دعا أهالي عدد من المعتقلين السياسيين والمحبوسين احتياطيًا لفترات طويلة على ذمة قضايا، للإفراج عن ذويهم وإنهاء معاناتهم خلف القضبان، وذلك خلال مؤتمر تضامني تخللته عروض فنية تضامنية، نظمته أسرة الناشط السياسي علاء عبد الفتاح وأسر مُعتقلين، مساء أمس الجمعة بمقر حزب المحافظين في جاردن سيتي تحت عنوان "مكانهم وسطنا".
ورغم الانتشار الأمني لأفراد الشرطة في زي مدني في محيط المكان، حضر المؤتمر عدد من المتضامنين والصحفيين والنشطاء الحقوقيين والسياسيين، إلى جانب أسر عدد من المعتقلين، استجابة لدعوة أطلقتها ليلى سويف عبر فيسبوك قبل أيام.
بدأت الفعاليات بعرض بصري مؤثر وثّق معاناة العائلات مع غياب أبنائها خلف القضبان، إذ تحدثت الدكتورة وفاء حفني، والدة المترجمة مروة عرفة، عن ظروف اعتقال ابنتها التي قُبض عليها من منزلها في أبريل/نيسان 2020 وهي مع ابنتها التي لم تكن تجاوزت عامها الثاني بعد.
منذ ذلك التاريخ، لا تزال مروة عرفة قيد الحبس الاحتياطي على ذمة القضية رقم 570 لسنة 2020 أمن دولة عليا، متهمة بـ"بث أخبار كاذبة" و"الانضمام إلى جماعة إرهابية".
تجاوزت فترة حبس مروة الحد الأقصى المسموح به قانونيًا، دون إحالة أو محاكمة، بينما ابنتها وفاء، المصابة بطيف التوحد، تكبر في غياب والدتها، حسب الدكتورة وفاء حفني.
وتضمن العرض البصري أيضًا كلمات لأهالي عدد من المعتقلين بينهم علاء عبد الفتاح، ورسام الكاريكاتير في المنصة أشرف عمر، والبرلماني السابق والسياسي أحمد الطنطاوي، والمتحدث السابق باسم حركة شباب 6 أبريل محمد عادل، وعدد من الشباب المختفين قسريًا والمحبوسين احتياطيًا دون محاكمة لسنوات.
كما تضمن عرض الفيديو رسالة من جهاد خالد، ابنة المحامية والناشطة الحقوقية هدى عبد المنعم، العضوة السابقة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، التي قضت عقوبة السجن خمس سنوات ويُعاد تدويرها في قضايا أخرى بالتهم ذاتها على خلفية نشاطها الحقوقي، وترفض المحكمة إخلاء سبيلها رُغم تدهور حالتها الصحية ومعاناتها من جلطات رئوية وفشل كلوي.
إلى من يهمه الأمر

الأكاديمية ليلى سويف وابنتها سناء سيف خلال مؤتمر "مكانهم وسطنا"، 16 مايو 2025في كلمتها، وجهت الأكاديمية ليلى سويف عدة رسائل، أكدت من خلالها أهمية الإفراج عن كافة معتقلي الرأي والمحبوسين احتياطيًا، وقالت "لن نصمت، ولن تختفي القضية إلا بحلٍّ حقيقي".
وقالت في رسالتها للمتضامنين مع أسر المعتقلين "التضامن هو اللي بيخلي صوتنا يفضل مسموع، لا تيأسوا، الاستسلام للهزيمة يجعلها أبدية، لازم تستمروا وتناضلوا وإن شاء الله هنحتفل كلنا".
وأضافت "مش عارفة أقول إيه، الوضع صعب علينا كلنا، وفي ناس ظروفها أصعب مني، أنا رغم كل شيء عارفة ابني فين وعارفين وضعه رغم إنه لسه محبوس، إنما في أمهات مش عارفة ولادها فين، في أمهات ولادها مختفين، وده الألم الحقيقي".
