الحساب الرسمي للمنتخب الإيطالي (تويتر)
فيالي يرفع كأس اليورو

جيانلوكا فيالي: عن الهشاشة والتتويج من مقاعد البدلاء

منشور الاثنين 26 يوليو 2021

في مساء الخميس 12 فبراير/ شباط من عام 1998، كان سكان لندن، ومشجعو البلوز الآخرون عبر أراضي المملكة المتحدة، ينتظرون إعلان تشيلسي تمديد تعاقده مع الهولندي رود خوليت لاعب الفريق ومديره الفني، الذي نجح منذ مدة وجيزة في الفوز بكأس الاتحاد الإنجليزي، لكن مفاجأة كانت تنتظر الجميع، أقال النادي خوليت، وأعلن لاعبه جيانلوكا فيالي مديرًا فنيًا جديدًا للفريق.

كان مالك الفريق اللندني، كين بيتس، يتبع منذ عام 1993 سياسة خاصة في الاعتماد على لاعبي الفريق لقيادته فنيًا، بدأها مع اللاعب جلين هودال الذي قاد تشيلسي حتى عام 1996، ثم رود خوليت في ولاية استمرت 21 شهرًا بداية موسم 1996/1997 وحتى فبراير من عام 1998، قبل أن تتم إقالته رغم نجاحه في إعادة النادي لمنصة التتويج من جديد بعد حصده لقب كأس الاتحاد الإنجليزي، ليصبح فيالي، الذي انتقل من يوفنتوس مع بداية تولي خوليت، المدير الفني الثالث على التوالي الذي يدرب تشيلسي مع استمراره في اللعب ضمن صفوفه.

قبل ذلك الإعلان بفترة غير قصيرة، لم تكن الأمور بين خوليت وفيالي تسري على ما يرام، كان الأخير يشكو للإعلام من تعمد الأول تجاهله وإبعاده عن التشكيلة الأساسية للفريق، وهو أمر ملفت لأن خوليت هو من أقنع لوكا بالانضمام لفريقه بعد أن تولى المهمة مديرًا فنيًا، الغريب في الأمر أن لوكا فيالي الذي أصبح الرجل الأول في تشيلسي، بعد موسم صعب قضاه في تدخين السجائر على دكة البدلاء وتفكير طويل في الرحيل عن الفريق، لم يلبث طويلًا قبل أن يستبعد نفسه من تشكيلته الأساسية خلال أكثر من نصف المباريات التي قادها كمدير فني.

هش يعرف قدر نفسه

يمثل جيانلوكا فيالي، الذي توج في منصب الإدارة الفنية منذ أيام رفقة المنتخب الإيطالي بلقب اليورو، ظاهرة مثيرة للتأمل، فالرجل الذي مارس مهمة التدريب خلال خمسة أعوام، في الفترة من 1997 إلى 2002، وحصد 5 ألقاب بينهما الدوري الأوروبي وكأس السوبر بنسختيهما القديمة، ترك مقعده إلى الكتابة والتحليل الرياضي لمدة تزيد عن 18 عامًا، أصيب خلالها بالسرطان، قبل أن يقنعه صديقه روبيرتو مانشيني بالانضمام إلى طاقمه الفني كمنسق رياضي للمنتخب الإيطالي في عام 2019.

يصف لوكا نفسه بأنه رجل "هش"، حين يقول خلال مقابلة صحفية قبل انطلاق اليورو "أدرك كيف يمكن للناس أن ينظروا إليّ، ويروا أنني على ما يرام، فقد كنت رجلًا ولاعب كرة قدم قويًا، ولكني كنت أيضًا هشًا، فأنا شخص أدركْ عيوبه ومخاوفه، ولدي الرغبة في القيام بشيء مهم رغم المرض والصعوبات، أتمنى أن يقوم الناس بذلك"، ولعل ذلك التصريح يفسر كثير من قراراته التي اتخذها خلال مسيرته الفنية كلاعب ومدرب، وهي قرارات وصلت في بعض الأحيان إلى استبعاد نفسه كلاعب من تشكيلته الأساسية في أكثر من 38 مباراة قاد خلالها تشيلسي مديرًا فنيًا.

بعد إعلانه مديرًا فنيًا للفريق اللندني، لم يكن أمام لوكا غير خمسة أيام فقط على مباراة مصيرية في نصف النهائي لبطولة كأس الرابطة الإنجليزية أمام الجار أرسنال، وخلال المباراة التي ظهر فيها المهاجم الإيطالي أساسيًا ولعب لمدة 80 دقيقة قبل أن يغير نفسه، نجح فيالي في قيادة تشيلسي للتأهل لنهائي البطولة التي حقق لقبها فيما بعد على حساب ميدلزبره بهدفين دون رد، لكنه أخرج نفسه من قائمة تلك المباراة رغم مشاركته في المباريات السابقة عليها التي أقيمت في مسابقة الدوري.

