسة الفجور"، كما وقع بحق 26 رجلًا في قضية "حمام باب البحر" (حمام عمومي بالقاهرة) في مطلع عام 2015، تمت تبرئتهم، لكن بعد تعرّضهم للتشهير، بسبب التصوير بكاميرا برنامج تليفزيوني.

وفي عام 2001، مثل 50 مواطنًا في القضية الشهيرة "كوين بوت" أمام محكمة أمن الدولة العُليا، بموجب قانون الطوارئ، بعد اتهامهم بـ"ممارسة الفجور".

اقرأ أيضًا: "قناعات" مصر الراسخة تعارض استحداث منصب أممي يحمي المثليين

تأييد ومخاوف

أحيل مشروع القانون للجنة التشريعية بمجلس النواب دون مُعارضة، بل إنه كان مصحوبًا بتوقيعات نواب مؤيدين له؛ ما دفع مُقدم مشروع القانون للقول "كل النواب موافقة على القانون، وعايزة تحافظ على مجتمعنا من الوباء اللي ممكن ينتشر فيه".

وذكّر النائب بنص المادة الثانية من الدستور التي تتحدث عن الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، مُعلّقًا بقوله "كُل الأديان السماوية حرّمت هذا الفعل، نيجي احنا نقول حُريّات! حُريات إيه؟".

لكن داليا عبد الحميد أبدت اعتراضها على مشروع القانون، باعتبار أنه "من غير الدستوري إقرار قانون يُجرّم ميول الناس الجنسية وأهوائها"، واصفة الأمر بـ"التعدي الصارخ على حريات الأفراد وحقوقهم، سواء حقهم في اختيار شركائهم الجنسيين أو حرمة حياتهم الخاصة وتمتعهم بالخصوصية". وتنص عدةمواثيق دولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية واتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد النساء "سيداو"، التي وقّعت عليها مصر مع تحفظّات، مواد تتعلق بالمساواة وعدم التمييز بل وتحظر تطبيق القوانين بصورة تمييزية، وفقًا لداليا التي تقول "فما بالنا بإقرار قانون تمييزي من الأساس بناءً على ميول الأفراد".

وأطلق مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، عام 2013، أول حملة توعية عالمية عامة، ترمي إلى رفع مستوى الوعي والاحترام والمساواة للمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية.

وتناقض سياسات

أشار عضو حزب المصريين الأحرار إلى أن إقرار القانون يأتي "للحفاظ على المجتمع والشباب والأخلاق من هذا العمل الذي يُمثّل فسقًا وفجورًا وفاحشة، تُضر باﻷشخاص بنقل الأمراض الموبوءة مثل الإيدز وخلافه".

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن  الإيدز ينتقل بطرق مختلفة، من بينها العلاقات الجنسية غير الممارسة في إطار آمن، دون أن تكون مُرتبطة بمغايري الميول الجنسية وحدهم أو المثليين فقط. كما تتبنى المنظمة الاتجاه لكفالة حق المثليين في ممارسة جنسية آمنة.

وفيما يتعلق بالإيدز، لفتت داليا عبد الحميد، إلى أن مشروع القانون ينطوي على تعارض مع سياسات الدولة، إذ أن البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، يتبنى بين استراتيجياته واحدة تتعلق بالترويج للواقي الذكري بين الفئات الأكثر عُرضة للمرض، ومن بينهم المثليين جنسيًا، وهو ما تحصل الدولة مقابله على تمويلات ضخمة"، متساءلة "فكيف ستعمل الدولة مع هذه المجموعات من جانب، بينما في جانب آخر تتعامل معهم بقانون يُجرّم المثلية؟".

اقرأ أيضًا: "ممنوع الدخول".. الكذب وسيلة مريضات الإيدز الوحيدة نحو ولادة آمنة

وحذّرت "عبد الحميد" من تداعيات تطبيق القانون، الذي قد يؤدي إلى "انخراط هذه المجموعات في ممارسات ستضر بصحتها، دون أن يكون لديها وسائل الأمن اللازمة، ولا الثقة للتوجه إلى الجهات الحكومية المسؤولة عن التوعية أو تيسير ممارستهم لحياتهم الجنسية بشكل آمن".