سيف بدور مع شقيقته نيفان - صورة من فيسبوك

من الاتهام ومحاولات الترهيب: الحاجة إلى حماية الشهود

منشور الثلاثاء 1 ديسمبر 2020

 

تحت عنوان "شاهد مشافش حاجة"، قررت نيفان بدور تدوين قصة شقيقها سيف، صديق إحدى الشاهدات على جريمة الاغتصاب الجماعي لفتاة في فندق فيرمونت قبل عدة سنوات والذي تحول إلى متهم في القضية، ضمن حملة شهود بلا حماية التي أطلقتها مؤسسة قضايا المرأة المصرية، في سياق المطالبات بإصدار قانون لحماية الشهود، خاصة في القضايا المتعلقة بالانتهاكات والعنف الجنسي.

وتحقق النيابة العامة منذ أغسطس/ آب الماضي في وقائع الجريمة التي حدثت عام 2014 ولكنها ظهرت إلى الرأي العام مع نهاية يوليو/ تموز الماضي عندما نشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي روايات حول استدراج مجموعة من الشباب فتاةً أثناء حفل في فندق فيرمونت نايل سيتي إلى إحدى الغرف ووضعوا مخدرًا في مشروبها ثم تناوبوا على اغتصابها وكتبوا أسماءهم على جسدها وصورا الواقعة.

ولكن أثناء سير تحقيقات النيابة والتي بدأت مع تقديم شكوى من المجلس القومي للمرأة مرفق بها شكوى ضحية الجريمة وشهادات عدة فتيات حضرن الواقعة، تحولت ثلاثة من الشاهدات إلى متهمات بـ "التحريض على الفسق والفجور، وتعاطي مواد مخدرة، وتشويه سمعة مصر، وإدارة حساب تواصل اجتماعي بغرض تشويه سمعة مصر بالتعاون مع آخرين خارج مصر".

سيف، الذي يبلغ عمره اليوم 21 سنة، كان تلميذًا في الصف الثالث الإعدادي عندما وقعت هذه الجريمة، وعلاقته بالقضية تلخصها نيفان بقولها للمنصة "اللي حصل إن سيف كان عند واحدة صاحبتي أنا أكبر منها كمان بتساعده في ديزاينات شغل، وتم استدعائها للشهادة، فهو قرر يروح معاها علشان متبقاش لوحدها، وكلمني قالي إنه هيروح معاها وطبعا وافقت لأني شفته موقف عادي ومينفعش يسيب البنت لوحدها تروح القسم".

شهود في قفص الاتهام

وفي مكالمة هاتفية بدأت بنبرة حزينة وانتهت بدعوات بإخلاء السبيل، تؤكد الفتاة أن "سيف عمره ما راح فيرمونت أصلا، ده غير إنه وقت الجريمة دي هو كان عنده 14 سنة يعني قاصر".

ذهب سيف لحماية صديقة شقيقته لكنه لم يستطيع حمايه نفسه ليصبح متهما في القضية "من 6 الصبح لـ12 الظهر سيف فضل في القسم وصاحبتي بتشهد مستنيها برة، وكنت معاه طول الوقت على التليفون، لحد الساعة 12 الظهر التليفون اتقفل بتاعه وبتاعها، وبعد 3 أيام لقينا أنه بقى متهم في القضية وصاحبتي كمان، وطلعت من القضية بكفالة"، بحسب نيفان.

تلقت الأسرة صدمة بعد تحول سيف لمتهم، مثله مثل عدد من الشاهدات في القضية ومن بينهن نازلي ابنة الفنانة نهى العمروسي، التي أكدت والدتها تحولها لمتهمة بعد ذهابها للشهادة في القضية، وقالت في تصريحات سابقة للمنصة "بنتي كانت بتحاول مساعدة ضحية مظلومة لكن اتورطت في القضية".

ما حدث في قضية فيرمونت بالإضافة إلى عدد من القضايا الأخرى، دفع مؤسسة قضايا المرأة المصرية إلى إطلاق حملة شهود بلا حماية، حيث توضح مديرة المؤسسة عزة سليمان أن هذه الحملة تأتي في إطار فعاليات الـ16 يوم من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، للحديث وتسليط الضوء عن حماية المبلغين في قضايا العنف الجنسي وأيضا العنف الأسري.

