الروائية ليلى سليماني

القتل على أنغام "أغنية هادئة"

منشور الأحد 3 سبتمبر 2017

 

في روايتها "أغنية هادئة" التي صدرت ترجمتها إلى العربية حديثًا، تكشف الكاتبة المغربية "ليلى سليماني"أثر التناقضات الإجتماعية، على الطبقة التي جبلت على خدمة طبقة أخرى، وألا يخدمها أحد. استلهمت ليلى الرواية من جريمة قتل وقعت بنيويورك عام 2012.

تبدأ الرواية بجريمة قتل بشعة، ثم تستخدم الكاتبة الحكي العكسي "فلاش باك" لتروي القصة من البداية.

تحكي الرواية قصة آل ماسي؛ الزوجة مريم وزوجها بول لهما ابنا وابنة، ولظروف انشغالهما بالعمل، تتحكم "لويز" الخادمة في كل شؤون المنزل، وهي بطلة القصة الحقيقية.

آل ماسي أسرة برجوازية، تعيش في باريس وتقضي العطلات في اليونان. الأم محامية، والأب يعمل في الإنتاج الموسيقيّ، وهما دائما الانشغال عن الطفليّن.

تروي" سليماني"بنعومة قاسية ولغة طفولية تشبه الحلوي، عن الحياة الخشنة التي تعيشها الخادمة الهزيلة، التي نُذِرَت للوحدة والفقر وحياة الهامش، تأكل بقايا الطعام والأكل الحامض، وإذا تسنى لها أن تنام مطمئنة، فلا تحلم إلا بالمسئوليات التي عليها أن تنجزها في الصباح.

كل ما اقترفته لويز من جرم، كان نتاج الفقر والعوَز، لم يحدث أن اعتنى بها أحد أو دللها فضلا على أن يحبها. دفعها الفقر إلى السخط على الأسرة التي تعمل لديها، والسخط  على العالم من قبلهم. 

تعقد لويز المقارنات بين حياتهم وحياتها، سيجعلونها ترى شقتها الصغيرة تنكمش أكثر، وتضيق عليها كما تضيق بها حياتها، نتيجة تقاطع عالمين بينهما فجوة اجتماعية شاسعة، هم يقيمون حفلات ليلية للاحتفال باكتمال القمر، بينما هي تتسلل إلى بيتها بالليل، حتى لا يرها صاحب البيت، ويطالبها بايجاراتها المتأخرة.

لم تعنى الكاتبة بتقديم رواية بوليسية عنوانها من القاتل، ولم تعنى أيضًا بتقديم تفسيرات للحادث الذي بدأت به الرواية. بدت الجريمة مثل حادث قتل "ميرسو" للرجل العربي في رواية الغريب، ربما لأنها تظن أن سبب الجريمة معروف للجميع.

تمضي الرواية بسلاسلة وعذوبة لتحكي عن حياة لويز والطفليّن، تعتني بهما اعتناء بالغًا، هي التي تخلت عن ابنتها لكي تربي أبناء الآخرين. كان صبرها يفوق صبر أمهما. تسربت لويز إلى حياة هذه الأسرة حتى أصبحت عماد البيت. تقول مريم -الأم- عن الأثر الذي أحدثته"لويز" في حياتهم "مربيتي ساحرة، لابد أنها تمتلك قدرات خاصة، فقد استطاعت أن تغيّر هذه الشقة الضيقة إلي مكان هادئ ومشرق، زحزحت الجدران، وجعلت الخزانات أعمق، والأدراج أوسع، وجلبت النور".

كانوا يشبهونها بـماري بوبينز، المربيّة الخارقة التي تتحرك بواسطة شمسيتها، تضفي الألوان علي حياتهم الرمادية المملة، وتنظم حياتهم البوهيمية. عملت لويز أمًا بالوكالة لأن الطفليين كانا عائقا أمام نجاح أمهما.

طموح وأنانية الطبقة البرجوازية، تجعلهم لا يستطيعون تخيّل أن الخدم لهم أيضًا حياة خلف جدران بيتهم، وتفاصيل صغيرة يهتمون بها، وبالطبع لايمكن للمربية الخارقة أن تمرض وتتغيب عن العمل.

على الجانب الآخر هناك خيط  يجمع بين مريم الأم ولويز، كلتاهما كانتا ترغبان في حياة خاصة بهما وحدهما، تقول مريم عن أمنيتها السريّة"لا يمكن أن نكون سعداء إلا حين لا يعود بعضنا في حاجة إلي بعض، وحين يكون بإمكاننا أن نعيش حياتنا الخاصة، حياة تعنينا لوحدنا ولا تعني غيرنا".

جمحت لويز ثورتها وعذاباتها الداخلية والديون المتراكمة عليها، كي تستطيع غناء الأغنية الرقيقة التي تهدهد بها الأطفال. الخادمة التي تم استنزافها بالكامل، نفذ مخزون الحب واللعب لديها، تحولت من شخص باسم شديد اللطافة، إلى شخص حاد وعدواني، أنهكها الطبخ والبؤس وخدمة الجميع، حتي أصابها الجدب العاطفي وقادها للجنون.

ليلى سليماني صحافية و كاتبة مغربية-فرنسية، ولدت في الرباط 1981 لأب مغربي وأم جزائرية. تكتب بالفرنسية، وتعيش في باريس منذ 17 عام. درست العلوم السياسية والتمثيل والصحافة، وصدر  كتابها الأول عام 2013 بعنوان "خليج الداخلة"، ثم نشرت أولي روايتها عام 2014 بعنوان "في حديقة الغول" عن امرأة متزوجة تعاني من إدمان الجنس، ونالت عنها جائزة فلور.

 وفي 2016 نالت جائزة جونكور، أرفع الجوائز الفرانكفونية، عن رواية "أغنية هادئة" وهي ثالث اسم عربى يحصل علي هذه الجائزة بعد الطاهر بن جلون، وأمين معلوف.

تصدرت ليلى قوائم أكثر الكتّاب تفضيلا في فرنسا عام 2016، نُشرت "أغنية هادئة" هذا العام بترجمة "محمد التهامي العماري"، وتقول ليلي إن الرواية ستتحول إلى فيلم، ولكنها لم تُسمِ المخرج. صدر لها أيضا عام 2016 كتاب بعنوان"الشيطان يكمن في التفاصيل" ويضم عدة مقالات.

ليلى التي تحمل همًا نسويًا واضحًا، يُنتظر أن تُصدِر دراسة هذا العام بعنوان "الجنس والأكاذيب المرتبطة به"، وهي تضم شهادات لنساء مغربيات عن حياتهن الجنسية.