الشرطة الألمانية تصطحب مشتبهًا به لمقر المحكمة الفيدرالية العليا

مُتَرْجَم| اعترافات العائدين من الدولة الإسلامية.. جهنم على الأرض (2-2)

منشور الأحد 14 أغسطس 2016

خلال العامين الماضيين؛ تمكنت السلطات الألمانية من إلقاء القبض على عدد من الشباب الألمان العائدين من صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. واستطاعت الأجهزة الأمنية أن تحصل على اعترافات ثلاثة منهم، قدموا من خلالها صورة مليئة بالتفاصيل التي كانت غائبة عن الأجهزة الأمنية الغربية فيما يتعلق بهذا التنظيم.

صحيفة دير شبيجل الألمانية نشرت تحقيقًا مطولاً يتضمن قبسات من اعترافات هؤلاء الشبان الثلاثة، ونشرته على جزئين، تنشر المنصة اليوم ترجمة الجزء الثاني منهما.

اقرأ أيضًا: اعترافات العائدين من "الدولة الإسلامية" (1-2)

 

تتشكل غرفة الزيارة رقم 3 في سجن أولدنبرج (في ميونخ الألمانية) من مساحة فارغة واسعة بأرضية ذات لون أخضر، تتوسطها منضدة رمادية. وعبر قضبان النافذة؛ يمكنك أن ترى الجدران الضخمة يعلوها السلك الشائك، بينما ينهمر المطر على باحة السجن.   

هناك، جلس "هاري. إس" يتحدث بصوت مكتوم. لقد تابع الشاب السجين أخبار الهجمات التي جرت مؤخرًا على شاشة تلفزيون في السجن. أعادت هجمات فورتسبورج وآنسباخ إلى ذهنه صور الانتهاكات البشعة التي عاينها في سوريا. يقول هاري: "تذكرت الرجم والإعدام وقطع الأيدي، والأجساد التي ملأتها ثقوب الرصاص". كانت هذه ممارسات الميليشيا التي انضم إليها وأعطوه فيها الاسم الحركي "أبا سيف".  

"ما تمر به هناك هو جحيم على الأرض". ويواصل الشاب العائد من أرض الخلافة: "ذهابي هناك كان أكبر خطأ ارتكبته في حياتي". عندما يتحدث عن التنظيم الآن يدعوه هاري: "ما يسمى بالدولة الإسلامية". فبالنسبة إليه صار جليًا أنها "منظمة إجرامية تعمل تحت غطاء الإسلام.. إنها تحيل الناس إلى وحوش".

ظل هاري عضوًا في الميليشيا الإرهابية لفترة تقل عن ثلاثة أشهر، قبل أن يتمكن من الهرب إلى تركيا في صيف 2015. وقتها؛ لم يكن حتى أنهى تدريبه القتالي.

عندما استقل طائرته العائدة إلى ألمانيا في العشرين في يوليو/ تموز 2015، كان القوات الخاصة لشرطة بريمن في انتظاره بمذكرة اعتقال. استغرق هاري عدة أشهر كي يكسر صمته، وبمجرد أن فعل؛ تدفقت منه المعلومات كشلال.

تفاصيل من داخل التنظيم

من أكتوبر/ تشرين أول، إلى فبراير/ شباط، ولسبعة أيام في الأسبوع من الصباح إلى المساء، ظل هاري يسرد على أسماع ضباط المخابرات والشرطة، والمحققين التابعين لمكتب التحقيقات الفيدرالية تفاصيل الفترة التي قضاها في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. وملأ تفريغ اعترافاته الصوتية مئات الصفحات.

تضمنت تلك الإعترافات تفاصيل مخيفة من داخل التنظيم، كثير منها كان معروفًا بالفعل للسلطات. حكى هاري للسلطات عن مقهى إنترنت في قلب الرقة، العاصمة الحصينة للتنظيم، كان يلتقي فيه مع رفاقة "المجاهدين". "كلهم كانوا من الألمان". ذكر أسماء مقاتلين من بريمن، وولفسبرج، بون، برلين وسولنجين. هؤلاء الألمان تورطوا في قتل جماعي بإطلاق النيران على أسرى لهم في صحراء تدمر.  

كان لدى هاري، -تفاصيل أكثر مما كانت لدى رفاقة الألمان العائدين من صفوف التنظيم- عن محاولات التنظيم لتجنيد أشخاص ينفذون هجمات في قلب ألمانيا، أدلى بها قبل شهر واحد من تنفيذ هجمات 13 نوفمبر في باريس.

