صورة من فض اعتصام رابعة. تصوير- مصعب الشامي

إعدام لاعبي البيسبول في المنصورة

منشور الثلاثاء 14 أغسطس 2018

الفصل الأخير 

3 محاولات لقتل رقيب شرطة.. لماذا؟

في السابعة صباحًا، وقف باسم محسن على الطريق الزراعي عند نزلة كوبري سندوب، بمدينة المنصورة، وسط دلتا مصر. يحمل في يده عصا بيسبول، ويترقب ظهور رقيب شرطة على موتوسيكل صيني نازلًا من أعلى الكوبري، في طريقه إلى البيت بعد انتهاء ورديته.

بناء على الخطة التي وضعها خالد عسكر؛ يضرب باسم محسن رقيب الشرطة بعصا البيسبول أثناء نزوله من كوبري سندوب، ثم يهرب من المكان بموتوسيكل يقوده عبد الرحمن عطية المنتظر على بعد خطوات منه يشاهد. وبينما يقع رقيب الشرطة من على الموتوسيكل، ينزل خالد عسكر من سيارة دايو واقفة على الطريق ويقودها أحمد الوليد صديقهم، ويطلق الرصاص عليه.

انتظر الأربعة مكالمة محمود وهبة، فمهمته رصد رقيب الشرطة عبد الله متولي بعد انتهاء خدمته في حراسة منزل المستشار أحمد حسين قنديل، قاضي اليمين في قضية أحداث قصر الاتحادية الرئاسي التي يحاكم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي.

في السابعة صباحًا أنهى متولي وردية الحراسة، تحرك بالموتوسيكل من منزل المستشار قنديل بحي الجامعة في اتجاه كوبري سندوب، تصادف تشويش مفاجئ في شبكة المحمول، لم ينجح محمود وهبة في الاتصال بالمجموعة، مر رقيب الشرطة أمام عصا البيسبول ولم يلاحظ أحد شيئًا.


بعد يومين، وقفت المجموعة في نفس المكان وتلقت اتصالًا من محمود وهبة بتحرك الرقيب. تلك المرة، ظهر للجميع نازلًا من أعلى كوبري سندوب ولم يكن وحيدًا، كان يركب وراءه حارسًا ثانيًا.

ارتبك باسم الممسك بعصا البيسبول، وخاف الأربعة أن يصاب الحارس الخطأ، وأجلوا تنفيذ العملية ليومٍ أخر، فالمهمة هي: قتل الحارس عبد الله متولي، فقط. ولم يلاحظ متولي وقوف مجموعة من الشباب بعصا في نفس المكان للمرة الثانية خلال يومين متتاليين.


في 28 فبراير 2014، قُتل الحارس عبد الله متولي في نفس المكان، وأقيمت له جنازة عسكرية حضرتها فرقة موسيقى عسكرية، وشيع آلاف الأهالي من سكان قرية الحجايزة جثمان الرقيب.

استبعدت عصا البيسبول من الخطة، وبدّل خالد عسكر، العقل المدبر، الأدوار.

في السابعة صباحًا عند نزلة كوبري سندوب انتظر عبد الرحمن عطية وأحمد الوليد على موتوسيكل خروج الرقيب إلى الطريق السريع، عندما ظهر تحركوا خلفه، تولى تأمينهم خالد عسكر بالسيارة الدايو، وبجانبه جلس باسم محسن الذي كان لا يزال قابضًا بيده على عصاه.

اقترب الموتوسيكلان من بعضهما على الطريق الزراعي، أخرج أحمد الوليد من جيبه طبنجة 9 مللي وأطلق على الرقيب الرصاص حتى فرغت رصاصاته.

يقول شقيق رقيب الشرطة عندما زارته المنصة في منزله، إن عبد الله متولي تلقى تهديدات قبل موته بسبب حراسته لقاضي اليمين في محاكمة الرئيس مرسي، لكنه رفض الانتقال من قوة التأمين، فهو كان محبًا لرئيس المباحث، وتمسك المستشار بوجوده في الحراسة، لدرجة إنه كان محتفظًا برقمه. لكن هذا لم يكن سبب اغتياله.


في مارس 2014، بعد شهر واحد من تلك الحادثة قبض على 24 شابًا في القضية، وبعد عام ونصف، في 7 سبتمبر 2015، حكمت محكمة جنايات المنصورة على 9 متهمين منهم بالإعدام، ورفضت محكمة النقض قبول الطعن لـ6 منهم، فأصبحوا مهددين كل يوم، منذ  7 يونيو 2017 حتى الآن، بتنفيذ العقوبة.

وقف الطبيب أحمد الوليد أثناء التحقيق معه واعترف بأنه القاتل، أخبر المحقق أنه قراء الحكايات المنشورة عن رقيب الشرطة، على صفحات محافظة الدقهلية، بعد قتله، حيث شعر بالندم بعد تيتيم أولاده، ووثق وقائع التعذيب التي تعرض لها قبل عرضه على النيابة.

وقتها، أخبرني صديق صحفي من مدينة المنصورة أن أحمد الوليد لازال طالبًا، يدرس الطب في جامعة المنصورة، وكان مندهشًا وهو يطرح أسئلة حول دوافع طلابًا في كليات مثل الطب والهندسة والصيدلة لارتكاب جريمة قتل رقيب شرطة، وهي نفس وجهة النظر التي انطلق منها أنصار جماعة الإخوان المسلمين في حملتهم الإعلامية ضد إعدام الشباب الـ 6، إذ أنكرت الجماعة صلة الشباب الـ6 بالحادث.

لم يتوقف أحد عند سر إصرار هؤلاء الشباب على قتل عسكري بعينه. 


الفصل قبل الأخير

مقتل عفريت ضد الانقلاب.. لماذا؟

في الساعات الأولى من 25 يناير 2014 تزامنًا مع الذكرى الثالثة للثورة؛ انطلقت مسيرة لـ "عفاريت ضد الانقلاب" أو أشبال الإخوان في شعبة 6 أكتوبر بالمنصورة.

اعتادت المسيرات المنظمة من قبل جماعة الإخوان في تلك الفترة المرور من شارع زكريا عيسوي، حيث منزل القاضي، أحمد حسين قنديل، عضو اليمين في محاكمة مرسي، وبعد تكرار مرور المسيرات وضعت الداخلية حراسة ثابتة عند بيته.

