
الجنس منطقةً مظلمةً تخشاها النساء
مر عامان على زواجها، ومنال عمران ذات الـ24 سنة لا تزال تخشى العلاقة الحميمية، فتحذيرات والدتها لها من التعامل مع الرجال ترن في أذنيها. "وصلتْ لحد تخويفي من اخواتي الشباب، كان ممنوع في البيت ألبس نص كم أو خفيف. ممنوع أضحك عشان عيب وميصحش" تقول لـ المنصة.
تربت منال في بيت عائلتها بمدينة المنصورة على كلمات عيب وحرام وخطر، وعلى الالتزام بالملابس الفضفاضة فجسدها لا يجب أن يراه أحد، "الأوامر بقت أكتر صرامة لما الدورة جتلي، ما تسلميش على ولاد عمك، ما تقعديش مع الرجالة".
امتد خوفها من الآخرين إلى جسدها ذاته، وحسب قولها "بقيت بخاف أبصله، وبتجاهله تمامًا".
تحت الأوامر الصارمة كان الخروج محدودًا، "حتى الدروس كنت باخدها في البيت عشان ما أخرجش". درست منال في كلية التجارة، لكنها لم تعرف للجامعة طريقًا "كنت بروحها على الامتحانات بس، لا عشت حياة الجامعة ولا عرفت أعمل أصحاب ولا زمايل حتى".
وقبل أن تحصل على شهادة التخرج تزوجت زواج صالونات، "بدون أحلام ولا اختيارات" كما تقول.
احتفظت منال بمشاعر التوتر والخوف التي تصاحب ليلة الزفاف، "ما قدرتش اتخطاها، رغم إن جوزي كان بيحاول دايمًا يهديني ويستوعب توتري لكن ده ما ساعدش في التخلص من الحالة".
لجأت إلى طبيبة نساء لتساعدها في تجاوز العائق أمام تقاربها مع شريكها، أكدت لها أن الأمر لا يتعلق بالخوف من الألم الذي يصاحب التجربة الأولى، ونصحتها بالتقرب منه، لكن "كل مرة يكون جسمي بيرفضه وعيني مش بتقدر تشوفه، لحد ما عرض عليا نتطلق".
لم تستجب منال لطلبه، ولجأت إلى متخصص، "قاللي إن ده تراكم أثر كلام أمي وخالاتي".
الكثيرات من النساء يتعايشن مع الخوف من العلاقة الجنسية. وتعاني بعضهن من القلق الذي قد يصل حد الهلع من العلاقة ويعوقها، إذ يتسبب في التشنج المهبلي اللاإرادي والإحساس بالاشمئزاز والرفض.
أجرت المنصة استبيانًا على عينة قوامها 100 مشاركة، تراوحت أعمارهن بين 18 و50 عامًا، وتباينت مؤهلاتهن ما بين الثانوي والمتوسط والعالي.
أقرّت نسبة 13.7% من المشاركات أن لديهن مخاوف دائمة من ممارسة الجنس، فيما بلغت نسبة اللاتي يشعرن أحيانًا بالخوف 55.8%.
يصل الأمر في بعض الحالات إلى نوبات هلع عند مجرد التفكير فى الممارسة أو مواجهة مواقف جنسية، ويندرج تحته الخوف المؤقت الذي تشعر به الفتاة المقبلة على الزواج من فقدان عذريتها، أو قلقها من آلام الحمل والولادة، ما قد يدفعها إلى تجنب العلاقة الجنسية بالكامل.
البحث عن المتعة
تستقبل العيادات النفسية العديد من هذه الحالات حسب دكتور أحمد فوزي صبرة، استشاري الصحة النفسية.
يؤكد صبرة لـ المنصة أن تلقي الفتاة معلومات مغلوطة عن العلاقة الجنسية من مصادر غير موثوقة يأتي في مقدمة أسباب خوفها من الجنس، مما يؤدي إلى ترسيخ مفاهيم خاطئة في ذهنها، مثل الربط بين العلاقة الجنسية والألم الشديد أو النزيف الحاد أو غياب المتعة.
