هشام حسن صحية دار السلام - محمد عادل (دربكة) ضحية الدرب الأحمر ومصطفي محمد بائع الشاي بالرحاب- وقيادات وزارة الداخلية

قتيل دار السلام يفتح ملف "ضحايا الرصاص الميري".. 7 حالات في 5 شهور

منشور الاثنين 13 يونيو 2016

 

كان الوقت يقترب من آخر نهار الثلاثاء الأول من يونيو/ حزيران، وعقارب الساعة تتجه إلى موعد انطلاق مدفع إفطار ثاني أيام شهر رمضان، بينما كان هشام حسن صلاح يشق طريقه بين زحام أحد شوارع حي دار السلام الشعبي جنوب القاهرة، تلبية لدعوة من أصهاره للإفطار، لتقطع مشواره رصاصة انطلقت خلال مشاجرة مر بها مصادفة، فاخترقت صدره وأردته قتيلاً، بحسب إفادة تقرير مبدئي للطب الشرعي.

بالتفاصيل السابقة انتشر خبر مقتل الشاب ذي الستة وعشرين عامًا، خلال مشاجرة اندلعت بين عائلتين في دار السلام، لتشير أصابع الاتهام إلى ضابط شرطة، ما يجدد فتح ملف "ضحايا رصاص الميري"، وأحدثهم محمد أحمد عاشور، الذي كان ضمن أربعة أصيبوا بطلقات نارية من السلاح الرسمي لقريبهم أمين الشرطة، بقرية دموشيا ببني سويف، بعد مشاجرة نشبت بينهم وبينه أطلق عليهم الرصاص على إثرها. 

شجار وسرقة وخلافات عائلية

 

شُيِّع "قتيل دار السلام" لمثواه الأخير عصر الأربعاء الماضي من مشرحة زينهم، التي انتقل إليها جثمانه من مستشفى السلام الدولي، واتهمت أسرته هيثم خلف الضابط بمباحث قسم الجيزة بقتله، في المحضر رقم "9174 لسنة 2016 دار السلام"، وأنكر الضابط تلك التهمة أمام نيابة دار السلام التي أمرت بإخلاء سبيله.

قبل واقعة مقتل هشام بنحو أسبوع، 31 مايو/ آيار، بدأت نيابة أخرى، هي نيابة الغردقة بمحافظة جنوب سيناء، تحقيقاتها مع أحد أمناء الشرطة ويدعى "مؤمن" بتهمة قتل وسرقة المتعلقات الشخصية لسائق تاكسي يدعى ياسر علواني محمود، بعدما أطلق عليه أمين الشرطة المتهم رصاصة أصابت قلبه وأردته صريعًا.

واقعة قتل هشام التي جرت في شارع العروبة بدار السلام، يرويها نور فهمي المحامي بالشبكة العربية لحقوق الإنسان، وعضو هيئة الدفاع عن أسرة القتيل، لـ"المنصة" بقوله: "بدأت بمشاجرة بين عائلة أبو سريع، إحدى عائلات المنطقة، وبين الضابط بقسم الجيزة هيثم خلف، أثناء محاولة الأخير ركن سيارته. وتدخل أفراد من عائلة هندي التي يقيم الضابط في عمارة سكنية تمتلكها، فما كان من الضابط إلا إطلاق أعيرة نارية من سلاحه، وما لبث أن صعد إلى محل سكنه، حيث أطلق أعيرة من بندقية آليه، وفقًا لما نقله لنا شاهد عيان قال إن الطلقة التي أصابت هشام كانت من اتجاه الضابط".

مات هشام أثناء مروره بالصدفة في شارع به مشاجرة احد طرفيها ينتمي لجهاز الشرطة، لكن رضا.ز، الذي لقي مصرعه في الشرقية برصاصة من سلاح ميري أيضًا، لم يمت مصادفة، بل قتله شقيقه أمين الشرطة عمدًا، بسبب خلاف على تربية الطيور. لكن النيابة هذه المرة لم تأمر بإخلاء سبيل المتهم الذي لم يقدم للتحقيق أو المحاكمة، بعد إقدامه على الانتحار.

قتلى الرصاص الميري

 

إدانة الضابط المتهم في القضية، ستجعل من هشام حسن، الضحية رقم 8 في قائمة قصيرة لـ"ضحايا الرصاص الميري" خلال الأشهر الخمسة الماضية، بينما تضم قائمة أطول تبدأ في ديسمبر/ كانون الأول 2013، ما لا يقل عن 15 حالة.