وفي رسالتها للدولة قالت "أنا عادة مبحبش أوجه كلامي للدول، بحب أكلم الشعوب، لكن خلوني أقولها للدولة: المسألة دي مش هتختفي غير لما تتحل، الأهالي خلاص جابوا آخرهم، مبقوش خايفين، مش على نفسهم، لكن على ولادهم، بقينا بلد ميت مليون بني آدم مش هيخافوا من السجون، ومش هنخلص بموتنا لأن الموت صوته عالي".
وشددت على أن ما يجري ليس قضية أفراد، بل أزمة عدالة، والحلول الجزئية لم تعد مجدية؛ "الوضع مش هيتحل بالقطّارة. مفيش معنى إن يخرج واحد من السجن وهو منهار عشان لسه خمسين من أصحابه محبوسين، العدالة منهارة والمنظومة كلها بتنهار قدام عينينا، ودواير التضامن بتتوسع كل يوم".
وحذّرت من أن الدولة تسير بالبلاد نحو سيناريوهات مشابهة لما جرى في دول أخرى، بقولها "بعد فتح السجون في سوريا الناس شافت الحقيقة، والوضع عندنا مش بعيد، بس الفرق إن الناس هنا بدأت تفهم والمقاومة بتزيد".
والخميس الماضي، تقدمت ليلى سويف بطلبين جديدين للنائب العام للإفراج عن نجلها علاء عبد الفتاح، استنادًا إلى قضائه كامل مدة العقوبة المحكوم عليه بها في القضية المحبوس على ذمتها منذ 28 سبتمبر/أيلول الماضي. كما سلّمت شقيقته سناء سيف التماسًا جديدًا إلى رئاسة الجمهورية بالعفو الرئاسي عنه.
وأنهى علاء عبد الفتاح مدة حبسه قانونًا في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وكان مقررًا الإفراج عنه لكن السلطات لم تحتسب مدة حبسه احتياطيًا ضمن فترة العقوبة بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية، حسب المحامي الحقوقي خالد علي لـ المنصة.
بريد للمحبوسين
في غرفة خُصصت لكتابة رسائل موجهة إلى المعتقلين، جلس الحضور حول طاولات، يدونون بخط اليد كلمات تضامن وأمل موجّهة إلى من انقطعت عنهم الأخبار خلف القضبان. حاولوا التعبير عن الحنين والغضب والتمسك بالحق في الحرية والتأكيد على أن غيابهم لا يعني نسيانهم.

متضامنون مع المعتقلين يكتبون رسائل دعم خلال مؤتمر "مكانهم وسطنا"، 16 مايو 2025وداخل غرفة مجاورة تجمع متضامنون وسط ملابس عدد من المعتقلين معلقة حبل غسيل، إلى جانب أكياس كبيرة ممتلئة بملابس أخرى تكدست في مشهد قريب للوضع داخل الزنزانة.
وافتتحت المحامية الحقوقية ماهينور المصري المؤتمر بكلمة حاولت من خلالها تصوير معاناة المعتقلين داخل السجون، قائلة "في وقت يخوض فيه معتقلون إضرابات طويلة تحت ظروف قاسية للمطالبة بأبسط حقوقهم القانونية، نلتقي اليوم في اليوم السادس عشر من إضراب محمد عادل عن الطعام، الذي يطالب فقط بحقه في أداء الامتحانات، رغم انتهاء مدة حبسه".
وبدأ المتحدث السابق باسم حركة 6 أبريل محمد عادل إضرابًا عن الطعام مطلع مايو/أيار الجاري، احتجاجًا على حرمانه للمرة الثانية من استكمال دراسته وأداء الامتحانات في دبلوم القانون العام بكلية الحقوق بجامعة المنصورة داخل محبسه، بعدما كانت منعته من الأمر نفسه في امتحانات التيرم الأول.
وانتقدت ماهينور المصري حملات الاعتقالات بحق الشباب والحقوقيين، قائلة "الدولة القوية لا تسجن أبناءها، الدولة القوية هي التي تسمع أصوات الجميع".
رشا قنديل: سيبونا نتنفس
خلال كلمتها في المؤتمر، عبّرت الإعلامية رشا قنديل، المتحدثة الإعلامية باسم حزب "تيار الأمل" تحت التأسيس، وزوجة السياسي أحمد الطنطاوي، عن تضامنها الكامل مع أسر المحتجزين، وعلى رأسهم الدكتورة ليلى سويف، مشيدة بشجاعتها وصمودها في مواجهة السياسات القمعية.