انطلق "العفاريت" في الحادية عشر مساءً، من حي الجامعة. هتف الصغار ضد عزل مرسي، ورفعوا شعارات ثورة يناير، أشعلوا الشماريخ على أغاني الأولتراس الحماسية ضد الشرطة، ووصلوا إلى منزل القاضي قنديل، تأهبت الحراسة أسفل بيته. لم يكتفوا بالتأهب، أطلقوا النار على المظاهرة. 

أصيب ثلاثة أطفال، وقتل طفلًا أخرًا اسمه أسامة عبد العاطي. كان أسامة قد بلغ حينها 14 عامًا، يكاد أن يخرج من أشبال الإخوان ويلتحق بأسرة أكبر في التنظيم.

كان أسامة عبد العاطي أحد تلاميذ خالد عسكر (العقل المدبّر- الفصل الثاني) في "أشبال الإخوان". وعندما عرف خالد بمقتل أسامة رأى أن الانتقام هو الوسيلة الوحيدة للقصاص له. "أي شيء سأفعله من أجل القصاص لأسامة سيكون حلالًا، طالما لن يعاقب قاتله أو تحقق النيابة في الحادث" قال خالد ذلك نصًا في أوراق التحقيقات.


كانت عصا البيسبول أول أداة بين أيدي 6 شباب منتمين لجماعة الإخوان المسلمين ضمن أدوات أخرى وصلت بعد ذلك إلى القنابل اليدوية في طريق الجرائم السياسية التي تبناها شباب آخرون منذ فض اعتصام جماعة الإخوان المسلمين في ميدان رابعة أغسطس 2013.

امتدت الجرائم السياسية من اغتيال حارس شرطة في فبراير 2014 لاغتيال النائب العام نفسه في يونيو 2015. وتطورت التنظيمات من مجموعة من المبتدئين يخططون لجريمة بعصا البيسبول إلى تنظيمات مسلحة مثل حركة حسم  التي تتلقى ضربات أمنية متلاحقة حتى الآن.

غير أن هناك تفاصيل أخرى علينا إدراكها حول دوافع القتل أو تبني العنف، بشكل عام، في الحياة السياسية المصرية، كشفها شباب المنصورة خلال التحقيق معهم بمنتهى الحرص، تلك الدوافع مثّلت لهم سببًا كافيًا للانتقام حتى ولو من رقيب الشرطة عبد الله متولي، وهذا ما تحاول هذه القصة الإجابة عليه من واقع أوراق التحقيقات وأوراق الدفاع عن المتهمين التي قدمها المحاميان محمد سليم العوا ومحسن بهنسي، وقرأتها المنصة.

 

جنازة الطفل أسامة عبد العاطي بعد مقتله في مسيرة عفاريت ضد الإنقلاب

الفصل الأول 

إبراهيم عزب: أبو ظبي- المنصورة  

 

إبراهيم عزب

مارس/ آذار عام 2011، يمشي إبراهيم عزب على أسفلت مدينة المنصورة، وسط دلتا مصر، لأول مرة، بعد عام قضاه داخل سجن طرة، تعلم فيه كيف يصير جهاديًا.

كان العام 2008 شاهدًا على أول احتكاك له بالعمل السياسي: جمع تبرعات مع جيرانه تامر الخضري وأكرم عبد البديع لصالح مؤسسة العدل والإحسان الخيرية في مدينة المنصورة التي كانت ترسل مساعدات لمدينة غزة المحاصرة، وبعد فترة، صدر له قرار اعتقال إداري من مباحث أمن الدولة، وجهوا له اتهامًا بجمع تبرعات دون تصريح، وتمويل مجموعة تخطط لأعمال جهادية داخل مصر مستترة وراء التبرعات.

يقول إبراهيم في أوراق التحقيق إنه "قضى 6 أشهر محتجزًا في جهاز الأمن الوطني، يذهب إلى النيابة ويعود إلى الجهاز لمراجعة أقواله، قال، وقتها، أمام النيابة إنه انضم إلى خلية جهادية خططت لأعمال إرهابية داخل مصر.

وعندما أحيلت أوراق القضية إلى المحاكمة، في قضية حملت رقم 38 لسنة 2010، لم يتضمن ملف التحقيقات سوى أقواله.

أودع في سجن الاستقبال بطرة في مارس عام 2010، وبقى سجينًا احتياطيًا في عنبر الجهاديين لمدة عام.

خلال تلك الفترة داخل سجن طرة، قابل إبراهيم الشيخ أحمد عشوش، الذي يحرم المشاركة في الانتخابات، ويكفّر الأحزاب، تعلم داخل السجن أن الجهاد فرض عين على المسلم ضد الحكام العرب إذا ثبت دفاعهم عن مصالح إسرائيل وأمريكا، فإن استخدموا الجيش أو الشرطة لقمع المعارضين وجب قتالهم.

دارت نقاشات بينه وبين الشيخ أحمد سلامة مبروك، أو أبو فرج المصري؛ خرج من السجن في مارس 2011 وسافر إلى سوريا مقاتلًا حتى صار قائدًا في جبهة فتح الشام التابعة لتنظيم القاعدة، وفي أكتوبر 2016 أعلن المتحدث باسم البنتاجون استهدافه بصاروخين من طائرة بدون طيار في مدينة إدلب، ومقتله.

 

إبراهيم عزب، عام 2010، مممسكًا مصحف في إحدى محاكماته قبل ثورة يناير. الصورة/ تحسين بكر، المصري اليوم

 

"ولد إبراهيم في مدينة أبو ظبي عام 1990. كان والده أستاذًا في كلية العلوم جامعة المنصورة، وأعير إلى أبو ظبي، ثم عاد إلى المنصورة بعد عام من ولادة إبراهيم.

سيعرف إبراهيم في أول سبتمبر القادم بوفاة والده عند الزيارة القادمة لأمه، فيما يرجح شقيقه محمد، في حديث مع المنصة أن الخبر قد تسرب له ليمتص الصدمة قبل الزيارة القادمة.

على مدار 3 سنوات صارع والده المرض، بترت قدمه، وأصيب بفشل كلوى، ولم يستطع رؤية ابنه منذ حبسه ومات الأسبوع الماضي.

لم تكن أمه عاملة، حصلت على ماجستير علوم البحار من جامعة الإسكندرية، وانشغلت بتربيته وأخوته الثلاثة الذين يكبرونه، بين المنصورة وأبو ظبي.

 

منزل إبراهيم عزب بمساكن أعضاء هيئة التدريس في مدينة المنصورة- تصوير: محمد طارق

تربى في أسرة متدينة، لا تتبنى أفكار الإسلام السياسي أو تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، تقول والدته لـ المنصة "والده كان يقيم الليل يوميًا لمدة ساعة على الأقل، يقرأ القرآن ويتلمس بيده جدران البيت أثناء القراءة".

