البرازيل منقسمة حول قضية عزل ديلما روسيف

منشور الأربعاء 20 أبريل 2016

في أول رد فعل على تصويت أغلبية البرلمان البرازيلي على قرار بالتحقيق مع رئيسة البلاد ديلما روسيف في مزاعم فساد، مما يمهد لعزلها، قالت روسيف يوم الإثنين إنها لم ترتكب أية مخالفات، وإن ضميرها مرتاح، إلا أنها أعربت عن غضبها من الاتهامات. كما كررت روسيف اتهامها لخصومها السياسيين بمحاولة الانقلاب عليها، محذرة من تضرر الاستقرار السياسي للبرازيل بإقالتها "لأنها ستمثل قطيعة مع أساس الديمقراطية".

كانت المعارضة اتهمت روسيف بأنها تلاعبت عمدًا بالحسابات العامة في 2014، في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية، وذلك للتخفيف من تأثير العجز والأزمة الاقتصادية، ولتشجيع الناس على إعادة انتخابها في عام 2015.

وما نُظر إليه على أنه تلاعب بالحسابات، ردت عليه روسيف قائلة: "إنها ممارسة دأب عليها كل الرؤساء الذين سبقوني وقد اُعتبرت قانونية. إنهم يعاملونني معاملة لم يعاملوا بها أحدًا آخر".

تعتبر روسيف، المناضلة اليسارية في زمن الدكتاتورية العسكرية، أول سيدة تعتلي منصب رئيس البلاد. ولكنها المرة الثانية الذي يصوّت فيها البرلمان البرازيلي، خلال ربع قرن، لصالح عزل رئيس منتخب ديمقراطيًا. وإمكانية عزل روسيف يهدد بإنهاء مسيرة حزب العمال اليساري في الحكم بعد 13 سنة.

ونظرًا لما يمثله تصويت البرلمان البرازيلي من علامة فارقة في أزمة سياسة بدأت منذ عامين، فإن روسيف ألغت رحلة كانت مقررة إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع بشأن المناخ في مقر الأمم المتحدة هذا الأسبوع، رغم أنها كانت مشاركة نشطة في اجتماعات المناخ بباريس.

 

آلية العزل

 

بغالبية تجاوزت الثلثين، صوّت نواب البرلمان البرازيلي، مساء الأحد الماضي، لصالح فتح تحقيق مع روسيف بشأن مزاعم الفساد. في الوقت الذي امتنع فيه سبعة نواب عن التصويت وغاب نائبين، أيد القرار 367 من أعضاء مجلس النواب، مقابل اعتراض 137 عضوًا.

تابع الآلاف في الشوارع على الهواء عبر شاشات عملاقة، على مدار 6 ساعات، جلسة البرلمان التي شهدت مشادات وشتائم بين النواب، إذ تحدث نواب اليمين عن "تطهير البلاد من الفساد" والتخلّص من "حكومة لا تتمتع بالأهلية تقود البرازيل إلى خراب"، فيما رد عليهم النائب اليساري جان ويليس قائلًا: "أشعر بالعار من مشاركتي في مهزلة هذا الانتخاب غير المباشر الذي يقوده لص"، في إشارة إلى رئيس البرلمان إدواردو كونا.

وبذلك يُحال القرار إلى مجلس الشيخ للتصويت عليه، حيث يناقِش اعتبارًا من الاثنين، إجراءات إقالة روسيف.

وفي حال موافقة مجلس الشيوخ على القرار بتصويت 42 عضوًا، يتم وقف روسيف عن أداء مهام عملها كرئيسة للبلاد 180 يوم وإحالتها الى المحكمة، ليتولى نائبها، لبناني الأصل، ميشال تامر،  الذي تحول من حليفها إلى خصمها، مهام الرئاسة بدلًا منها خلال تلك الفترة، وفي حال إدانة روسيف أو تركها منصب الرئاسة، يصبح تامر رئيسًا جديدًا للبلاد، حتى الانتخابات المقبلة عام 2018.

