تصميم أحمد بيكا، المنصة
الصحفيون الفلسطينيون هدف دائم للاحتلال الإسرائيلي

تحت نيران الاحتلال.. لم تُرفع الأقلام ولن تجف الصحف

ثمن استمرار التغطية الصحفية في فلسطين على مدار الـ14 عامًا الماضية

منشور الخميس 2 مايو 2024

في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان عشرات الصحفيين الفلسطينيين يمارسون عملهم من داخل فندق روتس المطل على شاطئ البحر المتوسط، بعدما نزحوا إليه عقب بدء الحرب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.

في الظهيرة، وسط انشغال الصحفيين بمهامهم، انقطعت الكهرباء فجأةً، وتزامن مع الانقطاع صوت قصف عنيف رجّ المكان، رغم أن "تواجدنا في هذا الفندق تم بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي"، كما توضح الصحفية سمية عطية لـ المنصة، مشيرة إلى تجاوز قوات الاحتلال اتفاقها مع الصحفيين على النزوح إلى الفندق واتخاذه مقرًا لهم، وقصف المبنى المقابل له، ثم قصف مدخل الفندق نفسه.

"بقينا عالقين داخل المبنى لساعات، نطلب النجدة ونشم رائحة الدخان الكثيفة"، حسب سمية التي أوضحت أن القصف كان على بُعد أمتار من الصحفيين والسيارات التي تعلوها شعارات قنوات محطات التليفزيون، والمعدات الصحفية الموجودة في كل مكان. كانت تلك رسالة تهديد واضحة من إسرائيل، سرعان ما أعقبتها بخطة استهداف ممنهجة للصحفيين أنفسهم.

لكن على عكس ما هو شائع، فالحرب الحالية على غزة ليست بداية الجرائم الإسرائيلية ضد الصحفيين الفلسطينيين، والانتهاكات ضدهم لم تقتصر على الصحفيين داخل قطاع غزة فقط، بل تمتد إلى كافة المدن الفلسطينية.

يتذكر المصور عصام الريماوي، الذي يواصل عمله في توثيق الجرائم الإسرائيلية بالضفة الغربية، تعرضه لانتهاكات قبل الحرب في شهر يوليو 2023 "تم احتجازنا وحصارنا في مخيم جنين، ولم يسمحوا لنا بالخروج. وضعنا كاميراتنا على مدخل المخيم فضرب جيش الاحتلال على الكاميرات الرصاص الحي بشكل مباشر، ولولا احتماؤنا بالمنزل لصرنا شهداء".

ما تعرض له كل من سمية وعصام قبل الحرب وأثناءها، هو قطرة من فيض الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصحفيين والصحفيات الفلسطينيات.

في هذا التحقيق المدفوع بالبيانات وثّقنا آلاف الاعتداءات الإسرائيلية على الصحفيين خلال الفترة بين 2010 ومارس/آذار 2024، بمتوسط 25 اعتداءً شهريًا، تنوّعت بين تقييد الحريات والإصابات والقتل، بالاعتماد على قواعد بيانات جمعها مُعدّا التحقيق من أرشيف الأخبار ووكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية/وفا، ومركز مدى للحرية والتنمية. وفي أرشيف الأخبار اعتمدت البيانات على مواقع نقابة الصحفيين الفلسطينيين، ودنيا الوطن، وصوت فلسطين، وشبكة قدس الإخبارية، ومواقع أخرى.

هل تتواطأ المنظمات الدولية؟

وفقًا لتقرير مراسلون بلا حدود، فإن فلسطين هي البلد الأكثر خطورةً على سلامة الصحفيين في عام 2023، لكن المنظمة الدولية المعنية بحماية الصحفيين وثّقت فقط 13 حالة قتل من أصل 106 حالات وثّقها مُعدّا التحقيق خلال عام 2023. إذ تعترف المنظمة بحالات القتل أثناء العمل فقط. 

يتجاهل تقرير المنظمة استهداف إسرائيل 93 صحفيًا وصحفية آخرين حتى نهاية العام الماضي، وهو ما دفع نقابة الصحافيين الفلسطينيين لوصفه بأنه "تقرير متواطئ مع الاحتلال"، قائلة أن الصحفيين الذين قُتلوا في قصف لبيوتهم "قُتلوا لأنهم صحفيون وليس بالخطأ". كما ادعت النقابة أن "كل الجرائم بحق الصحفيين تتم بشكل ممنهج وبقرار رسمي من حكومة الاحتلال".