كما يُرجع الخوف إلى تعرض بعض النساء لعنف شديد من الزوج في ليلة الزفاف، بسبب افتقاد الطرفين، خاصة الرجال، في الليلة الأولى للمعرفة الكافية حول إدارة العلاقة الجنسية، ما قد يؤدي إلى حالة من الذعر والتشنجات العضلية في منطقة الفخذ.
"وللأسف، تستمر هذه الحالة لدى بعض حديثات الزواج لمدة قد تصل إلى عام كامل، حيث تصاب بها كلما اقترب منها الزوج، مما يعوق إتمام العلاقة"، حسب صبرة.
يشير كذلك إلى أن خوف المرأة من عدم قدرتها على إرضاء شريكها قد يكون سببًا آخر، ناتج عن عدم ثقتها بنفسها، مما يسبب القلق الشديد.
في هذه الحالة، تفقد المرأة المتعة تمامًا، وتزداد مشاعر الخوف تجاه الممارسة الجنسية. فهناك قاعدة تقول "القلق والحب لا يجتمعان"، حيث إن الانشغال بالمراقبة الذاتية وعدم إطلاق المشاعر يؤديان إلى فقدان القدرة على الاستمتاع.
لا يبرئ صبرة الأفكار التي يجري ترسيخها لدى أكثرية الفتيات منذ الصغر، والتي تجعلهن يعتبرن الحديث عن الجنس أمرًا معيبًا أو محرمًا. وفي بعض الحالات، قد تتعرض الفتاة للعقاب أو الإهانة إذا طرحت أي سؤال حول هذا الموضوع، ما يكّون اعتقادًا بأن كل من يمارس الجنس هو شخص آثم. وقد تخشى بعض النساء، بعد الزواج، من حكم أزواجهن عليهن إن كانت لديهن أفكار مسبقة عن الجنس.
تتفق الصحفية أسماء فتحي، التي أسست مبادرة مؤنث سالم وأصبحت مدربة الصحة الجنسية والإنجابية بمنتدى الجنسانية، وتؤكد لـ المنصة أن "الخوف محفور في وجدان البنات من صغرهم، بسبب التحذيرات المتعلقة بالشرف والعذرية وضرورة الحفاظ عليهم، وأن العلاقة دي مُجرّمة بدون فهم أو تفسير".
ولكنها التجربة
التجارب السلبية مع شريك سابق تعد أيضًا من أسباب خوف المرأة من ممارسة الجنس، حسب صبرة. فإن كان الشريك السابق مثلًا يعاني من الضعف الجنسي، قد يولد هذا عندها شعورًا بأن الجنس أمر ثانوي وخالٍ من المتعة. كذلك الحال لو كان يفتقر إلى الخبرة في إمتاع النساء، أو يحاول فرض ممارسات ضد رغبتها مثل السادية أو المازوخية؛ يؤدي هذا إلى ارتباط الممارسة بمشاعر سلبية تكرّس لديها النفور والخوف.
هذا ما حدث مع أمل السعيد ذات الـ46 عامًا "تزوجت ابن خالي وعمري 18 سنة وكان أكبر مني بـ20 سنة. في الخطوبة اللي استمرت 5 شهور ماخرجتش ولا قعدت معاه لوحدنا وكانت أمي بتهددني وتحذرني من القعدة معاه لدرجة إني بقيت أخاف منه"، تقول لـ المنصة.
بدأت أمل ليلة الزفاف بنصيحةٍ من خالتها "سيبيله نفسك ومترفضيلوش طلب"، انتهت بها إلى نزيف حاد ومستشفى "كان بيتعامل معايا زي الجزار".