لم يكن إبراهيم ملتزمًا في البداية. يسكن في حي راق بالمدينة، ويسمع الموسيقى، ويشاهد الأفلام، ويدخن السجائر، لكن أمه نجحت في جعله مواظبًا على الصلاة.

عندما التحق بكلية الصيدلة في جامعة المنصورة، داوم على الصلاة في مسجد الجامعة، تعرف هناك على طلبة مثله يواظبون على الصلاة في المسجد، نصحوه بتعلم الدين أكثر عن طريق الاستماع إلى شرائط السلفي محمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، ومحمود المصرى.

وجد في الأفكار السلفية زهدًا في الحياة واحتواء لطاقته، استمع لشرائط ترى النساء فتنة، وترسم ملامح شخصية القائد في الإسلام، فتوقف عن التدخين، وبدأ يتطوع في العمل الخيري.

 

الديمقراطية ليست كفرًا.. أحيانا

بعد شهرين من قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، أفرج عن إبراهيم وجميع المتهمين في قضيته، جلس معه ضابط قبل خروجه من طره ليقول له نصًا "لم نجد تهمًا تبرر الإبقاء عليك، بعد الآن"، وطلب منه أن ينسى السجن وما حدث له، هكذا بكل بساطة.

خرج باحثاً عن الثورة التي حررته، كانت مساكن أعضاء هيئة التدريس التي يسكن فيها ممتلئة بالكتابات التي تطالب بسقوط نظام مبارك، انضم سريعاً لاحتجاجات تطالب بسرعة إجراء أول انتخابات ديمقراطية، وسافر إلى القاهرة ليلقي الحجارة على قوات الشرطة والجيش أثناء اشتباكات محمد محمود في نوفمبر 2011.

في شارع محمد محمود رأى فتيات بملابسهن "غير الإسلامية" يلقين الحجارة على الشرطة، بدأ في تكوين وجهة نظر أخرى عن الديمقراطية غير التي تعلمها في السجن.

 

اشتباكات في ميدان التحرير 2011

آمن أن الديمقراطية ليست كفرًا، ورأي أن الانتخابات، وإن ظلت غير مقنعة بالنسبة له، فهي البديل الوحيد للتغيير في العالم، وتكفير العالم محض افتراء، لكنه ظل غير مقتنع بمن يحكم ولا يطبق أحكام الشريعة.

بعد أشهر من فوز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة نظم مؤتمرًا باستاد القاهرة لنصرة الشعب السوري دعا فيه للجهاد في سوريا، وكان صديقيّ إبراهيم في السجن أكرم عبد البديع وتامر الخضري يستعدان للقتال هناك. لم يكن لهما أصدقاء أقرب من إبراهيم بحكم سكنه بجوارهما، وقضائهم عامًا كاملًا في السجن. 

أعطياه قبل سفرهما، بندقية آلية AK 103، وأخرى بريتا إيطالي، وبندقية خرطوش، وخيروه بين استخدامها أو بيعها وتحويل ثمنها في أي وقت إلى سوريا.

لم يلق الأداء السياسي لجماعة الإخوان المسلمين قبولًا وقتها من التيارات المدنية، ازدادت المظاهرات المعارضة لحكمهم، ولم يكن إبراهيم راضيًا عنهم أيضًا، رأى أن تجربة الجماعة فشلت، واقتربت من النهاية، وأن علاج الأزمة هو تنحي الرئيس مرسي أو الاستفتاء على بقائه مع تولي مجلس رئاسي مدني كبديل يدير شؤون البلاد حتى إعادة الانتخابات الرئاسية.

بدأ إبراهيم المشاركة في المظاهرات التي خرجت تطالب برحيل مرسي في شوارع المنصورة قبل 30 يونيو، لكنه توقف عن المشاركة سريعًا، فضباط الشرطة الذين اعتقلوه قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير كانوا محمولين على أكتاف المتظاهرين.

التزم الحياد وبقي في المنزل، حتى عندما عزل الجيش مرسي، لم يذهب ليشارك في اعتصام الجماعة في ميدان رابعة العدوية.

قتل دون حساب

بعد عشرة أيام على بداية الاعتصام، قرأ في الأخبار عن مقتل 30 متظاهرًا قرب الاعتصام في اشتباكات مع الجيش وقعت أمام دار الحرس الجمهوري. قتل بعضهم بطلقات مباشرة في الرأس، وقالت الحكومة وقتها إنهم حاولوا اقتحام الدار.

سافر إلى القاهرة ليتحقق من الخبر، كانت آثار دماء المقتولين على الأسفلت على مسافة 6 أمتار على الأقل من الأسلاك الشائكة التي تحيط بسور النادي، وأكبر من أن تمحيها عجلات السيارات في اليوم التالي، لم يقتنع إبراهيم برواية الحكومة لأحداث القتل، واعترض على تمرير مقتلهم دون حساب، وذهب إلى الاعتصام وبقى فيه منذ لحظتها.

اقتصر دوره نهارًا على التطوع، أحيانًا، كطبيب صيدلي بالمستشفي الميداني في الاعتصام، وفي الليل كان ينام في خيمة من خيام المنصورة، ولم تعجبه خطابات الإخوان على المنصة، حسبما قال للمحقق.

كانت الدقهلية تمثل النسبة الأكبر من الوافدين للاعتصام، خيامها انتشرت بطول شارع الطيران حتى شارع مصطفى النحاس، قابل إبراهيم في الاعتصام زملائه من الجامعة، من بينهم خالد رفعت جاد عسكر، الذي يشارك في لجان تأمين الاعتصام، ويتولى تفتيش الراغبين في دخول الاعتصام.

توطدت علاقة إبراهيم بخالد، كلاهما ولد في الخليج، عرف إبراهيم أن والد خالد عسكر كان يعمل في الدمام بالمملكة العربية السعودية، حيث أعير والده أيضًا للعمل كموجه للغة العربية.

واكتشف خالد أن والد إبراهيم يعمل أستاذًا في كلية العلوم بجامعة المنصورة التي يدرس بها.


الفصل الثاني 

خالد عسكر: المرشد الصغير  

 

خالد عسكر أثناء فترة المراهقة

على عكس إبراهيم، تربى خالد بين عائلة مؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين لكنه انضم لها متأخرًا، كان في عامه الجامعي الثاني يستمع لخطب يلقيها زملاؤه الطلاب من المنتمين للإخوان في مدرجات الكلية، أعجب بهم وتقرب لهم، وتولى مسؤوليته طالب أكبر منه بعام، ودرّس له مناهج الإخوان.