أرسل مُعدّا التحقيق إيميلًا في 9 أبريل/نيسان 2024 لمسؤولة التواصل الإعلامي في مراسلون بلا حدود، للاستفسار عن المنهجية الخاصة بالمنظمة في إحصاء قتلى الصحفيين، وعن أسباب إدراجها الصحفيين ساري منصور وحسونة أسليم، اللذين قُتلا في منزليهما ضمن قائمتها وإغفال الباقين، لكننا لم نتلق ردًا حتى موعد النشر.

في منهجيتنا، تم تضمين الصحفيين الذين لم يكونوا في مهمة عمل وقت مقتلهم، ويتوافق هذا مع نهج نقابة الصحفيين الفلسطينيين والمراكز البحثية والحقوقية العربية، ما أوضح أن هذه الجرائم جزءٌ من نمط سلوك الاحتلال ضد الصحفيين.

 

رغم أن اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة كان نقطة تحول في ملف تعامل الاحتلال مع الصحفيين الفلسطينيين، لكن بعد السابع من أكتوبر "ما فيه خطوط حُمر، عادي يِجي الجندي يكسر كاميرتك وسيارتك ويطخ عليك"، يقول الريماوي بينما يشير إلى واقعة "كان فيه اقتحام بالقرب من سكني، صورت من بعيد ولكنهم اقتربوا مني وحاولوا أخذ الكاميرات وضربوني على وجهي رغم ارتداء الدرع الصحفي"، ويستطرد "وفي اقتحام ثاني أطلقوا النار علينا بشكل مباشر، وكانوا جنود احتياط غالبيتهم مستوطنين".

رغم جرائم الاحتلال المتكررة ضد الصحفيين على مدار سنوات، تعد الستة أشهر الماضية الأكثر دمويةً، وشهدت مقتل 84% من الصحفيين خلال الفترة الزمنية التي رصدها معدا التحقيق، ووصل إجمالي عدد الصحفيين الذين فقدوا حياتهم على يد الاحتلال إلى 180 في الفترة من 2010 حتى مارس 2024.

لم يكن الاتصال بالمصور علي جاد الله سهلًا نظرًا للانقطاعات المتكررة للاتصالات والإنترنت في قطاع غزة، ولكنه تواصل معنا كلما سنحت فرصة التقاط هاتفه لإشارة، وهو ما تعذّر مع ثلاثة صحفيين آخرين في شمال غزة، إذ ظلت الخدمة منقطعة تمامًا طوال محاولاتنا التواصل معهم.

يصف استهداف منزل عائلته حين كان في زيارتهم "في لحظة مريرة من حياتي، تحول منزل عائلتي إلى حطام بسبب القصف، كنت بين الركام، عيناي تبحثان عن آثار أهلي، ومع كل حطام كان ينزف قلبي. كنت أنا الحدث في تلك اللحظة"، يسترجع جاد الله لحظات مقتل عدة أفراد من عائلته.

كانت نقابة الصحفيين الفلسطينيين أعلنت أن نحو 70 صحفيًا في القطاع فقدوا أفرادًا مقربين في عائلاتهم، بينما تروي سمية المحنة التي تعرض لها زميلها محمد العاروري، مصور وكالة الأناضول "كان عِنّا في مستشفى ناصر في خانيونس واستهدفوا بيت عائلته وأطفاله جميعًا بالمحافظة الوسطى، وكان الوقت ليلًا ولم يستطع المغادرة لانتشال أطفاله بسبب استهداف السيارات، واضطر للانتظار حتى الصباح".

 

وفقًا لتحليلنا للبيانات، فإن الرضوض المتفرقة هي أكثر إصابة تعرض لها الصحفيون نتيجة الاعتداء عليهم بالضرب وبأعقاب البنادق، وعادةً ما تحدث هذه الأنواع من الاعتداءات في القدس ورام الله والخليل ونابلس، ويصاحبها في بعض الحالات الإرغام على خلع الملابس، كما حدث في قرية رمانة غرب جنين للصحفي خالد بشناق.

تعرضت هناء محاميد، مراسلة قناة الميادين في القدس، للإصابة خلال تغطيتها لحدث في بلدة العيسوية شمال شرق القدس عام 2015 "كنا نغطي عزاء لأحد الشهداء، واقتحمت قوات الاحتلال الموقع وبدأوا في تفريق المُعزين، وأطلقوا قنبلة صوت باتجاهي بشكل مباشر رغم أني كنت أرتدي السترة التي توضح أنني صحفية والخوذة على رأسي".

"انفجرت القنبلة قريب جدًا من وجهي ما أدى لحروق في الجهة اليسرى، وحتى الآن ما زالت بعض الندوب موجودة" توضح هناء التي لا تزال آثار جريمة الاحتلال واضحة على وجهها.