ورصدت "المنّصة" من خلال تتبع أرشيف الأخبار، حالات القتل بالرصاص المتهم فيها أفراد شرطة باستعمال سلاحهم الميري منذ مطلع عام 2016 فقط. ووجدنا ما لا يقل عن 7 حوادث في 5 أشهر حتى يوم 10 يونيو/ حزيران الجاري. تحولت اثنتين منها لقضيتي رأي عام وهما واقعتي مقتل مصطفى محمد "بائع الرحاب" في أبريل/ نيسان الماضي، ومحمد عادل إسماعيل "دربكة"، المعروف إعلاميًا بـ"سائق الدرب الأحمر" (أحد أحياء القاهرة) في فبراير/ شباط الماضي.

لاتزال قضية "بائع الرحاب" متداولة في ساحات المحاكم، بينما انتهت قضية "دربكة" إلى حكم قضائي بسجن أمين الشرطة المتهم بقتله 25 عامًا. وكذلك انتهت قضية مقتل سائق توك توك (وسيلة مواصلات) في ميدان المطرية على يد ضابط، في 5 مارس/ آذار الماضي، إلى حكم بسجن الضابط وجيه أحمد المتهم بقتله "بالخطأ" لمدة 3 سنوات وكفالة 5 آلاف جنيه.

ويرى رضا مرعي المحامي بوحدة العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن السبب الرئيسي في تكرار حالات القتل المباشر برصاص الشرطة بهذا المُعدل هو: "الإصرار الدائم على كون ما يحدث مجرد حالات فردية، والرفض التام لإعادة هيكلة وزارة الداخلية، ما خلق مناخ يسمح بالإفلات من العقاب في معظم القضايا التي يكون طرفًا فيها شرطي؛ سواء بالقتل بالتعذيب أو بالرصاص، باستثناء تلك القضايا التي توجد فيها فيدوهات تثبت إدانة المتهم، أو التي تشهد ضغطًا شعبيًا".

ويرى مرعي: أن بيانات وزارة الداخلية في بداية أية واقعة بما تحمله من إنكار ودفاع مستميت عن المتهم، واختلافها التام عما تليها من بيانات إذا ثبتت الإدانة: "تعد مؤشرات على أن منهج الوزارة الذي يلتزم بالدفاع عن أفرادها ونفي الاتهامات عنهم، هو السبب الرئيس لتكرار المشكلة".

دفاع يواجه "ضغوطًا أمنية"

 

في القضايا التي وقعت منذ نهاية 2013 والتي جرى فيها قتل مواطنين برصاص الشرطة في مشاجرات شخصية، لا توجد بيانات أو معلومات موثقة تتصل بممارسة الشرطة ضغوطًا على شهود الواقعة أو أسر المجني عليهم، إلا في حالات وجدت طريقها لاهتمام الرأي العام، كقضية بائع الشاي في الرحاب، التي قام فيها أمين الشرطة المتهم بتهديد شهود الواقعة في القضية المنظورة الآن أمام القضاء. 

لكن في حالة هشام حسن، قتيل دار السلام، اتخذ جهاز الشرطة خطوة غير مسبوقة في الوقائع الشبيهة خلال فترة الرصد. حيث قام قسم دار السلام الذي جرت في محيطه الواقعة باحتجاز شاهد العيان ويدعى ليثي سيد والضغط عليه لدفعه لتغيير أقواله التي تدين الضابط هيثم خلف. 

فقد اتهم المحامي محمد فاروق، زوج شقيقة المجني عليه، عبر حسابه على "فيسبوك" ضباط قسم دار السلام بـ"ممارسة ضغوط" على شاهد العيان، وقال: "ضباط قسم دار السلام محتجزين الشاهد علي الواقعة، وبيضربوا فيه علشان يغير أقواله في واقعة القتل. وده في وجود النيابة في القسم". وهو ما أكده أيضًا المحامي نور فهمي في تصريح للمنصة، مفسرًا احتجاز الشاهد بـ"محاولة زملاء الضابط المتهم إكراه الشاهد على نفي الاتهام عن الضابط".

