
الأدوية.. التوطين عايز تمويل والتمويل عند البنوك
بينما تولي الحكومة اهتمامًا كبيرًا بتوطين صناعة الدواء للحد من تكلفة استيراده، يكرر القطاع مطالباته الدولة بتيسير قروض الاستثمار الرأسمالي، فلا توطين ممكن دون تمويل كافٍ لشراء الماكينات وخطوط الإنتاج.
لكنْ، وحسب المشتغلين بصناعة الأدوية، هناك العديد من العقبات التي تحول دون الاستفادة من قروض البنوك، فالقطاع يُصنف ضمن الأنشطة الأعلى في المخاطر، خصوصًا مع تعرضه لضغوط سعر الصرف والتسعير الجبري من جانب الدولة للمنتجات الدوائية.
البنوك تفضّل المصدّرين
حسب مصدر مسؤول في شركة المهن الطبية، التابعة لـأكديما الحكومية، فإن البنوك أضحت أكثر تحفظًا في منح القروض للشركات التي لا تمتلك تدفقات نقدية دولارية ناتجة عن التصدير.
يشير المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، إلى أن الحصول على تمويلات بنكية لهذه الشركات أصبح عملية معقدة قد تستغرق شهورًا طويلةً، ما ينعكس سلبًا على قدرتها على التوسع أو حتى تلبية احتياجات السوق المحلية.
"النقص في التمويل يؤثر بشكلٍ مباشرٍ على إمكانية توطين بعض الصناعات الدوائية المهمة، حيث تحتاج هذه العمليات إلى تمويل ضخم، سواء لاستيراد المواد الخام، أو لتحديث خطوط الإنتاج، وحال استمرار الوضع الحالي، فإن الدولة ستكون مضطرةً للاعتماد بشكل أكبر على الاستيراد، ما يفاقم أزمة العملة الأجنبية ويضع ضغطًا إضافيًا على ميزان المدفوعات"، كما يضيف المصدر.
وكانت وزارتا المالية والصناعة أطلقتا العام الماضي مبادرةً لتمويل أنشطة صناعية بفائدة ميسرة، منها صناعة أدوية السرطان وألبان الأطفال، لكن مستثمرين في القطاع حذروا من ضعف حجم تمويلاتها.
يؤكد على هذا الرأي مصدرٌ مسؤولٌ في إدارة شركة إيفا فارما، قائلًا إن القروض الخاصة بالتكاليف التشغيلية من البنوك تواجه عقبات أيضًا، في حالة ما إذا كانت الشركة من غير المصدرين.
ينوه المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، بأن قرار تعويم الجنيه المصري في مارس/آذار 2024 أدى إلى ارتفاع كبير في تكلفة المواد الخام بسبب صعود سعر صرف الدولار، ما زاد الضغط على شركات الأدوية، ودفعها للمطالبة بمزيد من التسهيلات الائتمانية لتغطية التكاليف التشغيلية.
قدرات القطاع التصديرية
في الوقت الذي بات فيه النشاط التصديري أحد العوامل الميسرة للتمويل البنكي، وفق المصادر، فإن الشركات التي تتمتع بهذه المقدرة تمثل النسبة الأصغر من إجمالي مصنعي الدواء في مصر.
حسب حديث محيي حافظ، رئيس المجلس التصديري للصناعات الطبية، لـ المنصة فإن عدد شركات الأدوية المصرية التي لديها نشاطات تصديرية يتراوح ما بين 45 و50 شركة فقط، من أصل نحو 180 شركة تعمل في السوق المصرية.
يوضح حافظ أن 10 مصانع كبرى فقط تستحوذ على ما يقرب من 80% من إجمالي الصادرات، في حين تسهم بقية الشركات بحصص تصديرية صغيرة، مؤكدًا أن مستوى تصدير الصناعات الدوائية المصرية لا يزال متدنيًا، إذ بلغ إجمالي صادرات الأدوية والمستلزمات الطبية ومنتجات التجميل خلال العام الماضي نحو مليار دولار فقط.
بدوره، يشدد علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، على أن أزمة شح الدولار الأخيرة وضعت القطاع الدوائي تحت ضغوط، فهو من جهة لا يقدر على تدبير السيولة الدولارية بسهولة لاستيراد الخامات، ومن جهة أخرى فإن الدولة لا تبادر بتعديل السعر النهائي للأدوية بالسرعة الكافية.
وكما يقول عوف لـ المنصة فإن هذه الضغوط جعلت القطاع البنكي يصنف نشاط الصناعات الدوائية باعتباره نشاطًا عالي المخاطر.
وساهم سماح الحكومة برفع أسعار الأدوية خلال العام الماضي في تحسين ربحية القطاع الذي عانى من ضغوط ارتفاع أسعار الخامات المستوردة.
المشكلة في أجل التمويل
في المقابل، تشير أخبارٌ في القطاع إلى نجاح شركات في تدبير قروض للتوسع في قدراتها الإنتاجية، مثل شركة إيبيكو التي نجحت في ترتيب قروض بنكية مؤخرًا لتمويل مصنعها الثالث، أو قروض توسعات مينا فارم لتوطين صناعات أدوية السرطان.
https://public.flourish.studio/visualisation/23198275/ويؤكد مسؤول في إيبيكو لـ المنصة أن التحديات التي تواجه القطاع لا تتعلق بتدبير التسهيلات الائتمانية، مثل التمويلات الخاصة بشراء الخامات، ولكن بتدبير التمويل طويل الأجل الذي يحتاجه القطاع بشدة بسبب طبيعة عمليات البحث والتطوير الدوائي، التي تستغرق وقتًا طويلًا وتتضمن مخاطر مرتفعة.
ويفرق المصدر في إيبيكو بين تمويل المشروعات الدوائية والقطاعات التجارية الأخرى، "فالأولى تتطلب مرونة وصبرًا من البنوك".
وهو ما يؤكد عليه المصدر في إيفا فارما، فشركته وإن كانت تتمتع بقدر من النشاط التصديري فهي تواجه ضغوطًا بسبب عدم إتاحة التمويل البنكي طويل الأجل.
ويضيف "القطاع الصحي بحاجة ماسّة إلى تمويل طويل الأجل، نظرًا لطبيعة صناعة الأدوية التي تتطلب فترات تطوير طويلة ومخاطر بحثية عالية، حيث غالبًا ما تفشل التجارب السريرية في مراحلها الأولى، ما يزيد من درجة المخاطرة لدى المستثمرين".
ويؤكد رئيس المجلس التصديري للصناعات الطبية على أن التمويل المتاح حاليًا من البنوك يعدُّ متوسط الأجل بحد أقصى 5 سنوات، ولا يلبي احتياجات القطاع الصناعي، الذي يتطلب فترات سداد تصل إلى 10 سنوات أو أكثر.
يراهن المستثمرون في القطاع على اتجاه البنك المركزي منذ أبريل/نيسان الماضي لتيسير أسعار الفائدة، بعد تثبيتها على مستويات مرتفعة منذ مارس/آذار 2024 للحد من التضخم، لكن أسعار الفائدة الحالية تظل مرتفعة قياسًا بمستوياتها التاريخية، ما قد يتطلب الاستجابة لمطالب المصنعين بالتدخل المباشر لدعم الفائدة للصناعات الدوائية.