مُنعت سيارة الإسعاف من دخول المنطقة لنقل هناء، حسب شهادتها لـ المنصة، واضطر الأهالي لنقلها بسيارة مدنية لمنطقة خارج الحي، "بينما كانت تنتظرني سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني استجوبني أحد الضباط الإسرائيليين ميدانيًا قبل السماح لي بتلقي العلاج، رغم وضوح هويتي الصحفية، وكنت مصابة وبحاجة لتلقي العلاج بأسرع وقت ممكن".

وفقًا لتحليل البيانات، فإن الاستهداف المباشر للجسم بقنابل الغاز هو الأسلوب الأكثر شيوعًا للاعتداء على الصحفيين؛ ما يُعرضهم ليس لنوع واحد فقط من الإصابات بل عدة إصابات.

يقول الريماوي "خلال مسيرتي المهنية أُصبت أكثر من 15 مرة وانكسرت لي كاميرتان، وتنوعت إصاباتي ما بين رصاص مطاطي وشظايا وقنابل صوت وقنابل غاز. أما مرات الاختناق فلا تُعد لأنني لا أعتبره إصابة، إذا تريد احتساب الاختناق كإصابات فنحن نستحي من ذكره"، يستطرد ساخرًا "المشكلة فيك ماعكش كمامة".

تختلف طريقة استهداف الصحفيين تبعًا للمنطقة الجغرافية، فبينما تأتي الإصابة نتيجة استخدام الرصاص الحي والقصف بالصواريخ كثاني وثالث أكثر طرق الاستهداف في قطاع غزة، كان الاعتداء بالضرب بقنابل الغاز والرصاص المطاطي الأعلى في مناطق الضفة الغربية والقدس.

على ذكر القدس، لم يستطع رمزي عباسي، الصحفي المقدسي والأسير السابق، الرد على أسئلتنا بخصوص ما يواجهه الصحفيون في الأسر من تضييق وانتهاكات، نظرًا لتهديد السلطات الإسرائيلية للأسرى المحررين بالحبس مرة أخرى، حال كشف أي مما يدور داخل السجون من انتهاكات، سواء عبر الحديث إعلاميًا أو النشر على السوشيال ميديا.

حتى الآن، يحتجز الاحتلال في سجونه ما يزيد عن 19 إعلاميًا وصحفيًا، يعانون من ظروف صحية لا إنسانية وقاسية، وحسب لجنة دعم الصحفيين، تتبع سلطات الاحتلال مع المرضى منهم سياسة الإهمال الطبي/القتل البطيء.

أما الصحفية شذى حماد فتحكي عن تعرضها للإصابة خلال تغطية صحفية في بلدة سلواد قرب رام اللـه في مارس 2015 رغم ارتدائها السترة الصحفية "تعرضت لإطلاق نار وظللت أعاني شهورًا طويلةً من إصابة قدمي". 

التجويع.. استهداف من نوع آخر

معاناة أخرى لن تجدها في قواعد البيانات تشير إليها سمية أبو عطية، الصحفية الفلسطينية التي تقيم في إسطنبول، ونجحت في دخول القطاع مع الساعات الأولى للحرب "معاناة الصحفي أكثر من المواطن العادي، فالأخير يستطيع أن يجد وقتًا ليحضّر الطعام والشراب لأهله ويبقى بجوارهم، أما الصحفي في غزة فلا يملك الوقت لكي يصطف أربع أو خمس ساعات أمام صنبور مياه كي يحضر المياه لأهله، هذا ترف".

غطت سمية الحرب لمدة شهرين قبل أن تعود إلى إسطنبول، "هناك إرهاق بسبب التجويع، الصحفيون اليوم جياع ونراهم أمام الشاشة. هناك زملاء فقدوا نصف أوزانهم، فقدوا أهاليهم، معظمهم فقدوا بيوتهم. الصحفي الآن نازح يغطي قصة النزوح، له أقارب وأصدقاء استشهدوا ويغطي قصة الاستشهاد".

"عشت في خيمة في مستشفى ناصر الطبي خمسين يومًا، ونمت في الشوارع والسيارات. لا توجد ملابس للتدفئة، الكثير من الصحفيين لا يجدون جاكيت. ما في مكان للنوم، ما في طعام، ويسود القلق على الأهل، والألم لفقدان زملاء المهنة، والأوضاع الصحية لبعض المرضى منهم. على سبيل المثال هبة عكيلة مراسلة الجزيرة أغشي عليها بين يديّ وكان عندها عدد من الأمراض ولم تجد الدواء"، تواصل سمية سرد المعاناة.