أصبح خالد "عضوًا محبًا" يتعرف على منهج الجماعة، وتدرج داخل التنظيم إلى عضو مؤيد، ثم عضو منتسب، حتى صار "عضوًا عاملًا" بعد تخرجه، وانضم إلى شعبة 6 أكتوبر في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، يحكي خالد قصته أمام محقق النيابة.

وصل خالد إلى هذه المرحلة من الثقة بعد أن وضع فترة تحت الملاحظة، كما قال، اقتصرت حياته على تعلم منهج الجماعة وحضور اجتماعات الأسرة، والمواظبة على قراءة تفسير القرآن والسنة، ورسائل حسن البنا، وفي ظلال القرآن لسيد قطب، وكتاب فقه السيرة للإمام الغزالي، كما حضر دروسًا دينية في مسجد أعضاء هيئة التدريس، كان محورها يتضمن أفكارًا عن شمولية الدين ومميزات الحكم الإسلامي.

رغم ذلك أحب الشيوخ السلفيين، وواظب على حضور دروسهم في المساجد، كانت الدروس تسجل ويشاركها مع أصدقائه على يوتيوب، أحب في السلفيين فهمهم عقلية الشباب، وعلمهم بمشاعر الصغار في فترة المراهقة: الإحساس الدائم بالذنب، والخجل من ارتكاب الخطأ، والبكاء ليلًا عقب مشاهدة فيلم سكس وممارسة العادة السرية.

 

عندما تخرج صار مسؤولًا عن إحدى الأسر الصغيرة في شعبته، كانت الأسرة عبارة عن مجموعة من أشبال الإخوان تضم الأطفال من أبناء الجماعة حتى سن 14 سنة، تولى على مدار عام تربيتهم على مناهج الجماعة، ودرّس لهم أسبوعيًا تفسير القرآن والسنة في مسجد الفتح بشارع سامية الجمل، في مدينة المنصورة.

وجد نفسه مرشدًا لهم، وشعر أنهم تلاميذ يحملون من بعده الرسالة، وتمنى أن يكون صغيرًا مثلهم، لعله ينقذ ما ضاع من عمره قبل انضمامه، حتى قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير، وانخرط في العمل السياسي على حساب العمل الدعوي.

اشترك مع الإخوان في جميع الاستحقاقات الانتخابية انتهاء بحصولهم على مقعد الرئاسة، لم يدم احساسه بالانتصار طويلًا، فسرعان ما بدأت استمارات تمرد في الانتشار إلى أن حاصرته في المنصورة، وكان عليه أن يذهب إلى اعتصام رابعة بعد عزل مرسي مباشرة والبقاء هناك.

 

اكتشف خالد أثناء الإعتصام أن إبراهيم عزب (الجهادي في طرة- الفصل الأول) ليس إخوانيًا، يميل أكثر للفكر السلفي، وله علاقات جيدة بجهاديين قابلهم في السجن أثناء فترة اعتقاله، لم يحاول اقناعه بالاعتصام من ناحيته، ولم يحاول إبراهيم من ناحيته تحميل الإخوان ما وصلت إليه حال السياسة في مصر. 

كان الإحساس بالاتحاد في الاعتصام أكبر من أن يبرز الخلافات السابقة، وكان الجميع وجوههم مألوفة، انضم لهم في الخيمة أصدقاء آخرون كانوا زملاء في جامعة المنصورة مثل أحمد الوليد، الطبيب الذي عرف خالد من درس اللغة الألمانية في الثانوية العامة، ولم يقتربا من بعضهما سوى في الاعتصام.


الفصل الثالث 

أحمد الوليد: من ليدز إلى الهدى والنور  

 

ولد أحمد بمحافظة الدقهلية في أسرة متدينة، والده يعمل أستاذًا بقسم الروماتيزم في كلية الطب في جامعة المنصورة، وينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وأمه حاصلة على ليسانس في القانون.

عاش أعوامه الأولى في مدينة ليدز بإنجلترا بعدما حصل والده على عمل هناك، لكنه عاد بأولاده لحمايتهم من التحرر، بحسب ما يحكي شقيقه.

التحق أحمد بمدرسة الهدى والنور في سنوات تعليمه الأولي، يقول في التحقيقات إنها مدرسة إخوانية، يتبع صاحبها والمدرسين فيها فكر الجماعة، كان هذا سببًا منطقيًا في انضمامه لأشبال الإخوان مبكرًا، حفظ القرآن صغيرًا، وداوم على المشاركة في مسابقات ورحلات خارج مدينة المنصورة. يقول إن الالتزام مع التنظيم دفعه للتفوق في دراسته.

حصل في الثانوية العامة على 99%، والتحق بكلية الطب، وصار من بعدها عضوا. انضم إلى أسرة من أربعة أفراد لهم أستاذ يعمل خطيبًا بوزارة الأوقاف، وأصبح بعد عامه الجامعي الثاني عضوًا عاملًا يحق له المشاركة في انتخابات مجلس الشعبة، وبدأ يكون أيدلوجيته السياسية الخاصة.

يؤمن أحمد أن الإصلاح يبدأ من قاعدة الهرم: السعي لتغيير المجتمع ومن ثم تغيير الحاكم، فالأولى إصلاح الفرد المسلم أولًا، ثم إصلاح الأسرة، ثم المجتمع. هذا الهدف إن تحقق سيخلق مجتمعًا تسود فيه تعاليم الإسلام وحكومة مسلمة تسعى لخلافة إسلامية تحقق أستاذية العالم، يقول ذلك للمحقق.

 

تناقض: الطاعة أم الثورة

عندما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير، عارض أحمد تعليمات الجماعة لأول مرة في حياته، نزل وشارك في مظاهرة طافت شوارع مدينة المنصورة، وفي اليوم التالي عاتب أستاذه في الأسرة لعدم مشاركة الجماعة في المظاهرات، كان مصدومًا من أن جماعته لم تشارك مع المواطنين الذين نزلوا لتحقيق العدالة الاجتماعية، فأخبره محمد أحمد سلمان أستاذ الشعبة إنهم حصلوا على تكليفات بالمشاركة يوم 28 يناير 2011، وأخبره بأماكن التجمع في المحافظة.

سميت 28 يناير جمعة الغضب، أشعل المتظاهرون النيران في أقسام الشرطة بالمحافظات، وانسحبت قوات الأمن المركزي من الشوارع، شارك أحمد في مظاهرة خرجت من مسجد السلام متجهة إلى مبنى المحافظة.