وانتقدت الوضع السياسي الراهن، مشيرة إلى أن الأزمة تجاوزت الأسماء الفردية لتشمل عشرات الآلاف من المعتقلين لمجرد تعبيرهم عن آرائهم أو دفاعهم عن قضايا عامة، وأضافت "كل اللي بنطلبه هو العيش في بلد آمنة، فيها مساحة للتنفس والحياة الكريمة، مش عايزين أكتر من كده".

شاشة عرض كلمات لأسر المعتقلين في مؤتمر "مكانهم وسطنا"، 16 مايو 2025وتابعت "سيبوا علاء عبد الفتاح، سيبوا الطنطاوي يكون عنده حزب، سيبوا خالد علي يبقى محامي بس، ورشا عزب تشتغل صحفية، ومحمد مسعد يرجع مهندس، سيبونا نتنفس يا ناس، سيبونا نعيش".
ومن المقرر الإفراج عن الطنطاوي في 27 مايو/أيار الجاري، بعد انتهاء مدة حبسه هو ومدير حملته محمد أبو الديار في قضية "التوكيلات الشعبية" لإدانتهما بـ"طباعة وتداول أوراق تخص العملية الانتخابية دون تصريح من السلطة المختصة".
لكن هناك مخاوف حقوقية من إعادة تدويره في قضيتين جديدتين تحملان رقمي 2468 لسنة 2023 و2635 لسنة 2023 حصر أمن الدولة، قررت نيابة أمن الدولة العليا إخلاء سبيله فيهما في 28 أبريل/شباط الماضي، بعد سماعها أقواله باعتباره متهمًا فيهما بـ"التحريض على التظاهر وارتكاب عمل إرهابي".
مكانهم وسطنا
خصصت روفيدة حمدي كلمتها عن زوجها محمد عادل، بعدما حيّت ليلى سويف على قوتها وصمودها، وقالت إن عادل دخل أمس يومه السادس عشر لإضرابه عن الطعام احتجاجًا على منعه من أداء الامتحانات رغم انتهاء المدة التي يسمح بها القانون بحبسه احتياطيًا.
وقالت إن الأزمة بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2024 حين مُنع من دخول امتحانات الفصل الدراسي الأول، واضطر وقتها للإضراب، ليُعاقب بعد ذلك بنقله إلى سجن شديد الحراسة.
وتابعت "عادل بقاله 12 سنة في السجن بسبب آرائه السياسية، دون أن تُوجَّه إليه أي تهم تتعلق بالإرهاب أو العنف"، مضيفة "أنا مش بصدد صدام مع الدولة، لكن أمام حالة إنسانية"، مجددة مناشدتها الرئيس عبد الفتاح السيسي الإفراج عن زوجها، قائلة "إذا كنا نحب البلد فعلًا ونحرص على استقرارها، فمكان الأحرار مش السجون".
"جريمة دعم فلسطين"
أما الطالب علي محمد المُحتجز على خلفية مشاركته في مظاهرة لدعم فلسطين، فألقت والدته كلمةً قالت فيها إن ابنها خرج إلى الشارع استجابةً لتوجه عام للدولة معبرًا عن رفضه الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
وتابعت "علي لم يرتكب أي جريمة أو عمل إجرامي أو فساد، بل خرج يعبر عن رأيه مثل آلاف المصريين المشاركين في التظاهرات، لكنه تعرض للاختفاء القسري لمدة 9 أيام قبل أن يُعرض على نيابة أمن الدولة، ثم نُقل إلى سجن بدر".
واستنكرت تعنت السلطات في رفض الإفراج عن ابنها رغم "ضياع مستقبله التعليمي"، مشيرة إلى أن تهمة "الانضمام إلى جماعة إرهابية" لا معنى لها، متسائلة "كيف يصبح الدفاع عن القضية الفلسطينية جريمة وإرهابًا؟".
