رسم: هشام عبد الحميد - المنصة
غالبية الأسر تهتم بالدرجات ويضعف الاهتمام بالجانب التربوي في المدرسة وهو الدور الذي تراجع بشدة.  

تلاميذ في عهدة الغرباء: أولياء الأمور يتأقلمون والأبناء يدفعون الثمن

منشور الأربعاء 6 أكتوبر 2021

في الغرفة الصغيرة التي تعيش فبها مع زوجها وأطفالهما الأربعة، أعدت أم يوسف الغسالة على وضع التشغيل وحضرت مسحوق الغسيل وبدأت تجمع ملابس المدرسة التي خزنتها منذ العام الماضي في الأكياس البلاستيك، التي تضع بها الملابس الشتوية خلال الصيف.

بدأت السيدة الثلاثينية التي تعمل حارسة عقار في إحدى العمارات السكنية بمنطقة الهرم استعداداتها للسنة الدراسية الجديدة بتفحص حقائب طفليها يوسف وجنا استعدادًا "عندي يوسف رايح سنة خامسة وجنا رايحة سنة تالتة والاتنين التانيين لسة صغيرين، كل سنة أطلع الحاجة أشوفها لو سليمة ومقاس العيال تتنضف وتتغسل ولو مش نافعة بجيب جديد".

لا تعرف أم يوسف الكثير عن المدرسة التي ألحقت بها يوسف وجنا "هي أقرب مدرسة حكومة لنا هنا وأهه قريبة والمدارس كلها زي بعض والعيال بتروح المدرسة مشي، ومعاهم كمان ولاد عمهم"، ولم تسمع عن طلب متطوعين للعمل بالحصة في المدارس الحكومية والتجريبية "معرفتش الحكاية دي غير منك دلوقتي، بس هتفرق في ايه؟ ما يجيبوا الناس اللي مش لاقية شغل تشرح للعيال أهه ينوبهم ثواب"، تعتبر أن وزير "التعليم عنده حق". 

لم تهتم أم يوسف بالتعرف على المدرسين الذين يعلمون أطفالها في المدرسة "ماعرفش المدرسين بصراحة كنت في الأول لما يوسف داخل المدرسة أتعرف على الدادات علشان يخلوا بالهم منه لكن خلاص كبر وهو بياخد باله من أخته، لكن المدرسين بعرف أسمائهم بس من العيال".

عدم اكتراث أولياء الأمور بتفاصيل تعليم أولادهم يفسّره الدكتور عماد محجوب، أستاذ علم النفس بكلية الآداب في جامعة القاهرة، والذي حذر من خطورة الاستعانة بمتطوعين غير مختصين لتعليم الأطفال، بأنه "اعتياد التعامل مع أوضاع غير صحيحة وغير منضبطة لكن أولياء الأمور اعتادوا عليها"، ولفت خلال حديثه مع المنصة إلى اهتمام وتركيز غالبية الأسر على الدرجات وضعف الاهتمام بالجانب التربوي في المدرسة وهو الدور الذي تراجع بشدة.  

تتداخل جنا في الحديث "انتي جيتي المدرسة مرة واحدة السنة اللي فاتت لما يوسف ضرب عيل في الحوش". تحب جنا المُعلمات في المدرسة "بحب ميس العربي والحساب والقرآن هم كويسين قوي، معاهم بس خرطوم بيخوفونا بيه علشان اللي يعمل غلط، بس أنا ما بعملش مشاكل خالص فمابخافش".

لا تجد جنا ووالدتها مشكلة في وجود خرطوم بيد المدرس، تقول أم يوسف "ما هو لازم يخوفوا العيال برضه" بينما تقاطعها جنا "مرة ضربوا واد معانا بالخرطوم عادي علشان ضرب عيل، ويوسف أخويا اتضرب بالعصاية". سمعت الأم عن قرارات قديمة تحظر الضرب في المدارس لكنها لا تمانع من استخدام الضرب بحجة "ما هو لازم يربوا العيال".

أم يوسف ليست استثناءً، فبحسب دراسة أصدرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف عام 2015 بالتعاون مع المجلس القومي للأمومة والطفولة عن العنف ضد الأطفال في مصر، يعتقد غالبية الأهل والمدرسين والقيادات الدينية بل وبعض الأطفال أيضًا، يرون في العقاب الجسدي "أسلوبًا مقبولًا" للتأديب والتربية. 