وتشير سليمان في حديثها مع المنصة إلى تزايد أعداد قضايا العنف ضد النساء، وأشهرها قضية أحمد بسام زكي طالب الجامعة الأمريكية المتهم بالاغتصاب والتحرش، وقضية فيرمونت التي لم تكن القضية الوحيدة التي تحول شهودها إلى متهمين، فقبل عدة أعوام تحولت عزة سليمان نفسها بعد تقديم شهادتها في قضية مقتل شيماء الصباغ العضوة في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي من شاهدة إلى متهمة مع أربعة شهود آخرين، إلى أن تبين أن الضحية توفيت بسبب طلق ناري من أحد الضابط، أثناء مسيرة سليمة لإحياء ذكرى ثورة يناير بميدان التحرير.

وبالرجوع للوراء أكثر للقضية الشهيرة إعلاميا بـ"فتاة المول"، والتي ظهرت خلالها فتاة بأحد مقاطع الفيديو عبر الإنترنت بأحد المتاجر الكبرى، وظهر أحد الشباب يقترب منها ويحاول التحرش بها، وبعد نشر الفيديو، خرجت الإعلامية ريهام سعيد حينها وخصصت حلقة كاملة عن تلك القصة، ليس للدفاع عن الضحية ولكن للهجوم عليها إذ نشرت صورًا خاصة سرقت من هاتف الفتاة، واتهمتها بأنها السبب في محاولة التحرش بها بسبب ملابسها التي لا تليق، كما تلقت في الحلقة اتصالا من والدة المتهم، قالت خلاله إن الفتاة هي التي حاولت الاقتراب من نجلها والتحرش به.

وبعد أن اتخذت الفتاة المسار القانوني بمقاضاة المتحرش، اعتدى عليها هذا الأخير وأصابها بجرح قطعي في وجهها. 

وترى عزة سليمان أن غياب قانون لحماية الشهود، يتسبب في إعراض الكثير من الفتيات عن الإبلاغ عما يتعرضن له من جرائم "قضية طالب الجامعة الأمريكية فتحت النقاش وأظهرت خوف الفتيات من الإبلاغ عن حالات تعرضهن للتحرش أو الاغتصاب، خوف البنات من الإبلاغ عن تعرضهن للانتهاكات، لاعتبارات كثيرة، منها الخوف من إلقاء اللوم أو عدم سرية البيانات"، وترى سليمان أن خوف الفتيات من الإفصاح عن الانتهاكات الجنسية يعطي لمرتكبي الجرائم ضوءًا أخضر للتمادي فيها.

وشهود تحت الترهيب

الحملة لا تستهدف الفتيات فقط ولكنها لحماية كافة الشهود كما أوضحت سليمان "أعدت مؤسسة قضايا المرأة المصرية بالتعاون مع ائتلاف حماية الشهود والمبلغين مقترح قانون لحماية الشهود والمبلغين منذ عام 2015 وفقا للدستور المصرى والاتفاقيات الدولية والاشكاليات الناتجة عن الخبرات الحياتية المختلفة ولم تتم الموافقة عليه أو تمريره حتى الآن".

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي داهم مسلحون بزي مدني قالوا إنهم تابعون للشرطة، منزل أحد شهود الإثبات في قضية مقتل الشاب إسلام الاسترالي داخل نقطة شرطة المنيب، والمتهم فيها عدد من رجال الشرطة، وتحفظوا على جميع هواتف العائلة، وفتشوا المنزل، واعتدوا على الشاب ووالده بالضرب والسحل، قبل اختطافه واقتياده معصوب العينين إلى مكان مجهول حيث استجوبوه ثم هددوه بالتراجع عن شهادته، حيث كان متواجدًا مع إسلام لحظة القبض عليه، واقتياده حيًا إلى داخل نقطة شرطة المنيب حيث لفظ أنفاسه الأخيرة. 

