صفحة شحنلى-اش7نلي على فيسبوك
سكرين شوت من إعلان شركة اشحنلي، 6 يونيو 2023

مَحافِظ مكتظة بالمليارات.. بيزنس الدفع الإلكتروني لم يصل للتشبع

منشور الأربعاء 14 مايو 2025

حتى عام 2017، كان الدفع الإلكتروني مجالًا بكرًا أمام الاستثمار، فعدد الشركات المقدمة لهذه الخدمات وغيرها من الخدمات المالية الإلكترونية لم يتجاوز 32 شركة، لكن الوتيرة تجاوزت سرعتها خمس أضعاف لنصل إلى 177 شركة، ولا تزال هناك آفاق أمام المزيد من الاستثمارات.

بالرغم من أن خدمات إرسال واستقبال الأموال عبر الوسائط الإلكترونية أصبحت معتادةً بين نحو نصف المصريين، كما يظهر من بيانات البنك المركزي والجهات البحثية المراقبة لهذا القطاع، فإن خبراء يتوقعون دخول أعداد أكبر من المواطنين في دائرة هذه الخدمات خلال السنوات المقبلة.

كوفيد نقطة تحول 

في مصر توجد نحو 50 مليون محفظة إلكترونية يستطيع حاملوها إجراء العديد من المعاملات المالية دون مس النقود الورقية، وهو ما يمثل تحولًا مهمًا في طبيعة المعاملات المالية للمواطنين، والأهم أنه يحدث بوتيرة متسارعة، إذ لم يتجاوز حاملو المحافظ الإلكترونية في عام 2019 الـ15.2 مليون. 

تكشف تسنيم شريف، المحللة المالية لقطاع الدفع الإلكتروني بشركة عربية أون لاين، لـ المنصة أن العام الماضي فقط شهد زيادة كبيرة في قيمة الأموال بهذه المحافظ "بلغت نحو 108% مقارنة بالعام السابق، وبلغ حجمها نحو 2.7 تريليون جنيه".

اعتياد ما يقرب من نصف المصريين على التعامل إلكترونيًا مع الأموال وراءه أسباب عدة، من بينها شيوع استخدام التليفون المحمول، فعدد خطوط المحمول المسجلة يتجاوز عدد السكان في الوقت الراهن، الذي بلغ 112 مليونًا حتى يناير الماضي.

معدلات النمو السكاني كانت أيضًا عامل دفع قوي لنمو المعاملات الإلكترونية، خصوصًا مع انتشار هذه الثقافة بين الأجيال الجديدة، حسب أحمد عبد النبي رئيس قسم البحوث بشركة مباشر لتداول الأوراق المالية لـ المنصة.

لا يقتصر الأمر على الرغبة الطوعية لدى المواطنين في استخدام هذه الوسائل، فمنذ 2019 وضعت الدولة إلزامًا تشريعيًا باستخدامها، حيث صدر قانون يفرض على الأجهزة الحكومية تحصيل رسوم خدماتها إلكترونيًا، كما يلزم بأن تكون المعاملات الضخمة مثل تحصيل الضرائب وأقساط وثائق التأمين من خلال الدفع الإلكتروني متى تجاوزت قيمها حدودًا معينة.

تزامن صدور هذا القانون مع وباء كوفيد 19، الذي استتبع مكوث المواطنين في المنازل شهورًا طويلةً، ليكون الوباء وفق تقريرٍ لشركة "سيجما" لتداول الأوراق المالية، اطلعت المنصة على نسخة منه، البداية الحقيقية لشيوع المعاملات غير النقدية، إذ فرض الحظر على الملايين استخدام تطبيقات تحررهم من أسر الحظر الصحي، ثم اعتادوا عليها فيما بعد.

كيف تتحول احتياجاتنا إلى إيرادات بالمليارات؟

حين تحوِّل مبلغًا ما عن طريق وسيط إلكتروني، تستقطع شركة الدفع نسبةً هامشيةً تقدرها تسنيم شريف بين 1-3%؛ هذه النسبة البسيطة تتحول لإيرادات بالمليارات بفضل اتساع نطاق المعاملات، وهو ما يمكن استكشافه من خلال نتائج أعمال شركات الدفع الإلكتروني المقيدة في البورصة المصرية.

تُظهر نتائج أعمال فوري عن عام 2024، التي تم الكشف عنها في مارس/آذار الماضي أن الشركة حققت إيرادات بـ5.5 مليار جنيه، بينما تُظهر بيانات إي فاينانس عن العام نفسه، التي تم إعلانها نهاية فبراير/شباط الماضي، تحقيق الشركة إيرادات بـ5.2 مليار.