 

تقييد حرية الصحفيين

يُشكل احتجاز الصحفيين إحدى آليات الاحتلال لتقييد حرية عمل الصحفي الفلسطيني، فخلال الفترة بين 2010 و2024، تعرّض 2128 صحفيًا للاعتقال والاحتجاز والمنع من التغطية والاتهامات القضائية والمنع من السفر والاستدعاء للتحقيق، بالإضافة إلى الغرامات المالية التي أدرجناها ضمن أشكال تقييد الحرية لاستخدامها وسيلةً للضغط على الصحفيين.

وفقًا لتحليلنا للبيانات، كان الاعتقال هو الأكثر تكرارًا بين حالات تقييد حرية الصحفيين التي وثقهناها، ويصاحب الاعتقال مجموعة من الانتهاكات، مثل مصادرة المعدات، كاللابتوب أو الكاميرا، والاعتداء بالضرب، وتكسير محتويات المنزل. 

اعتمدت منهجيتنا عدّ الاعتداءات الجسدية ضمن تقييد الحريات إذا وقعت قبل التغطية لغرض المنع من ممارسة العمل الصحفي، أما الاعتداءات الجسدية التي حدثت أثناء التغطية، فوثّقناها ضمن الإصابات.

"في كثير من المرّات تم منعنا من تغطية مسيرات قبل بدئها، يقمعوننا قبل قمع المتظاهرين، ويكون هذا بذريعة أنها منطقة عسكرية مغلقة ممنوع الوجود فيها" يقول الريماوي، الذي يتحدث أيضًا عن وقائع  إيقاف الصحفيين أمام نقاط التفتيش واحتجازهم لمدد طويلة تصل إلى 5 أو 6 ساعات، لمنعهم من ممارسة عملهم.

 

تهمة معاداة السامية 

تقييد عمل الصحفي الفلسطيني لم يكن أداة الاحتلال فقط، بل امتد كذلك إلى بعض المؤسسات الإعلامية الدولية، وهو ما تجسده حالة شذى حماد التي سحبت مؤسسة رويترز منها الجائزة التي نالتها عن تغطيتها الصحفية في عام 2022، بعد حملة تشهير من قبل حسابات ومواقع إسرائيلية اتهمتها بـ"معاداة السامية".

"تلقيت إيميلًا من رويترز أنهم سيفتحون تحقيقًا بالموضوع، وكان تحقيقًا شكليًا لم يأخذوا أي كلمة مني بشكل جدي، ورضخوا مباشرة لهاي الحملة بدون ما يحققوا مَن الذي يقف وراءها. أخذوا قرار مباشرة بسحب الجائزة مني بتهمة معاداة السامية"، توضح أن هذه التهمة الفضفاضة "يلاحقوا فيها جميع الفلسطينيين، وقبلي بأقل من شهر كانت هناك ملاحقة لمجموعة من الصحفيين في دويتشه فيله، وسابقًا حالات مختلفة لصحفيين بوكالات أجنبية".

وعن تأثير هذه الإجراءات على مسيرتها المهنية، توضح شذى "نحن ما نحكي عن تهمة يتوقف عليها بس سحب الجائزة ووقف العمل، ولكن كمان تصير وصمة للصحفي الفلسطيني وتُعقد وصوله للعمل مع وكالات دولية وتجعله مستحيل".

اعتداء الصحفيين على الصحفيين

تحكي هناء محاميد عن شكل آخر من الاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون الفلسطينيون، مشيرة إلى المستوطنين، الذين شنوا حملات تحريض "مرعبة"، ووصلت حد تهديد الصحفيين وعائلاتهم.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتد للصحفيين الإسرائيليين الذين مارسوا الاعتداء والترهيب بحقهم، في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استدرج الصحفي الإسرائيلي حاييم إدجار، هناء، لأحد فروع البريد في القدس المحتلة "باعتبار أنني يجب أن أتلقى ظرفًا بريديًا بعد أن تنكر خلال مهاتفتي، وهناك كان بانتظاري ومعه ومجموعة من المصورين الذين لاحقوني".

وتطورت المطاردة "في الشارع العمومي ادعى أنني أدعم ما سماه الإرهاب، وأنشر أخبارًا كاذبة ومضللة، ومثل هذه الاتهامات في هذا الوقت الحساس في وسط الشارع الإسرائيلي قد تدفع بالبعض لارتكاب جرائم"، تشير مراسلة قناة الميادين "حاكمني ميدانيًا وعرّضني للخطر بوسط الشارع".

تغيب عن الإحصاءات الرسمية حجم المعاناة النفسية للصحفيين والصحفيات الفلسطينيات في ظل ما يعانونه من ضغوط وتضييقات واعتداءات.