وأثار مقتل إسلام بداخل نقطة شرطة المنيب بعد عدة أيام من القبض عليه، احتجاجات نادرة في محيط نقطة شرطة المنيب بمحافظة الجيزة، فرقتها قوات الأمن وألقت القبض على العشرات. وزعمت وزارة الداخلية في البداية أن الشاب توفي نتيجة شجار مع آخرين في الشارع، غير أن تحقيقات النيابة العامة كشفت كذب رواية الشرطة إذ جاء في بيان صادر عن النائب العام أن كاميرات المراقبة أفادت بدخول الضحية حيًا إلى مقر قسم الشرطة، كما سجلت الكاميرات اعتداء أمناء الشرطة على الضحية أثناء ضبطه، وأشارت أدلة الثبوت إلى أن التقارير الطبية التي تسلمتها النيابة أفادت عدم منطقيتها مع التصور الذي قاله رجال الشرطة المتهمين أثناء التحقيق معهم.

جواهر الطاهر، المحامية ومديرة برنامج الوصول للعدالة في مؤسسة قضايا المرأة، تشير إلى أن دستور 2014 يكفل حماية الشهود والمبلغين، ففي مادته 96 ينص على " توفر الدولة الحماية للمجنى عليهم والشهود والمبلغين والمتهمين عند الاقتضاء وفقًا للقانون"، مشيرة إلى ان حماية الشهود أيضا أمر مكفول في نصوص الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الجريمة، والتى صدقت عليها مصر، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي ألزمت الدول الأطراف فيها بضرورة إصدار قوانين لحماية المبلغين والشهود.

وتابعت جواهر أن عدم وجود قانون لحماية المبلغين والشهود يؤدي لزيادة الجريمة وإفلات الجناة من العقاب، فوجود تشريع يضفي الحماية على من يريد الإبلاغ عن جريمة أو ينوي الشهادة، سيساعد في معاقبة الجناة، وسرعة الإبلاغ عن الانتهاكات التي يخشى البعض الإبلاغ عنها بسبب تسريب البيانات للمتهم أو عدم الإحساس بالطمأنينة.

حماية لازمة

في أغسطس الماضي، وافق مجلس النواب على قانون ضمان سرية بيانات ضحايا قضايا التحرش، والذي صدر عقب قضية طالب الجامعة الأمريكية، ولكن عزة سليمان ترى أن هذا التعديل لا يلبي التطلعات في وجود قانون ينظم برامج متكاملة لحماية الشهود والمبلغين بشكل عام، ليشجعهم على الإبلاغ ويدعم سيادة القانون ويضمن الحماية لهم وأيضا يحقق العدالة.

ووفقا لمؤسسة قضايا المرأة، فإن هذا القانون يحمي بيانات المجني عليهن فى جريمة التحرش الجنسي بالنساء والأطفال فقط، في حين أن النص الدستورى يفرض حماية عامة للمبلغين والشهود دون تمييز، كما أن القانون يحمي سرية بيانات المجني عليهن، لا يفرض حمايتهن، ولا يمكن 

برامج حماية الشهود عبارة لا تنتشر في مصر كثيرا ولكنها رائجة في دول أخرى، حيث بدأت من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1970، وتطبق اليوم في عدة دول منها بريطانيا وأوكرانيا ونيوزيلندا وأيرلندا والسويد وسويسرا وكندا وتايوان وهونج كونج.

وتختلف برامج حماية الشهود من دولة لأخرى، ففي أيرلندا تنظمه وحدة مصغرة وسرية متخصصة تتبع المباحث، تمكن الشهود من الحصول على هويات جديدة أصلية إذا كانت شهاداتهم في جرائم تهدد أمنهم وحياتهم، ويكون الشهود وأسرهم في حماية قوات الشرطة، وفي سويسرا يوفر برنامج حماية الشهود الحماية لهم بعد تقديم طلب من النيابة التي تتبع الحي الذي يقيم به الشهود، ويكون القرار النهائي لرئيس المكتب الفيدرالي للشرطة، وتنتهي عملية الحماية إذا لم يعد هناك أي تهديد ملحوظ للشخص، أو عند طلب الشاهد.

وفي الولايات المتحدة يوفر البرنامج، بالإضافة إلى الحماية الأمنية والهويات الجديدة، السكن والإعاشة لتغطية النفقات الأساسية والرعاية الطبية، ويمكن أيضًا أن توفر التدريب المهني وتساعدهم في التوظيف.