ملوخية صالون الشباب.. "فن الأداء" تحت المخرطة

منشور السبت 28 نوفمبر 2015

خبر قديم يعود إلى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يذكر قائمة جوائز صالون الشباب السنوي الذي ينظمه قطاع الفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة. كان من ضمن الجوائز منحة لقضاء أسبوع في الأكاديمية الفنية المصرية في روما. وحصلت الفنانة هبة صالح على جائزة هذا العام، وذلك عن عرض ينسب إلى فن الأداء Performance Art بعنوان "ملوخية خضراء". وعروض "فن الأداء" قد تستعين بأكثر من مجال فني لصناعة العرض، فإلى جانب الاستعانة بعناصر الفنون التشكيلية تكون هناك استعانة أيضا بعناصر من الفن المسرحي، وغيرها من الفنون السمعية والبصرية.

ظلت جوائز صالون الشباب لهذا العام خبرا عابرا في الصحف والمواقع المصرية كما هو متوقع مع هذا النوع من الفنون، ربما باستثناء حوار أجرته بوابة الأهرام مع هبة صالح الحاصلة على منحة إلى روما. 

ولكن مع مرور ما يقرب من الشهرين من الإعلان عن الجائزة ومن الحوار، تكرر الحديث مجددا عن هذا العرض بالتحديد، وتم استخدام صور بوابة الأهرام عن عرض هبة صالح للسخرية منها.

تظهر هبة صالح في الصور وهي تجلس أمام "طبلية" تخرّط الملوخية، وخلفها كتابات بعناوين "الرؤية - الالتزام - حقائق". ومن ضمن الحقائق المكتوبة في عرض "مشروع الملوخية" تكتب الفنانة: "يعمل بها ما يقرب من 24780 في الأغلب غير مختصين وغير مؤهلين". يبدو من الكتابة في الخلفية أن العرض يحمل نبرة سخرية من الموظفين والموظفات في مصر، الذين قد لا يهتمون بالعمل في مقابل الانشغال بأشياء أخرى كـ "تخريط الملوخية"، وهي صورة شهيرة عن الموظفين في الذهن المصري، ولا شك أن هذه إشارة إلى رسالة العمل الفني. ولكن هذه السخرية ارتدت على هبة صالح عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. 

طريقة السخرية كانت منطلقة من فكرة أننا جميعا نستطيع أن نقوم بعمل سهل كهذا، فلم لا نحصل على منح من الدولة. 

أو السخرية من المسؤولين عن "صالون الشباب". 

https://www.facebook.com/Egyptoon/posts/566094170219831:0

وتحولت السخرية إلى شكوى من طبيعة اهتمامات الدولة التي تكرّم هذا العرض ولا تنفق أو تهتم بالبحث العلمي على سبيل المثال. 

اهتمت هبة صالح بالدفاع عن عملها في منشوراتها المعروضة للقراءة العامة على "فيسبوك"، وذلك عن طريق نشر آراء البعض الذي يوضح طبيعة هذا النوع الفني، وكان من هذه الآراء رأي الناقدة د. هبة عزت الهواري، التي كانت من ضمن المحكمين بالصالون، التي ترى أن هذا التجسيد لحالة بعينها هو سمة العصر في الأعمال الفنية، ويجعلنا ننظر للأشياء خارج سياقها، مستشهدة بأعمال الفنان الفرنسي مارسيل دوشامب الذي استعان بأشياء مثل الدراجة والمبولة ليصنع أعمالا فنية. 

المحكمون والمسؤولون عن "صالون الشباب" كانوا مهتمين بمواجهة السخرية من عمل هبة صالح. ولكن الفنان خالد زكي قومسير صالون الشباب كان يرى أن الهجوم على العمل ليس فنيا بقدر ما هو مسيّس، إذ تشكك من كون السخرية قد حدثت فجأة بعد مرور أكثر من شهر على الحدث والجائزة، واتهم جماعة الإخوان المسلمين بالتسبب في هذا الهجوم.

سخرية من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ودفاع من الفنانة والمسؤولين والمحكمين، كان هذا هو الحال عندما خرج عرض لفن الأداء إلى السطح ولم يظل قابعا في المعارض الفنية. يوحي هذا الجدل بارتباك المتلقي لدينا أولا أمام فكرة فن الأداء، وثانيا من تحديد الغث والسمين منه. 

ظهر فن الأداء في العالم منذ ستينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من أنه لا يوجد تعريف نهائي لهذا الفن إلا أنه بدأ مع رواج أفكار ما بعد الحداثة في الثقافة الغربية، وهو فن يتجاوز الطرق التقليدية في التعبير، إذ يستخدم الفنان أي عناصر سمعية أو بصرية قد يجدها مناسبة لعرضه. وقد يكون العرض منظما أو ارتجاليا، وقد يكون فرديا أو جماعيا، وقد يدعو الفنان المتلقين لمشاركته العرض أو لا. يتيح هذا التحرر من شكل فني بعينه، وبالتالي التحرر من طريقة التلقي التي اعتادها الجمهور في الفنون التقليدية. 

تبرز أسماء مثل اليابانية يوكو أونو والأمريكي كريس بوردين والألماني جوزيف بويس كرواد لهذا النوع من الأعمال الفنية. 

 

يوكو أونو في عرض "قطع الملابس" عام 1964

 

كريس بوردين، مصلوبا على سيارة فولكس فاجن، عام 1974

 

عرض "كيف تشرح صورا لأرنب ميت" - جوزيف بويس 1965

منذ بدايتها تتعرض أعمال فن الأداء في العالم للاستغراب والسخرية، وقد تكون السخرية من العمل نفسه أو من المضمون والرسالة المراد إيصالها إن وجدت، ولكن الحركة النقدية المصاحبة لهذه الأعمال استطاعت أن تكشف الجيد والرديء منه حتى لو احتاج الأمر مرور الزمن لاكتشاف ذلك.

في غياب هذه الحركة النقدية لدينا، يصعب القيام بعملية تقييم موضوعية لهذا النوع من الفنون، ومثلما كنا نتوقع أن تظل أخبار هذه العروض والجوائز عابرة ما دامت لا تخرج من نطاق معارضها، يصير من المتوقع أن خروجها إلى المواقع الاجتماعية لن يحمل سوى السخرية والاتهامات المتبادلة.