تأهيل المدرس في رأي أم يوسف يعني فقط أن "يكون بيعرف يشرح وخلاص مش مهم بقى أي حاجة تانية، ولو حصل مشكلة عندهم الإخصائية الاجتماعية بيدخلوا لها". لكن يبدو أن عجز المدرسين أثر على طفلها الأكبر خلال وجوده في الصف الأول الابتدائي في مدرسة حكومية أخرى "في نص السنة المُدرِّسة مشيت وقعدوا مدة كبيرة ماحدش بيدخل للعيال الفصل مرة يدخلوا مدرسة الألعاب ومرة الأخصائية الاجتماعية".

كان طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني صرح من قبل أن نسبة المعلمين لعدد الطلاب مدرس لكل 20 طالب، وفسر مشكلة عجز المدرسين بـ "سوء التوزيع" مشيرًا إلى تفضيل بعض المعلمين العمل في وظائف إدارية بدلًا من التدريس.

الدروس هي الحل

ومثل أم يوسف، لم تعرف هدى أيَضًا عن طلب وزارة التربية والتعليم متطوعين للعمل بالحصة في المدارس الحكومية والتجريبية. تنشغل هدى بمراجعة المواد الدراسية لطفلتها التي ستبدأ دراسة في الصف الأول الابتدائي بعد عام ونصف من عدم الانتظام في الدراسة عقب انتشار جائحة كورونا منذ مارس 2020 حيث كانت طفلتها في المرحلة الأولى لرياض الأطفال.

هدى التي تعمل موظفة في مستشفى خاص بالجيزة اختارت لطفلتها مدرسة تجريبي "المدرسة فلوسها على قد الإيد وقريبة من شغلي وبيتي وبرضه تتعلم لغات"، لكن هدى تحكي للمنصة عن مشاهداتها للوضع في المدرسة في مرحلة ما قبل كورونا "العدد في الفصل كبير جدًا مافيش أماكن تستوعب كل العيال دي، والمدرسين قسموا الفصول في مرحلة الكي جي، علشان الكثافة بس من أول أولى ابتدائي الفصل بيحضر كامل عددهم تقريبا 70".

أما المدرسين في المدرسة "في مرحلة الكي جي المدرسين موجودين ومافيش مواد كتير هي مدرسة واحدة بتدي كل الفصل كل المواد، لكن سمعت عن مشاكل في المراحل اللي بعد كده وعرفت ان عدد المدرسين قليل جدًا".

نظام العمل بالحصة مقابل 20 جنيهًا ليس جديدًا وسبق أعلنه الوزير في 2020، وبالفعل تعاملت هدى مع مدرسة لغة إنجليزية عرفت منها أنها تعمل في المدرسة بنظام التعاقد بالحصة "جبت مدرسة علشان تأسس البنت علشان مارحناش المدرسة غير وقت قليل قوي، بس عرفت منها إنها بتشتغل في المدرسة بالحصة، ماضية عقد بالحصة، النظام ده موجود وكله شغال بيه".

لكن لا تشغل هدى نفسها كثيرًا بتأهيل المعلم تربويًا أو علميًا قبل دخول الفصل "كدا كدا في مرحلة معينة كله بياخد دروس، وشغل المدرس التربوي ده مش زي زمان مش هنلاقي تربية في فصل فيه 60 طفل"، بينما تنشغل بمشكلة أخرى "دلوقتي المشكلة اللي كلنا بنتكلم فيها إن الكتب إجباري، طب أنا أدفع ليه كتب إجباري والكلام مختلف من إدارة لإدارة، فيه إدارات عاملة الكتب إجباري وبندفعها مع المصاريف وإدارات تانية لا الكتب اختياري، أنا كنت باخد كتب بنت أخويا نشتغل منها كل سنة".

ردة إلى الخلف

بالنسبة لمحجوب، فإن الاستعانة بمتطوعين للتدريس في المدارس تمثل "ردة وعودة للخلف" في العملية التعليمية، إذ قال "إذا كان الشخص يتطوع للقيام بنشاط مع الطلاب فهذا جيد جدًا، نقبل التطوع في تعليم أنشطة مثل الديكوباج أو النحت ونرفع لهم القبعة، لكن تطوع غير المتخصص تربويًا في العملية التعليمية ردة في العملية التعليمية ولها سلبياتها".

ولفت محجوب إلى تأثير غياب الجانب التربوي على الطلاب في جميع المراحل الدراسي، مذكرًا بالشروط التي كان معمولًا بها "منذ الخمسينات يشترط في المدرس الحصول على دبلوم عام في التربية، مهما كان متمكنًا من المادة العلمية فهي ليست المعيار الوحيد للتدريس، خريج الآداب رغم أنه قوي في المادة العلمية لكن لابد من تأهيله على مستوى الجانب التربوي للتعامل مع الطلاب".