في اليوم التالي ذهب الآلاف في القاهرة للاعتصام في ميدان التحرير، رأى أحمد الخيام تنصب في الميدان على شاشات التليفزيون، عرض على أخيه خالد السفر إلى القاهرة للمشاركة بمظاهرات التحرير، لم يكلفهما أحد بذلك، اشتريا خيمة على حسابهما وذهبا للاعتصام بالميدان- رمز الثورة.

بعدها بأيام صدرت تكليفات لأعضاء الجماعة بالسفر إلى القاهرة للمشاركة في اعتصام ميدان التحرير، أثناء موقعة الجمل، استقبلهم أحمد وفرح بانضمامهم له، لكن في يوم الحادي عشر من فبراير، عندما تنحى الرئيس مبارك، صدرت تكليفات لأعضاء التنظيم نفسه بالعودة إلى منازلهم، رفض أحمد للمرة الثانية قرار الجماعة، وقرر استكمال اعتصامه حتى تسليم السلطة، لكنه في صباح اليوم التالي وجد الميدان خاليًا، فعاد إلى المنصورة.

حملات سياسية.. وأنابيب بوتاجاز أحيانًا

عقب سقوط مبارك انخرط أحمد ضمن نشاطات العمل الخيري داخل التنظيم، ساعد في إيصال أنابيب الغاز للمواطنين أثناء أزمات نقص الوقود، ونظم حصصهم من الخبز داخل حيّه السكني، وفي نهاية عام 2011 عندما بدأ الاستعداد لانتخابات مجلس الشعب والشورى، كلفه أستاذه بالمشاركة في الحملة الانتخابية لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين آنذاك.

استقطب الناس للحزب في دائرته، عرفهم على مؤهلات المرشحين والبرنامج الانتخابي للحزب، وتحولت الدروس الدينية داخل الأسرة إلى مناقشات حول المشكلات الاجتماعية، ودعى المواطنين إلى الاجتماع داخل الحزب والتعبير عن مشاكلهم، اكتسب خبرة سياسية أوسع من مبدأ قاعدة الهرم.

وبعد  6 أشهر من وصول الجماعة إلى سدة الحكم، وبداية المظاهرات الرافضة لحكمهم، أصدرت الجماعة تكليفات لبعض أعضائها بحماية مقراتها وسفر أخرين إلى القاهرة لمنع المظاهرات أمام قصر الرئاسة.

لم يشارك أحمد مع الجماعة في تلك الفترة، كان يستعد لإتمام سنته الدراسية الأخيرة بكلية الطب والالتحاق بالامتياز، لكن مع عزل مرسي تغير كل شيء.

الحلم vs الكابوس

في اليوم السابق لعزل مرسي؛ كان اعتصام المتظاهرين ضد حكمه يحاصر قصر الاتحادية. كلفه سليمان مسؤول أسرته بالسفر إلى القاهرة والاعتصام في مسجد رابعة العدوية. وبعد 3 أيام أصيب بصدمة حين سمع في الراديو قرار المجلس العسكري عزل مرسي. رآه انقلابًا عسكريًا، فقرر الاعتصام وانضم إليه سريعًا شقيقه خالد.

على مدار 45 يومًا، قضى أيامه في ميدان رابعة معتصمًا، زاره أبوه أكثر من مرة، وبات معه في خيام المنصورة. شارك في المسيرات التي كانت تخرج من الاعتصام، لكنه لم يحضر قتل المعتصمين أمام دار الحرس الجمهوري، أو أحداث المنصة، التي خلفت أكثر من 72 قتيلا، وإصابة 792 آخرين، وفق بيانٍ لوزارة الصحة. 

لم يكن يحب الاشتباكات.

بحكم دراسته للطب كان يتطوع في المستشفى الميداني مع إبراهيم عزب، وفي الليل يعودان إلى الخيمة لمقابلة خالد عسكر وأحمد الوليد وشقيقه خالد، انضم لهم أصدقاء أخرين مثل باسم محسن ومحمود وهبة.


الفصل الرابع

مظاهرة ترافقها بندقية

في 19 يوليو/ تموز، أثناء اعتصام رابعة العدوية، أرادت الجماعة أن تتوسع في الضغط على السلطة، دعت أعضاءها إلى مسيرات في الميادين الرئيسية بالمحافظات رفضًا للإطاحة بمرسي، وسمتها "جمعة عودة الشرعية".

فى المنصورة أطلقت قوات الشرطة ومعاونوها ممن لديهم سوابق جنائية الرصاص على المسيرة، قتل أربعة نساء بينهن فتاة شابة تدعى هالة أبو شعيشع، عمرها 16 عامًا. "نشأت هالة في أسرة إخوانية تحب العمل الخيري، أحبت التطوع منذ سن صغير، وأسست مع أصدقاء لها حملة لدعم الثورة السورية"، حسبما تعرّفها صفحات تابعة للجماعة على فيسبوك.

 

هالة أبو شعيشع، فتاة قتلت في مسيرة بالمنصورة أثناء اعتصام رابعة

عندما قرأ إبراهيم عزب قصتها على فيسبوك قطع اعتصامهم في رابعة، وعاد إلى المنصورة، وأصبح يشارك في مسيرات الإخوان، يؤمّنها، ويحمل الأسلحة التي كان يخبئها في بيته ولا يستخدمها. هنا ظهرت البنادق AK 103، والبريتا الإيطالية، والخرطوش، التي حصل عليها إبراهيم من أصدقائه الجهاديين قبل سفرهم إلى سوريا.

قُتل خالد بن الوليد.. فكيف تصرف شقيقه أحمد؟

في صباح الرابع عشر من أغسطس، استيقظ أحمد الوليد (الضاغط على الزناد- الفصل الثالث) على صوت قنابل غاز تمطر الاعتصام. جرى باتجاه مصدر الطلقات فوجد مدرعات الشرطة تحاصر الاعتصام، ألقى الحجارة عليهم، امتلأ جسده بطلقات الخرطوش فبدأ في نقل الجرحى إلى المستشفى الميداني داخل مسجد رابعة العدوية. رأى المصابين بالرصاص فقرر البقاء في المستشفى بصفته طبيبًا قارب على الانتهاء من سنة الامتياز، يسعفهم بما يتوافر لديه أثناء عمليات الفض.

أثناء ذلك، اتصل شخص بأحمد الوليد وأخبره بمقتل شقيقه خالد. ترك المستشفى وذهب للبحث عن أخيه في ساحة المسجد. كانت جثث الموتى موضوعة على الأرض بطول الساحة، وكان خالد ملقى على ظهره بينهم، أصيب بطلقة في رقبته واثنتان في ظهره. 