داخل غرفة الزيارة في السجن، يسترجع هاري تفاصيل حكايته؛ كان قد وصل لتوه إلى سوريا عندما اصطحبه رجلان مقنعان يظنهما فرنسيان من مارسيليا، يعملان لصالح ما يشبه "جهاز المخابرات الداعشي". التقياه في بيت آمن تابع للتنظيم، وسألاه إن كان مستعدًا لأن يضحي بحياته لأجل الخليفة "أبو بكر البغدادي". قالا له إن هناك "ما يكفي من المجاهدين" في فرنسا لتنفيذ العملية الكبرى. "لكنّا بحاجة شديدة لمزيد من الرجال المستعدين للذهاب إلى ألمانيا وتنفيذ أعمال هجومية هناك".

 

محاولات لإسعاف ضحايا هجوم باريس 2015

لاحقًا؛ قاده رجلان أحدهما إنجليزي والثاني روسي-ألماني في سيارة ذات نوافذ معتمة، وكانا ملثمين ومسلحين بعتاد ثقيل. قالا له إن كافة من جندهم التنظيم للقيام بعمليات في ألمانيا "أقدامهم باردة"، وأنهم بحاجة إلى "بعض الأكشن". وأشاروا إلى رغبتهم في القيام بهجمات في ألمانيا وانجلترا وكافة أنحاء العالم يتم تنفيذها بشكل متزامن.

وزارة "تنظيم الدولة" للهجمات الخارجية

الكثير من التفاصيل تشير إلى أن رجال وحدة سرية بعينها في التنظيم هم المسؤولون عن القيام بعمليات في البلدان الأجنبية. ويُعتَقَد أن قائد تلك الوحدة هو أبو محمد العدناني- المتحدث الرسمي باسم التنظيم. يتحدث هاري عن "مكتب" خاص بالهجمات في الأراضي الأجنبية، موكولة إليه مهمة إعداد قائمة بالمطوعين.  

يعتقد هاري أن هجمات وورسبرج وآنسباخ ما هي إلا بداية: "هم يريدون هذا النوع من ردود الأفعال.. يريدون أن يقول السياسيون إن هذا خطأ اللاجئين السوريين، وأنهم جلبوا الإرهاب معهم". ويواصل: "يريدون أن تكون هذه هي الصورة السائدة بالأبيض والأسود".

قبل أسابيع، وقف هاري ليدافع عن نفسه أمام المحكمة المحلية العليا في هانيستك بولاية هامبورج. وبعد ثلاثة أيام فقط من المحاكمة، حُكِم عليه بالسجن لثلاث سنوات- عقوبة مخففة من غير المعتاد أن يتلقَّاها عضو في تنظيم إرهابي. ظهر هاري أمام المحكمة بتيشيرت أبيض، واسترجع كافة التفاصيل الدقيقة لأيامه داخل التنظيم.  

أحيانًا كان وصفه مليئًا بالتفاصيل للدرجة التي تدفع القاضي لوقفه عن الكلام. قاطع القاضي القاضي المتهم قائلا له: "لقد انتهى الأمر على نحو جيد". يتذكر هاري بارتياح: "فعلا، انتهى الأمر على نحو جيد". ندمه على ما جرى كان حقيقيًا، قال له القاضي: "اليوم لم تعد إرهابيًا"، ثم قال عند النطق بالحكم: "لكنك وقتها لم تكن مجرد تابع". ففي فيديو دعائي يظهر هاري حاملاً علم التنظيم ويمر في الكادر مرتديًا ثيابًا مموهة ويتدلي من جرابه مسدس من نوع البيريتا.   

 

هاري اس - الصورة التي تسببت في ادانته

يحذّر هاري غيره من الشباب، من ارتكاب ذات الخطأ الذي تورط فيه. تواصل الشاب عبر محاميه مع واحدة من المنظمات التي تحارب التطرف الإسلامي. يود هاري أن يتحدث إلى الطلاب بمجرد خروجه، وأن يقول لهم: "مهما تكن الأزمة أو الموقف الصعب الذي تمر به في حياتك، لا يوجد ما يبرر الانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية. أنت لا تغامر فقط بحياتك، ولكنك تغامر بحياة أهلك وأحباءك".