تتويج البلوز بلقب كأس الرابطة كانت فاتحة خير لمزيد من البطولات، حيث وصل إلى المباراة النهائية لكأس الكؤوس الأوروبية بعد أن عبر فريق ريال بيتيس في ربع النهائي وفينسيا الإيطالي في الدور نصف النهائي، وكاد الأخير يطيح به من البطولة بعد أن هزمه بهدف دون رد في ذهاب المباراة، لكن فيالي استطاع تعديل الأمور في لندن من الملعب وصنع هدفًا من جملة ثلاثة أهداف أحرزها فريقه مقابل هدف للفريق الإيطالي، ليعبر للنهائي ويشارك أيضًا أمام شتوتجارت الذي تخطاه بهدف دون رد ويحصد اللقب الأوروبي الثاني للفريق اللندني.

رفع اللقب اسم فيالي عاليًا، فهو أصغر مدرب يفوز ببطولة أوروبية، في عمر 33 سنة و308 يومًا، وهو الرقم الذي صمد 13 سنة حتى حصد فيلاش بواش لقب اليورباليج مع بورتو عام 2011، ليصبح هو الأصغر بعمر 33 سنة و213 يومًا.

التتويج من مقاعد البدلاء

بعد لقبين مهمين، دخل فيالي موسمه الثاني مدربًا ولاعبًا متحمسًا، وحصد منذ بدايته كأس السوبر الأوروبي، على حساب العملاق الأوروبي ريال مدريد، في لقاء استبعد فيه المدرب الإيطالي نفسه من التشكيل الأساسي، وظل يتابعه من مقعد الإدارة الفنية حتى انتهى بفوز فريقه بهدف دون رد ليتوج باللقب الأوربي لأول مرة في تاريخ النادي، ويحصد ثالث بطولاته كمدرب خلال أقل من مائتي يوم فقط.

 

اللافت في الأمر أن اللاعب الذي عانى استبعاد مدربه السابق له خلال موسم كامل، لم يبد مقتنعًا هو الآخر بنفسه كمهاجم فخلال موسم ونصف قضاه فيالي لاعبًا ومدربًا للبلوز، لم يشرك نفسه سوى في 27 مباراة خلال 65 مباراة أدارها مديرًا فنيًا، وعقب نهاية موسم 1998/ 1999، الذي حصد فيه الفريق المركز الثالث وتأهل لدوري أبطال أوروبا، أعلن فيالي اعتزاله اللعب نظرًا لعدم قدرته على العطاء، ومن أجل التركيز في عمله مدربًا.

نجح فيالي في حصد لقب كأس الاتحاد الإنجليزي، لكنه خسر التأهل لدوري أبطال أوروبا في الأمتار الأخيرة بعدما حصد المركز الخامس في الدوري، كما حقق مشاركة مؤثرة في دوري الأبطال رغم خسارته في ربع النهائي أمام برشلونة بخمسة أهداف لهدف، في الشوطين الإضافين بعد انتهاء الأوقات الأصلي للمباراتين بتبادل الفوز بثلاثة أهداف لهدف في كل مباراة.

إلى منصة أخرى وفي "الظل"

عاد فيالي سريعًا إلى منصة التتويج في افتتاح الموسم الجديد 1999/ 2000 بحصد كأس الدرع الخيرية من مانشستر يونايتد، لكن أن الأمور لم تسر كما أراد لها المدرب الإيطالي، فبعد 5 مباريات من مسابقة الدوري لم يحقق الفوز فيها سوى في لقاء واحد، أطاح به مالك النادي مبررًا أسباب إقالته بسبب "عدم سيطرته على غرفة الملابس ودخوله في خلافات مع العديد من نجوم الفريق أبرزهم زولا، بالإضافة لتراجع الفريق للمركز الخامس في ترتيب جدول الدوري وسوء النتائج".

ويبدو أن المدرب الذي خرج من لندن بسجل إنجازات لم يُقدر بالشكل الكافي، صاحبه شيء من خيبة الأمل انعكست في موسم سيئ مع فريق واتفورد الذي قاده خلال موسم 2001/ 2002 بالدرجة الثانية، ليقرر بعده، وبشكل صادم، اعتزال العمل التدريبي وهو لم يكمل عامه الثامن والثلاثين بعد، ويتجه للميديا محللًا في محطة سكاي سبورت، وكاتب في العديد من الصحف الإنجليزية أبرزها التليجراف وفاينينشيال تايمز.

فضَّل فيالي بعد نهاية رحلته التدريبية استمرار المعيشة في لندن، فكما قال في حوار صحفي سابق إنه كان يعيش في لندن وكأنه رجلًا عاديًا، يذهب للسوبر ماركت ويمكث ساعات دون أن يضايقه أحد ويستمتع بالذهاب للسينما والمطاعم واستقلال التاكسي العام دون تدخل من أحد أو يضايقه أحد، ورغم ما يبدو في كلام المدرب الإيطالي من أنه عاش هناك في الظل، لكن ما أنجزه مدربًا خلال فترة قصيرة جدًا، ربطه بالجماهير والنادي الذين ظلا يتابعان أخباره بشغف خاصة بعد إصابته بسرطان البنكرياس في عام 2017، وهو ما انعكس بوضوح في دعمهم له في مباراة مانشستر يونايتد عام 2019، في بطولة الكأس، من خلال رسائل كثيرة ودعوات بسرعة التعافي من السرطان.

