سكرين شوت من فيديو
لقاء عماد الدين أديب مع زعيم المعارضة في الكنيست الإسرائيلي يائير لابيد، 3 يوليو 2025

أكاذيب لابيد تجدد جدلًا صحفيًا قديمًا بشأن التطبيع

محمد الخولي
منشور السبت 5 يوليو 2025

أعاد الحوار التليفزيوني الذي أجراه الإعلامي المصري عماد الدين أديب مع زعيم المعارضة في الكنيست الإسرائيلي يائير لابيد على فضائية سكاي نيوز عربية، إحياء جدل مهني بشأن حدود علاقة الصحفيين والإعلاميين المصريين المهنية بالمصادر الإسرائيلية؛ بين تأييد حق الصحفي في التعامل مع كل المصادر دون استثناء، والرفض القاطع لأي تواصل مع المصادر الإسرائيلية تحت أي ذريعة، واعتبار ذلك تطبيعًا إعلاميًا وثقافيًا مع إسرائيل.

وظهر لابيد في الحوار الخاص، الخميس الماضي، ضيفًا هادئًا مرتبًا يجيد استغلال فرصته النادرة لعرض السردية الإسرائيلية على العالم العربي. في المقابل، بدا أديب هادئًا أيضًا لكن هدوء العاجز عن إدارة الحوار، وفق متابعين انتقدوا تمريره الكثير من المغالطات التي شابت حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق. 

لكنَّ النقد الذي واجهه أديب من كلا الفريقين؛ لم يمنع تجدد الجدل القديم قِدَم معاهدة السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل عام 1979، ورفضتها نقابة الصحفيين في مارس/آذار 1981 بقرار من جمعيتها العمومية بحظر التطبيع مع إسرائيل، ما زال ساريًا إلى اليوم إذ يتجدد في كل اجتماعات الجمعية العمومية التي تنعقد انعقادًا عاديًا كل سنتين لانتخاب النقيب ونصف أعضاء المجلس. 

أكاذيب لابيد تمر بهدوء

لم تزد مدة المقابلة كلها عن 25 دقيقة، جرت تحت سيطرة الضيف بشكل كامل، دون تدخل حقيقي من المذيع، حتى عندما كان لابيد يتجاهل الإجابة عن أسئلته، أو يوجه اتهامات دون أسانيد. لم يلاحقه المحاور أو يستوضح منه أو يصحح له.

لم يطلب أديب أي أدلة على الاتهامات التي وجهها ضيفه لحركة حماس بسرقة المساعدات وبيعها لسكان غزة لتشتري بها سلاح، ومرَّ على الإعلامي الكبير "غسيل السمعة" الذي قام به لابيد وهو يزعم أن جيش الاحتلال يقدم مساعدات إنسانية لمن يحاربهم.

وبدا أديب خجولًا وهو يتحدث عن الضحايا المدنيين في قطاع غزة، بل وصمت عندما روج لابيد لسردية الدروع البشرية الإسرائيلية. وعندما قال لابيد "أنا أتفق تمامًا أنك تتوقع منا ومن إسرائيل، كدولة ديمقراطية، أن تقدّر قيمة الحياة الإنسانية. لكن يجب أن يفهم الناس أن حماس كانت تملك القدرة على إيقاف هذه الحرب منذ عامين، الشيء الوحيد الذي كان عليهم فعله هو إلقاء أسلحتهم. ليس لدينا خلاف مع سكان غزة، حماس هي أسوأ عدو لشعب غزة، ونحن نقاتل عدوهم الأسوأ". قاطعه أديب وقال "بس الذي يحدث أنه عدد ضحاياكم.."، ثم صمت ولم يكمل الجملة، وانتقل إلى السؤال التالي.

لم يستفسر أديب من ضيفه عما يطرحه بشأن إدارة مصر لقطاع غزة، مثلما لم يزعجه قول لابيد إن إسرائيل لا تحتل الجولان السوري لأن "إسرائيل تسيطر الآن على الجولان منذ وقت أطول بكثير مما فعل السوريون"، ولا أنه بسبب الحرب الأخيرة التي شنَّها الاحتلال على إيران "الشرق الأوسط تلقى تذكيرًا بأن إسرائيل هي القوة العسكرية الإقليمية العظمى والقادرة على فعل أشياء لا يستطيع أحد غيرها فعلها".

بين رفضين

أعاد الحوار قرار الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين بشأن حظر التطبيع إلى الواجهة، مع تصاعد المطالب بإحالة أديب إلى التحقيق النقابي، ليُصدر جمال عبد الرحيم، سكرتير عام النقابة، بيانًا يؤكد فيه أن أديب لم يعد عضوًا في النقابة منذ 2020 عندما قررت هيئة التأديب الابتدائية في سبتمبر/أيلول 2020 شطبه من جداول النقابة، بعد فصله تعسفيًا عشرات الصحفيين من جريدة العالم اليوم التي يرأس مجلس إدارتها، وإغلاق ملفاتهم التأمينية بأثر رجعي منذ عام 2014.

