صفحة مجلس الوزراء على فيسبوك
مصنع "أكديما إنترناشيونال" التابع للشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية "أكديما"، 2024

نوايا طيبة وتمويل محدود.. تحديات توطين صناعة الدواء في مصر

منشور الثلاثاء 21 يناير 2025

تكرر الحكومة في بياناتها الصحفية التأكيد على اهتمامها بتوطين صناعة الدواء في مصر، بل وتكثف جهودها للنهوض بصناعات محددة مثل أدوية الأورام. هذا الاهتمام يأتي رد فعل على أزمات متكررة لنقص الأدوية بالسوق المصرية في ظل الاعتماد القوي على استيرادها من الخارج. 

لكن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي، ففي الوقت الذي أطلقت فيه وزارتا المالية والصناعة مبادرةً بـ30 مليار جنيه لتوفير تمويل رخيص للمصنعين في مجالات عدة، من بينها صناعات المضادات الحيوية وعلاجات الأورام، يرى منتجو الدواء أن نصيب قطاعهم من المبادرة سيكون محدودًا للغاية، إذا ما قُورن بالتكاليف المرتفعة لتطوير خطوط الإنتاج لديهم. 

مبادرة متأخرة وقيمة شحيحة 

في مارس/آذار الماضي، صدَّق رئيس الجمهورية على مبادرة لتوفير التمويل الميسَّر للقطاع الصناعي بفائدة 15%، ما مثّل ملاذًا للمصنّعين في ظل بيئة التشديد النقدي التي يقودها البنك المركزي منذ عامين، وأوصلت سعر العائد على الإقراض لديه إلى 28.25%.

لكن المبادرة ظلت حبيسة الأدراج حتى أعلنت وزارة الصناعة بنهاية العام الماضي إطلاقها، مستهدفةً أنشطةً بعينها تتطلع الدولة لتوطينها، من بينها صناعات المضادات الحيوية وأدوية الأورام.

وستوفر وزارة المالية الدعم للمبادرة لتعويض البنوك عن تقديم الفائدة بسعر منخفض، وهو الدور الذي كان يؤديه البنك المركزي ضمن مبادرات تمويلية سابقة، حتى توقف في 2022، بدفع من صندوق النقد الدولي. 

لكن وزارة المالية تبدو مترددة إزاء دورها الجديد الداعم للتمويل المنخفض، الذي يضيف أعباءً ماليةً على الموازنة العامة في وقت تكافح فيه لخفض العجز. في المقابل يرى مصنعو الدواء أن تحديد القيمة الإجمالية للمبادرة بـ30 مليار جنيه يُعدُّ تقشفًا في دعم القطاع الصناعي الذي تتجاوز قيمة إجمالي تمويلاته من البنوك تريليون جنيه.

"كان من المفترض أن ترتفع قيمة المبادرة عن المبلغ المرصود لها بسبب التضخم الذي رفع تكاليف المعدات ومستلزمات التشغيل"، يقول طارق أبو العينين، مدير مكتب أورجانون في مصر وبلاد الشام لـ المنصة.

ويضيف أبو العينين "فائدة التمويل التي تقرها المبادرة بـ15% تظل مرتفعة، في حين أن مبادرة المركزي السابقة وفرت التمويلات بفائدة 8% فقط، وساهمت في تعويض خسائر عدد كبير من شركات الأدوية نتيجة فروق سعر العملة آنذاك".

وهو ما يتفق معه علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية في مصر، ويقول لـ المنصة "كنا نأمل تخصيص مبادرة لقطاع الصناعات الدوائية بقيمة تتجاوز 50 مليار جنيه، وبفائدة أقل من 15%، لأن الشركات عانت منذ قرار البنك المركزي تحرير سعر الصرف في مارس/ آذار الماضي والذي رفع مستلزمات الإنتاج المستوردة مع صعود سعر الدولار الرسمي من 31 إلى 50 جنيهًا".

توطين صناعة أدوية الأورام في مصر يتطلب استيراد آلات سعرها بالغ الارتفاع بسبب تراجع الجنيه

وينتقد أبو العينين اقتصار المبادرة على تمويل الآلات والمعدات، في الوقت الذي قد لا يجد المصنعون حافزًا للتوسع في خطوط الإنتاج بظل ما يعانونه من ارتفاع تكاليف الخامات الدوائية المستوردة "أجَّلنا مؤخرًا فكرة إنشاء مصنع جديد في السوق المصرية لحين استقرار الأوضاع الاقتصادية، خاصةً فيما يتعلق بسعر صرف الدولار".

بينما يكشف عوف أن شعبة الدواء تقدمت بطلب للحكومة لتوسيع نطاق المبادرة لكي تشمل تمويل استيراد الخامات الدوائية.