ويصل عجز المعلمين في المدارس إلى 350 ألفًا وفق تصريحات نقيب المعلمين خليفة الزناتي، وخاصة مع وقف تعيينات المعلمين منذ 2014، مع تثبيت 75 ألف معلم بدأوا العمل بعد ثورة 25 يناير، ومن بعدها تقرر معالجة أزمة نقص المعلمين بإعادة توزيعهم على المدارس وزيادة عدد حصص الموكلة إليهم، وإلغاء ندب أي معلم لوظيفة أخرى غير التدريس، ثم فتح الباب للتطوع أو العمل بالحصة. 

ويبلغ عدد التلاميذ في مصر وفقًا لإحصائية أصدرتها وزارة التربية والتعليم في إبريل/ نيسان الماضي حوالي 24.5 مليون تلميذ، يدرسون في 57.7 ألف مدرسة يعمل بها حوالي مليون معلم. وبحسب الإحصائية نفسها فإن عدد المدارس الحكومية يبلغ 48 ألف مدرسة تقريبًا تخدم نحو 22 مليون تلميذ من خلال 900 ألف معلم تقريبًا.  

ومع تمسك الحكومة بغلق باب التعيين في الجهاز الإداري، فإن هذا الرقم مرشح للارتفاع سنويًا، وفي ظل هذا الوضع المأزوم و"لو الوضع يرغمنا على اللجوء لغير المتخصصين يجب تصميم برامج تدريبية لهم قبل بدء العام الدراسي تستمر 3 شهور على الأقل لتمكنهم من التعامل مع الطلاب في كل المراحل التعليمية، والتأكد من صلاحيتهم للعمل مع الأطفال" وفقًا لمحجوب. 


اقرأ أيضًا: نقابات المعلمين: يد مغلولة وساق تهرب من الرقيب


تعامل غير المتخصصين مع الطلاب في مراحل التعليم المختلفة سيؤثر على سلوكهم بشكل سلبي، حسب أستاذ علم النفس الذي يشرح كيف أن "التعليم غير المباشر غير المقصود، تأثيره أقوى وأطول من التعليم المباشر"، موضحًا أن الأطفال يتعلمون من المدرسين سلوكيات ويستقون منهم المعرفة والسلوك والقيم، ولفت إلى عدد من الوقائع التي كان المدرسين غير المتخصصين أبطالها وارتكبوا عددًا من الأخطاء في آليات الثواب والعقاب أو عدم فهم أنماط الشخصية المختلفة للطلاب، أو التحدث بشكل منفتح مع الطلاب في أمور لا تتناسب مع مراحلهم السنيّة. 

هذه المخاوف تساور صباح، التي تعمل في مجال التنمية وتستعد خلال الأيام المقبلة لعودة ابنها وابنتها إلى المدرسة "ابني حساس جدًا بيخاف من العقاب ويخاف على شكله، عانيت كتير من مدرسين مش قادرين يتعاملوا معاه".

وتتساءل صباح في حديثها إلى المنصة "مش عارفة المدرسين اللي بالحصة دول هيكونوا ازاي مؤهلين ومدربين سواء يتعاملوا مع المناهج أو من الناحية التربوية، إذا كان المدرسين اللي بقالهم سنين وخريجين التربية عانينا من مشاكل معاهم لعد إدراكهم طبيعة كل طفل".

لمست صباح خلال سنوات دراسة ابنها في المدرسة أزمة نقص أعداد المعلمين "طبعًا فيه نقص كبير جدًا وواضح في عدد المدرسين، بيضموا فصول، والإشراف قليل جدًا، أي حاجة ممكن تحصل بسبب نقص المدرسين وغياب الإشراف حتى لما الأعداد كانت قليلة بسبب الغياب السنة اللي فاتت علشان كورونا".

عمل صباح واحتكاكها ببرامج تدريب وتوعية مختلفة جعلها مهتمة بطبيعة المدرس الذي يتولى مهمة تعليم وتوجيه طفليها، بينما تقف آلاف الأمهات في نفس الخانة مع أم يوسف وهدى، فالأولوية لشرح المدرس وضبط الفصل ومقاومة إجبار الأهالي على شراء الكتب. 


للعودة إلى الصفحة الرئيسية للملف.