من جانبه، أكد نقيب الصحفيين خالد البلشي في بيان نشره على فيسبوك أن النقابة "ما كانت لتتوانى عن عقاب عماد أديب فورًا لو كان محتفظًا بعضويته"، مهددًا بإحالة أي عضو يخالف قرار الجمعية العمومية بحظر "كل أشكال التطبيع المهني والنقابي والشخصي" إلى التحقيق النقابي على الفور.

ويشرح نقيب الصحفيين الأسبق يحيى قلاش أن النقابة عند اعتماد القرار عام 1981، لم يكن لديها نص بعقوبات واضحة على من يخالف قرار حظر التطبيع. ويضيف لـ المنصة "لكن في التسعينيات ألزمت الجمعية العمومية المجلس بإحالة المخالف للجنة تأديبية تتخذ بشأنه الإجراءات، من أول توجيه اللوم ولفت النظر ثم الشطب المؤقت ثم الشطب النهائي".

وسبق أن وجهت الهيئة التأديبية الابتدائية بنقابة الصحفيين إنذارًا للدكتورة هالة مصطفى بسبب استقبالها السفير الإسرائيلي بمكتبها في مؤسسة الأهرام عام 2010 عندما كانت تترأس تحرير مجلة الديمقراطية.

وعاقبت اللجنة نفسها صحفيًا آخر هو حسين سراج، نائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر، بالمنع من الكتابة الصحفية لمدة ثلاثة أشهر، لزيارته إسرائيل 25 مرة، وحضوره حفل السفارة الإسرائيلية في القاهرة في ذكرى النكبة، ولقائه عددًا من رجال الأعمال الإسرائيليين.

كما أوضح قلاش أن النقابة وقعت في تاريخها جزاءات على كلٍّ من أنيس منصور وصلاح منتصر وعبد الستار الطويلة وعبد المنعم سعيد ولطفي الخولي، بعد مخالفتهم قرار حظر التطبيع مع إسرائيل.

لكن على الجانب الآخر، دافع الإعلامي حافظ المرازي عن حق الصحفي في التواصل مع أي مصدر إذ كتب على فيسبوك أن "إجراء مقابلة صحفية مع عدو أو إرهابي أو مغتصب أطفال مجرد عمل صحفي لا يختلف عن مقابلة سياسي أو رجل أعمال أو دين؛ المشين في أي منها هو فقط مدى مهنية الحوار أو استخدامه نفعيًا وانتهازيًا. رجاء لا تخلطوا الأوراق". 

أما الإعلامي يسري فودة فلم يكتفِ بالتأكيد على حق وواجب الصحفي في السعي وراء كل المصادر المتاحة نحو الحقيقة، بل دلل على ذلك بالتذكير باستضافة BBC رجال عبد الناصر "العدو اللدود لبلادهم في أوج أزمة السويس عام 1956، مثلما فعلها آخرون في ظروف مشابهة وفعلتها أنا نفسي في تحقيقات صحفية مختلفة". 

وكان فودة يشير إلى تحقيقاته التي أجراها ضمن برنامج سري للغاية على قناة الجزيرة، والتقى خلالها بمصادر إسرائيلية، وكذلك مصادر من قيادات تنظيم القاعدة. 

ووفق فودة، فإن "المشكلة تنشأ حين لا تستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة: لماذا هذا اللقاء؟ لماذا الآن؟ ولأي هدف؟ وحين يسمح الصحفي لنفسه بأن يُستخدم -عن علم أو عن غير علم- لخدمة أجندة سياسية معينة".

وتابع "هذا الشيء (حوار أديب ولابيد) باختصار ليس لقاءً صحفيًا. كفوا عن تناوله على هذا الأساس. إنه ببساطة حدث سياسي مصمم لأغراض خبيثة، لم يعد مثله يثير الدهشة لدى أحد بقدر ما يثير مزيدًا من الاحتقار"، ووضع بعض الملاحظات المهنية على الحوار.

ويتفق الصحفي أحمد رجب مع ذلك الطرح، معتبرًا أن "القيام بعمل صحفي حقيقي داخل إسرائيل، أو استضافة ضيوف إسرائيليين، لا يُعتبر تطبيعًا، طالما أن ذلك يحدث في سياق مهني، ومن أجل هدف أكبر، وهو فضح وكشف المشروع الإسرائيلي في المنطقة"، مؤكدًا وجود خطٍّ فاصل بين هذا السلوك و"العمالة ، وهو أن يتحول الشخص إلى منصة يستخدمها السياسيون الإسرائيليون لبثّ ونشر الهاسبارا (الدعاية الإسرائيلية)، أو أن يصبح مطية يركبونها للوصول إلى أهدافهم".