تصميم: يوسف أيمن- المنصة

العمالة غير المنتظمة: رفاهية التباعد الاجتماعي وانتظار القدر

منشور الأربعاء 29 أبريل 2020

في أحد الشوارع الجانبية بمدينة الزقازيق، تجلس أم عمرو، كما يناديها زبائنها، ممسكة بمقوار تستخدمه في  تقوير حبات من الباذنجان، تمهيدًا لإرساله لأحد الزبائن في منطقة مجاورة، تتحاور مع هذا، وتمزح مع هذه، وتلقي السلام على مارٍ بالطريق، كل هذه الأشياء تفعلها في آنٍ واحد، قبل أن تنهض مسرعة للانتهاء من عملها، قبل ميعاد حظر التجول الذي فرضته الحكومة لمواجهة انتشار فيروس كورونا المُستجد.

 مش همنع قدره

تخرج أم عمرو  في الخامسة صباحًا من كل يوم وحتى السادسة مساءً باستثناء يوم الجمعة، منذ بداية عملها في بيع الخضروات قبل 40 عامًا "بروح السويقة الساعة خمسة الفجر، أقعد ساعتين، أجمّع الخضار واكوّمه، واخده وأروح الفرشة بتاعتي". تستقل أم عمرو ثلاث مواصلات (2 ميكروباص وتوك توك) للذهاب إلى إحدى الأسواق الصغيرة بالمدينة، والذي تحصل منه على بضاعتها اليومية، وفي طريق عودتها لمحل عملها تقوم بنفس الدورة حاملة العديد من الخضروات.

"لا سيول، ولا كورونا ولا أى حاجة بتقعدني في البيت، بنزل أبيع كل يوم، ده شغلي، هناكل ونشرب وندفع إيجار ازاي؟ بمسح البيت وبنضف بالكلور والفينك، وبغسل إيدي لما أروّح، بس أنا مسلمة وموحدة بالله، ومش همنع قدره"، تقول أم عمرو.

أم عمرو التي أتمت عامها الستين قبل ثلاثة أشهر، تظل هي العائل الوحيد لأسرتها المكونة من زوجها وابنها، بعد تزويج ابنتيها، ورغم بلوغ ابنها 25 عامًا، إلا أن أنه تعثر في الحصول على وظيفة بعد حصولة على شهادة دبلوم الزراعة، قبل سبع سنوات، كذلك زوجها ذو السبعين عامًا، والذي يحمل الجنسية الفلسطينية، ودائمًا ما كان يجد صعوبة في الحصول على تصريح للعمل داخل مصر، بحسب أم عمرو "جوزي مابيشتغلش من يوم ماتجوزته من 40 سنة، وأنا اللي مسؤولة عن الأكل والشرب وكل حاجة". 

قبل أعوام، وفي بعض الأحيان، كان يلجأ الزوج إلى تربية وتسمين الماعز وبيعها للحصول على مورد لتلبية احتياجاته الشخصية، ولكن تقول أم عمرو إنه توقف عن ذلك لكِبر سِنه "جوزي دلوقتي كبر، والتربية تعب وعدوي، وربنا الرزاق".

تعتبر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (الأنروا) أن هناك فئة من اللاجئين الفلسطينيين، تشمل الأفراد الذين لا هم "لاجئو فلسطين"، ولا هم من "الأشخاص النازحين"، وإنما الأشخاص الموجودن خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وغير القادرين على العودة إلى هناك، والذين يمثلهم زوج أم عمرو، وغيره من الفلسطينيين المقميين في مصر.

قبل حصولها على الجنسية المصرية لأبنائها الثلاثة، قبل عشر سنوات، في عهد الرئيس الأسبق، حسني مبارك، دائمًا ما كان يحصل زوج أم عمرو على إقامة مؤقتة لغير السياحة لمدة ثلاث سنوات، وبعد تمصير أبنائهما، أصبح يحصل  على إقامة مؤقتة كل خمس سنوات.

منحة لم تأت

"بعد كورونا، الرجل خَفّت، والبيع والشرا مبقاش زى الأول، الناس خايفة". تأثرت أم عمرو بقرار تعليق الدراسة الصادر في 14 مارس/ آذار الماضى بالإضافة إلى تخفيض أعداد العاملين بالحكومة، "الموظفين كانوا بيعدوا عليا الصبح وهما رايحين الشغل، يحجزوا طلباتهم وأجهزها لهم لحد مايرجعوا، بس دلوقتي خلاص".

