تصميم: أحمد بلال
تنخفض القدرة الشرائية للجنيه مع ارتفاع التضخم

2.3 مليون مديون.. البحث عن "فرج" في التمويل الاستهلاكي

منشور الاثنين 14 يوليو 2025

احتاج باسل كرم لابتوب جديدًا، ولأنه لا يملك 20 ألف جنيه، أقل سعر للجهاز الذي يحتاجه بشكل عاجل لمتابعة دراسته تجاوز  20 ألف جنيه، لم يجد أمامه إلا اللجوء لإحدى شركات التمويل الاستهلاكي.

شعر باسل أن الوقت ليس في صالحه، فاللابتوب الذي يبحث عنه تضاعف سعره منذ تحرير سعر الصرف في مارس/آذار 2024، لذا تحرَّك سريعًا للحصول عليه قبل أن يزيد سعره إلى مستويات أعلى بكثير، وفي وقتٍ قصيرٍ حصل على قرضٍ بقيمة اللابتوب بدون إجراءات إدارية معقدة، حيث اقتصر الأمر على تقديم الطلب باسم خالته التي لها تاريخ ائتماني جيد مع الجهاز المصرفي.

شعر باسل (17 سنة) بارتياحٍ شديدٍ لقدوم "الفرج"، لكنه تذكر أن عليه سداد قسط كل شهر بقيمة 2335 جنيهًا ترفع السعر النهائي للجهاز بعد سداد القرض إلى 28 ألف جنيه، في وقت لا يتمتع فيه الشاب بأي دخل ثابت كونه ما زال خارج سوق العمل، كما يقول لـ المنصة.

في الربع الأول من العام الحالي زادت أعداد من لجأوا لشركات التمويل الاستهلاكي غير البنكية للحصول على قروض إلى الضعف تقريبًا، لتتجاوز الـ2.3 مليون عميل، وهو الربع الذي شهد أول خفض لأسعار الفائدة بعد نحو خمس سنوات من التشديد النقدي رفعت بقوةٍ تكاليف الاقتراض.

التفاؤل بانخفاض الفائدة يعزز من دخول ملايين جدد لهذا النشاط الوليد الذي بدأ في مصر قبل نحو خمس سنوات فقط، لكن الإقبال على القروض الاستهلاكية يعكس في المقابل العوز الشديد لقطاعات واسعة من المصريين بسبب التضخم، فالكثيرون صاروا ملاحقين بمطالب سداد الأقساط أو مخاوف السقوط في التعثر.

التضخم والفائدة والتمويل 

خلال العامين الماضيين سجلت معدلات التضخم مستويات قياسية وصلت لأكثر من 40% في بعض الأحيان، ما ساهم في تضاعف أسعار العديد من السلع عدة أضعاف ما أضعف قدرة الكثيرين على الحصول عليها بغير الاقتراض.

لكن المتطلعين للاقتراض واجهوا في مارس 2024 عقبة ارتفاع تكاليف التمويل، بعد أن زاد البنك المركزي سعر الفائدة 6% دفعة واحدة، وظهر أثر هذه السياسة بوضوح في انكماش أعداد عملاء التمويل الاستهلاكي في هذا الربع.

إلا أن الشعور بالقلق تراجع بعد انخفاض الفائدة مؤخرًا وهو ما جعل الفرصة سانحةً لشراء السلع التي يشعر العملاء أنها فوق طاقتهم على السداد، كما يؤكد رئيس شركة درايف للتمويل الاستهلاكي أحمد أسامة لـ المنصة.

https://public.flourish.studio/visualisation/24158129/

خلال العام الماضي حافظ البنك المركزي على أسعار الفائدة ثابتة، ثم بدأ في خفضها تدريجيًا منذ أبريل (نيسان) الماضي مع اتجاه التضخم للانخفاض، إذ تراجع التضخم لكنه في الوقت نفسه لم ينخفض لمستويات معتدلة (أقل من 10%) ما حافظ على زخم الإقبال على التمويل الاستهلاكي. 

وكما يوضح أحمد الفقي، الرئيس التنفيذي السابق لواحدة من شركات التمويل الاستهلاكي لـ المنصة فإن "تراجع قدرة الناس على شراء السلع بعد ارتفاع أسعارها من جهة، والعروض التشجيعية التي تروجها الشركات مثل صفر مقدم، وصفر فوايد أحيانًا لفترة محدودة، وفترات سماح قبل سداد أول قسط تصل إلى شهور، من جهة أخرى، ساهمت في طفرة التمويل الاستهلاكي خلال الأشهر  الأخيرة".

وتعكس بيانات الربع الأول من العام الحالي أنه رغم زيادة عدد العملاء، فإن قيمة التمويلات انخفضت من 19.4 مليار جنيه في نهاية 2024 إلى 17.4 مليار، وهو ما قد يعكس إقبالًا أكبر على قروض بقيم صغيرة لشراء سلع بات من الصعب تدبير ثمنها خاصة السلع الكهربائية المنزلية، حسب تقدير  محلل الاستثمار في زيلا كابيتال للأبحاث هشام حمدي لـ المنصة. وحسب بيانات هيئة الرقابة المالية، تمثل الأجهزة الكهربائية والمنزلية النسبة الأكبر من مشتريات القروض الاستهلاكية؛ أكثر من 30%، تليها السيارات، التي تمثل نحو 20%، إلا أنه "مؤخرًا ظهرت الحاجة إلى شراء الذهب نوعًا من الاستثمار، وبدأت الشركات في تمويل هذا النوع من المشتريات"، كما يكشف رئيس شركة درايف أحمد أسامة.