وقبل 24 عامًا، بدأ البرلمان البرازيلي إجراءات مماثلة، لعزل الرئيس الراحل فرناندو كولور دي ميلو، أول رئيس مُنتخب في البرازيل بعد الحكم العسكري، لاتهامه بالفساد.

فساد يطال الجميع

 

تتهم المعارضة ديلما روسيف بأنها تلاعبت عمدًا بالحسابات العامة، بعد أن وقّعت مراسيم أدت إلى وقوع نفقات على عاتق الحكومة وتبلغ قيمتها مليارات الريالات من دون الحصول على موافقة البرلمان.

وهذه ليست فضيحة الفساد الوحيدة التى تورطت فيها روسيف، فمنذ مارس 2014 بدأت وزارة العدل تحقيقات كشفت النقاب عن فضيحة فساد طالت مسؤولين من الحكومة والمعارضة، ومنهم الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الأب الروحى لروسيف، بشأن قبول رشاوي لإتمام صفقات في شركة الطاقة البرازيلية الحكومية، بتروبراس.

ومن المسؤولين الذين وافق القضاء البرازيلي على محاكمتهم، رئيس مجلس النواب إدواردو كونيا، بتهمة قبول رشاوى في عقود استئجار سفينتي تنقيب من قبل شركة بتروبراس. وهو أول شخصية سياسية محمية بحصانة برلمانية ستتم محاكمته في إطار فضائح شركة بتروبراس.

 

مع وضد روسيف

 

لجأ خصوم روسيف إلى القضاء الذى انتصر لها، قبل يومين من قرار البرلمان البرازيلي. ورفضت المحكمة البرازيلية العليا طعنًا قدمته الحكومة لإلغاء قرار إقالة روسيف.

ولكن أنصارها من المسؤولين الحكوميين هاجموا قرار البرلمان، فقال جوزيه إدواردو كاردوزو، مدعي الدولة إن هذا التصويت يشكّل فضيحة. وأشار إلى أن روسيف "ستكافح من أجل ما ناضلت دائمًا لتحقيقه؛ أي الديمقراطية ضد الدكتاتورية"، في إشارة إلى تاريخ روسيف في النضال ضد الدكتاتورية العسكرية. 

وقال زعيم كتلة حزب العمال في المجلس جوزيه جيمارايس بأن "الانقلابيين انتصروا هنا في المجلس"، لكن هذه "الهزيمة المؤقتة لا تعني خسارة الحرب". بدوره، أعرب مدير العاملين بالرئاسة البرازيلية جاك واجنر، عن ثقة الحكومة من رفض مجلس الشيوخ اقتراح مساءلة روسيف. 

أما أبوها الروحى لولا دا سيلفا، الذى حكم البلاد منذ 2003 حتى 2010، دعا أنصاره عبر فيسبوك، للتظاهر ضد الانقلاب على روسيف. وعكست مشاركة الملايين في المظاهرات التى نظمها مؤيدو ومعارضو روسيف حالة الانقسام الشديد في الشارع حول بقاء الرئيسة في منصبها.  

الأزمة الاقتصادية

 

البرازيل التى من المقرر أن تستضيف دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في وقت لاحق هذا العام، تمر بأزمة اقتصادية تتزامن مع الأزمة السياسة التى بدأت منذ شهور. في مسح أجراه البنك المركزي البرازيلي، مطلع العام الجديد، توقع خبراء اقتصاديون برازيليون أن ينكمش أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، بنسبة 2.95% خلال العام 2016. ما يعني أن البلاد تتجه إلى أسوأ ركود اقتصادي تشهده منذ العام 1901.

سبق هذا المسح، الإعلان مؤشرات على الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد، في السنوات الأخيرة، منها معدل التضخم، والتصنيف الائتماني، والركود. وتأججت الأزمة الاقتصادية بإعلان البرازيل استضافة كأس العالم لعام 2014، إذ اندلعت موجة من الاحتجاجات في عام 2013، وهي احتجاجات مستمرة حتى الآن، وذلك بسبب سوء حالة الخدمات العامة والتضخم، وأخيرًا اتهام المناضلة السياسية السابقة ورئيسة البلاد الحالية بالفساد.