تصميم: يوسف أيمن - المنصة

يومياتي مع كورونا| من الطوارئ إلى نبطشيات العزل

منشور الثلاثاء 21 يوليو 2020

- الاسم: آلاء سعد.* - المهنة: طبيب أسرة. - مكان العمل: مستشفى أبو قير العام. - السن: 29 سنة.


بعد ما خلصت شهور الطوارئ الخاصة بتدريبي، واللي حكيت عنه في شهادتي السابقة، كان المفروض أستلم تدريبي في قسم الباطنة بنفس المستشفى، والمعروف عندنا إنه مسؤول عن قسم العزل بالمستشفى، يعني ده معناه إني لما أستلم أكيد هاشوف حالات كورونا كثيره جدًا ومش بعيد كمان أمر عليهم في العنابر.

الموضوع كان مخيف ومقلق خصوصًا فكرة اللبس اللي الناس كلها قالت إنها ماتقدرش تستحمله أكتر من أربع ساعات، طب أنا هاستحمل نبطشيه 24 ساعة إزاي؟ أنا الماسك بس في الطوارئ وما كنتش بقدر أستحمله بسبب الحساسية وضيق التنفس والشبورة اللي بيعملها في النضارة.

فكرت شوية أطلب إني افضل في الطوارئ الفترة دي وبعدين رجعت في كلامي. قلت أكيد يحتاجوني أو على الاقل هأقدر أساعدهم شوية لأن الحمل على زمايلي كبير، وقد كان. استلمت الشغل وأول نبطشيه ليا كانت إني أمر على الحالات الإيجابية المحجوزة عندنا في العنبر.

لبست وأنا مش مدركة إزاي هأقدر أستحمل كل اللبس ده ومش ماسك واحد دول اتنين وفي عز الحر وكمان فوقهم الـ face shield (واقي الوجه). إحساس بالحر والخنقة والخوف متكتف من كل حتة وبتسيح حرفيا من جوة ومفروض تمر على كل عيان تطّمن عليه وتشوف هو محتاج إيه وتسمع شكوته وإنت مش مستحمل ولا طايق اللي إنت لابسه وخايف في خطوة واحدة غلط تلاقي نفسك اتصبت، خصوصًا إني هأرجع بيتي بعد النبطشيه لابني ومفروض أتعامل معاه عادي لأني معاه لوحدي وزوجي مش معايا لظروف شغله.

ده بالنسبة لي في الأول كان صعب. يعني إزاي أتعامل مع حالات مؤكدة وأرجع بيتي عادي؟ في الأول كنت بلتزم إني أعقم نفسي وبحاول أقلل اختلاطي المباشر بطفلي، علشان خايفة أتصاب وأنا بتعامل مع حالات اشتباه، دلوقتي أنا بتعامل مباشرة مع مصابيين مؤكدين.

الأول لما ما كانش فيه غير مستشفيات عزل بس كانت الدكاترة بتتعزل 14 يوم بعد ما تقضي 14 يوم في المستشفي، إزاي أنا هأروح وأقعد عادي وأمارس حياتي كل يوم بعد مخالطة عدد مش قليل من الحالات؟ أفكار ومشاعر كتير بين الخوف والمسؤولية في نفس الوقت. بس بعد كدة قلت مش مهم، المهم الناس تلاقي اللي يعالجها في الوقت اللي الدكاترة بتتصاب فيه بأعداد كبيرة وحالات الوفاة للأسف كثيرة بردو.

طبعًا بعد المرور على المرضى بييجي دوري إني أنزل لعيادة الفرز اللي بنكشف فيها على الحالات اللي جاية المستشفى تعبانة وشاكين إنهم كورونا طبعًا. بعد المرور برجع ألبس نفس اللبس التاني، وأبدأ اتعامل مع حالات كثيرة وأطلب تحاليل وأشعة، وأكشف كشف كامل، ونبدأ نشوف مين محتاج مسحة ومين لا.

ومن هنا تبدأ فقرة إقناع الناس بعدم احتياجهم للمسحة والاكتفاء بالعزل المنزلي، وإن مش كل الناس محتاجة مسحة، وده مش تقصير مننا، وبعدين التعامل مع الحالات اللي هتحتاج لمسحة وأشوف لو فيه مكان تتحجز ولا لأ.

الحقيقة إن فيه موقف أخير آلمني وهو أهل مريض وهما أولاده مارضوش يبقوا معاه ولو لليلة واحدة مع أخد الاحتياطات لحين إخلاء مكان ليه، وتركوه لوحده وهو عمره فوق السبعين. على قد ما زعلت على الراجل واتضايقت من أهله، على قد ما ماقدرتش ألومهم لأنهم خايفين على أبنائهم وأزواجهم، خصوصا إني تقريبًا بقالي شهرين من وقت ما استلمت الشغل في العزل وأنا مابشوفش أهلي خوفًا عليهم، ومخبية عنهم إني أصلًا بأشتغل في العزل لأنهم مرعوبين كفاية عليا من فكرة إني بنزل أصلا مستشفى مش كمان بمر على حالات وبتعامل معاهم.

وضعنا كأطباء يمكن مش أحسن حاجة سواء جسديًا أو نفسيًا لإرهاقنا في النبطشيات جسديًا وارتباطنا بالحالات وخوفنا عليهم وخوفنا طبعًا على نفسنا، بس إحنا بنبقى مبسوطين لما مريض يخف ويسيب المستشفى ونحس إن وجودنا قدر يعمل حاجة، وبننسى لحظتها أي خوف أو وجع.


هذه شهادة لطبيبة تنشرها المنصة في باب مخصص، بعد التأكد من هوية الكاتبة، والتحقق من شهادتها عبر اتباع الطرق المهنية والقانونية اللازمة، والحفاظ على خصوصية المرضى إن أتى ذكرهم، مع عدم التدخل في صياغة الشهادة من جانبنا إلا لضبط اللغة إن كانت بالفصحى.