تصوير رافي شاكر، المنصة
صورة أرشيفة من مخبز

المقايضة بدلا من الدولار.. ماذا تقدم الهند لمصر؟

منشور الأحد 9 يوليو 2023 - آخر تحديث الأحد 9 يوليو 2023

خلال نصف عام تبادل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الزيارات، وكان من أبرز الملفات المطروحة بينهما البحث عن طريقة للتجارة بين البلدين تعتمد على المقايضة، من دون الاستناد على الدولار، في ظل الاتجاه المحموم للولايات المتحدة منذ 2022 لرفع الفائدة، ما زاد من تكلفة التمويلات الدولارية.

وبينما لم يعلن أي من البلدين حتى الآن عن كيفية تطبيق نظام المقايضة في التجارة، يراهن الجانب المصري على الهند في تدبير جانب من احتياجات البلاد من السلع الأساسية. فما الذي يمكن أن توفره الهند لمصر حاليًا من سلع وما آفاق التوسع في العلاقات التجارية بين البلدين؟

قبل أيام من زيارة رئيس الوزراء الهندي لمصر، يونيو/حزيران الماضي، نشرت وكالة رويترز تصريحات لوزير التموين المصري، علي المصيلحي، ينفي فيها فتح الهند خط ائتمان للتجارة مع مصر، لكنه أكد أن المفاوضات جارية في هذا الشأن.

والمقصود بخط الائتمان هو نظام لتمويل التجارة بين البلدين يعتمد بشكل رئيسي على العملات المحلية لكلتاهما، مع ما تواجهه مصر من صعوبات في توفير العملات الصعبة للتجارة، حيث ذكرت رويترز في تقرير مايو/أيار أن البلاد تتأخر في سداد مستحقات شحنات للقمح.

"وزارة التموين تسعى خلال الفترة الحالية لإنهاء الاتفاق مع عدد من الدول على تنفيذ صفقات بيع وشراء منتجات بالعملات المحلية بعيدًا عن الدولار، بهدف تخفيف الضغط على المخزون الدولاري للدولة المصرية"، كما قال مصدر بوزارة التموين للمنصة فضل عدم ذكر اسمه.

وأضاف المصدر "هناك مساعي تتم منذ أشهر عديدة مع الهند وروسيا والصين لتنفيذ المعاملات التجارية بعملات محلية. كل دولار سنوفره بعد تطبيق الاتفاقية سيساعدنا في تلبية احتياجات مهمة نستوردها من دول أخرى".

وفي ظل عدم الإعلان حتى الآن عن طريقة تطبيق المقايضة، يعني ذلك أن الاتفاق لا يزال في مرحلة هشة قد تُعرضه لعدم الاكتمال. فقد كان مرتقبًا خلال العام الماضي اتفاق الهند وروسيا على تبادل تجاري بالعملات المحلية، لكن رويترز ذكرت في مايو الماضي أن المفاوضات تم تجميدها لأن الروس غير مستريحين لفكرة أن يحتفظوا بالروبية الهندية، ويريدون مستحقاتهم باليوان الصيني أو بعملات أخرى.

لكن الهند لا تزال لديها دوافع قوية لإنجاح اتفاقها مع مصر، إذ أنها تتطلع بقوة لتنويع مصادر وارداتها، خاصة من الأسمدة، بعدما تعرضت لأزمة نقص في تلك السلعة خلال 2021 بسبب القيود التي فرضتها الصين على صادراتها من السماد.

ولدى الجانب المصري دوافع قوية أيضًا في ظل البحث عن مصادر للسلع الاستراتيجية أقل استنزافًا للعملة الصعبة، في ظل تراجع احتياطات النقد الأجنبي بأكثر من ستة مليارات دولار منذ 2022.

لحوم الهند تنافس

"تعتزم هيئة السلع التموينية توسيع معاملاتها التجارية مع الهند خلال الفترة المقبلة، خاصة في سلع اللحوم والأرز والقمح، نظرًا لجودتها المناسبة وأسعارها الجيدة مقارنة بالأسواق العالمية الأخرى" كما قال مصدر بهيئة السلع التموينية للمنصة.

وكانت المجمعات الاستهلاكية المصرية طرحت هذا العام لحومًا مستوردة من الهند بأسعار منافسة لنظيرتيها البرازيلية والسودانية، حيث بلغ سعر الكيلو من الأولى 130 جنيه، مقابل 160 للثانية، و195 للثالثة. وهو ما ساهم في سد احتياج ماس لقطاعات من المواطنين لم تستطع مجاراة الزيادات المتسارعة في معدلات التضخم هذا العام.