الشركتان المشار إليهما من بين الجيل الأول من شركات القطاع المالي الإلكتروني، حيث تأسست إي فاينانس التي يساهم فيها بنك الاستثمار القومي بنسبة 21.8% عام 2005، وفوري التي تعد ألفا أوريكس الإماراتية أكبر مساهم فيها بنسبة 12.2% عام 2008.

هذه السوق لا تقتصر على الشركتين السابقتين، وتضم الآن عددًا كبيرًا من الأسماء الأخرى، بعضها يحتل موقعًا في قائمة فوربس لأقوى 50 شركة في المنطقة في هذا المجال، مثل أمان التابعة لراية القابضة التي تأسست في 2016.

الإيرادات الكبيرة لهذا القطاع تأتي مدفوعةً باتجاهها لتنويع خدماتها بحيث لا تقتصر على الدفع الإلكتروني، وهو ما يتجسد في حالة فوري التي تقدم خدمات بنكية لعملائها تمثل 42% من إيراداتها.

العلامات التجارية لشركات المدفوعات والتحويلات الإلكترونية. 2023.

ورغم ذلك تظل المدفوعات الإلكترونية الحصان الرابح، حيث يشير تقرير البنك المركزي إلى أن المدفوعات والتحويلات تمثل 36% من المعاملات المالية الإلكترونية، أو ما بات يعرف بـالـ Fin Tech.

"إيرادات إي فاينانس سجلت معدل نمو سنوي مركب بـ40% منذ 2019 وفوري بـ 44% خلال نفس الفترة". كما تقول تسنيم.

ومع النمو الكبير في "المدفوعات الإلكترونية"، يرى المحللون أن هذه السوق على قدر اتساعها لم تصل بعد لمرحلة التشبع، وتتوقع تسنيم شريف معدلات نمو قوية في إيرادات إي فاينانس خلال السنوات المقبلة لتصل إلى 14 مليار جنيه في 2027، وفوري إلى 15.1 مليار جنيه خلال العام نفسه.

عقبات أمام النمو

النظرة المتفائلة التي يتبناها الخبراء تجاه سوق المدفوعات الرقمية ككل، وشركتي إي فاينانس وفوري على التحديد، تقف في طريقها عقبات، من بينها أن المناطق البكر للتوسع في هذه الخدمات هي الريف الذي تعاني كثير من قراه مشكلات في عدم وصول أو ضعف الإنترنت، كما يكشف تقرير سيجما.

"الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المالية ومزودي خدمات الدفع يركزون نشاطهم في القاهرة والجيزة"، تقول تسنيم، مشيرة إلى أن نحو 67% من المقرات الرئيسية في القاهرة، و30% في الجيزة، والنسبة الباقية موزعة على باقي المحافظات.

وتراهن إي فاينانس على وجه التحديد على احتكارها للخدمات الحكومية كفرصة للنمو، وتتحدث في بياناتها بسعادة ظاهرة عن خطط الحكومة لتحصيل رسوم ضرائب في 2025 بقيمة 1.8 تريليون جنيه، لكن تقرير سيجما يحذر من أن كون المعاملات الحكومية هي النسبة الأكبر من إيرادات الشركة يعني ربط نمو معاملاتها بنجاح أو عدم نجاح الحكومة في تحصيل الضرائب والرسوم.

 وبالمثل تواجه فوري ضغوط تكاليف النشاط، مثل تكاليف عمولات تجار التجزئة وتكاليف تحصيل النقدية، لذا يرى أحمد عبد النبي في التوسع الخارجي رئة جديدة لهذه الشركات تعوضها عن ارتفاع التكاليف داخل مصر "فوري ستكون قادرة على المنافسة في السوق السعودية، بدعم حالة التقدم التكنولوجي التي تشهدها المملكة وميكنتها للعديد من المصالح الحكومية، ويُرجح أن يساهم هذا النشاط في تغطية جزء كبير من تكلفة العمليات التشغيلية من مصر".

سيظل التحدي الأكبر أن تُقنع هذه الشركات المزيد من المواطنين برقمنة معاملاتهم المالية، خصوصًا المعاملات المالية الصغيرة التي قد يدور أغلبها في إطار غير رسمي بعيد عن أعين الدولة، وترجح تسنيم شريف أن تمثل المدفوعات الرقمية بنهاية هذا العقد ركيزةً أساسيةً في الاقتصاد المصري بحيث تصل قيمتها لما يساوي 104.2 مليار دولار.