أصدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أمس، ورقة سياسات عن أحوال العمالة غير المنتظمة وما تتعرض له من تهميش واستغلال، والمخاطر التي تواجهها سواء في مواقع العمل أو على الطرق المؤدية إليها "تلك المخاطر التي تؤدي إلى كوارث يومية ونزيف أرواح مستمر في صفوف العمال".
جاءت الورقة في أعقاب الحادث الذي أودى بحياة 18 فتاة إضافة إلى شاب واحد، وإصابة ثلاث فتيات أخريات في حادث تصادم ميكروباص كان يقلهم إلى العمل في مزرعة عنب بسيارة نقل ثقيل على الطريق الإقليمي بنطاق مركز أشمون بمحافظة المنوفية، الجمعة الماضي.
واعتبرت الورقة أن "هذه الأوضاع الكارثية ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة مباشرة لتقاعس الجهات المختصة، وعلى رأسها وزارتا العمل والنقل، عن القيام بواجباتهما القانونية والدستورية في حماية هؤلاء العمال".
وكان وزير النقل والصناعة كامل الوزير اعتبر أنه غير مسؤول عن مثل هذه الحوادث، ودافع عن الطريق الإقليمي "معمول على أعلى مستوى وباستشاريين عالميين، أحسن استشاريين في الطرق في مصر، وأحسن شركات مصرية بتشتغل في الطرق كانت بتشتغل معانا".
وانتقد الهجوم الذي تعرض له عقب الحادث، قائلًا "فيه ناس بتقول إن كامل الوزير غير مؤهل ليكون وزير للنقل.. مين قالك؟.. هو أنت تعرف أنا اتعلمت إيه في الكلية الفنية العسكرية.. دي الكلية بتعلمك إزاي تبقى عالم ومخترع ومهندس شاطر في كل التخصصات".
وتابع "هو إنت شُفت؟.. اسأل عليَّ دفعتي.. اسأل عليَّ أساتذتي اللي درسولي.. بيقولك أنا غير مؤهل.. مين قالك أنا غير مؤهل.. هو إنت بتحكم على حاجة إنت متقدرش تقيمها".
وأشارت ورقة المركز المصري إلى أن هؤلاء العمال يواجهون بيئة عمل محفوفة بالمخاطر، تبدأ من وسائل نقل بدائية ومتهالكة، ولا تنتهي عند مواقع العمل التي تفتقر إلى أبسط معايير الصحة والسلامة "حيث يتم الزج بهم في أعمال شاقة مقابل أجور زهيدة، دون عقود أو تأمين اجتماعي، في ظل غياب الرقابة واستغلال أصحاب العمل والمقاولين الذين يتحكمون في مصيرهم وكأنهم عمالة بلا حقوق أو هوية قانونية".
وأطلقت الورقة 5 توصيات، قالت إنها تهدف إلى وقف هذه الكوارث عن طريق اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين ظروف عملهم ووسائل نقلهم، وتوفير بيئة عمل آمنة لهم.
وشملت التوصيات إنشاء مكتب خاص في كل وحدة محلية يكون معنيًا بحصر وتسجيل عمال التراحيل والإشراف الكامل على تشغيلهم ونقلهم، وضمان سلامة وسائل النقل التي تقلهم، والتأكد من مطابقتها لاشتراطات الأمان، وفرض رقابة صارمة على تلك الوسائل، وتحميل أصحاب الأعمال مسؤوليتهم القانونية عن تأمين وسيلة نقل آمنة ومطابقة للمواصفات.
كما تضمنت التوصيات ضرورة ضبط وتنظيم عملية دفع أجور العمال غير المنتظمين، بما لا يقل عن الحد الأدنى للأجور، وتفعيل آليات التفتيش المستمر على أماكن العمل، للتأكد من عدم تشغيل الأطفال، ومن توفر الحد الأدنى من شروط الصحة والسلامة المهنية.
واختتمت التوصيات بالدعوة إلى إطلاق برامج حماية اجتماعية وصحية متكاملة مخصصة لعمال التراحيل، تضمن لهم ولأسرهم شبكة أمان في مواجهة المخاطر المتزايدة التي يتعرضون لها يوميًا.
وذكرت الورقة أن المركز المصري "وثق في رصد سريع" ما لا يقل عن 248 ضحية من العاملات والعمال شملت 55 وفاة و193 إصابة في حوادث نقل العمال اليومية خلال عام واحد في الفترة من يوليو/تموز 2024 وحتى يونيو/حزيران 2025.
واعتبر المركز المصري أن "استمرار هذا الوضع الكارثي يمثل خيانة صارخة لمبادئ العدالة الاجتماعية التي ينص عليها الدستور المصري، ويكشف زيف الادعاءات الحكومية بحماية حقوق العمال، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية لإنقاذ أرواح عمال التراحيل من الموت المجاني والإهمال المنظم".