اتصل أحمد بوالده ليخبره بوفاة خالد فوجده يعرف بالأمر. رجع بظهره في اتجاه الباب، تعثر بين الجثث الملقاة على الأرض، لم يرد أن يولي وجهه عن أخيه حتى لامس ظهره جدار المسجد، فجلس بجانبه وفقد وعيه بين الجثث وسط أصوات الرصاص.

بعد ساعات أفاق على صوت المعتصمين يرشدون بعضهم إلى ممر آمن للخروج من الحصار، كان يجلس وحيدًا بين الدماء، نهض وذهب ورائهم، تذكر أنه ترك جثمان أخيه عندما غادر المسجد، لم يكن مسموحًا بالعودة، عرف بعد ذلك أن الجثث نقلت إلى مسجد الإيمان القريب من الاعتصام، فذهب إليه ووجد والده ووالدته، بات الثلاثة هناك بجانب جثة خالد، حسبما وصف حاله للمحقق.

عندما عاد أحمد إلى المنصورة، عرف إن ضباط المباحث جاءوا إلى البيت أثناء تواجده في اعتصام رابعة واتهموه هو وخالد شقيقه المقتول، بتفجير قنبلة في قسم شرطة المنصورة، واعتقلوا أخيهم الثالث أسامة.

اختبأ أسامة عند صديق لا ينشط سياسيا، ظل عنده لأسابيع ينزل، فقط، إلى المسيرات ليعرف من خلالها أخبار أسرته، أفرج عن أخيه أسامة.


أسئلة المحنة بين 16 و30 أغسطس

في الجمعة التالية لفض اعتصام رابعة حشدت الجماعة لمظاهرات في جميع المحافظات، في القاهرة تمركزت المظاهرات في ميدان رمسيس، وعرفت إعلاميًا بأحداث مسجد الفتح، كانت المظاهرة مصيدة وضعت الجماعة نفسها فيها، حوصر المتظاهرون في ميدان رمسيس من قبل قوات الجيش والشرطة، وامتدت الاشتباكات حتى صباح اليوم التالي، كان الميدان أشبه بساحة حرب.

في المنصورة تعاون مسجلون خطر مع الشرطة في فض المسيرات والقبض على المشاركين فيها، وثقت لهم فيديوهات على يوتيوب، صار إبراهيم عزب (الجهادي في طرة- الفصل الأول) وقتها أكثر تمرسًا في التعامل، اكتسب خبرة في تأمين المسيرات التي كانت تسير في شارعي أحمد ماهر وجيهان السادات.

رغم ذلك، لم ينضم إلى مسيرات أخرى بعد تلك المسيرة، لم يكن نزول المسيرات ذا جدوى بالنسبة له في ظل عدم تأثيرها، أرواح تتساقط في كل مسيرة واعتقالات حولت أقسام الشرطة إلى سجون عمومية.

فكر إبراهيم مع عبد الله محسن وعبد الحميد العمري في استهداف ضباط الشرطة. كانوا يريدون توقيفهم عن الهجوم على المسيرات حتى لو تطلب ذلك قتل الضباط طالما تورطوا في قتل متظاهرين أو تعذيب معتقلين، هذا ما قاله إبراهيم في نص التحقيق معه.

وضع مع أصدقائه خطة تقوم على استهداف مجموعة من ضباط قسم أول وقسم ثاني المنصورة أثناء خروجهم من منازلهم، اختاروهم على أساس مشاهدتهم في المظاهرات، وشهادات متداولة لأصدقاء المعتقلين في القسمين.

نجحوا في اختيار 3 ضباط، وعرفوا عناوين منازلهم، لكنهم صرفوا نظر عن التنفيذ. صعوبة الهروب بعد إطلاق النار في الشوارع التي يسكن فيها الضباط حسمت المسألة بالنسبة لهم.

تحولت الخطة من استهداف بالرصاص إلى تفخيخ السيارات، تعلموا تصنيع القنابل اليدوية، واختبروا الدائرة الكهربية جيدًا، ومرة ثانية فشلوا، سيارات الضباط كانت تتغير، تملكه اليأس وزاد من إنكساره طلقات الخرطوش التي كان يتلقاها في المسيرات، يقول إبراهيم في تحقيقات النيابة.


هيا نشتري سلاحًا

عندما رأي خالد عسكر (العقل المدبر- الفصل الثاني) صديقه إبراهيم في آخر مظاهرة سأله إن كان يعرف طريقًا لشراء الأسلحة، فدله على صديق له من المحلة، اسمه أحمد حمدي وكنيته أبو القعقاع، قدم إلى المنصورة في أحد الأيام وباع لخالد طبنجتين وبندقية آلية، دفع ثمنهم الأستاذ الشحات، أحد المسؤولين عن التأمين في اعتصام رابعة وما تلاها من مسيرات المنصورة، حسب اعترافاتهم.

هنا انتهى دور إبراهيم عزب في القصة، ولم يتورط أكثر من ذلك، حسب شهادته أمام النيابة وهو ما أكدته شهادات المتهمين الآخرين أيضًا. إذ اقتصرت مهمة إبراهيم على بيع الأسلحة لخالد، ورغم أنها لم تستخدم في الجريمة، إلا أنه حكم عليه بالإعدام، حسب دفوع المحامين التي اطلعت عليها المنصة.


خالد يمد الخط على استقامته

بدأ خالد عسكر يتأرجح بين جدوى الشغب في المظاهرات أو اللجوء للعنف. استعد بالتعاون مع أصدقاء له قبل المسيرات بأكياس "بوية" يلقونها على زجاج سيارات الشرطة، نجحت الفكرة في تقليل عدد المقبوض عليهم من كل مسيرة.

في الجمعة التي وافقت 30 أغسطس شارك في مسيرة في شارع جيهان بالمنصورة. قبضت الشرطة على شعبة خالد عسكر في الجماعة، لكنه أصيب بطلقات خرطوش في صدره وظهره، استدعى زملاؤه لإسعافه طبيبًا يدعى عبد الرحمن عطية، كان طالبًا في السنة النهائية بكلية الطب.

بحماسة شديدة كان عبد الرحمن يخرج من جسد خالد طلقات الخرطوش، كانت أول مسيرة له ينزلها، رأى خالد في بداية اليوم قبل إصابته وهو يمسك بندقية خرطوش.