أنجبت أمل طفلين، لكن ذلك لم يغير من طريقة زوجها معها في شيء، وحين تشتكي منه لا تسمع ردًا لشكواها سوى "هو راجل وعيب تتكلمي أو تشتكي. إنتي اتخلقتي لمتعته".
لم تتحمل أمل ابنة مدينة المنصورة أكثر فكان الطلاق، وظنت أن التجربة لن تترك أثرًا عليها، "اتجوزت وأنا أربعين سنة ومن أول لحظة افتكرت كل إللي كان بيحصل معايا وماقدرتش أخليه يقرب مني غير بعد 6 شهور". تفهَّم الزوج الحالة وساعدها على تخطي مخاوفها.
وراء الخوف
في إجابة النساء المائة اللواتي شملهن استبيان المنصة على سؤال المخاوف التي يشعرن بها تجاه ممارسة الجنس، تصدَّر الخوف من عدم الرضا/الإحباط الجنسي القائمة بنسبة 43.8%، بينما جاء القلق من التواصل الجسدي وعدم قبوله في المرتبة الثانية بنسبة 34.8%.
أدلت المشاركات بآرائهن حول العوامل التي ساهمت في شعورهن بالخوف، وجاء انعدام الثقافة الجنسية في مقدمتها بنسبة 35.4%، تلاها التربية الصارمة والقيود المجتمعية، ثم التعرض لتجارب سلبية أو تحرش.
وهو ما تؤكد عليه مدربة الصحة الجنسية أسماء فتحي "الثقافة الجنسية مهمة جدًا، سواء على المستوى الفردي أو الأسري، وتأثيرها يمتد لمراحل متقدمة من العمر، خصوصًا في العلاقة الزوجية".
تستنكر أسماء التواطؤ المجتمعي في التعتيم على الثقافة الجنسية، "حتى درس العلوم ما بيتشرحش في المدارس، رغم إنه جزء أساسي للتعرف على الجسد". فالمرأة يجب أن تكون على دراية كاملة بجسدها، وبكيفية عمل جهازها التناسلي، لأن ذلك جزء من فهمها لذاتها ومشاعرها، حسب المدربة.
تفرِّق أسماء بين الخوف الطبيعي من ممارسة الجنس لأول مرة، الذي يمكن التعامل معه من خلال التوعية والتثقيف، والخوف المَرضي الذي تنتج عنه أزمات وصفتها بـ "النفس-جسدية" وأعراضه تتنوع ما بين تشنجات ونزف، وأحيانًا فرط في الإحساس بالألم وانحراف في فهم مسار العلاقة، "والحالة دى بتكون محتاجة طبيب نفسي"، حسب مؤسسة مبادرة مؤنث سالم.
وتشدد على أن التوعية لا بد أن تستند إلى معلومات علمية دقيقة، لأنه في غيابها تلجأ الفتيات إلى مصادر غير موثوقة أو إلى المعلومات الشعبية المتناقلة، مما يؤدي إلى مشكلات خطيرة في العلاقات الزوجية.
وهو ما ثبت في الاستبيان الذي أجرته المنصة، إذ جاءت نسبة اعتماد المشاركات على البحث الذاتي عن المعلومة بنسبة 35.8% تلاها الإعلام والسوشيال ميديا بنسبة 26.3% فيما تأخرت المدرسة إلى المرتبة الأخيرة بعد الأسرة.
تربط أسماء بين المعلومات المضللة والمشكلات الزوجية بسبب غياب الوعي حول الحقوق الجنسية، "لسه فيه ستات بتفكر إن مطالبتها بالاستمتاع في العلاقة وقاحة أو عيب".
تحول التنشئة الجنسية الصحيحة للفتيات دون وقوعهن في فخ الخوف، ليتجنبن رحلة منال التي لا تزال ملتزمة بحضور جلسات علاج بمساعدة زوجها من أجل التخلص من هواجسها، والتصالح مع جسدها ومع الجنس.