صناعة أدوية الأورام تحتاج للدعم 

في السياق، لا يرى مصنعو أدوية الأورام المبادرة كافية للنهوض بصناعتهم الوليدة، التي بدأت في مصر قبل أعوام قليلة وتحتاج تمويلات ضخمة للتوسع في خطوط الإنتاج الخاصة بها. 

"المبادرة تعد خطوة إيجابية في الوقت الراهن، لكن حصة كل شركة منها ستكون رقمًا صغيرًا  في مقابل احتياجات صناعة أدوية الأورام، المكلفة للغاية"، يقول عضو مجلس إدارة في شركة إيبيكو لـ المنصة.

حسب عضو مجلس الإدارة، الذي طلب عدم نشر اسمه، فإن الشركة التابعة للقطاع العام تعمل حاليًا على جمع تمويلات بنحو ثلاثة مليارات جنيه للمساهمة في إنشاء مصنع جديد لإنتاج أدوية بيولوجية معقدة، تُستخدم لعلاج أمراض حيوية مثل الأورام وأمراض الدم والعقم.

وتعكس أخبار تطور صناعة أدوية الأورام في مصر خلال السنوات الأخيرة الاهتمام الكبير من الدولة بالنهوض بهذه الصناعة، فقبل أربعة أعوام، أعلنت سيديكو للأدوية، التابعة للقطاع العام، إنشاء أول مصنع في مصر لتوطين أدوية الأورام.

وفي 2021 افتتح رئيس الجمهورية مجمعًا صناعيًا ضخمًا للأدوية تابعًا للدولة تحت اسم مدينة الدواء المصرية. ثم في العام التالي، أبرمت روش السويسرية اتفاقَ تعاونٍ مع مدينة الدواء المصرية أثمر في نهاية العام الماضي عن توطين دواء لعلاج سرطان الكبد.

"توطين صناعة أدوية الأورام في مصر يتطلب استيراد آلات سعرها بالغ الارتفاع بسبب تراجع الجنيه مقابل الدولار في الفترة الأخيرة"، حسب عضو مجلس إدارة في سيديكو للأدوية لـ المنصة.

مصنع "أكديما إنترناشيونال" التابع للشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية "أكديما"، 2024

ويشير عضو مجلس الإدارة، الذي طلب أيضًا عدم نشر اسمه، إلى الحاجة لزيادة الدعم لصناعات أدوية الأورام لما تساهم فيه من الحد من تكاليف الاستيراد "الشركة نجحت حتى الآن في توطين خمسة أدوية أورام جديدة، تلك الأدوية ستساهم في تقليل الإنفاق على الاستيراد والتوجه إلى التصدير".

وكان الدكتور علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء، قال في تصريحات سابقة إن قيمة الفاتورة الاستيرادية لنحو ثمانية أدوية للأورام فقط تبلغ 161 مليون دولار سنويًا.

الفائدة ليست العائق الوحيد

لا تمثل الفائدة المرتفعة العائق الوحيد أمام تمويل صناعات الأدوية، لكن البنوك قد ترفض بعض طلبات التمويل، لأن المصرفيين ينظرون إلى هذه الصناعة باعتبارها استثمارًا مرتفع المخاطر.

ويفيد مسؤول بإدارة الائتمان بأحد البنوك الحكومية المنصة بأن "العديد من البنوك تُحجم عن تمويلات قطاع الأدوية خلال الفترة الراهنة، نتيجة المخاطر الكبيرة التي تحاصر هذا القطاع بسبب عدم ضمان العمل بكامل الطاقة التشغيلية طوال الوقت على خلفية نقص الدولار بعض الأوقات".

ويؤكد أن صناعة الدواء تعاني من تقلبات مستمرة، نظرًا لارتباطها الشديد بسعر الدولار، وتأثرها بتغير أسعار الخامات الدوائية المستوردة من الخارج، بينما تلتزم الشركات بتسعير رسمي محدد من جانب الدولة، وهي ظروف تثير مخاوف بشأن قدرة شركات الأدوية على الالتزام بجدول سداد أقساط القروض.

القلق من تمويل صناعة الأدوية ليس مشتركًا بين جميع المصرفيين، يقول نائب رئيس أحد البنوك الحكومية لـ المنصة إن مصرفه يحاول تذليل كل السبل لتمويل هذا القطاع "لأنه قطاع حيوي ينبغي أن يستمر عمله دون انقطاع في جميع الظروف".

تُعبِّر مساهمة الدولة بشكل مباشر في صناعات أدوية الأورام عن رغبة حقيقية لدى صناع القرار للحد من استيراد الأدوية، لكن التناغم بين التطلعات الحكومية ودعم وزارة المالية هو الضامن الوحيد لنجاح مثل هذه المبادرة التي لا تزال في مهد تطبيقها.