وأعلنت هيئة الدفاع في بيان صادر عنها نشره "فاروق"، عبر حسابه على "فيسبوك" مساء الجمعة الماضية، ورود معلومات لها بوجود "محاولات مستميتة من قبل مباحث قسم دارالسلام وأحد نواب البرلمان عن الدائرة، وقيادات شرطية أخرى تربطهم صلات بعائلتي أبوسريع وهندي، من أجل مساعدتهم علي الإفلات من العقاب، عبر العبث بالأدلة وتقديم شهود مملاة عليهم شهادتهم؛ بهدف حصر المسؤولية في حارس عقار إحدى العائلتين، وتقديمه وحده للمحاكمة بتهمة قتل هشام".

تعديلات قانون الشرطة

 

في أعقاب حادث الدرب الأحمر، وجّه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وزارة الداخلية إلى إجراء بعض التعديلات التشريعية أو سن قوانين جديدة تكفل ضبط الأداء الأمني في الشارع، بما يضمن محاسبة كل من يتجاوز في حق المواطنين.

وأعلن وزير الداخلية، في مارس/ آذار الماضي، الانتهاء من إعداد مشروعات القوانين الجديدة الخاصة بضبط الأداء الأمني، استجابة لتوجيهات السيسي. وتشمل التعديلات: "تعديل بعض أحكام قانون هيئة الشرطة رقم 109 لعام 1971، وإعداد بعض المواد الجديدة".

ووافق مجلس الوزراء، على مقترحات الداخلية، وأحالها إلى لجنة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة. إلا أنها لاقت انتقادات كان منها رؤية المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لها، باعتبارها "تفتقر إلى الآليات التي من شأنها ضمان تنفيذها، ولم تقدم الجديد في استحداث طرق فعالة للمحاسبة والمساءلة".

وطرح المركز الحقوقي، بالتعاون مع مبادرة "شرطة لشعب مصر"، مقترحات لتضمينها في تعديلات القانون 109 لسنة 1971، أبرزها: "إنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في جميع حالات الوفيات والإصابات البالغة والتي تمت على أيدي رجال الشرطة. على أن تتكون اللجنة المقترحة من أعضاء مستقلين غير تابعين لأجهزة الدولة القضائية والتنفيذية والتشريعية، لتتولى التحقيق في هذه الحالات، وتتأكد من مدى قانونية استخدام القوة والسلاح. ويشترط أن تحصل اللجنة على صلاحيات التحقيق كاملة، وأن تتعاون مع النيابة العامة في حالة وجود ضرورة لفتح تحقيق جنائي في الواقعة".

تقنين استخدام السلاح

 

وحذر المحامي الحقوقي رضا مرعي من أن تلك الحالات تختلف عن حالات القتل الأخرى على يد أعضاء وزارة الداخلية الذين توجه له اتهامات متكررة بالقتل من خلال التعذيب اثناء الاحتجاز. فهذه الحالات تجري في الشوراع والمنازل باستخدام الأسلحة الرسمية المرخصة، التي يتحصل عليها الضباط والأمناء بحكم وظائفهم، وعبر القتل المباشر بالرصاص قائلاً: "المفترض من وجود سلاح مع رجل الشرطة- الوحيد المسموح له بالتحرك الدائم بسلاح- هو حمايته الشخصية أثناء تأدية عمله وحماية المجتمع ومواجهة الجريمة. ما يستوجب منه القدرة على التحكم في نفسه، وإلا وصلنا في ظل تكرار هذه الحوادث والإفلات من العقاب إلى كارثة كبيرة، لو فقد الناس الثقة في تحقيق العدالة".

واقترحت "المبادرة لمصرية" ومبادرة "شرطة لشعب مصر" في هذا الصدد: "تعديل المادة ١٠٢ من القانون نفسه[قانون الشرطة]، وقرار وزير الداخلية لسنة ١٩٦٤ لإدخال مفاهيم التناسبية والضرورة على قواعد استخدام القوة، ولقصر استخدام الأسلحة النارية على حالات الدفاع عن النفس ضد التهديد الوشيك بالموت أو الإصابة الخطرة، أو لمنع ارتكاب جريمة تتضمن خطرًا محققًا على الأرواح، أو للقبض على شخص يمثل الأخطار المذكورة سابقًا، مع مراعاة أن يكون إطلاق النار هو الوسيلة الوحيدة المتوفرة لتحقيق الأغراض السالفة".