الفصل الخامس

عبد الرحمن عطية: هانعمل حزب وتنضم لحزب تاني؟  

 

ولد عبد الرحمن في أسرة إخوانية، بقرية تلبانة، أبًا وأمًا. أحب أبوه أن يتربى مع أبناء الإخوة في القرية، يحضر مسابقات تحفيظ القرآن وحفلات تكريم المتفوقين ويوم اليتيم وغيرها. رغم ذلك كان مختلفًا، فعندما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير اهتم بالأحزاب المدنية الجديدة، ورغب في الانضمام إلى حزب شبابي، يقول في التحقيقات "والدي وأعضاء الجماعة في القرية عندنا رفضوا، قالوا مينفعش الجماعة تعمل حزب وأنت تروح تنضم لحزب تاني".

لا تتذكر والدته، التي تقول إن "البدلة الحمراء ثوب عزة"، ذلك الموقف، لكنها لا تنكر إيمانهم بغاية الإخوان المسلمين فيما تسميه "أستاذية العالم شيء لا نخجل منه" تقول في لقائها مع المنصة.

شارك عبد الرحمن مع حزب الحرية والعدالة في الدعاية لمرشحي الانتخابات ممن كان يقتنع بهم. ونجح كل مرشحي الإخوان في القرية.

يرى عبد الرحمن، في أوراق تحقيقات القضية، إن عزل الجيش للرئيس المنتخب إنقلابًا، حتى وإن كان تحت مظلة شعبية، ويؤمن بأن من أتى بالانتخابات يجب أن يرحل بانتخابات أخرى، كان ذلك سببًا كافيًا له للمشاركة في اعتصام رابعة العدوية.

ظل في الاعتصام 21 يومًا لكنه لم يحضر الفض. فعندما قتل صديقه عبد الرحمن صفوت في اشتباكات المنصة بعد خمسة أيام قضاها في مستشفى المطرية، كان عبد الرحمن عطية بجواره فيها، عاد إلى المنصورة لدفنه، وبقى هناك محاولًا تجاوز ما حدث.

لم يلبث أن قتل صديقه الثاني عبد العزيز محمد عبد البديع في أحداث مسجد الفتح بميدان رمسيس التي تلت فض الاعتصام. دفنه وبدأ الغضب يتمكن منه في المسيرات التالية بالمنصورة، كانت المشاركة الأولى له في مظاهرة الجمعة التي وافقت 30 أغسطس 2013.

 

صورة لعبد العزيز محمد عبد البديع في الشارع الذي يسكن به عبد الرحمن عطية

استمرت علاقته مع خالد عسكر ، يسأل عليه في كل مسيرة ينزلها، تعرف عبد الرحمن على أحمد الوليد، ومحمود وهبة، الذي عمل على تنظيم حركات مناهضة لعزل محمد مرسي خلال تلك المسيرات.


الفصل السادس

محمود وهبة: عفريت ضد الانقلاب  

 

كان محمود وهبة أصغر المجموعة، لا ينتمى للجماعة في عائلته أحد سوى خالته. انضم والده للجماعة عندما كان نقيب أطباء الأسنان في الدقهلية في فترة الثمانينيات وأثناء إقامته في السعودية، لكنه انفصل عنهم في التسعينيات.

ورغم تربيته في مدارس إخوانية لم ينضم إلى الجماعة إلا عند التحاقه بالجامعة. تفوق في الثانوية العامة والتحق بكلية الهندسة جامعة المنصورة عام 2011.

في يومه الجامعي الأول؛ انضم لحفلة استقبال ينظمها طلبة الإخوان المسلمين بكلية الهندسة، أعطاه واحد من الطلبة كتاب رسائل حسن البنا. كان هذا أول كتاب يقرؤه في حياته خارج الكتب الدراسية. أعجبته رسائل البنا للشباب، وقرأ سيرته الملخصة في كتاب مذكرات الدعوة والداعية.

صار عضوًا في كل الأنشطة المشتركة بين طلبة الهندسة المنتمين الإخوان: المشاركة في توزيع البلح على الصائمين في رمضان، الاعتكاف في مسجد أعضاء هيئة التدريس، الالتحاق بالأسرة التنظيمية، تبادل الزيارات المنزلية لتقوية أواصر المودة، وصعود سلم تراتبية الأعضاء في التنظيم.

ترأس تحرير مجلة سماها أساليب لها طابع إسلامي، يفتح كل عدد بمقالة عن قائد إسلامي، ومقالات أخرى يساهم فيها الطلاب بنشر مقالاتهم الأدبية، وانتهى به الحال لحرق الشجر خلال فض الاعتصام ليخفف من حدة قنابل الغاز.

 

عندما عاد إلى المنصورة صار يشارك في كل مظاهرة، أنشأ صفحات بأسماء حركات كثيرة على فيسبوك، صفحة "حورية المنصورة للبنات"، وصفحة "طلاب ضد الانقلاب" لطلاب الجامعة، وحركة "عفاريت ضد الانقلاب" للطلبة الذين لم يصلوا إلى الجامعة، مجموعة من الصغار، اعتادوا تنظيم مسيرات فجائية خارج المسيرات المعلن عنها، استخدموا الإنترنت في تجمعهم، كان بينهم عددًا ممن قتل آباؤهم في فض رابعة.


الفصل السابع 

باسم محسن: "علشانكم"  

 

ولد باسم في المنزلة، تولت أمه تربيته وأخته التي يكبرها بعام، والتحق بمدرسة الزهراء الابتدائية، ثم مدرسة عثمان بن عفان الإعدادية.

انتقلوا من المنزلة إلى المنصورة حيث التحق بكلية الهندسة، والتحقت أخته بكلية الطب جامعة المنصورة.

تعرف باسم على الجماعة أثناء دراسته بكلية الهندسة، وامتد نشاطه السياسي خارجها، شارك في حركة 6 إبريل، وانضم لمظاهرات ضد حصار غزة، وضد تزوير انتخابات اتحاد الطلبة، وزيادة الرسوم الدراسية.

قضى بعد التخرج عامًا في مهمة البحث عن عمل حتى التحق بهيئة السكك الحديدية، وبعد عزل مرسي شارك في اعتصام رابعة، وشارك بعد الفض في مسيرات المنصورة مع خالد عسكر وأحمد الوليد وعبد الرحمن عطية ومحمود وهبة.

كان باسم مراقبًا لمظاهرة عفاريت ضد الانقلاب يوم 25 يناير 2014 مع أحمد دبور. راقبا المسيرة من بعيد بسيارة دبور  الاسبرانزا، وقفا في شارع جانبي عندما اقتربت المسيرة من منزل المستشار، لم يخافا لفت الأنظار حيث يملك دبور محل تكييفات بجانب منزل المستشار وبالتالي وجوده في المنطقة لا يثير الشكوك.