"التعرض لاعتداء أو إصابة يبقى على شكل ندبة في نفوس الصحفيين"، هكذا عبّرت هناء قبل أن تعود بذاكرتها لواقعة الاعتداء عليها عام 2015 "كنت حديثة العهد بالأمومة، كان ذلك الاعتداء نقطة فارقة في حياتي، شعرت أني ربما أفقد حياتي أو قدرتي على العمل، وبالتالي قد أسبب آلامًا كبيرة لعائلتي. ابنتي في ذلك الوقت كانت لا تتجاوز أربعة أشهر".

تزيد الضغوط على الأم الصحفية فتحمل أعباء مضاعفة عن زميلها الصحفي

ترك الاعتداء أثرًا في وجه هناء وروحها، وفتح مجالات للأسئلة بشأن حدود المغامرة خلال ممارسة العمل. لكن التطورات في فلسطين لا تترك للصحفي خيارًا "الأحداث تفرض نفسها علينا، والقيمة التي نؤمن بها وقدسية هذه المهنة، خصوصًا في فلسطين، تدفعنا لتجاوز مثل هذه النُدب النفسية التي تبقى راسخة في أذهاننا".

"تزيد الضغوط على الأم الصحفية، التي تحمل أعباء مضاعفة مقارنةً بزميلها الصحفي، بموجب وظيفتها الاجتماعية"، حسب مراسلة قناة الميادين.

جرائم ضد الإنسانية

تشكل مشاهد الحرب والدمار والقتل ومعاناة الصغار ضغوطًا أخرى على الصحفيين. لم تنس سمية أبو عطية المشاهد المؤلمة التي عايشتها خلال تغطية الحرب على غزة "أكثر ما علق بذهني هو مناظر الأطفال الوحيدين الناجين من عوائلهم. صورت مع ستة منهم بنات وولاد صغار، الطفل عبد الله اللبداني كان الوحيد الذي نجا من عائلته، وجاء يودعهم عند ثلاجة الموتى جريح طريح الفراش، وألقى نظرة الوداع على أكفانهم وهو على السرير . هذا مشهد لا أنساه أبدًا".

يحمي القانون الدولي الصحفيين باعتبارهم مدنيين في مناطق النزاع، ويساوي بينهم وبين المدنيين في الحقوق الإنسانية، ويوضح المحامي المسجل لدى المحكمة الجنائية الدولية ناصر أمين لـ المنصة، أن الانتهاكات المتكررة التي يتعرض لها الصحفيون في فلسطين تندرج تحت بند الجرائم ضد الإنسانية، بموجب القانون الدولي الإنساني.

أشارت لجنة حماية الصحفيين الدولية إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يجر أي مساءلة بعد مقتل 20 صحفيًا خلال عقدين، وأكدت في تقرير لها رصد سلسلة من حالات قتل الصحفيين على يد الجيش الإسرائيلي دون توجيه اتهامات لأحد.

وبينما تكفُل نصوص القانون الدولي حماية الصحفيين في مناطق الحرب والنزاع، تمر الجرائم التي يتعرض لها الصحفيون في فلسطين دون محاسبة، وتستمر الآلة الإسرائيلية في انتهاكاتها، ورغم كل ذلك، لم تُرفع الأقلام ولن تجف الصحف.

هذه القصة من ملف  حرية الصحافة في 2024.. حقوق مهددة وأقلام صامدة


في غزة.. تدمير المعدات يهدد بوقف التغطية

سحر عزازى_  نقص المعدات اللازمة لعمل الصحفيين هو إحدى سمات الحصار الممتد على القطاع منذ أكثر من 17 سنة.. ومع الحرب منعت إسرائيل دخول أي معدات جديدة وتوحشت السوق السوداء فلجأ الصحفيون للموبايل.

في السودان.. ظلام إعلامي وصحفيون مشردون

أحمد سليم_  نتيجة الاستهداف الممنهج، نزح أغلب الصحفيين السودانيين بدارفور إلى تشاد وصاروا في معسكرات اللاجئين، بينما نزح الموجودون بالخرطوم والشمال إلى مصر حيث يواجهون تهم الدخول غير الشرعي.

الصحافة المصرية والبحث عن "تنفيسة"

محمد بصل_  ظني أنَّ "التنفيسة" تصلح هدفًا أساسيًا للصحافة المصرية اليوم، لمصلحة المواطن والدولة والمهنة. لكن السبيل إلى التقاط "اللمحات النضيفة" مع المعلومات والتفسيرات، يبقى محفوفًا بالقيود.