الخبراء السياسيون والاقتصاديون ومسؤولو المخابرات يبحثون باهتمام شديد عن شهود مثل هاري، ممن يمكنهم مواجهة دعاية تنظيم الدولة. ورغم أنهم لم ينجحوا حتى الآن في إيجاد تلك النماذج؛ إلا أن آمالهم في قيام الجهاديين السابقين بهذه المهمة تظل آمالا عالية.  

يقول بيتر نيومان أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة كينجز كولدج البريطانية "ما يصفه هاري يمكن أن يكون ذا تأثير كبير على الشباب الصغار لو تم التواصل معهم بشكل شخصي". ويتابع: "تلك الشهادات يمكنها أن تشكل عنصرًا مهمًا في برامج الوقاية من التطرف. الخطوة الأهم هي الوصول إلى هؤلاء الشباب قبل أن يصل إليهم المتطرفون".

 

شهادة خطيرة

لكن هؤلاء الجهاديين السابقين في خطر، فرفاقهم السابقين يرونهم "مُرتَدِّين" يستحقون العقاب. الشاهد الثالث الأهم لدى السلطات "هارون بي" كانت لديه خبرة مشابهة.

 

هارون بي خلال جلسة محاكمته

الشاب المولود في ألمانيا لمهاجرين أفغانيين، قال للمحققين أنه سافر إلى سوريا في سبتمبر/أيلول 2013، خوفًا من دخول السجن بسبب جرائم سابقة. حيث ألقي القبض عليه للقيام بجرائم صغيرة في مسقط رأسه في ميونخ.

في سوريا، لم ينضم هارون لتنظيم الدولة الإسلامية؛ وإنما لميليشيا إرهابية تدعى "جند الشام". اجتاز هارون المعسكر التدريبي، وتعرف على المنزل الواقع بالقرب من اللاذقية الذي يتوقف عنده العديد من الألمان في طريقهم للجهاد. وصف هارون للمحققين الحياة اليومية في تلك الفيلا ذات الطابقين التي شكلت مأوى للإرهابيين: "معظم الوقت لم نكن نفعل شيئًا بخلاف الطهو والتنظيف وغسيل الملابس والحفاظ على نظافة الأسلحة".  

بعد تدريبه القتالي، شارك هارون في الهجوم على سجن حلب. كان عضوًا في الكتائب الاحتياطية. في الهجوم؛ أطلق هارون قذيفة هاون على جدار السجن. هذه القذيفة كانت بين أسباب إدانته في المحكمة.

كانت شهادة هارون تحديدًا عالية القيمة، قدَّم للمحققين تفاصيل تتصل ببنية التنظيم الإرهابي غير المعروف (جند الشام). واستطاع التعرف على عدد غير محدود من أعضاء الميليشيا، الذين تحولوا لاحقًا للعمل مع تنظيم الدولة الإسلامية.

يبدو أن هارون بي رفض الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية، فقط لأنه "لم يحب هؤلاء الناس". قال للمحققين إن "أحدهم وضع فمه قبالة فمي، وهو شيء لا أطيقه على الإطلاق".

بعد عودته، حُكِم عليه بالسجن 11 عامًا في ميونخ. وهي أقصى عقوبة وقّعتها السلطات الألمانية حتى الآن على عائد من أراضي التنظيم في سوريا. وعلى عكس قضيتي "نيلز دي" و"هاري إس"؛ اتهمته المحققون بارتكاب جرائم عنف. فالمحكمة المحلية العليا في ميونخ حاكمته بتهمة القتل العمد لحوالي 400 شخص.     

اعترافات هارون بي قادته لتلقي تهديدات من رفاقه السابقين، عندما شهد مؤخرًا في محاكمة أخرى عقدت لإسلامي آخر. تعرض هارون للاعتداء في السجن المحلي. ويقول المحققون إن محاميّ الجهاديين يحاولون ملاحقته قانونيًا أيضًا.

في محاكمة برلين شهد هارون مجددًا ضد إسلامي آخر يعرفه. ونقض مزاعمه [حول تقديم الخدمات الإنسانيية للسوريين المدنيين]. يقول هاري: "لم نفعل أي شيء إنساني. الطعام والأموال التي كانت تأتي من ألمانيا، كانت تذهب جميعها للمقاتلين". قال له السكان المحليون "ابعدوا عنّا. منذ أتيتم والأمور تسوء".

المتشددون الآخرون يفزعهم استعداده للحديث. لكن هارون لن يتوقف، فسوف يظهر ليدلي بشهادته في المزيد من المحاكمات قريبًا.