سمعا صوت إطلاق، فنزل دبور من سيارته حيث منزل المستشار، أصيب شقيق دبور الأصغر بطلق ناري ضمن 3 أطفال أصيبوا. اختبأ في مدخل عمارة حتى وصل للمصاب مع باسم، أخذا الطفل إلى المستشفى وعرفا هناك بوفاة طفل آخر اسمه أسامة عبد العاطي.

بعد يومين تلقى خالد عسكر (العقل المدبر- الفصل الثاني) اتصالاً من صديقه باسم محسن في شعبة المنصورة. لم يكن صوت خالد عاديًا، أخبره أنه كان مسؤول هذا الطفل في أشبال الجماعة، وقد تولى تربيته في الإخوان وعلمه تلاوة القرآن.

كانت صفحات الإخوان تتداول وقتها أوصاف قاتل أسامة، وتحدث الاثنان خلال المكالمة حول شهادات المتظاهرين "رجل من قوة تأمين المستشار، قصير وله شنب، يرتدي ملابس مدنية، وجاكت أسود، ويلف شالًا حول عنقه".

أخبر باسم محسن زميله خالد بكل ما حدث في المسيرة، قال له إن أحمد دبور، الذي أصيب شقيقه الصغير يملك محلاً لأجهزة التكييف بجانب بيت المستشار، وله علاقة جيدة بالحراسة هناك، وسيعرف لنا من قتل أسامة إذا أخبرناه عن أوصافه.

في اليوم التالي كان دبور يستقبل باسم في محله، قال له إن تلك الأوصاف لرقيب شرطة يدعى عبد الله، وإن عددًا من الأهالي في الشارع شاهدوه يطلق النيران على المسيرة من مسدسه، وأنه هو قاتل أسامة.

بعد أيام ذهب الرقيب عبد الله إلى محل دبور وطلب منه تحميل تسجيلات قرآنية على هاتفه المحمول. عندما علم باسم بالأمر طلب من صديقه صاحب محل التكييفات تصوير الرقيب عندما يأتي له، ونقل صورته إلى خالد عسكر عبر واتسآب.


الفصل الثامن

الخطة

في تلك الأثناء عرف خالد عسكر إنه صدر بحقه ضبط لمشاركته في المسيرات. فقرر التنقل بين القاهرة ودمياط والمنصورة التي اضطر للبقاء فيها ليخطط لقتل الحارس. اتصل بمحمود وهبة وعرض عليه الأمر، قال له خالد إنه عرف قاتل أسامة وناقشا عدم تحقيق الحكومة في مقتل المتظاهرين، واحتياجهم لفعل يردع أي شخص يحاول الاعتداء على مسيرات الإخوان التالية، وأطلعه على نيته فيما أسموه "القصاص"؛ فاقتنع وهبة.

عرف محمود وهبة أن خالد عسكر لا يجد مكانًا يختبئ فيه في المنصورة، فوفّر له شقة في شارع قناة السويس بمدينة المنصورة، بمجرد أن استراح فيها اتصل عسكر بأحمد الوليد وعبد الرحمن عطية وباسم محسن ودعاهم إلى مقابلتهم في بيت محمود وهبة، للتخطيط للجريمة.

في منزل محمود وهبة قال لهم خالد "لكي نبدأ سنحتاج جراجا لتخبئة سيارتي، ومنزل لتخبئة السلاح، يشترط ألا يطلب صاحبهما بطاقات هوياتهم"، كان خالد وأحمد الوليد وقتها مطلوبان لدى الأمن، وأخبرهم أنه اشترى السلاح من المرج هو ومحمود وهبة.

"ستبدأ الخطة برصد العسكري عبد الله"، قال خالد، واستعانوا بالفيديوهات التي صوروها من محل دبور. نزل باسم ومحمود وهبة في البداية، كانوا يراقبون رقيب الشرطة لمعرفة مواعيد مغادرته. 

بعد أسبوع عرفا النظام، وردية 24 ساعة كاملة و48 ساعة استراحة بالمنزل، وعلى مدار أسبوعين أخرين، تتبعاه أثناء رجوعه من أمام بيت المستشار عائدًا إلى قريته. في المرات التالية نزل خالد وأحمد الوليد لمراقبة، كان بعد انتهاء ورديته يستقل في السابعة صباحًا موتوسيكله ويتجه عبر ميدان سندوب إلى الطريق السريع.

اشترى الأربعة خطوط تليفون جديدة غير مسجلة، واستأجر خالد عسكر شقة من صديق له في الجماعة يدعى الدكتور عبد الفتاح، وأخبره خالد إنه سيخصصها لجمع تبرعات من أجل السجناء. وهو ما قام به بالفعل. جمع الفلوس بدعوى مساعدة أسر المعتقلين لكنها كانت من أجل شراء السلاح.

ظل خالد خلال تلك الفترة بعيدًا عن منزله ومنازل أصدقائه، كان مرصودًا من قبل الأمن الوطني، يتحرك في شوارع المنصورة بسيارة فيرنا زرقاء، استعارها من صديق له.

اتفقا على توزيع أنفسهم أثناء إنهاء الأمين عبد الله خدمته في السابعة إلا الربع. سيكون باسم واقفًا بعصا البيسبول ينتظر رقيب الشرطة ليعترض طريقه، وسيتولى خالد قتل الحارس، ويهرب باسم مع عبد الرحمن.

مساء تنفيذ العملية اتصل خالد عسكر بعبد الرحمن عطية وطلب منه الحضور إلى مدينة المنصورة للمبيت فيها. كان عبد الرحمن ينوى المبيت في قريته ويدّعي أن لم يستطع الاستيقاظ مبكرًا، وكانت حجته ستكون احتمالية تعرضه لكمين شرطة. كشف عبد الرحمن عن هذه النية في التحقيقات. لكن خالد أصر وارتفع صوته خلال المكالمة فوافق عبد الرحمن.

استعد عبد الرحمن عطية لمغادرة منزله بالموتوسيكل الذي سيهرب عليه باسم بعد ضرب الحارس بعصا البيسبول، اعترضت أخته الصغرى طريقة وبكت، تأسف لها وقال "أنا رايح المشوار ده علشانكم". 

كان اللقاء الأول بينهما بعد ذلك كشقيقة تزور شقيقها المحبوس في سجن المنصورة متهمًا بجريمة قتل.


اقرأ عن إخفاق الإسلام السياسي، وأيضًا عن جمهورية الثالث من يوليو التي ترجع إلى الخلف