ما زرعه وحصده

في عام 2003، لجأ فيالي مع صديقيه ماسيمو ماورو وكريسيتنا جراندي، لتأسيس منظمة خيرية حملت أسمائهم هم الثلاثة، وكان هدفها تخصيص الأموال من أجل البحث العلمي لعلاج السرطان ومرض التصلب الجانبي الضموري، وخاصة عند الرياضيين.

غير أن السرطان الذي أفنى فيالي 14 سنة من عمره في مواجهته من خلال العمل الاجتماعي، لم يشأ أن يتركه دون اختبار شخصي، خرج منه الأول بنصف انتصار بعد علاج استمر عام ونصف، قبل أن يعوده المرض مرة أخرى فيجهز عليه فيالي نهائيًا في أبريل/نيسان من عام 2020 ويعلن شفائه رسميًا منه، حسبما أعلن نادي تشيلسي في تدوينة رسمية.

مثلت خطوة إصابة فيالي بالسرطان ومحاربته له بكل قوة، فرصة لصديق عمره ورفيق دربه روبرتو مانشيني، مدرب منتخب إيطاليا لمد يد العون إليه، حيث سعى الأخير لإيجاد موقع له في جهازه الفني وعرض عليه منصب مدير المنتخب ومنسقه في يورو 2020، وهو المنصب الذي تقلده النجم الإيطالي في أبريل 2019، قبل شفاءه من المرض بشكل كامل.

صداقة عمر

 في عام 1984، جلب سامبدوريا برئاسة الرئيس الأسطوري للنادي باولو مونتافاني، والمدير الفني رينزو أوليفيري، اللاعب صاحب العشرين عامًا جيانلوكا فيالي، بعد عامين من التعاقد من روبرتو مانشيني، من أجل بناء فريق قوي قادر على حصد البطولات.

مانشيني وفياللي- الصورة: الحساب الرسمي للمنتخب الإيطالي (تويتر)

كان فيالي يلعب في مركز المهاجم الصريح، بينما مانشيني، في المهاجم المتأخر، أو ظل المهاجم، ونجح الصديقان اللذان تمتد العلاقة بينهما إلى ما يقرب 38 سنة، منذ أن كانا زميلين في منتخبات الشباب، في تكون ثنائي خطير ومتفاهم إلى حد كبير، يصفه فيالي، بأن قدم كل منهما حاضرة في أهداف الآخر.

استمر اللاعبان مع الفريق حتى عام 1992، حين قرر النادي تحت وطأة الظروف الاقتصادية بيع فيالي ليوفنتوس الإيطالي والإبقاء على مانشيني، وخلال ثمان سنوات، حصدا خلالهما لقب الدوري (هو الوحيد في سجل سامبدوريا) بالإضافة للسوبر الإيطالي وثلاثة ألقاب للكأس، أصبح فيالي هو الهداف التاريخي للفريق برصيد 141 هدفًا، ويأتي بعده مانشيني برصيد 115 هدفًا بعدما حطما رقم فرانشيسكو فيلاشي، غير أن مانشيني الذي استمر مع سمبادوريا حتى عام 1997، نجح في تخطي فيالي ليصبح الهداف التاريخي للنادي برصيد 171 هدفًا.

السرطان على منصة اليورو

عندما أصيب فيالي بالسرطان، أدرك أنه ربما لا يكون خصمًا قويًا بما فيه الكفاية للمرض اللعين، لكن ذلك لا يعني الاستسلام له في الوقت نفسه "لقد صعد إلى القطار معي، ويجب أن أمضي قدمًا وأسافر، ولا أستسلم أبدًا، على أمل أن يتعب هذا الضيف غير المرغوب فيه يومًا ما ويغادر بسلام، لأنه لا يزال هناك الكثير من الأشياء تريد أن تفعلها في هذه الحياة"، ليعود قبل بطولة اليورو، التي حقق المنتخب الإيطالي لقبها، فيستعمل تلك الرحلة الملهمة التي خاضها في تحفيز لاعبيه للفوز بالبطولة الغائبة.

فيالي وفلورينزي- الصورة: الحساب الرسمي للمنتخب الإيطالي (تويتر)

يدرك فيالي أنه كان لاعبًا قويًا وهشًا في الوقت ذاته، وأن كل شخص يجب عليه أن يفهم ميزاته وعيوبه ويدرك كيف ينظر له الناس، فبعض الناس يرونه، حسب قوله، على ما يرام وهو عكس ذلك، وهو المثال الذي أراد للاعبي الأزوري احتزاءه خلال اليورو، وأن يقوموا بواجبهم ودورهم القوي مهما كانوا يعانون منه من أزمات خارج الملعب، وربما تكون تلك الوصية هي ما ألهمت اللاعبين للفوز بالبطولة الأخيرة، الأمر الذي أكده أليساندرو فلورينيزي لاعب الأزوري الذي أهدى فيالي اللقب مؤكدًا أنه مثالًا واضحًا للقتال.