وتجاوزت معدلات التضخم السنوية مستوى 30% خلال أغلب أشهر السنة، لتسجل 33.7% في مايو الماضي.

"اللحوم الهندية لاقت إقبالاً من المستهلكين، ما دفع وزارة التموين لمحاولة زيادة الكميات المتعاقد عليها مع الهند خلال الفترة المقبلة لتلبية احتياجات أصحاب الدخول المنخفضة"، يقول المصدر بهيئة السلع التموينية.

وتصدرت اللحوم والدواجن قائمة أهم المجموعات السلعية التي استوردتها مصر من الهند خلال أول 10 أشهر من عام 2022، بقيمة 588.7 مليون دولار، بحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وبحسب تقرير لوزارة الزراعة الأمريكية فإن الهند هي المورد الوحيد لمصر للحوم الجاموس المائي المجمدة.

وبينما تتنافس البرازيل مع الهند على توفير اللحوم المجمدة، لا تزال تفضيلات المستهلك المصري تتجه بشكل كبير للحوم الطازجة "مثل المستوردة من السودان أو جيبوتي وأوغندا"، كما يضيف المصدر بهيئة السلع التموينية.

القمح والأرز .. قيود على الجانبين

وتتميز الهند أيضًا في إنتاج القمح، باعتبارها ثاني أكبر منتج في العالم، لكن البلاد فرضت على نفسها في مايو 2022 قيودًا على تصدير القمح بهدف الحفاظ على استقرار الأسعار المحلية، ما يحد من فرص الاعتماد عليها في الوقت الراهن.

"هناك مساعي لزيادة الحصيلة الاستيرادية من القمح الهندي، لكن تنفيذ هذا الأمر مرهون بالتوصل لاتفاق مع مسؤولي الدولة الهندية بمنح مصر حصة جيدة من المحصول، حيث اشترت الدولة نحو 55 ألف طن من القمح الهندي منتصف العام الماضي فقط، ولم تتعاقد على شراء أي كميات جديدة حاليًا"، كما يضيف مسؤول هيئة السلع التموينية.

ولا تظهر الهند على قائمة أكبر مصدري القمح لمصر، التي تهيمن عليها روسيا وأوكرانيا، غير أن إسهام الحرب بين البلدين وتأثيره على تدفق التجارة منهما قد يدفع مصر للبحث عن تنويع مصادر استيرادها من هذه السلعة الاستراتيجية.

ويعد الأرز أيضًا من أكثر السلع المرشحة للتعاون التجاري بين البلدين"الهند تحتل مراكز مرتفعة بترتيب أكثر الدول التي تستورد منها مصر الأرز في الوقت الراهن" كما قال مصدر مسؤول بالشركة القابضة للصناعات الغذائية للمنصة.

وأضاف المصدر بالصناعات الغذائية، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن آخر إحصائية مجمعة للأرز المستورد جاءت خلال الفترة بين 2017 وحتى شهر أغسطس/آب من عام 2022، أظهرت أن الهند تحتل المركز الثاني بنحو 216 ألف طن أرز في شكله النهائي، كما احتلت المركز نفسه فيما يخص الأرز "الكسر" بنحو 2.5 ألف طن، بينما احتلت المركز الأول في ترتيب أكثر الدول المصدره للأرز البسمتي لمصر، بحوالي 173 ألف طن.

لكن الأرز الهندي لا يمثل احتياج شديد لمصر مثل القمح واللحوم، كما أوضح المصدر بالقابضة الغذائية "مصر بالأساس تتمتع باكتفاء ذاتي من الأرز ونستورده فقط في أوقات نقص المنتج المحلي".

وشدد أن الوزارة تعتمد في الأساس على التوريد المحلي لتلبية احتياجات أصحاب بطاقات التموين، بجانب طرح كميات أخرى بالمجمعات الاستهلاكية ضمن المنظومة الحرة، لكن أي عجز في عمليات استلام الأرز الشعير من المزارعين خلال موسم التوريد تعوضه الوزارة بشكل تلقائي عبر الاستيراد بالعملة الصعبة.

إجمالاً، تستطيع الهند أن تتوسع في مد مصر بعدد من السلع الاستراتيجية، على رأسها القمح والأرز واللحوم، ولكنها قد تصطدم بعوائق متعددة مثل التشريعات المقيدة للتصدير والاستيراد في كلا البلدين، وتفضيلات المستهلكين المصريين، والأهم قدرة الدولتين على الاتفاق على نظام للتعامل التجاري بينهما لا يعتمد على الدولار. فهل تنجح الهند والمصر في الوصول إلى ذلك التوافق؟