من يقدر على الاقتراض؟

يفيد عاملون في مجال التمويل الاستهلاكي بأن شرائح المستهلكين باتت تضم طبقات مختلفة من المجتمع، لكنَّ نقص البيانات المتاحة عن مصادر الدخل يعوق فئات أخرى ترغب في الاقتراض؛ وفق أحمد أسامة، فإن شرائح الدخل التي تتعامل مع شركات التمويل الاستهلاكي في الوقت الراهن تبدأ من مستوى دخل شهري 10 آلاف جنيه، وأغلبهم من المهنيين والموظفين من أصحاب الدخل الثابت.

فيما يشير أحمد الفقي إلى أن كل شرائح الدخل باتت تتعامل مع شركات التمويل الاستهلاكي، وإن كان التركيز الأكبر يأتي من الموظفين، لكن الباب مفتوح لصغار الموظفين بداية من عامل البوفيه.

أمام هذا الاحتياج القوي للاقتراض، تواجه شركات التمويل الاستهلاكي عقباتٍ مثلَ تفاقم لا رسمية المعاملات في مصر، ما يجعل أكثر  من 40 شركة تتنافس على شريحة صغيرة من العملاء ممن يستطيعون إثبات أن لديهم دخلًا يضمن القدرةَ على السداد، في ظل اشتراط هيئة الرقابة المالية ألَّا يزيد قسط القرض عن 50% من الدخل الشهري للعميل.

أما في حالة الفئات التي تعمل في مثل المهن الحرة، يفيد أسامة بأنه يتم الاستعلام عن حجم نشاط العميل للتأكد من قدرته على السداد. وتلجأ شركات التمويل أحيانًا لضمانات عدة لتطمئن أنها تتعامل مع عميل قادر على السداد "مثل أن يكون لديه سيارة، اشتراك نادي، شقة تمليك.. إلخ"، كما يوضح الفقي.

خطر الوقوع في التعثر

أمام هذه الرغبة المتنامية في الاقتراض الاستهلاكي، فإن مخاطر التعثر تزيد هي الأخرى. وفي حين لا تتوفر نسبٌ معلنةٌ لمعدلات التعثر (أي نسبة القروض المتعثرة من إجمالي محفظة تمويل الشركات) يقدر سامح الملاح، الرئيس التنفيذي لشركة ضامن للمدفوعات، أنها تتراوح في المتوسط في السوق المصرية من 3-5% من عدد العملاء "وهي نسبة مرتفعة وجاءت مدفوعة بالأساس بزيادة أسعار الفائدة خلال العام الماضي" كما يقول لـ المنصة.

لدى أحمد الفقي تقديرات مختلفة تقول بأن "نسب التعثر أقل من 2%، وهي أدنى من النسب المتعارف عليها"، مرجعًا حالات التعثر بالأساس لتضخم أسعار السلع الذي يستدعي بالضرورة الحصول على قروض كبيرة بالنسبة لدخل العميل "على سبيل المثال كان متوسط سعر بعض أنواع الموبايل قبل سنوات قليلة 10 آلاف، وحاليًا 50 ألف جنيه".

ويشير  أحمد أسامة إلى عوامل أخرى غير الفائدة والتضخم تفاقم من حالات التعثر مثل "عدم الوعي بأهمية سداد الالتزامات المالية في موعدها، فضلًا عن سوء استخدام القروض لدى بعض العملاء، أو حدوث تغير في الدخل، أو الوقوع في ضائقة مالية نتجت عن ظروف طارئة أدت إلى التخلف عن السداد". 

هل نتوقع المزيد من النمو للقطاع؟ 

على الرغم من معدلات النمو القوية لأعداد العملاء، فالقطاع على الأرجح لم يصل لدرجة التشبع، فنشاط التمويل الاستهلاكي ما زال في البداية، وفرص النمو  لا تزال كبيرة، خصوصًا مع انتشار فروع للشركات في المحافظات"، حسب رئيس شركة درايف للتمويل الاستهلاكي.

ويصل سعر العائد الحالي على الإقراض لدى البنك المركزي إلى 25%، و"في حال انخفاض معدل الفائدة إلى 17 أو 18% كما هو متوقع سيدخل مزيدٌ من فئات الدخل إلى هذا القطاع" كما يتوقع الرئيس التنفيذي لـ ضامن سامح الملاح. 

ويتوقع محلل الاستثمار  هشام حمدي أن ينمو حجم التمويل الاستهلاكي بمتوسط 50% كل ربع سنة خلال الفترة المقبلة، لكنه يحذر من أن تندفع الشركات بالتوسع في التمويل بضوابط ميسرة تؤدي لحالات تعثر كبيرة في السوق.

سيضحي باسل بجزءٍ من مصروفه الشهري لادخار جانب من أقساط اللابتوب، وسيتحمل والده العبء الأكبر، وهي تضحية ضرورية ليستكمل الابن مساره في التعليم.