من جانبه، قال مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مالك عدلي لـ المنصة إن ما تضمنته الورقة "هي اقتراحات بسيطة وسهلة التنفيذ يمكن للحكومة تطبيقها دون أن يحملها ذلك أي أعباء مالية"، مضيفًا "هناك ثمة دعاوى يطلقها مسؤولو الحكومة تقول إن هناك صعوبات كبيرة في حل مشكلات العمالة غير المنتظمة والسيطرة على أزماتهم وعلى رأسها تسجيل العمالة، ونحن نطرح هنا حلولًا يمكن أن تنفذ بقرارات عاجلة من وزيري العمل والتنمية المحلية أو من رئيس الوزراء".
وأشار عدلي إلى أن اقتراح إنشاء مكتب خاص في كل وحدة محلية يكون معنيًا بحصر العمال وتأمين وسائل نقلهم هو شكل مختلف عن قاعدة بيانات منظومة وزارة العمل للعمالة غير المنتظمة، والمتعلقة بشكل أكبر بمسألة المنح والتعويضات، وأن "المكتب المقترح إنشاؤه في كل وحدة محلية، سيكون مسؤولًا عن متابعة أجور العمال وضمان ألا تقل عما حدده المجلس القومي للأجور بـ28 جنيهًا في الساعة، وبذلك نكون أشركنا الحكومة ممثلة في تلك الوحدات في تحصيل أجور العمال، ومنع استغلالهم سواء من قبل صاحب العمل أو المقاولين".
وأوضح أن تلك المكاتب "من شأنها أن تتلقى أي شكاوى من العمال عن سوء المعاملة داخل أماكن العمل أو تشغيلهم لأكثر من ثماني ساعات يوميًا".
وعن الآليات التي يمكن من خلالها إدخال مثل هذه التوصيات والاقتراحات حيز التنفيذ، قال عدلي إن ذلك يحتاج لضغط من منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية والاجتماعية، وسوف نتواصل مع تلك القوى ومع نواب برلمانيين من أجل إقرار هذه المنظومة.
وتتفاوت التقديرات بشأن حجم العمالة غير المنتظمة، فبينما تشير آخر البيانات الصادرة عن وزارة العمل إلى أن عدد العمال غير المنتظمين المسجلين حتى الآن في قاعدة بيانات منظومة وزارة العمل يبلغ مليونًا و164 ألفًا و12 عاملًا فقط، قال رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر عبد المنعم الجمل، في تصريحات سابقة، إن هناك تقديرات بأن عدد العمالة غير المنتظمة يتراوح ما بين 12 و14 مليون عامل.
وعقب حادث الطريق الإقليمي، طالبت كيانات عمالية وقوى سياسية بفتح تحقيق شامل للكشف على أصحاب العمل وظروف التشغيل ومدى تقصير الجهات الرقابية وتنفيذ برامج حقيقية للرعاية الاجتماعية والصحية والنقل الآمن للعاملات الزراعيات.
كما طالب عدد من أعضاء مجلس النواب بتشكيل لجنة تقصي حقائق للوقوف على أسباب الحادث، في الوقت الذي طرح فيه نواب المعارضة تساؤلاتٍ بشأن الإنفاق على الطرق وإدارتها وصيانتها وتضارب الجهات المسؤولة عنها.
فيما أعلنت وزارتا التضامن الاجتماعي والعمل عن إنهاء إجراءات صرف وتسليم التعويضات المقررة من جانب الوزارتين إلى ضحايا ومصابي الحادث، حيث تم تسليم أسرة كل ضحية مبلغ 500 ألف جنيه، فضلًا عن 70 ألف جنيه لكل حالة إصابة.
وأمس، لقيت فتاة مصرعها وأصيب 17 آخرون إثر انقلاب ميكروباص محمل بالعمالة الزراعية بصحراوي البحيرة.
وخلال الأعوام الماضية تكررت الحوداث التي أودت بحياة عمال وعاملات، غالبيتهم يعملون بالقطاع الزراعي، ففي 21 مايو/أيار 2024، لقيت 17 فتاة مصرعهن وأصيبت ثمانية آخريات، إثر سقوط سيارة ميكروباص كانت تقلهن من أعلى معدية نهرية بمنطقة أبو غالب بدائرة مركز شرطة منشأة القناطر، وكن عائدات من عملهن بإحدى مزارع محافظة المنوفية.
وفي يناير/كانون الثاني 2022، لقي 8 شباب وفتيات مصرعهم إثر سقوط سيارة نصف نقل كانت تقل 22 عاملًا وعاملة دون سن الثامنة عشرة من أعلى معدية بفرع رشيد، بالقرب من قرية القطا التابعة لمركز منشأة القناطر بالجيزة خلال عودتهم من العمل بإحدى مزارع الدواجن، إلى منازلهم بقرية التفتيش التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية.