تصميم المنصة
بدر عبد العاطي ومحمود فوزي

حكومة 3 يوليو.. رد الجميل لرجال الرئيس

منشور الأربعاء 3 يوليو 2024 - آخر تحديث الأربعاء 3 يوليو 2024

مع تشكيل الحكومة الجديدة التي استمرت مشاورات تكوينها شهرًا كاملًا، حملت التغييرات هدايا ومكافآت لاثنين من رجال النظام المخلصين، الذين ساهموا في تحسين أوضاعه وتجميل صورته في أوقاتٍ عصيبة؛السفير بدر عبد العاطي، الذي تسلم حقيبة الخارجية من سامح شكري بعد عشر سنوات، مضافًا إليها الهجرة، ليصبح وزيرًا للخارجية والهجرة. وكذلك المستشار محمود فوزي الذي حصل على منصب وزير شؤون المجالس النيابية والتواصل السياسي، بعد سنوات من نجاحه المتواصل في تحقيق أهداف السلطة في كل الملفات التي تولى إدارتها؛ ومنها دوره في إخراج الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس، وإدارة حملته الانتخابية الأخيرة، فضلًا عن دوره في إنجاز عدد من التشريعات الهامة في مجلس النواب خلال فترة توليه منصب مستشار رئيس المجلس ثم الأمين العام.

الدبلوماسي النشيط

تولى عبد العاطي مناصب دبلوماسية عدة، كان آخرها سفير مصر لدى بروكسل، التي تعد بمثابة عاصمة الاتحاد الأوروبي ومركز صناعة قراره. وخلال هذه الفترة، تطورت العلاقات الثنائية بين مصر والاتحاد، وتعزز التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما، بما يُعد نجاحًا ملفتًا.

غير أن الوزير الجديد تنتظره ملفات مثقلة بالإخفاقات المتكررة، مثل أزمة سد النهضة مع بدء مرحلة الملء الخامس وسط عجز مصري وفشل التفاوض مع إثيوبيا، إلى جانب القضايا الإقليمية التي تؤثر على مصر وتتشابك فيها الضغوط الدولية وموازين القوى، مثل الحرب الدائرة في غزة.

يبدو ملف الدبلوماسي المخضرم حافلًا بخدمات قدمها لنظام 30 يونيو على مدار عشر سنوات، ولكنه مع ذلك لا يخلو من سقطات تنوعت ما بين لعب أدوار في ملاحقة بعض المصريين المقيمين في ألمانيا، والتحقيق معه من جانب الرقابة الإدارية في وقائع فقد أموال ومقتنيات تقدر بنحو ربع مليون يورو، فضلًا عن انفعال أدى لترديد ألفاظ نابية على الهواء.

ففي 2015، خلال توليه منصب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، سب عبد العاطي أحد الموظفين في مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو عبد الحميد على الهواء. كان ذلك أثناء مناقشة مشكلات الخط الساخن الذي أعلنت عنه وزارة الخارجية لتأمين المصريين الراغبين في العودة من ليبيا.

وعندما أجرى عبد الحميد محاولة اتصال بالخط الساخن ولم يجبه أحد، ارتبك عبد العاطي على الهواء، وسب أحد الموظفين "رد رد يا ابن د** الكلب".

كانت ألمانيا من بين الدول التى أبدت تحفظًا على النظام الجديد في 2013، لكن مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي فترته الأولى تغير الوضع. زار الرئيس ألمانيا للمرة الأولى في يونيو/حزيران 2015، لتستعيد العلاقات المصرية الألمانية تماسكها خلال السنوات اللاحقة.

وشهدت برلين، في فترة توليه السفارة المصرية، مظاهرات داعمة للسيسي قوامها المصريون المقيمون والوفود المرافقة للرئيس في رحلاته الخارجية، وذلك في مواجهة المظاهرات المناهضة التي كانت في استقباله.

انتهت مسيرة عبد العاطي في ألمانيا بمداهمة بعثة من الرقابة الإدارية مقر السفارة المصرية في برلين ومنزل السفير، في منتصف أبريل/نيسان 2017، ثم التحقيق في فقد أموال ومقتنيات تقدر بحوالى ربع مليون يورو. وحسب جريدة الوفد، أقر عبد العاطي بالمخالفات المنسوبة إليه، ووافق على رد المبالغ محل التحقيقات.

وبينما نفت وزارة الخارجية استبعاد السفير بسبب اتهامات بالاختلاس، وأكدت عدم توجيه أي اتهامات له من هذا النوع، نشر موقع مدى مصر تقريرًا عن المداهمة بعد أيام من زيارة ناجحة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمصر، حسب رواية مسؤول بالخارجية المصرية أكدها دبلوماسيان آخران لمدى.

وحسب مدى مصر، قال مصدر رابع بوزارة الخارجية إن التحقيق مع عبد العاطي تناول اتهامه بشراء سيارة مرسيدس لسفارة برلين وتسجيلها باسمه الشخصي.

ملاحقة المقيمين في ألمانيا

واجه عبد العاطي اتهامات متكررة من الجالية المصرية المقيمة في ألمانيا، بتتبع أنشطتهم خلال الفترة التي تولى فيها منصب السفير المصري في برلين.

وكان قد تكرر توقيف عدد من النشطاء والباحثين عقب وصولهم مصر قادمين من ألمانيا، ومنهم الباحث إسماعيل الإسكندراني الذي جرى اعتقاله عقب وصوله مطار الغردقة قادمًا من برلين وواجه اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، صدر بعدها حكم ضده من المحكمة العسكرية بالحبس عشر سنوات قبل تخفيف الحكم إلى سبع سنوات فقط.

خلاف ذلك، أدلى عبد العاطي بتصريحات صحفية برَّر من خلالها انتهاكات حقوق الإنسان فيما يتعلق بقانون مكافحة الإرهاب، والحق في التظاهر، وحرية الرأي والتعبير. وأسس دفاعه على أن مصر تراعي المعايير الدولية، وادعى أن منظمات حقوق الإنسان الدولية ليست على دراية بما يجري في مصر.

قال "بالطبع نحن نقع في أخطاء، لكن غير صحيح الزعم بأننا لا نحترم حقوق الإنسان، فعديد من الإرهابيين ناشطون في منطقتنا، ويمثل التوازن بين الحرب ضد المتطرفين واحترام الحقوق الأساسية تحديًا كبيرًا نسعى لتحقيقه".

وواجه القانون الصادر في 2015 انتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية ومحلية وقانونيين مصريين، لترسيخه نصوصًا في قوانين استثنائية تتعارض مع الحقوق التي كفلها الدستور، ونقل بنود من قانون الطوارئ أتاحت التوسع في تطبيقه بعد إنهاء حالة الطوارئ.

وفي معرض دفاعه عن التزام مصر بحرية التعبير، ادعى عبد العاطي أن مصر أصدرت قانونًا ينظم التظاهر على غرار القوانين المعمول بها في أوروبا، بينما قانون تنظيم التظاهر ما زال يقيد الحق في التجمع السلمي، ويدفع العديد من النشطاء ثمن إصداره، منذ 2013 وحتى الآن.

بداية صعود فوزي

أما هدية المستشار محمود فوزي فجاءت لتتوج رحلة صعود بدأت بعد انتدابه مستشارًا لوزير العدالة الانتقالية السابق محمد أمين المهدي، وهي الوزارة التي أنشئت بعد 30 يونيو 2013، وتشكلت بداخلها لجنة للإصلاح التشريعي، شغل فوزي عضويتها. وشاركت اللجنة بشكل أو آخر في صياغة وإعداد عدد من القوانين التي نظمت المرحلة التالية على 30 يونيو، وفي مقدمتها قوانين تقسيم الدوائر الانتخابية ومجلس النواب.

برز اسم فوزي أيضًا على الصعيد القضائي في قسم التشريع بمجلس الدولة، وقت رئاسة المستشار مجدي العجاتي، وزير الشؤون النيابية الأسبق للقسم، بين عامي 2014 و 2015.

لم يقتصر دور قسم التشريع خلال تلك الفترة على مراجعة مشروعات القوانين المقترحة من الحكومة قبل صدورها وحسب، بل امتد إلى اقتراح مشروعات قوانين لحل المشكلات التي تواجه النظام.

شارك فوزي في هندسة قانون الكيانات الإرهابية

أبرز تلك الإشكاليات وقتها كانت صدور أحكام قضائية بإلغاء القرارات التي أصدرتها لجنة بوزارة العدل بالتحفظ على أموال ومدارس أعضاء جماعة الإخوان، استنادًا إلى أن تلك القرارات صدرت عن لجنة تتسم بالطابع الإداري، في حين يشترط القانون التحفظ على الأموال بأحكام وقرارات قضائية.

اقترح قسم التشريع قانون الكيانات الإرهابية، الساري حتى الآن، والذي يدرج الأشخاص والجماعات في قوائم الإرهاب بناء على تحريات أمنية، ويترتب على هذا الإدراج التحفظ على أموال الشخص أو الكيان، ومنعه من التصرف فيها.

كان فوزي أحد مهندسي هذا القانون. ووصفه في تصريحات نقلتها صحيفة الشرق الأوسط وقتها، إنه "الأول من نوعه في البلاد، ويهدف لإعلان الكافة بأن تلك التنظيمات وهؤلاء الأشخاص المنتمين إليه يستهدفون المصالح المصرية ويستخدمون العنف كوسيلة للإضرار بتلك المصالح".

ومع انتخاب أول مجلس للنواب بعد 30 يونيو، تولى فوزي منصب المستشار القانوني لرئيس مجلس النواب السابق علي عبد العال، ثم أمينًا عامًا للمجلس في دورته البرلمانية 2016- 2020.

يخشى فوزي غول السوشيال ميديا

يقول عبد العال مادحًا فوزي "اكتشفت محمود فوزي في لجنة وضع الدستور، ووجدته ملمًا بأمانة بمبادئ القانون المدني والأمريكي"، مضيفًا "لو قيمنا مهارات المستشار فوزي بمقابل مادي لن يستطيع المجلس أن يدفع له المقابل".

بعد انتهاء الفصل التشريعي الأول، استقال فوزي من منصب الأمين العام لمجلس النواب، ليتولى الأمانة العامة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وهناك، اعتاد الدفاع عن القوانين المنظمة للصحافة والإعلام، وآليات تراخيص الصحف والمواقع الصحفية، بينما تفرض تلك القوانين قيودًا على الإنشاء والتراخيص.

يعتبر فوزي أن القانون التزم بالمعايير العالمية، لافتًا إلى أن دور المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يتمثل في تنظيم الإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني. ويرى أن السوشيال ميديا "أصبحت غولًا يهدد الجميع".

مُخرج الحوار الوطني

إما الحوار الوطني، فلعب فوزي دورًا كبيرًا في إدارته بالشكل الذي يرضي الرئيس، صاحب الدعوة. تلاقت قدرات فوزي في الإدارة مع رغبة السلطة في الترويج للحوار، واستخدام الإعلام وتوجيه الدعوات لجميع القوى السياسية وكافة الأطراف، عدا الإخوان المسلمين الذين استثناهم مجلس أمناء الحوار.

في المؤتمر الوطني للشباب المنعقد في يونيو 2023، استعرض فوزي الحوار الوطني أمام الرئيس السيسي. وبرر تأخُّر الدولة من بعد 2011 في إطلاقه حتى 2022 "أي مُنصف يجب أن يعرف أن الدولة المصرية منذ 2011 كانت تعرضت لتحديات جسيمة جدًا أنا بسميها حتمية مواجهة الإرهاب واسترجاع الأمن، حتمية تأسيس وإعادة تأسيس واستعادة أركان الدولة وإعادة بناء المؤسسات الدستورية، حتمية بناء الاقتصاد والبنية التحتية".

وقال "لا تحدثني عن أي سياسة أو أي حوار من غير أمن، من غير مؤسسات دستورية، من غير اقتصاد وبنية تحتية"، وأكد أن "الحوار الوطني جاء في توقيته السليم".

شجع أداء فوزي الرئاسة والدائرة المقربة من الرئيس لاختياره رئيسًا للحملة الانتخابية للرئيس، فاستقال من مجلس الدولة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

لم تكن رئاسته للحملة مجرد وكالة قانونية يقتصر دورها على تقديم أوراق الترشح ومتابعة واستيفاء الإجراءات القانونية فقط، كما هو الحال مثلًا في حملة الرئيس السابقة. إذ نجح فوزي في تقديم الحملة وكأنها خلية نحل بينما فعاليتها حبيسة مقراتها، من خلال تكرار استضافة المبايعين والمؤيدين من ممثلي النقابات والاتحادات والأحزاب.

كما شارك فوزي باسم الحملة في مظاهرات دعم فلسطين التي نظمتها قوى سياسية في محيط منطقة المنصة بمدينة نصر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأجرى حوارات صحفية وتليفزيونية ممثلًا للرئيس/المرشح.

روَّج فوزي للجمهورية الجديدة ك "مشروع تنموي عريض ينهض بمصر ويجعلها قادرة ومؤثرة، هذا المشروع خرج من رحم ثورة 30 يونيو، هذا المشروع نفذنا منه أجزاء كبيرة ونحتاج إلى استكمال أجزاءه"، مضيفًا أن المشروع يتمثل في "السعي لتأسيس جمهورية جديدة، جمهورية مدنية ديمقراطية حديثة بكل المعاني، جمهورية تبقى فيها الآراء كلها محترمة والخلاف فيها في الرأي لا يفسد للوطن قضية".

واختتم أحد لقاءاته الإعلامية خلال الانتخابات بدموع وصوت متهدج متأثرًا بأن ما يعتبره البعض إنجازات هو "أرقام مفزعة لا يستطيع أحد إنكارها إذا نظر إليها بإنصاف".

يبدأ كلٌ من عبد العاطي وفوزي رحلة صعود جديدة في وزارة السيسي الرابعة، في أوقات عصيبة متخمة بملفات ثقيلة، ليواجه رجال الرئيس المخلصين اختبارات جديدة في مهام جديدة.