في محاولة لمساعدة أم عمرو وغيرها ممن لا يمتلكون دخلًا شهريًا ثابتًا، وللمساعدة في مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية المترتبة على انتشار فيروس كورونا، أعلنت وزارة القوى العاملة، قبل أسابيع عن تخصيص منحة استثنائية بقيمة 500 جنيه لمدة ثلاثة أشهر للعمالة غير المنتظمة المسجلة في قوائم الوزارة، والتي بلغ عددهم حوالي 120 ألف عامل مع الإعلان عن المنحة، بحسب محمد سعفان، وزير القوى العاملة، فيما فتحت الوزارة باب التسجيل من خلال موقعها الإلكتروني.

وفي 9 أبريل/ نيسان الجاري، أعلن سعفان، عن بدء صرف المنحة الأولى لنحو مليون ونصف المليون عامل غير منتظم، اعتبارًا من الأحد الموافق 12 أبريل وحتى الخميس 16 أبريل، وذلك من مكاتب البريد التي سيتم تحديدها في الرسالة النصية المرسلة من وزارة القوى العاملة على رقم التليفون الشخصى لكل مستحق.

يُعتبر هذا العدد أقل بكثير من العدد الذي قدّرته الوزارة للعمالة غير المنتظمة غير المسجلة في منتصف الشهر الماضي، والذي بلغ نحو 10 إلى 12 مليون عامل، بحسب المتحدث الرسمي والمستشار الإعلامي للوزارة، هيثم سعد.

خلاله لقائه في برنامج صباحك مصري المذاع على قناة إم بي سي مصر، عرَّف سعفان، الفئات المستحقة للمنحة، بأنها، "العمالة اليومية، والأشخاص الذين لا يتقاضون معاشًا من الدولة أو من القطاع الخاص، وأيضًا الأشخاص غير المؤمن عليهم".


اقرأ أيضًا: العمل مستمر والعجلة تدور: عمالة مواقع الإنشاءات تواجه الوباء ومخاطر التسريح معًا


تنطبق شروط المنحة على أم عمرو، التي تمكن أحد زبائنها من التسجيل لها عبر الموقع الإلكتروني التابع للوزارة، ولكن حتى نهاية يوم 16 أبريل، الذي بحسب الوزارة كان اليوم الأخير في صرف المنحة الأولى للعمالة غير المنتظمة، لم تتلق أم عمرو الرسالة التي تمكنها من صرف المنحة.

على جانب آخر، وللمساعدة في مواجهة آثار الأزمة على ذلك القطاع، أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي، في منتصف الشهر الماضي، ضم 60 ألف أسرة خلال شهرين لبرنامج تكافل وكرامة الذي تديره الوزارة، والذي يستهدف الأفراد الذين يعانون من أمراض مزمنة، وكبار السن الذين لا يعملون بالقطاعين الحكومي والخاص، ولا  يتقاضون معاشًا تأمينيًا.

قبل عام، حاولت أم عمرو الالتحاق بالبرنامج، لكنها لم تستطع التقديم، بسبب عدم وصولها للسن الذي حددته الوزارة للاستفادة من البرنامج، والذي يبدأ من 65 عامًا.

ربنا اللي بيسلّم

أثناء فحصها في مبادرة رئيس الجمهورية للقضاء على فيروس سي والكشف عن الأمراض غير السارية (حملة 100 مليون صحة)، العام الماضي، علمت أم عمرو بمعاناتها من مرض السُكَّري، بالإضافة إلى انخفاض ضغط الدم الذي تعاني منه منذ أكثر من عامين.

تعتبر منظمة الصحة العالمية أن الفئات الأكثر عُرضة لخطر الإصابة بمرض وخيم في حال العدوى بفيروس كورونا، هم كبار السن والأشخاص المصابين بحالات مرضية سابقة الوجود، (مثل الرَبو، وداء السُكَّريّ، وأمراض القلب).

 منذ بداية تفشي فيروس كورونا، وعلى الرغم من كونها واحدة من تلك الفئات الأكثر عُرضة للإصابة، لم تتمكّن أم عمرو من البقاء بالمنزل، لتجنب الإصابة بالفيروس، "قولتلهم لو حصلي حاجة وأنا قاعدة، شيلوني ادفنوني وصلوا عليا وروحوا، ربنا هو اللي بيعدي وبيسلم يا بنتي"، تقول أم عمرو بصوت مطْمَئِن.