غياب العدالة
عن "غياب العدالة والجمود القانوني" اللتين تواجهها قضية رسام الكاريكاتير بـ المنصة أشرف عمر، تحدثت زوجته ندى مغيث، وانتقدت التجاهل المستمر لمطالب الإفراج عنه وعن معتقلي الرأي عمومًا، وقالت "تعبنا من تقديم الطلبات والبيانات للجهات الرسمية، ومن الدعوات المتكررة لاحترام القانون، والواقع الحالي لا يتسع للرجاء ولا حتى للقانون".

ملابس وصور المعتقلين في مؤتمر "مكانهم وسطنا"، 16 مايو 2025ندى مغيث شددت على ضرورة إكمال المشوار والإصرار على تقديم مطالب الإفراج عن المعتقلين رغم تعنت السلطة، قائلة "العائلات باتت مدركة تمامًا غياب العدالة، لكن محاولة التفاهم مع السلطة تظل ضرورية رغم الوضع الصعب".
وأضافت أن المعتقلين تجاوزوا مرحلة الخوف داخل السجون، وباتوا أكثر وعيًا ونقاشًا سياسيًا، قائلة "السلطة نفسها بتحولهم لرموز سياسية، وده هيفضل مسجل في التاريخ".
وختمت كلمتها برسالة أمل ومقاومة "رغم اللحظات الصعبة والشعور بالهزيمة، وجودنا جنب الدكتورة ليلى سويف وأسر المعتقلين بيمنحنا قوة للاستمرار، إحنا مش مهزومين طول ما إحنا بنتقابل وندعم بعض".
ويقبع أشرف عمر خلف القضبان منذ 22 يوليو/تموز الماضي، رهن الحبس الاحتياطي، بعدما ألقت قوة أمنية بلباس مدني القبض عليه من مقر سكنه، ومنذ ذلك الحين يتم تجديد حبسه على ذمة القضية رقم 1968 لسنة 2024 حصر أمن الدولة، ويواجه فيها اتهامات بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، وبث ونشر شائعات وأخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام إحدى وسائل التواصل الاجتماعي".
وتناول عمر في عدة رسومات أزمات الكهرباء والديون، وسألته النيابة خلال التحقيقات عن رسوماته المنشورة في المنصة، ومسودات أخرى لرسوم كاريكاتيرية لم تنشر بعد.
وسبق وألقت قوة أمنية القبض على ندى مغيث في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، واتهمتها نيابة أمن الدولة العليا بعد التحقيق معها بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة"، على خلفية إدلائها بحوار صحفي، وأخلت سبيلها على ذمة القضية بكفالة خمسة آلاف جنيه.
معاناة الأهل مستمرة
روت المحامية نورهان حسن معاناة أسرتها منذ اختفاء شقيقها أحمد حسن منذ عام 2019، وكيف تعيش والدتها في انتظارٍ مؤلمٍ لا ينتهي، "أمي فقدت طعم الحياة ومن يوم القبض عليه مش بتنام في سريرها، بتقول إزاي أنام وأنا مش عارفة ابني فين ولا بينام إزاي".
وقال شقيقها الآخر الصحفي محمد حسن، إن "بعض المعتقلين شافوه (أحمد) داخل مقر جهاز الأمن الوطني واتعرفوا عليه من ملابسه ورغم كده لحد النهارده بينكروا وجوده".
طالبت والدة المعتقل سامي الجندي بالإفراج عنه، وقالت "أفرجوا عن أولادنا كفاية وجع، دي مش بس مطالبة دي صرخة في وجه النظام، في وجه كل من يشارك في تعذيب الأمهات وسلب أعمار الشباب".
كانت المحامية الحقوقية ماهينور المصري، أعلنت عبر إكس، في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، القبض على سامي الجندي بعد اقتحام شقته في حلوان، وقالت إنه "من الشباب المخلصين جدًا و بيحب بلده".
واختتم المحامي محمد تركي والمتحدث الإعلامي باسم حزب المحافظين المؤتمر بمطالبته بالإفراج عن كافة سجناء الرأي.
قال تركي "من بدري والناس بتختلف مع بعض وبتتخانق وبتتناقش، لكن مش مبرر إن السلطة لما تختلف معانا تحبسنا"، مردفًا "محدش بقى يحترمنا خارج أوطاننا لأننا مهانون داخلها".